مستشار ماكرون ينتقد «التجييش الفرنسي» ضد الجزائر

«لجنة الذاكرة» المشتركة لاستئناف أشغالها بعد «أزمة صنصال»

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي السابق أبريل الماضي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي السابق أبريل الماضي (الرئاسة الجزائرية)
TT

مستشار ماكرون ينتقد «التجييش الفرنسي» ضد الجزائر

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي السابق أبريل الماضي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي السابق أبريل الماضي (الرئاسة الجزائرية)

توقع المؤرخ الشهير بنجامان ستورا، رئيس الوفد الفرنسي في اللجنة المشتركة للذاكرة بين الجزائر وفرنسا، أن يفتح الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال صفحةً جديدةً في العلاقات بين البلدين، بما في ذلك استئناف اجتماعات اللجنة، التي توقفت منذ عام ونصف العام بسبب تدهور العلاقات بين الجزائر وفرنسا.

ونزل المؤرخ، الذي ولد مطلع الخمسينات بشرق الجزائر في عائلة يهودية، الثلاثاء، ضيفاً على تلفزيون «وان تي في» الجزائري الخاص، في أول ظهور له في سياق تتابع إشارات إيجابية بين الجزائر وفرنسا، تدل على رغبتهما في ترميم العلاقات التي شهدت تصعيداً حادّاً منذ إعلان «الإليزيه» اعترافه بالسيادة المغربية على الصحراء نهاية يوليو (تموز) 2024.

أعضاء لجنة الذاكرة الجزائريين مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

وعاد ستورا في تصريحاته إلى الحديث عن إطلاق سراح الكاتب الجزائري‑الفرنسي، بوعلام صنصال في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، بموجب عفو أصدره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بعد أن قضى عاماً في السجن؛ حيث زاد اعتقاله من التوتر بين الجزائر وفرنسا.

وأكد ستورا أن هذه الخطوة «كانت منتظرة منذ وقت طويل، وكان يجب أن تحدث في وقت أبكر»، في إشارة إلى مناشدات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدة مسؤولين ومثقفين فرنسيين، للسلطات الجزائرية بالإفراج عنه، التي رفضتها سابقاً. فيما استجابت لاحقاً لطلب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وأطلقت سراحه لـ«أسباب إنسانية».

تعليقات أخذت «أبعاداً لا تصدق»

قال ستورا إن الجميع «كان ينتظر هذه المبادرة... إطلاق سراح صنصال تأخر عدة مرات، رغم وجود محاولات خلال العام، لكنها كانت تفشل في كل مرة».

وأشار إلى أن «متغيّرات سياسية وإعلامية وصلت إلى حد الخطابات التحريضية في فرنسا، أسهمت في تأخير هذه الخطوة الإنسانية».

واستشهد على سبيل المثال بالدعوة التي أطلقها ابن نيكولا ساركوزي لحرق سفارة الجزائر في باريس، أو بعض التعليقات المتطرفة من بعض الصحافيين الفرنسيين، التي وصفها بأنها «بلغت أبعاداً لا تُصدق».

الروائي بوعلام صنصال (وسائل إعلام فرنسية)

وقال لويس ساركوزي (27 سنة) في مقابلة نشرتها «لوموند»، في أبريل (نيسان) الماضي: «لو كنت في الحكم، واعتقلت الجزائر بوعلام صنصال لحرقتُ سفارتها، ووقفتُ جميع التأشيرات، وزدتُ الرسوم الجمركية بنسبة 150 في المائة على المنتجات التي تصدرها الجزائر إلى فرنسا».

وأثار هذا التصريح الناري ردود فعل ساخطة محلياً، إذ أعلنت جمعية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا عن رفع دعوى قضائية ضده، كما شن الإعلام الجزائري هجوماً حاداً عليه.

ويعد ستورا مستشاراً خاصّاً للرئيس ماكرون، مكلفاً بـ«ذاكرة الاستعمار»، وتسهيل العمل مع الجزائر لتجاوز العقبات المرتبطة بالخلافات التاريخية بين البلدين.

واعتقل صنصال في 16 نوفمبر 2024 بمطار العاصمة الجزائرية، عندما كان عائداً من باريس، بسبب تصريحات لمنصة «فرونتيير» الإخبارية الفرنسية، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من غرب الجزائر تعود تاريخياً للمغرب»، وأن «الاستعمار الفرنسي اجتزأها منه». ووجّه القضاء تهمة «المس بالوحدة الترابية» للروائي المثير للجدل، وأدانه في 27 مارس (آذار) الماضي بالسجن 5 سنوات مع التنفيذ.

وأوضح ستورا أنه انتقد تصريحات صنصال في الإعلام الفرنسي، لافتاً إلى أنه تعرض لـ«هجمات شخصية بسبب تصريحات بسيطة وموضوعية تخص التاريخ، عندما القول إن تلمسان كانت مدينة مصالي الحاج، أحد مؤسسي الحركة الوطنية الجزائرية، فيما كانت معسكر عاصمة الأمير عبد القادر، الذي قاوم الغزو الاستعماري الفرنسي... هذا ليس المغرب». وقد رأى سياسيون وصحافيون محسوبون على اليمين المتشدد في فرنسا أن كلام ستورا «مستفز، وهذا بسبب غياب نقاش عقلاني حول التاريخ»، وفق المؤرخ.

المؤرخ الفرنسي الشهير بنجامان ستورا (حسابه الشخصي)

وأضاف ستورا موضحاً أن برونو ريتايو، وزير الداخلية السابق ورئيس حزب «الجمهوريون» اليميني: «يُمثل تياراً سياسياً، للأسف، له وزن كبير في المجتمع الفرنسي اليوم». ولفت إلى أنه «يرمز إلى طبقة سياسية فرنسية اتخذت توجهاً يمينياً منذ عدة عقود».

وذكر أن هذه الظاهرة ليست جديدة؛ ففي عام 2002، وصل الراحل جان ماري لوبان، مؤسس ورئيس حزب «الجبهة الوطنية» (يمين متطرف) إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بحصوله على 18 في المائة من الأصوات، متقدماً على مرشح اليسار ليونيل جوسبان. واليوم، يُمثل هذا التيار نحو 35 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، حسب قوله.

«أعمال معادية للجزائر»

وأبرز المؤرخ ستورا أن ما ميّز الجو العام في فرنسا خلال 2024، «تدفق التصريحات والأعمال المعادية للجزائر، في ظل غياب تدخل فعّال لتهدئة الأمور، باستثناء مبادرات نادرة من جان نويل بارو (وزير الخارجية)، ودومينيك دو فيلبان (الوزير الأول السابق)».

ورأى ستورا أن إطلاق سراح صنصال «مسألة يجب أن تتجاوز الجانب الإنساني لتصل إلى ضرورة إعادة العلاقات الطبيعية بين فرنسا والجزائر، وإتاحة نقاش تاريخي وسياسي هادئ». داعياً إلى «اتباع نهج أكثر توازناً وعقلانية للعلاقات، بعيداً عن تأثير اليمين المتطرف والتجاوزات الإعلامية».

وزير الداخلية الفرنسي السابق (رويترز)

والمعروف أن «اللجنة المشتركة للذاكرة»، التي يرأسها من جانب الجزائر الباحث حسن زغيدي، أُعلن عن إنشائها خلال زيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وتهدف إلى معالجة التاريخ الاستعماري، وموروث الذاكرة بين البلدين بشكل موضوعي، من خلال جمع الأرشيفات والوثائق التاريخية، ومراجعة الأحداث المتعلقة بالغزو والمقاومة والاستقلال، وآثار الاستعمار.

وعُقد أول اجتماع لها في أبريل 2023، أعقبته عدة لقاءات لتبادل المعلومات والأرشيفات، وإعداد «كرونولوجيا» تاريخية مفصلة، والتعاون في ترميم الأرشيف وتخليد أماكن الذاكرة. كما تناولت اللجنة القضايا الإنسانية المتعلقة بالمفقودين ورفات المقاومين وضحايا التجارب النووية.

لكن على الرغم من هذه الإنجازات، لا تزال اللجنة تواجه تحديات كبيرة بسبب اختلاف الآراء حول بعض المفاهيم والتسميات التاريخية، ما يجعل مهمتها في صياغة تاريخ مشترك ومتوازن بين الجزائر وفرنسا عملية معقدة.


مقالات ذات صلة

الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، ويصفه بأنه «جريمة دولة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

الجزائر: سباق مبكر بين المعسكر الرئاسي والتيار الديمقراطي على «استحقاقات 2026»

مع اقتراب موعد الانتخابات الجزائرية، المقررة في 2026، بدأت الساحة السياسية تستعيد بعض حيويتها، بعد فترة من الركود والجمود أعقبت توقيف الحراك الشعبي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بأحد نصين سيناقشان في البرلمان الجزائري، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، حيث تستند إلى مرجعيات من بينها إعلان منبر جدة، مشدداً على أن بلاده لن تقبل بوجود أي قوات أممية أو أي رقابة مفروضة عليها.

وأوضح إدريس، خلال مؤتمر صحافي في بورتسودان بعد عودته من الولايات المتحدة، أن معظم التفاعلات في جلسة مجلس الأمن تجاه مبادرة الحكومة للسلام كانت «إيجابية»، وأكد أن هذه المبادرة من شأنها أن توقف الحرب وتحقق السلام العادل والشامل للشعب السوداني.

وأضاف رئيس الوزراء: «نحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، بل الحرب قد فُرضت علينا»، محذراً من أن أي هدنة لا يصاحبها نزع سلاح مَن سماهم «الميليشيات» ستؤدي إلى تعقيد الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك (صور الأمم المتحدة)

وأوضح أن مبادرة الحكومة للسلام تستند إلى مرجعيات عدة، منها قرارات مجلس الأمن وإعلان منبر جدة الموقع في مايو (أيار) 2023، إلى جانب الزيارات التي أجراها رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا سيما لمصر وقطر.

كان رئيس الوزراء السوداني قد توجه إلى الولايات المتحدة يوم السبت الماضي ليبحث مع مسؤولين بالأمم المتحدة تعزيز التعاون بين الجانبين ويجري مشاورات بشأن تداعيات الحرب وآفاق السلام.

اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» الآن على إقليم دارفور بالكامل في غرب السودان، بعدما أعلنت سيطرتها مؤخراً على مدينة الفاشر عقب حصارها لمدة 18 شهراً، فيما يسيطر الجيش على النصف الشرقي من البلاد.


مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

أفادت السلطات الصومالية، أمس (الخميس)، بأن انتخابات المجالس المحلية شهدت «إقبالاً واسعاً» في أول انتخابات مباشرة تجري بالبلاد منذ 57 عاماً.

ذلك الإقبال الذي تحدثت عنه مقديشو، تؤكده الصور التي تخرج من مراكز الاقتراع الـ523، ويراه خبير في الشؤون الأفريقية «يعكس رغبة شعبية خالفت رهانات المعارضة بعدم المشاركة، وتشكل فرصة لمسار ديمقراطي قد يتشكل عبر الانتخابات المباشرة، مما يدفع الرافضين لهذا المسار لبدء حوار بشأن المستقبل، لا سيما قبل رئاسيات 2026».

وتوافد سكان محافظة بنادر إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في انتخابات المجالس المحلية المباشرة، في أول عملية انتخابية من هذا النوع تشهدها العاصمة مقديشو منذ نحو 6 عقود.

وافتُتح 523 مركزاً للاقتراع في تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، وأغلقت عند السادسة مساءً، وسط إجراءات تنظيمية وأمنية مشددة شملت 16 مديرية من مديريات المحافظة التي تضم العاصمة مقديشو، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الصومالية»، الخميس، مشيرة إلى وجود «إقبال واسع على مراكز الاقتراع في بنادر».

وبحسب الجهات المختصة، تسلّم 503 آلاف و916 ناخباً بطاقات الاقتراع من بين المسجلين، تمهيداً للإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في المجالس المحلية. وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري، السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991 يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي، فيما أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل 20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، أن «تسجيل الانتخابات إقبالاً شعبياً لافتاً تجاوز التوقعات، عكس رغبة واضحة لدى سكان مقديشو في الانخراط بالعملية السياسية، وطيّ صفحة طويلة من العزوف القسري عن المشاركة الديمقراطية»، مشيراً إلى أنه «يُنظر إلى هذا الحراك الشعبي بوصفه مؤشراً على تعافٍ تدريجي تشهده العاصمة، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، بعد سنوات من الهشاشة والصراع».

وأكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عقب الإدلاء بصوته، وذلك في مركز مسرح الدولة الوطنية، أن انتخابات المجالس المحلية في محافظة بنادر، تمثل «محطة تاريخية مفصلية وحلماً طال انتظاره»، مشيراً إلى أنها تشكل خطوة أساسية تقود البلاد نحو الانتخابات الدستورية الشاملة.

طوابير من الناخبين خلال الإدلاء بأصواتهم في محافظة بنادر (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقب الإدلاء بصوته في ذلك الاقتراع، أكد رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، أن الانتخابات المباشرة لمجالس الإدارة المحلية في إقليم بنادر تمثل خطوة مهمة لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد.

وتقدمت سفارة الصومال بمصر في بيان، بالتهنئة لشعب وحكومة الصومال على بدء الانتخابات المحلية، مؤكدة أنها لحظة تاريخية وتحويلية، حيث يشارك المواطنون في هذه العمليات الديمقراطية لأول مرة منذ نحو 6 عقود.

ويعتقد كلني أن طريقة إدارة الحكومة للعملية الانتخابية، إلى جانب المشهد العام الذي ساد المدينة خلال يوم الاقتراع، حملا رسائل سياسية متعددة؛ من أبرزها قدرة الدولة على تنظيم استحقاقات انتخابية في بيئة أمنية معقّدة، والحدّ من المخاوف التي روّجت لها أطراف معارضة بشأن استحالة تطبيق مبدأ «صوت واحد لكل مواطن» في مقديشو.

وكان «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، أعلن في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو، الأسبوع الماضي، رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس، الرئيس حسن شيخ محمود، مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

ورغم الشكوك العميقة التي عبّرت عنها قوى المعارضة حيال إجراء انتخابات المجالس المحلية في العاصمة مقديشو، والمخاوف الواسعة من احتمالات الاضطراب الأمني والسياسي، شهدت المدينة محطة سياسية غير مسبوقة، تمثلت في إجراء انتخابات محلية بعد ما يقارب 60 عاماً من الانقطاع، وفق كلني.

نائب رئيس الوزراء الصومالي صالح أحمد جامع خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

وقد شكّلت هذه الانتخابات حدثاً استثنائياً في الوعي الجمعي، لا سيما لدى ما يقارب 3 أجيال من سكان العاصمة الذين لم يسبق لهم أن عايشوا عملية اقتراع رسمية مباشرة، يُمنح فيها المواطن حق اختيار ممثليه السياسيين عبر صندوق الاقتراع.

ويتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة 4 عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر. واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

رئيس الوزراء الصومالي خلال جولة تفقدية في عدد من مراكز الاقتراع بالعاصمة مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)

وسيطوي زخم الإقبال في تلك الانتخابات مشهد الخلافات، بحسب ما يعتقد كلني، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن مشهد الإقبال في الانتخابات قد يسفر عن ارتفاع مستوى الثقة الشعبية بالحكومة، لا سيما بالحزب الحاكم، بوصفه الجهة التي أشرفت على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، وتعزيز ثقة الأحزاب والتنظيمات السياسية في المنظومة الأمنية الوطنية وقدرتها على تأمين الاستحقاقات الديمقراطية، وتحوّل تدريجي في موقف المعارضة التي كانت تشكك في إمكانية إجراء انتخابات مباشرة بالعاصمة.

ويتوقع أيضاً انجذاب شرائح من المتعاطفين مع المعارضة نحو الحكومة، مع احتمال انضمام بعضهم إلى صفوف الحزب الحاكم، فضلاً عن ازدياد ثقة المجتمع الدولي في المسار الانتخابي الصومالي، واستمرار دعمه لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود من أجل تعميم الانتخابات المباشرة على كامل البلاد.


البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
TT

البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس «مجلس السيادة» السوداني عبد الفتاح البرهان، آخر التطورات في السودان، و«التعاون الدفاعي» بين الجانبين، في ظل التطورات الأخيرة في السودان، وضمنها تحقيق «قوات الدعم السريع» تقدماً في ولاية شمال دارفور قرب الحدود مع تشاد.

واستقبل إردوغان، البرهان، بمراسم رسمية في القصر الرئاسي بأنقرة، أمس (الخميس)، ثم عقدا جلسة ثنائية، أعقبتها جلسة موسعة بحضور عدد من الوزراء. وتناولت المباحثات العلاقات الثنائية والتطورات في السودان، والخطوات الكفيلة بتحقيق الاستقرار الإقليمي، والتعاون الدفاعي بين أنقرة والخرطوم، حسبما ذكرت الرئاسة التركية.

وكانت تقارير كشفت سابقاً عن تزويد تركيا للجيش السوداني بطائرات مسيَّرة، العام الماضي، استخدمها لتحقيق تقدم مهم ضد «قوات الدعم السريع» في مناطق مثل الخرطوم والأبيض.

كما أعرب مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، أحمد يلدز، قبل أيام، عن إدانة بلاده الشديدة لـ«الظلم» الذي تمارسه «قوات الدعم السريع» ضد المدنيين في السودان.