«النائب الطائر»، «المرشح العاطفي»، و«المرشح الساجد»... كلها أوصاف أضفت ملامح طريفة على الدعاية الانتخابية لمجلس النواب في مصر بعدما شهدت أساليب غير تقليدية، على نحو رآه البعض إشارة دالة على نشاط سياسي ملموس، بينما عدّه آخرون انعكاساً لما يوصف بـ«الحضور الباهت للمعارضة وضعف البرامج الجادة».
في دلتا مصر، على سبيل المثال، برز في محافظة الدقهلية مشهد للنائب إلهامي عجينة، مرشح حزب «حُماة الوطن»، الذي اختتم لقاءاته بمشهد غير مألوف حين حمله مؤيدوه بأيديهم، بحيث يكون ظهره لأعلى وقد فَرَد ذراعيه وكأنه طائر في الهواء، وسط هتافات الحضور وضحكاتهم التي ملأت المكان.
ايه يا جماعة بيحب الشعب النائب الطائر إلهامي عجينة المشكلة اخر انتخابات اخد اقل أصوات pic.twitter.com/iM1nMgSVmi
— Hashem هشام عيد Eid (@Eidhashem7) November 1, 2025
وفي دائرة الستاموني بالمحافظة نفسها، خطف المرشح جمال هاشم الأنظار بعد ظهوره في مقطع مصوّر وهو يخاطب أهالي منطقته بعبارات لافتة، صائحاً: «يا عشقي... يا عشقي... يا أهل الستاموني يا حبايبي... يا حبايب قلبي... يا روحي». وسرعان ما تحوّلت كلماته التي رددها بأعلى صوته «ترند» على مواقع التواصل، وأصبح يُعرَف بين الناس بـ«المرشح العاطفي».
وفي زاوية أخرى من الدائرة نفسها، خطف مرشح آخر الأنظار بسلوك غير متوقع؛ إذ خرَّ ساجداً لله أمام أنصاره، شاكراً إياه على «حب الناس»، حتى بات يُعرف بـ«المرشح الساجد».

وفي محافظة الشرقية، اختار أحد المرشحين أن يخوض معركته الانتخابية كمقاتل من زمن آخر، فارتدى زياً مميزاً رافعاً سيفاً يرمز إلى شعاره الانتخابي.
مثل تلك المشاهد، وحسب متابعين، باتت سلوكاً متكرراً مع قرب انتهاء فترة الدعاية الانتخابية للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، يوم الخميس 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، على أن تبدأ بعدها مباشرة فترة الصمت الانتخابي.
لا تعارض مع الضوابط
وعن ذلك قال القاضي أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي لـ«الهيئة الوطنية للانتخابات» إن أشكال الدعاية وأساليبها تختلف من مرشح لآخر، «وهي في النهاية تعكس شخصية المرشح وأداءه السياسي بصفته ممثلاً محتملاً عن الشعب في برلمان مصر».
وأكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الهيئة الوطنية للانتخابات» لم ترصد أي خروق تُذكر في الدعاية الانتخابية.
وأضاف: «الهيئة لا تتدخل في مضمون الدعاية ما دامت لا تتعارض مع الضوابط القانونية أو الآداب العامة؛ ما عدا ذلك يُترك لتقدير الناخبين في تقييم المرشحين على أساس برامجهم وأسلوب تواصلهم مع الجمهور».
وتجري انتخابات مجلس النواب 2025 على مرحلتين، من السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول)، وتشمل جولتين وإعادتين بالداخل والخارج، على أن تُعلن النتائج النهائية قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول).
وتُنفذ العملية الانتخابية بنظامين متوازيين، هما القائمة المطلقة والنظام الفردي، مع تخصيص 284 مقعداً لكل منهما من إجمالي مقاعد المجلس.

ومع احتدام المنافسة، يسعى المرشحون لتمييز أنفسهم وسط زخم الدعاية الانتخابية، فلم يقتصر الأمر على الكلمات والخطب والمواقف الطريفة، بل حرص بعضهم على نشر صور وتسجيلات مصوّرة لمصافحات مع مواطنين من جيرانهم وأبناء مناطقهم وقراهم، بدت مصطنعة في أغلبها.
وفي واقعة غير مألوفة بسوهاج، جاب مرشح لمجلس النواب شوارع دائرته بسيارة «تسلا» فارهة، وسط ازدحام الأطفال حولها لالتقاط الصور، ما عدَّه البعض استعراضاً غير ملائم في محافظة سبق أن صنفتها أرقام حكومية بأنها «فقيرة».
«انتشار لحظي»
ومن منظور أكاديميين، من بينهم أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة الدكتورة سهير عثمان، فإن هذا الطابع من الدعاية الانتخابية قد يحقق انتشاراً لحظياً؛ إذ يجيء في إطار «محاولات استمالة فئات شعبية بلغةٍ قريبة من وجدانهم، خصوصاً في دوائر تعاني فجوة ثقة في النخب السياسية»، وهي رؤية يؤكدها أيضاً أستاذ الاجتماع السياسي أحمد مجدي حجازي.
غير أن هذه الأنماط من الدعاية الانتخابية، وحسب تقدير أستاذة الإعلام المصرية تعكس «أزمة أعمق في الخطاب السياسي»، حسبما قالت لـ«الشرق الأوسط».
وأضافت: «هذا النوع من الدعاية يضعف من جدية المشهد الانتخابي، ويحوّل التنافس السياسي استعراضاً شعبياً، بعيداً عن البرامج الحقيقية».
وتخوض الانتخابات البرلمانية أربع قوائم انتخابية، تتصدرها وفقاً لمراقبين «القائمة الوطنية من أجل مصر» التي تضم 12 حزباً، أبرزها حزب «مستقبل وطن» صاحب الأغلبية. ويشترط القانون حصول القائمة على 5 في المائة من الأصوات للفوز.
كما يتنافس 2826 مرشحاً على المقاعد الفردية.

وبالنسبة لسياسيين، من بينهم الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والقيادي في «الحركة المدنية» المعارضة، فإن المشهد الراهن «يعكس حالة فراغ سياسي حقيقي».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «الانتخابات بهذا الشكل تتحول إجراءً شكلياً يفتقر إلى الزخم والمضمون السياسي الحقيقي»، في ظل ما عدَّه «غياباً للتنافس البرامجي وضعف حضور قوى المعارضة».
«الشعبوية والمبالغة»
ويعيد المشهد الحالي إلى الأذهان ظواهر غريبة من حملات انتخابية سابقة، لعل أبرزها ما قام به النائب الراحل طلعت السادات في انتخابات برلمان 2005، في عهد نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، حين قاد سيارة مكشوفة في مسيرته الانتخابية وبجانبه أسد داخل قفص معدني.
ورغم ما يحمله المشهد الدعائي الحالي في مصر من مظاهر تبدو مبالَغاً فيها، يلحظ محمد سعفان، القيادي بحزب «مستقبل وطن» (من أحزاب الموالاة)، «ظواهر إيجابية» برزت خلال موسم الانتخابات، منها مبادرة أحد المرشحين بالتبرع بكامل نفقات دعايته الانتخابية لصالح الأعمال الخيرية والخدمات العامة في دائرته.
وعدَّ سعفان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن مثل هذه الخطوات «تعكس وعياً متقدماً بدور المرشح الحقيقي في خدمة المجتمع، لا في تحقيق مكاسب شخصية».
وترى أستاذة الإعلام سهير عثمان أن تصحيح مسار المشهد الانتخابي «يبدأ من خطاب سياسي يرتكز على الوعي العام ويبتعد عن الشعبوية والمبالغة، ويقدّم برنامجاً جاداً عبر تواصل حقيقي مع الناخبين، وليس بالشعارات أو الاستعراض».




