الجزائر تسجن مدير المخابرات «ناصر الجن»

بعد شهر من شائعات حول «هروبه»

مدير الأمن الداخلي المعزول عبد القادر حداد (وزارة الدفاع)
مدير الأمن الداخلي المعزول عبد القادر حداد (وزارة الدفاع)
TT

الجزائر تسجن مدير المخابرات «ناصر الجن»

مدير الأمن الداخلي المعزول عبد القادر حداد (وزارة الدفاع)
مدير الأمن الداخلي المعزول عبد القادر حداد (وزارة الدفاع)

بعد شهر من الغموض والتكهنات حول هروبه المزعوم إلى إسبانيا، كشفت مصادر إعلامية عن أن الأمن الجزائري ألقى القبض على مدير المخابرات المعزول، عبد القادر حداد، الشهير بـ«ناصر الجن»، حيث تم إيداعه السجن العسكري منذ الأربعاء الماضي.

وكتب يوتيوبر جزائري لاجئ خارج البلاد، الخميس الماضي، منشوراً بحسابه بالإعلام الاجتماعي، أعلن فيه عن «اعتقال ناصر الجن وعرضه على القضاء العسكري». وكان اليوتيوبر، الذي عرف في المدة الأخيرة بانتقاداته الشديدة للرئيس عبد المجيد تبون، أول من نشر بأن مدير الأمن الداخلي السابق «هرب من إقامته الجبرية»، الشهر الماضي، بعد أن تمت إقالته من منصبه لأسباب غير معروفة.

مدير الأمن الداخلي المعزول مع ضباط عسكريين كبار (وزارة الدفاع)

وكتبت مجلة «لوبوان» الفرنسية في عددها الجديد الصادر، السبت، «وفق معلومات حصلنا عليها»، أن «الجنرال حداد (56 سنة) كان في طريقه بعد ظهر الأربعاء إلى مكتب خلفه، اللواء عبد القادر آيت وعرابي، المعروف بلقب حسان، عندما أوقفه عناصر من جهاز الأمن الداخلي»، مشيرة إلى إيداعه الحبس الاحتياطي في نفس اليوم، إثر عرضه على وكيل الجمهورية بالمحكمة العسكرية بالبليدة (50 كلم جنوب العاصمة)، حيث يوجد السجن العسكري، الذي يقضي فيه نحو 20 من الجنرالات وضباط الجيش والمخابرات أحكاماً بالسجن في قضايا «فساد واختلاس وتهديد لأمن الدولة».

زلزال في الرئاسة والجيش

وقالت «لوبوان»، المحظورة تجارياً في الجزائر بسبب خطها التحريري حيال حكومتها، إن توقيف ناصر «يشكل خاتمة لفصل دام 28 يوماً من الشائعات والتكهنات حول أسباب وظروف هروبه، والمكان الذي اختبأ فيه، سواء داخل الجزائر أو خارجها»، لافتة إلى أن هروبه المزعوم غذى صورته كـ«شبح»، أو «شيطان لا يُمس». وتضاربت الأنباء في وقت سابق بين من قال إنه فر إلى إسبانيا، وآخرين أكدوا اعتقاله من طرف المخابرات الجزائرية، كما أشيع أنه سلّم نفسه طواعية للسلطات.

رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة يقلّد عبد القادر الحداد رتبة عميد (وزارة الدفاع)

وبحسب المجلة، فقد «أثار هروبه المفترض حالة من الذعر في أعلى هرم الدولة، واستنفر أجهزة الاستخبارات الجزائرية والإسبانية والفرنسية والمغربية»، مبرزة أن «الصمت التام الذي فرضته السلطات الجزائرية حول هذه القضية، ذات البعد الأمني الكبير، لم يسهم سوى في تضخيم الشائعات وتعميق الغموض. ويمكن القول إن قضية ناصر الجن زلزلت بالفعل مؤسسة الرئاسة وقيادة الجيش، وأجهزة المخابرات. وستترك هذه الحادثة آثاراً دائمة لأنها كشفت عن ثغرات أمنية وانقسامات وهشاشة وصراعات (...)».

وكانت صحيفة «إلكنفدنسيال» الإسبانية، نشرت في 28 سبتمبر الماضي، نقلاً عن «مصادرها»، أن حداد وصل ليل 18 إلى 19 من الشهر نفسه إلى سواحل مدينة إليكانتي على متن قارب للهجرة السرية، هارباً من الإقامة الجبرية. كما زعمت الصحيفة أن الجنرال صرح عند وصوله بأنه هرب «خشية تصفية وشيكة، قد تقدم على أنها انتحار»، مشيرة إلى امتلاكه عقارات في إسبانيا، حيث عاش سابقاً بين 2015 و2019، هارباً من ملاحقة رئيس أركان الجيش الراحل قايد صالح.

مدير المخابرات العسكرية الحالي عبد القادر آيت وعرابي (وزارة الدفاع)

في المقابل، ردّت الصحيفتان الجزائريتان «الخبر» و«لوسوار دالجيري» بنفي قاطع، واعتبرتا تقرير «إلكنفدنسيال» «تجميعاً لأخبار زائفة»، و«جزءاً من حملة دعائية تهدف لتشويه صورة الجزائر، وزعزعة مؤسساتها الأمنية».

ورغم نفيهما هروبه إلى إسبانيا، لم تكذب الصحيفتان بشكل مباشر مسألة خروجه من الإقامة الجبرية داخل الجزائر. في الوقت نفسه، لم تصدر السلطات الجزائرية أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي فرار الجنرال أو اعتقاله، مما زاد من الغموض، وفتح المجال أمام سيل من التأويلات على مواقع التواصل، خاصة من نشطاء جزائريين في الخارج، يُعتقد أنهم على صلة بتسريبات من داخل النظام.


مقالات ذات صلة

الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال يحدِث انقساماً حاداً في الجزائر

شمال افريقيا الجزائر وفرنسا اتفقتا سرَاً على أن تؤدي ألمانيا دوراً في الإفراج عن الكاتب صنصال (الشرق الأوسط)

الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال يحدِث انقساماً حاداً في الجزائر

رحَّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة سيباستيان لوكورنو بالخطوة، وعدَّا أنها تعكس «بعداً إنسانياً إيجابياً»...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يلقي خطاباً في وزارة الدفاع 9 أكتوبر الماضي (الرئاسة)

المعارضة و«الموالاة» بالجزائر يلتقيان في السعي للعودة إلى صناديق الاقتراع

يسعى الفاعلون السياسيون بالجزائر لإقناع المواطنين بالعودة إلى صناديق الاقتراع بعد أن كان العزوف السمة الغالبة في جميع الاستحقاقات منذ انتخابات الرئاسة 2019.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

الجزائر تعفو عن الكاتب بوعلام صنصال وتوافق على نقله إلى ألمانيا

أعلنت الرئاسة الجزائرية، الأربعاء، العفو عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بعد سجنه لمدة عام في قضية تسببت بتوتر العلاقات الدبلوماسية مع باريس.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا «غوغل» تؤكد أنها لم تقم بأي تعديلات على خرائطها بشأن المغرب

«غوغل» تؤكد أنها لم تقم بأي تعديلات على خرائطها بشأن المغرب

أفادت شركة «غوغل» أن الخطوط المنقطة الفاصلة تقليدياً بين المغرب والصحراء الغربية لم تكن قط معروضة على خرائطها للمستخدمين في المغرب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

الجزائر: إطلاق ترتيبات لإدانة جرائم الاستعمار الفرنسي

تشديد على أهمية «حصر وتوثيق جميع المناطق المتضررة من ويلات الاستعمار في الجزائر وأفريقيا، ورصد آثاره البيئية والبشرية التي ما تزال قائمة إلى اليوم».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

ليبيا: الإفراج عن هنيبال القذافي... مصالحة أم «تلميع سياسي»؟

هنيبال القذافي (وسط) برفقة إيناس حراق منسقة فريق الدفاع والمحامي الفرنسي لوران بايون في مقر قوى الأمن الداخلي اللبنانية ببيروت (أ.ف.ب)
هنيبال القذافي (وسط) برفقة إيناس حراق منسقة فريق الدفاع والمحامي الفرنسي لوران بايون في مقر قوى الأمن الداخلي اللبنانية ببيروت (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: الإفراج عن هنيبال القذافي... مصالحة أم «تلميع سياسي»؟

هنيبال القذافي (وسط) برفقة إيناس حراق منسقة فريق الدفاع والمحامي الفرنسي لوران بايون في مقر قوى الأمن الداخلي اللبنانية ببيروت (أ.ف.ب)
هنيبال القذافي (وسط) برفقة إيناس حراق منسقة فريق الدفاع والمحامي الفرنسي لوران بايون في مقر قوى الأمن الداخلي اللبنانية ببيروت (أ.ف.ب)

تصاعد الجدل مجدداً في ليبيا حول قرار الإفراج عن هنيبال القذافي، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، بعد عشر سنوات قضاها في السجون اللبنانية، وذلك بين من يرى في الخطوة «مدخلاً إلى المصالحة الوطنية في ليبيا»، وآخرين عدّوها «محاولة لتلميع سياسي لحكومة الوحدة في طرابلس».

ورغم مغادرة هنيبال السجن بهدوء، ودون تغطية إعلامية موسعة الاثنين الماضي، وفق مصادر لبنانية، فقد تواصلت أصداء القرار في الداخل الليبي على نحو متزايد، مثيرة سجالاً واسعاً على المستويين السياسي، والاجتماعي، في بلد يعيش انقساماً سياسياً، وعسكرياً بين شرقه وغربه منذ أكثر من عقد.

وذهب بعض الساسة الليبيين، والنشطاء إلى وصف الإفراج عن هنيبال بـ«بارقة أمل نحو المصالحة الوطنية»، مستندين إلى القول إن البلاد عانت من أزمات، وحروب أهلية طيلة عقد ونصف العقد، وباتت بحاجة إلى مصالحة شاملة لا تستثني رموز النظام السابق.

ويعتقد الناشط الليبي، أنس الزيداني، أن البلاد «بحاجة إلى طي صفحة الانقسامات، وتدشين مرحلة جديدة عنوانها المصالحة، والإنصاف، والكرامة الوطنية». وهي أيضاً رؤية رئيس المجلس الأعلى السابق لورشفانة، المبروك أبو عميد، الذي رأى أن الإفراج عن هنيبال «يصب في مسار المصالحة»، مضيفاً: «في نهاية المطاف، سيتصالح الشعب الليبي، سواء بالشرع، أو بالعرف، أو بالقانون».

غير أن المحامي الليبي، عضو المجلس الانتقالي السابق، فتحي تربل، شدد على أن «الحديث عن المصالحة الوطنية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تسوية شاملة تعترف بالانتهاكات السابقة التي ارتكبها النظام السابق، وتعويض الضحايا»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «شروط الثقة، والضمانات الحقيقية المحلية، والدولية لم تتوافر بعد لهذه الخطوة».

كما عبّرت «الجمعية الليبية لسجناء الرأي»، التي يرأسها تربل، عن «استغرابها الشديد» لمحاولات «تقديم الإفراج كإنجاز وطني»، مشيرة إلى أن مصير أكثر من 1270 مفقوداً لا يزال مجهولاً حتى اليوم.

وقبل 28 عاماً مضت، اقتحمت القوات الخاصة لنظام القذافي زنازين «سجن أبو سليم» بطرابلس، الذي كان يضم 1270 سجيناً، وأطلقت النار عليهم، ما أسفر عن مقتل المئات. والقضية لا تزال متداولة في المحاكم، ويخضع لها عدد من قيادات النظام السابق، أبرزهم رئيس الاستخبارات السابق، عبد الله السنوسي.

وسط هذا السجال، حرصت حكومة «الوحدة» في طرابلس أخيراً على تقديم كشف حساب بشأن جهودها لمتابعة ملف السجناء الليبيين بالخارج عبر صفحات تواصل اجتماعي تابعة لها، وتزامن ذلك مع تداول مقطع فيديو قديم لرئيسها عبد الحميد الدبيبة، يقول فيه: «هنيبال ابن معمر القذافي وليس شخصاً عادياً، ونحن لن نتركه وحيداً».

وهنا زاد الاعتقاد لدى فريق من السياسيين بأن حكومة الوحدة، التي أرسلت وفداً للتفاوض بشأن إطلاق سراح هنيبال في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، تسعى إلى تلميع صورتها في ظل التحديات السياسية المعقدة، بما في ذلك «خريطة الطريق» الأممية، وتحركات قوات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر نحو ما يوصف بتوطيد نفوذها القبلي في غرب البلاد.

وبحسب رأي فتحي تربل، فإن «جهود الإفراج عن هنيبال تعكس شعوراً واسعاً بانتقائية التعامل مع الملفات الحقوقية في البلاد في بلد تذخر سجونه بالمحتجزين، والانتهاكات الحقوقية»، مدرجاً المساعي التي بذلتها حكومة الدبيبة أخيراً ضمن «محاولات التلميع السياسي، ومدّ النفوذ القبلي من جانب حكومة الوحدة في غرب ليبيا».

من زاوية أخرى، يتزايد الجدل حول خطوة حكومة الدبيبة حيال نجل القذافي باعتبارها ذات بعد سياسي انتخابي واضح، كونها موجّهة أساساً إلى أنصار النظام السابق، إذ يرى الباحث السياسي، علي سالم، أنهم «يشكلون كتلة انتخابية كبيرة قادرة على حسم أي استحقاق انتخابي إذا ما تحركت بشكل منظم، ومنسق».

جاء ذلك تزامناً مع تساؤلات متصاعدة حول احتمال الإفراج عن عبد الله السنوسي من سجن في طرابلس ليُلحق بالإفراج عن هنيبال وشقيقه الساعدي الذي أُطلق سراحه قبل أربع سنوات، وهي أمنيات عبر عنها القيادي بقبيلة القذاذفة، محمد نائل، وحميد سليمان خضر أحد قيادات مصراتة.

في المقابل، انتقد رئيس «الحزب الديمقراطي»، محمد صوان، «الاندفاع المحموم» نحو رموز النظام السابق، معتقداً أن محاولات إعادة تسويق هؤلاء الرموز «تصطدم بواقع جديد، وبسنن التاريخ».

وحتى اللحظة، لم يغادر هنيبال لبنان بعد الإفراج عنه، إذ يحتاج سفره إلى إذن من مجلس الأمن الدولي بسبب العقوبات المفروضة على عائلة القذافي منذ 2011، وفق صحيفة «لوموند» الفرنسية.

وجاء الإفراج بعد تسديد كفالة مالية بلغت نحو 893 ألف دولار أميركي، منهياً توقيفاً دام عقداً كاملاً على خلفية اتهامه بـ«كتم معلومات» في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه في السبعينات.

وفي ختام المشهد الجدلي، لخص الدبلوماسي الليبي السابق، محمد خليفة العكروت، واقع الانقسام بالقول: «البلاد اليوم تتنازعها أربع فرق: جماعة ديسمبر، وجماعة سبتمبر، وجماعة فبراير الشرق، وجماعة فبراير الغرب»، مشيراً إلى صعوبة الوصول إلى تسوية في ظل هذا الانقسام المعقد.

وتجسد هذه التسميات خريطة الانقسام الليبي المعقدة، إذ تمثل «سبتمبر» أنصار النظام السابق، و«فبراير» معسكري الثورة المنقسمين بين الشرق والغرب، بينما تشير «ديسمبر» إلى الداعين لإجراء انتخابات جديدة لتجديد الشرعية.


الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال يحدِث انقساماً حاداً في الجزائر

الجزائر وفرنسا اتفقتا سرَاً على أن تؤدي ألمانيا دوراً في الإفراج عن الكاتب صنصال (الشرق الأوسط)
الجزائر وفرنسا اتفقتا سرَاً على أن تؤدي ألمانيا دوراً في الإفراج عن الكاتب صنصال (الشرق الأوسط)
TT

الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال يحدِث انقساماً حاداً في الجزائر

الجزائر وفرنسا اتفقتا سرَاً على أن تؤدي ألمانيا دوراً في الإفراج عن الكاتب صنصال (الشرق الأوسط)
الجزائر وفرنسا اتفقتا سرَاً على أن تؤدي ألمانيا دوراً في الإفراج عن الكاتب صنصال (الشرق الأوسط)

أثار الإفراج عن الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال بموجب عفو رئاسي، جدلاً واسعاً وانقساماً حاداً داخل الساحة السياسية الجزائرية. فقد رحّبت الأحزاب الموالية لسياسات الرئيس عبد المجيد تبون بالقرار، وعدّته «خطوة إنسانية وحكيمة»، في حين عبّر نشطاء ومعارضون عن استيائهم، منتقدين تجاهل النداءات المتكررة لإطلاق سراح نحو 200 معتقل من نشطاء الحراك الموقوفين بسبب مواقفهم السياسية المعارضة.

وشهدت «قضية صنصال» في ظرف أيام قليلة، تطورات غير متوقعة؛ إذ أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس تبون تلقى في 10 من الشهر الحالي رسالة من نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير، تتضمن طلب عفو «لدواعٍ إنسانية» عن الكاتب الثمانيني.

وأكدت، أن الرئيس تجاوب مع الطلب استناداً إلى نص الدستور الذي يمنحه حق العفو عن المساجين، على أن تتكفل الدولة الألمانية بنقله وعلاجه في الخارج.

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير (أ.ف.ب)

وغادر صنصال «سجن القلعية» غرب العاصمة الجزائرية، الأربعاء، مستفيداً من العفو الرئاسي، بناءً على اتفاق بين الحكومتين الجزائرية والألمانية. وليلاً وصلت طائرة إسعاف طبية من برلين إلى العاصمة الجزائرية، لنقل صاحب رواية «قرية الألماني» (2008) الذي ظهر فوق كرسي متحرك، حيث كان قبل دخوله السجن منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، يعاني أمراضاً عدة، منها سرطان البروستات. وقد تفاقمت حالته الصحية خلال فترة سجنه، وفق تصريحات محاميه والمتعاطفين معه في فرنسا.

وبعد ساعتين من إقلاع الطائرة، أفادت المتحدثة باسم الرئاسة الألمانية بأن صنصال «وصل إلى المطار وهو في طريقه إلى المستشفى»، بينما شكر شتاينماير الرئيس تبون على «البادرة الإنسانية المهمة» التي وصفها بأنها «دليل على روح التعاون والعلاقات الطيبة بين البلدين»، حسبما ذكرته «وكالة الأنباء الفرنسية» (أ.ف.ب).

كما رحَّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والوزير الأول سيباستيان لوكورنو بالخطوة، عادّين أنها تعكس «بعداً إنسانياً إيجابياً»، معبرَين عن «آمالهما في أن يتمكن صنصال من الاجتماع بعائلته قريباً».

بوعلام صنصال الكاتب الفرنسي - الجزائري الذي أثار أزمة حادة بين البلدين (حسابات ناشطين في الإعلام الاجتماعي)

من جهتها، عبّرت منظمة «مراسلون بلا حدود» عن «أملها» في أن يتبع هذا القرار إطلاق سراح الصحافي الفرنسي كريستوف غليز المحكوم بالسجن في الجزائر بتهمة الإرهاب، عادَّةً أن العفو عن صنصال «يمكن أن يشكل بادرة نحو تحسين العلاقات الفرنسية - الجزائرية».

وكان صنصال قد أُوقف بمطار الجزائر بعد تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها لقناة فرنسية يمينية متطرفة، زعم فيها أن محافظات كاملة من غرب الجزائر تتبع إلى المغرب؛ ما أدى إلى الحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة «المساس بالوحدة الوطنية». وأثار اعتقاله أزمة جديدة في العلاقات الجزائرية - الفرنسية التي كانت متوترة أصلاً.

تفاهم...

ويرى مراقبون، أن الإفراج عن بوعلام صنصال تم بناءً على تفاهم غير معلَن بين الجزائر وباريس، يقضي بأن تتولى ألمانيا تقديم طلب العفو بدلاً من فرنسا، التي كانت قد تقدمت بطلبات مماثلة قوبلت بالرفض. ويُرجع هؤلاء المراقبون هذا الإجراء، إلى اعتبارات داخلية جزائرية، تعكس حرص السلطات على عدم الظهور بمظهر الخضوع للضغوط الفرنسية.

ويعدّ بوعلام صنصال من الوجوه البارزة في المشهد الفرنكفوني المغاربي، تميز بكتاباته الجريئة وانتقاداته الحادة للسلطة والإسلاميين على حد سواء. ومنحه الجنسية الفرنسية عام 2024 عزز مكانته في الأوساط الثقافية الأوروبية. أما قرار العفو عنه، فشكل محطة مفصلية أنهت فصلاً متوتراً في العلاقات الجزائرية - الفرنسية التي شهدت تدهوراً غير مسبوق بسبب اعتراف «الإليزيه» بسيادة المغرب على الصحراء.

وفي الجزائر، خلَّف الإفراج عن صنصال ردود فعل متباينة. ففي بيانات منفصلة، عبَّرت أحزاب «الأغلبية الرئاسية» عن تأييدها للمبادرة، مؤكدة أنها «أسلوب ذكي اتبعته الجزائر للتخلص من ضغوط تمارس ضدها منذ اعتقال صنصال»، الذي كانت الأحزاب نفسها، رمته بـ«الخيانة»، وقال عنه تبون: «رجل مجهول الهوية والأب أرسلوه إلينا ليدعي أن أراض من بلادنا تتبع لبلد آخر».

وعبّر حزب «جبهة التحرير الوطني»، (أكبر أحزاب البرلمان)، عن تقديره لقرار تبون بالعفو صنصال، وعدّه خطوة «حكيمة تعبّر عن عمق الرؤية الوطنية للقيادة السياسية في تكريس مبادئ الدولة العادلة والرحيمة».

أمين عام «جبهة التحرير الوطني» مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

من جانبه، أوضح حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» أن القرار «يجسّد حكمة الرئيس ويؤكد سيادة الدولة واستقلال قرارها الوطني». مشيراً إلى أنه «أسقط إحدى الأوراق التي حاولت أطراف خارجية استغلالها للإساءة إلى صورة الجزائر».

أما «جبهة المستقبل»، فقالت إن القرار «يوجه رسالة قوية بأن الجزائر ماضية بثبات نحو الاستقرار وتغليب المصلحة الوطنية العليا».

وبرزت مواقف معارضة مختلفة تجاه قرار العفو عن بوعلام صنصال. فقد دعا رئيس حزب «جيل جديد» جيلالي سفيان إلى توسيع القرار ليشمل سجناء «الحراك الشعبي» الذين يصل عددهم إلى 200 حسب منظمات حقوقية.

محمد تاجديت من أبرز نشطاء الحراك المسجونين (ناشطون معارضون)

وحذَر جيلالي، من أن «حصر العفو في حالة واحدة، قد يُفهم على أنه رضوخ لضغوط خارجية». أما عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لـ«حركة مجتمع السلم» الإسلامية، فعدّ العفو «نتيجة لتدخل أجنبي يخدم مصالح فرنسية»، منتقداً «استمرار حبس شخصيات وطنية»، في إشارة إلى سجن أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث بسبب تصريحات زعم فيها أن الأمازيغية «صناعة صهيونية فرنسية»، والذي وجهت له تهمة صنصال نفسها.

أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث (متداولة)

أما عثمان معزوز، رئيس «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، فوصف القرار بأنه «خطوة إيجابية نحو الانفتاح»، مؤكداً أنه يناضل «بلا هوادة من أجل إطلاق سراح جميع سجناء الرأي، لوضع حدّ لمرحلة القمع التي يعانيها كثير من الجزائريين، وإنهاء منطق المقاربة الأمنية التي تخنق المجتمع وتمنع أي حوار سياسي صادق».


هجوم بالمسيّرات لـ«الدعم السريع» على مدينة مروي في شمال السودان

اللاجئون السودانيون في مخيم أوري كاسوني في تشاد هرباً من الصراع في بلادهم (أ.ف.ب)
اللاجئون السودانيون في مخيم أوري كاسوني في تشاد هرباً من الصراع في بلادهم (أ.ف.ب)
TT

هجوم بالمسيّرات لـ«الدعم السريع» على مدينة مروي في شمال السودان

اللاجئون السودانيون في مخيم أوري كاسوني في تشاد هرباً من الصراع في بلادهم (أ.ف.ب)
اللاجئون السودانيون في مخيم أوري كاسوني في تشاد هرباً من الصراع في بلادهم (أ.ف.ب)

استهدفت طائرات مسيّرة اليوم الخميس مدينة مروي في شمال السودان، والتي تضم أحد أكبر السدود في البلاد، وتقع ضمن منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الذي اتهم «قوات الدعم السريع» بتنفيذ الهجوم.

وقال مصدر في الاستخبارات السودانية إن سبعة صواريخ أُطلقت على المدينة، بينما سمع مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في المنطقة عشرة انفجارات، وأكد شهود عيان أن عدد الانفجارات بلغ نحو 28 بين منتصف الليل، والفجر.

وبات استخدام الطائرات المسيّرة شائعاً في النزاع الدامي المستمر منذ أكثر من عامين بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وقالت الفرقة التاسعة عشرة في الجيش السوداني في بيان الخميس إن الهجمات استهدفت مقر القيادة العامة للجيش، ومطار المدينة، وسد مروي، موضحة أن القوات تصدت للطائرات بعد إطلاقها.

وأكد شهود أن المدينة غرقت في الظلام بعد انقطاع تام للكهرباء.

وشنّت «قوات الدعم السريع» مراراً هجمات على منشآت عسكرية، ومدنية، أبرزها في الخرطوم في أكتوبر (تشرين الأول)، وفي بورتسودان بشرق البلاد في الربيع الماضي، بينما يواصل الجيش استهداف مواقعها.

وفي أواخر أكتوبر، سيطرت «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، لتُحكم بذلك سيطرتها على المنطقة الغربية الشاسعة.

ومنذ ذلك الحين، فرّ نحو 90 ألف مدني من الفاشر، ومحيطها، وفق المنظمة الدولية للهجرة، بينهم نساء، وأطفال، وكان معظمهم نازحين أصلاً.

وقال البرهان في منشور عبر منصة «إكس» الخميس إن المدنيين «الذين تم تهجيرهم قسراً من الفاشر، وبارا، والنهود لم يذهبوا إلى نيالا، أو الفولة، أو إلى أي منطقة تحت سيطرة الميليشيا في مدن دارفور، أو غرب كردفان، بل اختاروا السير آلاف الكيلومترات إلى مناطق تحت سيطرة الدولة، والقوات الحكومية، حيث يجدون الأمن، ومقومات الحياة».

وزار البرهان مؤخراً مخيم الدبة للنازحين، على بعد نحو مائة كيلومتر من مروي.

ومنذ سقوط الفاشر، تتركّز المعارك في إقليم كردفان الغني بالنفط، والذي يتمتع بأهمية استراتيجية لوقوعه بين الخرطوم ودارفور.

وشهدت مدينة بابنوسة، آخر معاقل الجيش في غرب كردفان، والمركز الاستراتيجي للسكة الحديد الذي يربط غرب البلاد بالعاصمة الخرطوم، معارك وحرائق خلال الأيام الأخيرة، وفق صور أقمار اصطناعية حلّلتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، ومنصة «فيستا ماب» المتخصصة.

وتخضع بابنوسة لحصار منذ أشهر، شأنها شأن الأُبيّض (شمال كردفان)، وكادوقلي، والدلنج (جنوب كردفان).