«القائمة الوطنية» لانتخابات «النواب» تثير انقسامات داخل أحزاب مصرية

عقب غلق باب الترشح

حزب «مستقل وطن» يتابع إجراءات ترشح أعضائه (الصفحة الرسمية للحزب)
حزب «مستقل وطن» يتابع إجراءات ترشح أعضائه (الصفحة الرسمية للحزب)
TT

«القائمة الوطنية» لانتخابات «النواب» تثير انقسامات داخل أحزاب مصرية

حزب «مستقل وطن» يتابع إجراءات ترشح أعضائه (الصفحة الرسمية للحزب)
حزب «مستقل وطن» يتابع إجراءات ترشح أعضائه (الصفحة الرسمية للحزب)

أثار تشكيل «القائمة الوطنية من أجل مصر» لخوض انتخابات مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان) انقسامات داخل عدد من الأحزاب المصرية خلال الساعات الماضية، بعد غلق باب الترشح في الانتخابات المزمع إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وتضم القائمة (12) حزباً على رأسهم «مستقبل وطن» (صاحب الأغلبية بمجلس النواب الحالي)، إلى جانب أحزاب (الجبهة الوطنية، وحماة الوطن، والحزب الجمهوري، والوفد، والتجمع، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل، والإصلاح والتنمية، وإرادة الجيل، والحرية المصري، وحزب المؤتمر) إلى جانب «تنسيقية شباب الأحزاب».

وتقدم قيادات بحزب «مستقبل وطن» في محافظة سوهاج (صعيد مصر) باستقالاتهم، مساء الأربعاء، «على خلفية عدم تمثيلهم في (القائمة الوطنية) الخاصة بالمحافظة، وقبلها تقدم نائب حزب «مستقبل وطن» في بورسعيد، حسن عمار، باستقالته من الحزب بعد استبعاده من قوائم الحزب، وهو ما تكرر مع 7 من قيادات الحزب في محافظة أسوان (جنوب البلاد)، قرروا خوض الانتخابات بوصفهم مستقلين.

وتقدم عدد من قيادات حزب «الجبهة الوطنية» باستقالاتهم أيضاً، بينهم مسؤول متابعة أمانة الحزب في سوهاج، حسن كمال والذي عبّر في بيان له عن «استيائه من قرار اختيار مرشحين لتمثيل المحافظة من خارجها»، كما قدم أمين العضوية بالحزب عادل بدوي استقالته، وكذلك أمين محافظة جنوب سيناء، غريب حسان، مع استبعادهما من الترشح على قوائمه.

وتكرر الأمر أيضاً في حزب «حماة الوطن»؛ إذ قدمت إحدى أمانات الحزب بمحافظة الجيزة استقالة جماعية بكامل تشكيلها وأعضائها، اعتراضاً على قرار الحزب اختيار مرشحين من خارج صفوفه لانتخابات مجلس النواب.

ووجهت القيادية بحزب الوفد (أقدم الأحزاب المصرية)، ناهد البستاني، نداءً إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، طالبته بـ«التدخل للنظر في أوضاع الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب الوفد»، مؤكدة أن «كثيراً من أعضائه، وخاصة السيدات، يتعرضن للتمييز والتهميش»، مشيرة إلى أن «إغفال الكفاءات واختيار شخصيات من خارج الحزب للتمثيل النيابي أمر يهدد العدالة الداخلية».

وقال القيادي بالهيئة العليا لحزب الوفد، ياسر حسان، إن «الحزب تعرض لانقسامات نتيجة تهميشه داخل القائمة مع اختيار 8 مرشحين عنه فقط، إلى جانب اختيار شخصيات ليس لديها التأثير القوي داخل الحزب، بل إنه بعضها ليس معروفاً للوفديين، وهناك قناعة بأن من يستحقون جرى استبعادهم».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما خفف من وطأة الأزمة أن قيادات الوفد تنتظر إجراء انتخابات على رئاسة الحزب خلال شهرين تقريباً، وهناك قيادات تنتظر أن يبقى لها دور قيادي داخله وفضلت البقاء دون أن تقدم استقالاتها أسوة بما حدث في أحزاب أخرى».

وبحسب بيان صادر عن الهيئة الوطنية للانتخابات، مساء الأربعاء، فإن إجمالي من تقدموا بأوراقهم عقب غلق باب الترشح بلغ «2826» مرشحاً، إلى جانب 4 قوائم وهي «القائمة الوطنية من أجل مصر» عن قطاعات الجمهورية الأربعة، و«قائمة الجيل» عن قطاعي شرق وغرب الدلتا، و«القائمة الشعبية صوتك لمصر»، و«قائمة نداء مصر» عن قطاع غرب الدلتا.

جانب من فعاليات آخر أيام تلقي طلبات الترشح بانتخابات مجلس النواب المصري (الهيئة الوطنية للانتخابات)

وتُجرى الانتخابات مناصفةً بين نظامي «القائمة المطلقة»، الذي يعني فوز القائمة الحاصلة على أعلى نسبة من الأصوات بجميع مقاعد دائرتها، إلى جانب «النظام الفردي»، ويُخصص لنظام القائمة 284 مقعداً، ومثلها للنظام الفردي.

وقال مساعد رئيس حزب التجمع، خبير النظم والتشريعات البرلمانية، عبد الناصر قنديل، إن «الإبقاء على النظام الانتخابي الحالي، أسهم في تعزيز الانقسامات داخل الأحزاب، خاصة أن طبيعة اختيار المرشحين داخل (القائمة الوطنية) لم يراع النص الدستوري الذي يمنح تمييزاً لفئات بعينها لتمكينها سياسياً مثل المرأة والشباب والفلاحين والمصريين بالخارج وذوي الهمم».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الاستقالات داخل الأحزاب ناتجة عن (صدمة)، كما أن اتساع القائمة بين عدد كبير من الأحزاب أحدث صعوبات في توزيع المقاعد»، مشيراً إلى أن «رؤساء الأحزاب الصغيرة بما فيها المعارضة انفردوا بقرارات اختيار المرشحين، مع ترشيح بعض الأسماء من خارج تلك الأحزاب»، و«ما فاقم الأزمة هو ترشيح بعض الأسماء على محافظات ليست ضمن دوائرهم التي ترشحوا عليها من قبل، وذلك نظراً لصعوبة الموائمات بين الأحزاب داخل القائمة».

وبحسب الجدول الانتخابي الذي أعلنته سابقاً الهيئة الوطنية للانتخابات، فإنه من المقرر عرض الكشوف المبدئية للمرشحين أمام مقر الـ28 محكمة ابتدائية لمدة ثلاثة أيام وهي 16 و17 و18 أكتوبر الحالي، على أن تبدأ في ذات الوقت مرحلة الطعون الانتخابية أمام محاكم القضاء الإداري، على أن يتم الفصل في الطعون يوم 18 أكتوبر الحالي.


مقالات ذات صلة

مصر تشدد على أهمية تنفيذ «بيان الرباعية» وتحقيق هدنة إنسانية بالسودان

شمال افريقيا جرحى أصيبوا خلال معارك الفاشر يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني في طويلة بشمال دارفور (رويترز)

مصر تشدد على أهمية تنفيذ «بيان الرباعية» وتحقيق هدنة إنسانية بالسودان

شددت مصر على أهمية تنفيذ «بيان الرباعية» حول السودان بكافة بنوده، بما في ذلك تحقيق هدنة إنسانية شاملة، تمهيداً لإطلاق «عملية سياسية مستدامة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس المصري خلال لقاء رئيس أركان القوات البرية الباكستانية في القاهرة الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

مصر وباكستان لتعزيز «التطور اللافت» في العلاقات

أعرب وزير الخارجية المصري ونظيره الباكستاني عن «الارتياح للتطور اللافت الذي تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي سيدة فلسطينية تقف وسط الخيم المتضررة من مياه الأمطار في خان يونس بغزة (رويترز)

مباحثات مصرية - أميركية بشأن التحضير للمؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة

أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية بحثا التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا  وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (إ.ب.أ)

الشيخ وعبد العاطي يناقشان مشروع قرار مجلس الأمن بشأن غزة والترتيبات الأمنية

أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية بأن وزير الخارجية بدر عبد العاطي ناقش مع نائب الرئيس الفلسطيني المشاورات المتعلقة بمشروع قرار لمجلس الأمن بشأن غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مستقبلاً نظيره المصري بدر عبد العاطي في الرياض في سبتمبر الماضي (واس)

السعودية ومصر تؤكدان أهمية إطلاق «عملية سياسية شاملة» في السودان

جدّدت المملكة العربية السعودية ومصر «التأكيد على أهمية وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لإطلاق عملية سياسية شاملة تحفظ وحدة السودان وسيادته واستقراره».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

ليبيا تترقب مذكرات اعتقال دولية جديدة بحق «متورطين في جرائم»

كريم خان خلال لقاء مع عبد الحميد الدبيبة في أبريل الماضي (حساب خان بمنصة «إكس»)
كريم خان خلال لقاء مع عبد الحميد الدبيبة في أبريل الماضي (حساب خان بمنصة «إكس»)
TT

ليبيا تترقب مذكرات اعتقال دولية جديدة بحق «متورطين في جرائم»

كريم خان خلال لقاء مع عبد الحميد الدبيبة في أبريل الماضي (حساب خان بمنصة «إكس»)
كريم خان خلال لقاء مع عبد الحميد الدبيبة في أبريل الماضي (حساب خان بمنصة «إكس»)

تسود ليبيا حالة من الترقب بعد إعلان مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، برئاسة كريم خان، مواصلة العمل على إصدار مذكرات توقيف جديدة بحق مشتبه بهم بارتكاب انتهاكات ترقى إلى «جرائم حرب».

وجاء تقرير خان ليعيد تسليط الضوء على مذكرة اعتقال صادرة بحق ضابط في «الجيش الوطني الليبي»، وسط صمت تام من الحكومتين في غرب ليبيا وشرقها.

ومذكرات الاعتقال الجديدة تضمنها تقرير من خان إلى مجلس الأمن يغطي الفترة من مايو (أيار) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، في وقت يستعد المجلس في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لتلقي الإحاطة نصف السنوية حول أنشطة المحكمة.

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (أ.ف.ب)

ومع استمرار التكهنات بشأن الشخصيات الليبية المستهدفة بمذكرات التوقيف، تحرص المحكمة الجنائية على الحفاظ على سرية الأسماء لأسباب وصفتها بـ«الأمنية والاستراتيجية»، المتعلقة بعمليات القبض والمتابعة القضائية.

ويلحظ الأكاديمي الليبي ورئيس منظمة «نداء لحقوق الإنسان»، موسى القنيدي، أن البلاد تشهد «ترقباً وقلقاً عاماً» حيال الأسماء التي من المتوقع إعلانها، عاداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يحدث هو أحد «بوادر تعاون إيجابي» بين مكتب النائب العام الليبي والمدعي العام للمحكمة، خصوصاً بعد خطاب حكومة «الوحدة الوطنية»، في إشارة إلى خطاب أكد قبول ليبيا لاختصاص المحكمة، بموجب المادة 12 فقرة 3 من نظام روما الأساسي في يوليو (تموز) 2024.

وإذ يشير القنيدي إلى أن «تصاعد الاستياء الشعبي من الأوضاع في ليبيا يسهم في تسريع وتيرة العدالة»، فإنه لا يستبعد «تجدد الخلاف حول الولاية القضائية بين القضاء الليبي والمحكمة الدولية».

وتخضع ليبيا لاختصاص «الجنائية الدولية» منذ إحالة الملف عبر قرار مجلس الأمن 1970 لعام 2011، والذي فتح الباب لتحقيقات طالت شخصيات من النظام السابق، ولا تزال الإحاطات الدورية أمام المجلس مستمرة.

في هذا السياق، يرى عضو «المجلس العلمي بمركز البحوث الجنائية» بمكتب النائب العام، الدكتور شعبان عكاش، أن أداء المحكمة الجنائية «تأثر منذ 2011 باعتبارات سياسية حدّت من فعاليته»، لافتاً إلى رفض النائب العام، و«المجلس الأعلى للقضاء»، أي محاكمة خارج الإطار القضائي المحلي، حسب ما ذكره لـ«الشرق الأوسط».

ووفق رؤية عكاش، وهو أيضاً أستاذ القانون الجنائي بجامعة طرابلس، فإن العلاقة بين القضاءين الدولي والوطني «تكاملية»، مع أولوية القضاء المحلي رغم تحديات «هشاشة المؤسسات والانقسام الأمني وتكدس الملفات القضائية في ليبيا»، وهي عوامل «تحد من الفعالية لكنها لا تلغي القدرة على ملاحقة الجرائم الدولية».

قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)

وكان نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وفريقه، قد عقدا في أكتوبر الماضي، اجتماعاً مع أكثر من 30 منظمة حقوقية لمناقشة قضايا متصلة بملف الملاحقات. وذكر تقرير المحكمة أن الاجتماع المقبل سيعقد في مطلع 2026، ضمن مساعي تعزيز الدعم والتحقيقات والتواصل مع الضحايا والشهود.

وفي قلب ملف الملاحقات الدولية للمتهمين الليبيين يبرز اسم الضابط سيف سليمان سنيدل، التابع لـ«الجيش الوطني»، حيث أعاد تقرير خان الأخير تسليط الضوء عليه استناداً إلى مذكرة توقيف صدرت بحقه في أغسطس (آب) الماضي، وقوبلت بصمت من جانب السلطات في شرق البلاد.

تأتي مذكرة اعتقال الضابط الليبي على خلفية اتهامات بارتكاب «جرائم حرب» تشمل القتل والتعذيب وانتهاك الكرامة الإنسانية شرق ليبيا، في ثلاث عمليات إعدام أودت بحياة 23 شخصاً بين عامي 2016 و2017، وهي التي ترتبط أيضاً بملف الرائد الراحل محمود الورفلي، الذي كان مقرباً منه، وواجه مذكرات توقيف عديدة بشأن عمليات إعدام في بنغازي.

ورغم صدور مذكرات اعتقال بحق عديد من الليبيين، فإن تنفيذها لا يزال معرقلاً بفعل الانقسام السياسي والعسكري العميق. وقد ازداد التوتر بين الحكومتين في يوليو الماضي بعدما رفضت حكومة أسامة حمّاد (المكلفة من البرلمان) اعتراف «حكومة الوحدة» باختصاص المحكمة الدولية.

ويرى عكاش أن «تسليم المتهمين الليبيين غير مرجّح» إلا في حال «صفقات سياسية»، مستشهداً بعدم تسليم سيف الإسلام نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وعبد الله السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات السابق، ومشيراً إلى أن عمل المحكمة «مرتبط في نهاية المطاف بحسابات القوى الكبرى ومجلس الأمن».

وتقرير خان يسلط الضوء على أن التعاون مع السلطات الليبية شهد «تقدماً نسبياً»، لكنه لا يزال «غير مُرضٍ» في ما يتعلق بتنفيذ أوامر التوقيف، إذ لا يزال عدد من المشتبه بهم طلقاء، وتتأخر الردود على طلبات التحقيق.


مصر تشدد على أهمية تنفيذ «بيان الرباعية» وتحقيق هدنة إنسانية بالسودان

جرحى أصيبوا خلال معارك الفاشر يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني في طويلة بشمال دارفور (رويترز)
جرحى أصيبوا خلال معارك الفاشر يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني في طويلة بشمال دارفور (رويترز)
TT

مصر تشدد على أهمية تنفيذ «بيان الرباعية» وتحقيق هدنة إنسانية بالسودان

جرحى أصيبوا خلال معارك الفاشر يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني في طويلة بشمال دارفور (رويترز)
جرحى أصيبوا خلال معارك الفاشر يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني في طويلة بشمال دارفور (رويترز)

شددت مصر على «أهمية تنفيذ (بيان الرباعية) حول السودان بكافة بنوده، بما في ذلك تحقيق هدنة إنسانية شاملة، تمهيداً لإطلاق عملية سياسية مستدامة تضمن وحدة الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية».

وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، خلال اتصال هاتفي، السبت، تطورات الأوضاع في السودان.

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري في واشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان».

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، أكد عبد العاطي «أهمية وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لإطلاق عملية سياسية شاملة تحفظ وحدة السودان وسيادته واستقراره»، مشيراً إلى نتائج زيارته الأخيرة إلى الخرطوم في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. كما أدان «الفظائع والانتهاكات المروعة التي شهدتها مدينة الفاشر»، داعياً إلى «تضافر الجهود الإقليمية والدولية لدعم الشعب السوداني ومساندة مؤسساته الوطنية».

وأعلنت «قوات الدعم السريع» سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور (غرب السودان)، واتهمت الحكومة السودانية عناصر «الدعم السريع» بارتكاب «جرائم بحق المدنيين في المدينة».

وقال بولس، الأربعاء الماضي، إن الولايات المتحدة طرحت «نصاً قوياً» لهدنة إنسانية في السودان، ودعا طرفي النزاع إلى الالتزام بها على وجه السرعة. وأضاف عبر منصة «إكس» حينها أن «الولايات المتحدة تحث طرفي النزاع في السودان على الموافقة فوراً على الهدنة الإنسانية المقترحة وتنفيذها»، محذراً من أن معاناة المدنيين في البلاد بلغت «مستويات كارثية، حيث يعاني الملايين من نقص الغذاء والماء والرعاية الطبية».

وزير الخارجية المصرية خلال لقائه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الشهر الحالي في بورتسودان (الخارجية المصرية)

كما أكد عبد العاطي خلال لقائه قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، الشهر الحالي، «مواصلة مصر جهودها لتحقيق الاستقرار في السودان، والانخراط بصورة فاعلة في الجهود الهادفة لوقف إطلاق النار ووضع حد لمعاناة الشعب السوداني، سواء في الإطار الثنائي أو المحافل الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها (الرباعية الدولية)».

وكان وزير الخارجية المصري قد زار بورتسودان أيضاً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتقى حينها رئيس مجلس السيادة، وناقشا مبادرة «الرباعية الدولية» بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية تقود إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان.

وفي الشهر نفسه اتفق رئيس مجلس السيادة السوداني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أهمية «الآلية الرباعية»، بعدّها «مظلة للسعي إلى تسوية الأزمة السودانية، ووقف الحرب بالسودان».

وطرحت «الرباعية» في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر».

نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

وتناول الاتصال الهاتفي بين عبد العاطي وبولس، السبت، الأوضاع في منطقة البحيرات العظمى، حيث أكد الوزير المصري استعداد بلاده للانخراط في كافة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى التوصل لتسوية شاملة للنزاع في شرق الكونغو الديمقراطية، مشيراً إلى «دعم مصر الكامل لجهود الوساطة الأميركية الجارية في الدوحة وما تمثله من خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار في المنطقة بما يسهم في تحقيق تطلعات شعوب القارة نحو الاستقرار والازدهار».


ملفات «سجناء العشرية السوداء» ومعتقلي الحراك تعود إلى الواجهة

صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
TT

ملفات «سجناء العشرية السوداء» ومعتقلي الحراك تعود إلى الواجهة

صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)

رغم حالة الغضب التي أظهرها قطاعٌ واسعٌ من الجزائريين حيال الإفراج عن الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، فإن هذا القرار سمح للنشطاء المعارضين والحقوقيين بإعادة ملف «السجناء السياسيين» إلى واجهة الأحداث، من خلال المطالبة بإصدار إجراءات عفو رئاسي تشملهم، أسوة بالعفو الذي استفاد منه الروائي السبعيني، الذي أسهم إطلاق سراحه في تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، ومهّد لترتيب لقاء بين رئيسَي البلدين خلال قمة «مجموعة العشرين» المقررة الأسبوع المقبل في جوهانسبرغ.

خلّف خروج صاحب رواية «2084: نهاية العالم» من السجن، الأربعاء الماضي، هزّات ارتدادية بالنظر إلى ردود الفعل الحادة الصادرة عن الأوساط السياسية والإعلامية في البلاد. وقد سمحت هذه القضية بإعادة ملف «المساجين السياسيين» إلى واجهة الأحداث. وهؤلاء ينقسمون إلى فئتين:

الفئة الأولى: تضم نحو 160 سجيناً من الإسلاميين الموجودين في السجن منذ أكثر من 30 سنة. ويرى المتعاطفون معهم أنه طالما استفاد صنصال من عفو رئاسي، فلا مانع من أن يصدر الرئيس إجراءً مماثلاً، خصوصاً أن غالبيتهم متقدمون في السن ويعانون أمراضاً مزمنة.

لخضر بركان من مساجين فترة الاقتتال مع الإرهاب في تسعينات القرن الماضي (الشرق الأوسط)

وتشمل هذه الفئة نشطاء «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة منذ 1992، حيث تمت متابعتهم وسجنهم بأحكام قاسية من طرف «المحاكم الخاصة» التي استحدثت مطلع تسعينات القرن الماضي، لمعالجة ملفات الإرهاب الذي اندلع إثر تدخل الجيش لإلغاء نتائج انتخابات البرلمان التي فاز بها «الإنقاذ» نهاية 1991. ويقضي هؤلاء عقوبات طويلة بالسجن، وغالبيتهم تجاوز الستين من العمر، وتؤكد عائلاتهم أنهم أصيبوا بأمراض خلال فترة سجنهم.

وداخل هذه الفئة توجد مجموعة أخرى تتكون من 20 ناشطاً من «جبهة الإنقاذ»، تم سجنهم العام الماضي على خلفية إصدارهم بياناً ينتقدون فيه الأوضاع الاقتصادية ويحمّلون السلطة مسؤولية «القمع» الذي تشهده الحريات.

أما الفئة الثانية فتتمثل في مساجين الحراك الشعبي (نحو 200)، غالبيتهم شباب معارضون حوكموا بتهم ذات طابع سياسي مرتبطة برفضهم للظروف التي جاء فيها الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم نهاية عام 2019. ويقضي معتقلو الحراك عقوبات بتهم «إضعاف معنويات الجيش» و«الإساءة إلى رموز الدولة» و«المس بالوحدة الوطنية»، والتهمة الأخيرة يشتركون فيها مع بوعلام صنصال، وعلى هذا الأساس يطالب محاموهم بإصدار عفو رئاسي لفائدتهم كما استفاد منه صنصال.

إسلام لطرش أحد معتقلي الحراك (حسابات ناشطين)

العفو الرئاسي لا ينبغي أن يميز بين المساجين

معروف أن العفو الذي أقره الرئيس عبد المجيد تبون للكاتب المثير للجدل، جاء عقب وساطة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وقُدّم رسمياً على أنه «خطوة إنسانية» بحكم معاناة صنصال من المرض، إلا أنّه أعاد فتح تساؤلات سياسية وأخلاقية ودبلوماسية على المستويين الداخلي والخارجي.

وعلَق المحامي سعيد زاهي، وهو من أشهر المدافعين عن مساجين الحراك في ساحات القضاء، على هذا القرار قائلاً: «بركة الرئيس الألماني حررت حتى من كانوا يخشون التلميح لسجناء الرأي، وها هم اليوم يتحدثون عن العفو علناً... كلمة من الخارج كشفت صمت الداخل».

المحامي عبد الغني بادي (الشرق الأوسط)

كما نشر المحامي الكبير عبد الغني بادي على حسابه بـ«فيس بوك»، صورة لسجين من «جبهة الإنقاذ»، وكتب: «السيد بن يمينة عبد القادر، من ولاية تيارت (غرب البلاد)، مسجون منذ 34 عاماً بموجب حكم صادر عن محكمة غير دستورية، وهي المحاكم الخاصة التي أُلغيت لاحقاً بعد الجدل الذي أثير حول شرعيتها، غير أنّ أحكامها بقيت قائمة ونافذة. السيد عبد القادر، الذي يبلغ من العمر ثمانين عاماً، يعاني من أمراض مستعصية متعددة، ولم يعد قادراً على المشي. فهل من استجابة لنداءات ابنه محمد المتكّررة، ولرجاء أحفاده، حتى يقضي ما تبقى من عمره بينهم؟».

ويرى الرئيس السابق لحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» المعارض، الكاتب سعيد سعدي المقيم بفرنسا، أن العفو عن صنصال «كشف عن تناقض عميق: في الجزائر، الإنسانية مثل المحروقات، صالحة للتصدير»، ويقصد أن العفو جاء بعد ضغط أو اهتمام خارجي، مثل تدخل الرئيس الألماني، «وليس بالضرورة نتيجة التزام داخلي صادق بالقيم الإنسانية أو العدالة».

الرئيس السابق لحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

ويوضح سعدي أن هذه الخطوة «تعكس نوعاً من التبعية الأخلاقية للضغط أو الاعتراف الخارجي»، عاداً أن «إنسانية رئيس الدولة لا ينبغي أن تُستثار من طرف رئيس أجنبي».

ورغم ترحيبه بما يمثّله الإفراج من ارتياح لعائلة صنصال، فإنه يرى فيه «مؤشراً على ضعف سياسي وضعف في القضاء الجزائري»، الذي دان صنصال بالسجن 5 سنوات مع التنفيذ، علماً بأن الكاتب اعتقل في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إثر تصريحات له أدلى بها لمنصة إخبارية فرنسية، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من الغرب الجزائري تتبع تاريخياً للمغرب».

كما يلفت سعدي إلى «التزامن المثير للقلق» بين إطلاق سراح صنصال والحكم بخمس سنوات سجناً على الشاب الشاعر محمد تاجديت، أحد أبرز رموز الحراك الشعبي، قائلاً: «نفس العقوبة، نفس المجتمع، مع ذلك يسلك المصيران دروباً متناقضة».

من جهته أقرّ رئيس حزب «جيل جديد»، سفيان جيلالي، بالطابع الإنساني للعفو، لكنه نبّه إلى أن «عدم تعميمه على سجناء آخرين معتقلين لأسباب أقل وطأة سيُنظر إليه كظلم بيّن». كما يؤكد أن العفو الرئاسي «لا يجب أن يُبنى على شفاعة أجنبية، ولا أن يحدث تمييزاً بين المواطنين».

القاضي المتقاعد حبيب عشي (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

أما القاضي المتقاعد الحبيب عشي، فيرى أنه «ما دامت الدولة والسلطة العليا تحركت في إطار التوازنات الاستراتيجية وبعد النظر الدبلوماسي، فالأخذ بخاطر الدولة الألمانية (التماس عفو عن صنصال) خطوة لا بأس بها، بل قد تكون ضرورية في سياق العلاقات الدولية المتشابكة، خصوصاً إذا كانت تصب في مصلحة الجزائر وصورتها كشريك موثوق ومتزن»، موضحاً أن «الانسجام الداخلي لا يقل أهمية عن التوازن الخارجي»، لذلك يدعو إلى أن يبادر الرئيس عبد المجيد تبون «بعفو ثان يشمل باقي المدانين من النمط نفسه، من منطلق وطني خالص، حتى لا يُفهم الموقف الرسمي على أنه كيل بمكيالين. فمثل هذه الخطوة ستكون رسالة قوة سياسية وأخلاقية، تُظهر أن الدولة لا تخضع للضغوط، بل تتصرف من موقع الثقة والعدل، وأن المصالحة الوطنية ليست ظرفية بل نهج دائم يترجم في الأفعال لا في الأقوال».