بينما لم يصدر أي رد فعل رسمي من الجزائر حيال تصويت البرلمان الفرنسي، الخميس، على لائحة تُدين اتفاق الهجرة الموقع بين الطرفين عام 1968، يتوقع مراقبون رفع التجميد عن مقترح قديم قدمه نواب جزائريون منذ سنوات عديدة، يقضي بتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830-1962) بقانون.
كتب عضو البرلمان الجزائري ممثل المهاجرين في فرنسا، عبد الوهاب يعقوبي، في حسابه بالإعلام الاجتماعي، أن اعتماد اللائحة التي تقدم بها اليمين المتطرف في البرلمان الفرنسي لطلب إلغاء اتفاقيات 27 ديسمبر (كانون الأول) 1968، أثار «قلقاً بالغاً» لديه، مؤكداً «رفضه القاطع» للمسعى، الذي بادر به حزب «التجمع الوطني».

وحسب يعقوبي، فإن تأييد اللائحة من طرف النواب الفرنسيين يشكل «إشارة سياسية مقلقة تقوّض الأسس التاريخية والإنسانية للعلاقات بين الجزائر وفرنسا، ويبعث برسالة سلبية إلى ملايين المواطنين، المتمسكين بالحوار والعدالة والاحترام المتبادل».
ولفت يعقوبي، وهو أحد أربعة نواب منتخبين عن الجالية الجزائرية في فرنسا، إلى أن «إخضاع الجزائريين لأحكام القانون العام، الذي يُطبق على باقي الأجانب، من شأنه أن يلغي ركيزة أساسية في العلاقة الثنائية، ويقوض الثقة المتبادلة بين الشعبين». داعياً الجميع إلى «تحمل المسؤولية، وإعلاء صوت العقل وروح الحوار والحكمة، من أجل الحفاظ على التوازنات التاريخية، التي تقوم عليها علاقة مبنية على التعاون لا على الانقسام».

وشدد البرلماني، الذي ينتمي للحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم»، على «عزمه الدفاع بقوة عن حقوق وكرامة الجالية الجزائرية في فرنسا، وعن دورها بوصفها جسراً إنسانياً وحضارياً يربط بين الشعبين».
ويعد موقف البرلماني يعقوبي أول تعبير رسمي عن الموقف الجزائري تجاه الخطوة، التي أقدمت عليها «الجمعية الفرنسية»، والتي تأتي في سياق توتر حاد في علاقات البلدين، بدأ في صيف 2024 إثر إعلان باريس دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء.
كما تفاعلت «حركة النهضة» الجزائرية الإسلامية، غير المشاركة في البرلمان، مع هذا التطور اللافت في الأزمة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، حيث دعا أمينها العام محمد ذويبي، أمس الجمعة بالعاصمة، بمناسبة انطلاق أشغال الجامعة الصيفية للحزب، إلى «معاملة فرنسا على أساس الندية ووفق المصالح المشتركة»، مؤكداً أن الذكرى الـ71 لثورة الاستقلال (1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954)، التي أحيتها البلاد أمس، «تستوجب تقديم مصلحة الجزائر على مصلحة الأشخاص، مهما كانت مواقعهم ومراتبهم ومصالحهم»، داعياً في السياق إلى «الإسراع بتمرير قانون تجـريم الاستعمار، الذي طال التردد بشأنه، ورفع التجميد عن قانون تعميم استعمال اللغة العربية».
وصوّت البرلمان الفرنسي في 30 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على النص، الذي يدين اتفاق الهجرة بفارق صوت واحد فقط (185 صوتاً مؤيداً مقابل 184 معارضاً). وشهدت جلسة التصويت غياب أكثر من 200 نائب، من بينهم عدد كبير من نواب حزب الرئيس ماكرون، وفهم في الجزائر بأن الرئيس لا يعارض فكرة نقض الاتفاق.
ورغم أن اللائحة غير ملزِمة قانوناً للدولة الفرنسية، فإنها أثارت موجة واسعة من الاستياء، ولا سيما في صفوف أحزاب اليسار واليسار الراديكالي في فرنسا.

أما من جانب الحكومة الفرنسية، فقد صرح الوزير الأول سيباستيان لوكورنو للصحافة بأن السياسة الخارجية لفرنسا لا تحدد عبر قرارات البرلمان، مؤكداً أن رئيس الجمهورية هو الضامن للمعاهدات الدولية، وفق الدستور.
وأضاف لوكورنو أنه، رغم «احترامه» لنتيجة التصويت، فهو يدعو إلى «إعادة التفاوض حول الاتفاق»، بدعوى أنه «ينتمي إلى حقبة تاريخية سابقة».
وكان نواب جزائريون قد أطلقوا في مارس (آذار) 2025 «لجنة خاصة» داخل «المجلس الشعبي الوطني»، كلفت صياغة مشروع قانون يُحمّل فرنسا مسؤولية جرائمها الاستعمارية في الجزائر بين عامي 1830 و1962. وضمت «اللجنة» سبعة نواب، بدأت اجتماعاتها بعد الإعلان عن تشكيلها، لكن من دون أن يُحدد أجل زمني لإنهاء أعمالها، أو موعد إحالة المقترح للتصويت العام.
وأكد كمال بن خلوف، عضو «اللجنة» وقيادي «حركة البناء الوطني»، المؤيدة لسياسات الرئيس عبد المجيد تبون، خلال مقابلة مع الإذاعة الحكومية أن «خطوتنا لا تستهدف الشعب الفرنسي، بل تدين النظام الاستعماري الذي ارتكب أبشع الجرائم في حق الجزائريين»، وأوضح أن «المصالحة الحقيقية مع فرنسا لا يمكن أن تتحقق دون اعتراف صريح وواضح بما جرى خلال الحقبة الاستعمارية»، معتبراً «تحضير قانون لتجريم الاحتلال خطوة أساسية لاستكمال مسار تصفية الاستعمار».
وأفاد بن خلَوف بأن النص الذي بدأ تحضيره «سيتضمن مواد قانونية صريحة، تجرم مختلف أشكال القمع والانتهاكات التي مارسها الاستعمار الفرنسي، بهدف إلزام فرنسا على الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية، ودفع تعويض للضحايا وعائلاتهم». مبرزاً أن القانون المنتظر «ليس مجرد إجراء رمزي، بل هو مطلب شعبي يهدف إلى حماية الذاكرة الوطنية، ومنع أي محاولة لإنكار الجرائم الاستعمارية». غير أن النشاط الذي رافق إنشاء «اللجنة» تلاشى مع الوقت، لعدم توفر إٍرادة سياسية قوية تسنده.

يشار إلى أن مبادرة شبيهة تم إطلاقها عام 2005، رداً على قانون فرنسي يتضمن تمجيداً للاستعمار في شمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20. وتم اتخاذ خطوات لإصدار مقترح قانون لتجريمه الاستعمار، لكن عندما اتفق الرئيسان الراحلان عبد العزيز بوتفليقة وجاك شيراك على إنهاء الخلاف السياسي، الذي نشأ إثر صدور التشريع الفرنسي، تم التضحية بالنص الجزائري ووضع في الأدراج.




