في موقف وصف بأنه «متناقض»، رفضت الحكومة السودانية طلباً تقدم به «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، للسماح للبعثة الدولية لتقصي الحقائق بإجراء تحقيقات في الجرائم التي وقعت في مدينة الفاشر أخيراً، في الوقت الذي تطالب فيه المجتمع الدولي بتصنيف «قوات الدعم السريع» «منظمة إرهابية».
وتبنى أعضاء «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة الجمعة الماضي قراراً بالإجماع يقضي بإرسال بعثة مستقلة لتقصي الحقائق، والتحقيق في عمليات القتل الجماعي التي تم الإبلاغ عنها في مدينة الفاشر، التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأكد وزير العدل السوداني، عبد الله درف، مجدداً، وبوضوح، عدم قبول حكومته للبعثة الدولية لتقصي الحقائق حول التطورات في الفاشر، دخول البلاد، وقال: «إن الحكومة لا تعترف بالبعثة، وغير ملزمة بقرار مجلس حقوق الإنسان في هذا الصدد».
وقال دبلوماسي سوداني رفيع، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالحديث للإعلام، إن السودان «غير معترف» بلجنة تقصي الحقائق التابعة لـ«مجلس حقوق الإنسان»، وبالتالي فإن قراراتها «غير ملزمة له».
وأضاف، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة السودانية بعدم سماحها للبعثة الدولية بدخول البلاد، اتخذت الموقف «الصحيح»، الذي ينطلق من أن معظم دول العالم الثالث «باتت على قناعة بأن العالم اليوم لا تتوفر فيه العدالة». وتابع قائلاً: «لا ننتظر من مؤسسات تديرها وتتحكم فيها دول غربية أن تعود بالخير لبلادنا».

وفسّر خبراء قانونيون تحفظ الحكومة السودانية على القرار الصادر عن «مجلس حقوق الإنسان» الأسبوع الماضي بأنه «رفض صريح، وعدم التزام من الدولة المعنية بالقرارات الدولية»، وهذا التحفظ -بحسب الخبراء- يعني أن السودان «يرفض مبدأ التحقيق في أحداث الفاشر، ويغلق الباب على أي إجراءات أخرى بشأن تحقيق العدالة».
واعترض الوفد السوداني المشارك في اجتماعات «مجلس حقوق الإنسان» يوم الجمعة الماضي بشدة على البند رقم (14) في بيان المجلس الذي وجه بعثة تقصي الحقائق «بإجراء تحقيق عاجل في الانتهاكات، والتجاوزات التي يزعم أنها ارتكبت في الفاشر، وما حولها بعد سقوطها في يد (قوات الدعم السريع)».
وقال الخبير القانوني نبيل أديب لـ«الشرق الأوسط» إن عدم منح لجنة تقصي الحقائق إذناً لدخول البلاد «لا يصب في مصلحة الحكومة، التي ظلت تطالب المجتمع الدولي بتصنيف (قوات الدعم السريع) منظمة إرهابية».
وأضاف أديب: «يبدو أن وزير العدل اختلط عليه الأمر بين مجلس حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، حيث إن الأخيرة اختصاصها تكميلي، ومؤسس على عدم قدرة أو رغبة القضاء الوطني على تولي الدعوى، في حين أن مجلس حقوق الإنسان يختص بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء».

وفي وقت سابق، رحبت وزارة الخارجية السودانية بإدانة «مجلس حقوق الإنسان» الجرائم التي ارتكبتها «قوات الدعم السريع» في الفاشر، لكنها رفضت ما أسمته «محاولات إدراج آليات محل خلاف ضمن هذا القرار، استناداً إلى قرارات سابقة كانت قد رفضتها الحكومة السودانية».
وتم تكليف البعثة الدولية «بالتحقيق، وإثبات الحقائق، والظروف، والأسباب الجذرية لجميع المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات، وانتهاكات القانون الإنساني الدولي».
بدوره وصف خبير حقوق الإنسان في جنيف، عبد الباقي جبريل، الموقف السوداني بـ«المتناقض، وينسف دعواته بشأن ضرورة التحقيق، والمساءلة الجنائية، والمحاكمة، وعدم الإفلات من العقاب بخصوص الجرائم التي ارتكبت في الفاشر».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الرفض «يتناقض مع مواقف معلنة من الحكومة السودانية كانت طالبت المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية الإقليمية والدولية بالتدخل، والتحقيق فيما جرى في الفاشر».

وأشار إلى أن الحكومة السودانية اعترضت على طلب «مجلس حقوق الإنسان» الذي فوض البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بكتابة تقرير بشأن الأحداث في الفاشر، وتقديمه إلى المجلس في مارس (آذار) المقبل، وطلبت أن يوجه التفويض إلى المكتب القطري للمفوض السامي لحقوق الإنسان، وهو ما رفضته أغلبية الدول أعضاء المجلس.
وعقد «مجلس حقوق الإنسان»، الأسبوع الماضي، جلسة خاصة لمناقشة الأوضاع في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، عقب ورود تقارير عن فظائع مروعة ارتكبت من قبل مقاتلي «الدعم السريع» بحق المدنيين.

وتؤكد الحكومة السودانية، علناً، «التزامها بالتعاون، والتنسيق مع آليات حقوق الإنسان العاملة في البلاد، بما في ذلك المكتب القطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والخبير المعين المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، لضمان تحقيق العدالة، وإنصاف الضحايا، ومنع الإفلات من العقاب».
واعتمد «مجلس حقوق الإنسان» في أكتوبر 2023 قراراً بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، مشدداً على «الحاجة الملحة للتحقيق فيما ارتكب من انتهاكات لتحقيق العدالة، وضمان عدم الإفلات من المحاسبة».




