أثار توقيف صحافي مصري، السبت، إثر اتهامه بـ«نشر أخبار كاذبة»، أزمةً بين نقابة الصحافيين وصحافيي ملف الآثار من جهة، ووزارة السياحة والآثار من جهة أخرى. ورغم نفي الوزير المختص، شريف فتحي، صلته بالبلاغ المُقدم ضد الصحافي، لم يتم احتواء الأزمة.
كانت «مباحث الإنترنت» استدعت الصحافي في جريدة «أخبار اليوم» الرسمية، محمد طاهر، السبت، بدعوى «الدردشة»، ليفاجأ بوجود بلاغ ضده من معاون وزير السياحة والآثار يتهمه بـ«نشر أخبار كاذبة والسب والقذف وإساءة استخدام صفحته على (فيسبوك)»، ثم عرضته «مباحث الإنترنت» على النيابة، وفق رئيسة «لجنة الحريات» بنقابة الصحافيين، إيمان عوف.
فيما قررت النيابة، مساء السبت، إخلاء سبيل الصحافي بكفالة مالية بـ2000 جنيه (الدولار يساوي 47.5 جنيه في البنوك المصرية)، وتزامن مع قرار النيابة إصدار وزير السياحة والآثار بياناً نفى فيه تقديم بلاغ، وطالب بـ«تحري الدقة قبل نشر هذه الأنباء»، ما زاد من غضب الصحافيين ضد الوزارة.
وقالت الوزارة في بيانها إنه في ضوء ما تم تداوله على بعض مواقع التواصل الاجتماعي بشأن قيام وزير السياحة والآثار بالتقدّم ببلاغ للنيابة العامة ضد أحد الصحافيين، تؤكد الوزارة أن «هذه الادعاءات لا أساس لها وعارية تماماً من الصحة، ولم يتخذ الوزير أو الوزارة أي إجراءات قانونية ضد أي صحافي».
الخبير الإعلامي المصري، خالد البرماوي، اعتبر أن بيان الوزارة «غير موفق»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «البيان يدين الوزير أكثر مما يخلي مسؤوليته، فإما أن مضمونه صحيح، وهنا نحن أمام (خلل) بشأن المسؤوليات حتى يتحرك معاون للوزير في ملف كبير كهذا دون الرجوع للوزير، أو أن الوزير كان يعلم بحكم أن معاونه لن يتحرك دون علمه، وهنا نصبح أمام محاولة للتنصل من أزمة».
وواجهت النيابة العامة خلال التحقيقات، الصحافي، بـ8 منشورات متباينة التواريخ، بعضها يعود لعام سابق، وتدور حول «إهدار للمال العام مصحوبة بأوراق رسمية من الوزارة (مستندات)».
وقالت رئيسة «لجنة الحريات» بنقابة الصحافيين، التي حضرت جزءاً من التحقيق مع الصحافي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحقيق مع صحافي في قضية تتعلق بالنشر، دون حضور النقيب أو من ينوب عنه مخالفة واضحة للقانون».
وكانت «الصحافيين» قد علمت بتوقيف الصحافي بعد تلقي رسالة منه قبل مصادرة هاتفه، وعند الوصول له كان التحقيق بدأ معه بالفعل، وهو ما انتقده نقيب الصحافيين، خالد البلشي، مشيراً في بيان مساء السبت إلى أنه «سيتقدم ببلاغ رسمي من النقابة إلى وزارة الداخلية للاعتراض على الإجراءات التي تمت مع الصحافي، ما يكشف انحيازاً واضحاً في الإجراءات لمجرد أن مقدم البلاغ معاون وزير»، وفق البلشي.

ولفت نقيب الصحافيين إلى أنه «سيحيل الواقعة إلى (لجنة تطوير الإعلام) التي شكلتها الحكومة في 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي»، قائلاً إن «ما يجري (اليوم) بحق الزميل محمد طاهر ينال من أي جهد وأي محاولة للإصلاح، ويطعن في كل جهد يتم في ملف تطوير الإعلام، وهو الملف المطروح حالياً، وهي قضية ترفعها النقابة إلى (لجنة التطوير) لكشف واحد من أكثر مكامن الخطر التي تنال من أي سبيل للتطوير».
وفي سياق متصل، انتقدت إيمان عوف الاتهامات الموجهة للصحافي، قائلة إنه «لم يذكر اسم المسؤول في أي من منشوراته لتوجه له تهمة السب والقذف، وكان أولى بالوزارة أن تحقق فيما نشره، لا أن توجه له الاتهامات بنشر أخبار كاذبة، خصوصاً وأنه كان أول من نشر عن واقعة اختفاء الأسورة الفرعونية من متحف التحرير (وسط القاهرة) عبر صفحته، وأول من نشر عن سرقة اللوحة من مخزن سقارة»، معتبرة أن بيان الوزارة للتنصل من البلاغ «غير منطقي».
وكانت وزارة الآثار أعلنت عن اختفاء أسورة ذهبية من متحف التحرير في سبتمبر (أيلول) الماضي، وبعد أسابيع أخرى، أعلنت عن إحالة قضية جديدة للنيابة تتعلق باختفاء لوحة من مخزن للآثار بسقارة.
وإبان الأزمة الأخيرة، قرر عدد من صحافيي ملف وزارة الآثار عدم نشر اسم أو صورة معاون الوزير في أي من تغطياتهم اعتراضاً على توقيف زميلهم، ومن ضمنهم الصحافي شهاب طارق، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «توقيف طاهر جزء من سياسة الوزارة المتعنتة تجاه الصحافيين»، على حد قوله.
فيما اعتبرت عوف أن «ما قامت به الوزارة محاولة لتهديد وإسكات الصحافيين لعدم الكشف عن وقائع الفساد داخلها، لكنه سيأتي بنتيجة عكسية، إذ شهدنا حالة تضامن واسع ومواجهة من الصحافيين للوزارة». ولفتت إلى أن ما تقوم به وزارة الآثار وغيرها من الوزارات «لا يتماشى مع ما وجه به الرئيس عبد الفتاح السيسي بإتاحة الفرصة للرأي والرأي الآخر وتطوير الإعلام».
ويرى البرماوي أن «الوزارة في حاجة إلى (التدريب) على كيفية إدارة الأزمات والتعامل مع الإعلام».
ولا تعد هذه الأزمة الأولى بين صحافيي ملف الآثار والوزارة، إذ سبق وانفجرت أزمة في نوفمبر (تشرين ثاني) 2020 بين صحافي الملف ووزير السياحة والآثار آنذاك خالد العناني، اتهموه فيها بـ«إهانتهم خلال فعالية لكشف أثري في منطقة سقارة»، وقرر الصحافيون وقتها «مقاطعة نشر أخبار الوزير».




