خطوة دولية جديدة تتحرك نحوها باريس نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي؛ لبحث دعم مسار السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تمضي منذ بداية العام تحت وطأة عمليات مسلحة لجماعات تمرد وإرهاب يخشى أن تلقى بتهديدات واسعة على منطقة البحيرات العظمى بأفريقيا.
تلك الخطوة التي تتمثل في مؤتمر دولي تنظمه فرنسا وتوغو، التي تتولى منصب وسيط الاتحاد الأفريقي في أزمة شرق الكونغو، يراها خبير في الشؤون الأفريقية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، تساعد في تفكيك جمود السلام شريطة التحرك في مسارات إنسانية واقتصادية وليست عسكرية فحسب.
ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو ثلاثة عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس» بدعم من كيغالي والجيش الرواندي على مدينتي غوما وبوكافو الرئيسيتين.
وتستضيف فرنسا وتوغو التي تقود وساطة الاتحاد الأفريقي مؤتمراً دولياً مشتركاً في 30 أكتوبر الحالي لدعم السلام والازدهار في منطقة البحيرات العظمى، لحشد جهود المجتمع الدولي لمعالجة الأزمة الإنسانية في شرق الكونغو الديمقراطية، وفق ما نقلته وسائل إعلام أفريقية وفرنسية، بينها وكالة «إيكوفين» المعنية بأخبار القارة السمراء وراديو فرنسا الدولي.
ويهدف البلدان إلى حشد المجتمع الدولي لمعالجة الوضع الإنساني المتدهور، لا سيما في شرق الكونغو الديمقراطية، ودعم الجهود الدبلوماسية المستمرة التي تقودها الولايات المتحدة وقطر والاتحاد الأفريقي، وفق المصادر ذاتها.
وسيُعقد هذا الحدث على هامش «منتدى باريس للسلام»، فيما تلقى ما لا يقل عن سبعة رؤساء دول دعوة من فرنسا للمشاركة بجانب رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، ورئيس رواندا بول كاغامي.
وتشير منطقة البحيرات العظمى إلى مجموعة بحيرات في دول شرق وجنوب وسط أفريقيا تشمل بحيرات مثل فيكتوريا وتنجانيقا وملاوي، وتمتد عبر دول مثل الكونغو الديمقراطية وأوغندا وكينيا وتنزانيا وغيرها.
ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، المحلل السياسي التشادي، صالح إسحاق عيسى، أن اجتماع باريس المرتقب بشأن الكونغو، بمشاركة سبعة رؤساء على الأقل، يشكل محطة دبلوماسية بارزة في مشهد إقليمي بالغ التعقيد، لكنه لا يكفي وحده لتفكيك الجمود الذي يقيّد مسار السلام.
وأضاف أنه إذا اتخذ مؤتمر باريس طابعاً إنسانيّاً حقيقياً، فإنه قد يمتلك فرصة نادرة لإحياء مسار السلام المجمّد في الكونغو ولم شمل الخصوم على قاعدة جديدة أقل توتراً وأكثر واقعية، موضحاً أن البعد الإنساني حين يُطرح بصدق يتجاوز حسابات النفوذ والحدود إلى معاناة الملايين من المدنيين الذين يدفعون ثمن الصراع منذ عقود، ويعيد النقاش إلى جوهره الأخلاقي والإنساني، وقد تنجح تلك المقاربة.
وأوضح: «لكن نجاح هذا المسار لا يتوقف على الخطاب الإنساني وحده، بل على مدى استعداد الأطراف لترجمته إلى التزامات عملية. فالقيم الإنسانية يمكن أن تشكل أرضية مشتركة، لكنها تحتاج إلى ضمانات سياسية وأمنية حتى لا تتحول إلى شعار عابر».

وعلى أرض الواقع، لا تزال الكونغو تضم ما يقرب من ستة ملايين نازح، ويعاني فيها 27 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، لم تمول الاحتياجات إلا بنسبة 16 في المائة فقط حتى 15 أكتوبر الحالي، ويعني أن قيمة المساعدات الإنسانية في جمهورية الكونغو الديمقراطية تبلغ حالياً 458 مليون دولار، وهو أدنى مبلغ مسجل منذ عشر سنوات.
كما يعج شرق الكونغو الديمقراطية بالجماعات المسلحة والميليشيات، منذ أكثر من 30 عاماً، وتصاعدت حدة العمليات الأشهر الأخيرة على الرغم من توقيع اتفاق مبدئي في واشنطن أواخر يونيو (حزيران) الماضي، بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، وآخر في 19 يوليو (تموز) الماضي، ورعته وزارة الخارجية القطرية بين كينشاسا و«حركة 23 مارس»، ودعمت ثالثاً في 14 أكتوبر الحالي بين الجانبين يتضمن إنشاء آلية للإشراف والتحقق من وقف إطلاق النار.
ودعا الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي في 9 أكتوبر الحالي نظيره الرواندي بول كاغامي إلى التحلي بالشجاعة للعمل معه من أجل السلام في شرق الكونغو الديمقراطية، وهي دعوةٌ وصفتها كيغالي بأنها «مهزلة سياسية سخيفة»، بحسب ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية» آنذاك.
وفيما تتواصل تلك الأزمات قبيل المؤتمر الدولي، يرى عيسى أن رهان هذا الاجتماع يتوقف على قدرته في تحويل الزخم الدبلوماسي إلى التزامات عملية قابلة للتنفيذ، بعيداً عن الاكتفاء ببيانات نوايا جديدة، مؤكداً أنه أثبتت تجارب سابقة، من تفاهمات الدوحة وواشنطن، أن غياب آليات المتابعة والضمانات الميدانية يجعل أي اتفاق هشّاً وسريع الانهيار.
ولفت إلى أن كسر الجمود الراهن يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الأطراف المعنية، وضغطاً إقليميّاً ودوليّاً فعالاً على الجماعات المسلحة، ورؤية تنموية تعالج جذور الصراع لا مظاهره فقط، وإن تحققت هذه الشروط، يمكن أن يتحول اجتماع باريس إلى نقطة انعطاف حقيقية تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الواقعية في مسار السلام، أما إن بقي في إطار المناورة الدبلوماسية، فسيضاف إلى سلسلة المبادرات التي لم تغير شيئاً في واقع الكونغو المنهك بالحرب الأهلية.




