روسيا تتهم «الوحدة» الليبية بدعم مسلحين بالساحل الأفريقي

حكومة الدبيبة تجاهلت اتهامات موسكو لها بالتعاون مع «عملاء أوكرانيين»

لقاء سابق بين لافروف ووزير الخارجية الليبي المكلف محمد الباعور (السفارة الروسية في ليبيا)
لقاء سابق بين لافروف ووزير الخارجية الليبي المكلف محمد الباعور (السفارة الروسية في ليبيا)
TT

روسيا تتهم «الوحدة» الليبية بدعم مسلحين بالساحل الأفريقي

لقاء سابق بين لافروف ووزير الخارجية الليبي المكلف محمد الباعور (السفارة الروسية في ليبيا)
لقاء سابق بين لافروف ووزير الخارجية الليبي المكلف محمد الباعور (السفارة الروسية في ليبيا)

تجاهلت حكومة الوحدة «المؤقتة» في غرب ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، اتهامات رسمية روسية، وجّهتها إليها موسكو بشأن التعاون مع من وصفتهم بـ«عملاء أوكرانيين» في تنظيم وتسهيل عمليات إرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، بما في ذلك النيجر.

تزامنت هذه الاتهامات مع تقارير إعلامية محلية ظهرت منذ صيف هذا العام، تحدثت عن حصول حكومة الدبيبة على طائرات مسيّرة من أوكرانيا، استخدمتها في صراعها مع ميليشيات محلية، وهي الاتهامات التي أعادت موسكو الحديث عنها.

الدبيبة لدى استقباله نشطاء ليبيين عائدين بعد مشاركتهم في قافلة الصمود لكسر الحصار على قطاع غزة (مكتب الدبيبة)

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي في موسكو، إن أجهزة الأمن التابعة لحكومة الوحدة «تعاونت بتسهيلات من وسطاء بريطانيين مع عناصر أوكرانيين في تنظيم عمليات إرهابية في منطقة الساحل»، مضيفة أن هذا التعاون شمل «تزويد كييف بطائرات مسيّرة هجومية، وبرامج تدريبية يشرف عليها مدربون من مديرية المخابرات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية».

ورغم حساسية الاتهامات، لم يصدر أي تعليق رسمي من حكومة الدبيبة أو من وسائل الإعلام الموالية لها، فيما أكد مصدر عسكري في شرق ليبيا لـ«الشرق الأوسط» أن «معلومات وصلت بالفعل إلى السلطات هناك بشأن تدريب عناصر أمنية ليبية في أوكرانيا، وتلقي حكومة الدبيبة أنظمة طيران مسيّر»، عاداً أن «هذه المعطيات تعزز الرواية الروسية حول التعاون بين الطرفين».

ويرى المحلل العسكري، محمد الترهوني، أن الاتهامات الروسية «تحمل قدراً من المنطق»، مشيراً إلى أن «وجود طائرات مسيّرة أوكرانية في سماء غرب ليبيا لم يعد سراً»، وأن بعض التيارات المتشددة في المنطقة الغربية «قد تسهم بصورة غير مباشرة في تغذية أنشطة جماعات متطرفة، مثل (بوكو حرام) في النيجر ومالي».

ويأتي هذا الغموض في ظل انقسام سياسي وعسكري متواصل بين حكومة الوحدة في الغرب، والسلطة الموازية في الشرق، التي يقودها البرلمان والجيش الوطني الليبي.

وشكّلت الحرب الروسية - الأوكرانية، منذ اندلاعها في فبراير (شباط) 2022، محوراً جديداً للاستقطاب داخل المشهد الليبي، بحسب متابعين، إذ أبدت حكومة الدبيبة موقفاً مؤيداً لأوكرانيا، ورافضاً للعملية العسكرية الروسية.

وفي يناير (كانون الثاني) 2023، عقدت وزارة الدفاع في حكومة الدبيبة محادثات مع وفد عسكري أوكراني، تناولت - بحسب بيان رسمي حينها - «إمكانات التعاون في مجالات صيانة، وتجديد معدات القوات الجوية والبحرية الليبية، واستعادة قدراتها الفنية». كما عبّر الدبيبة في أكثر من مناسبة عن مخاوفه من تحوّل ليبيا إلى ساحة صراع بالوكالة، بعد تقارير غربية تحدثت عن نقل شحنات أسلحة روسية إلى الداخل الليبي.

في المقابل، تحدثت تقارير أوروبية عن وجود عناصر ليبية ضمن صفوف مجموعة «فاغنر» الروسية في مناطق شرق وجنوب البلاد، غير أن القيادة العامة للجيش الوطني الليبي سارعت إلى نفي تلك المزاعم، مؤكدة أن وجود «المدربين الروس» لا يتجاوز الدعم الفني أو الاستشاري.

ويرى سياسيون ومحللون أن الاتهامات الروسية الأخيرة لحكومة الدبيبة تعكس صراعاً أوسع على النفوذ الإقليمي والدولي في ليبيا، التي أصبحت موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية، يمتد من سواحل البحر المتوسط شمالاً، إلى تخوم الصحراء والساحل جنوباً، بما يجعلها محوراً جيوسياسياً شبيهاً بمناطق الطاقة في بحر قزوين والبحر الأسود.

ويخشى المرشح الرئاسي الليبي السابق، الدكتور مبروك أبو عميد، من أن تكون الاتهامات الروسية «مؤشراً خطيراً قد يدفع ليبيا إلى قلب صراع دولي محتدم بين موسكو وواشنطن، ويقوّض كل الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار الداخلي». وقال بهذا الخصوص: «في حال صحت هذه الاتهامات، فإن حكومة الدبيبة تتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذا التصرف الخطير، الذي قد تكون له تداعيات سياسية وأمنية بالغة على مستقبل البلاد».

ومن هذا المنطلق، يرى المحلل السياسي، حسام فنيش، أن الولايات المتحدة، حليفة أوكرانيا، «تتعامل مع الساحة الليبية بوصفها جزءاً من مسرح المواجهة غير المباشرة مع موسكو في أفريقيا»، مشيراً إلى أن واشنطن «أعادت صياغة استراتيجيتها الإقليمية لتأمين الحافة الجنوبية لأوروبا، ودعم المسار الأممي في ليبيا، بوصف ذلك وسيلة لاحتواء النفوذ الروسي المتنامي في الجنوب الليبي والساحل الأفريقي».

نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف في زيارة رسمية سابقة إلى بنغازي (الجيش الوطني)

في المقابل، أكد فنيش أن روسيا تسعى إلى «تحويل نفوذها في شرق وجنوب ليبيا إلى ورقة تفاوضية موازية لجبهتها في أوكرانيا»، لافتاً إلى أن «كل تطور عسكري على الأرض الأوكرانية يوازيه تحرك دبلوماسي، أو أمني في الساحة الليبية». مضيفاً أن بعض الأطراف المحلية أصبحت «امتدادات مباشرة للقوى الخارجية»، مبرزاً أن «الفاعلين السياسيين والعسكريين يربطون مصيرهم بالدعم الدولي أكثر من ارتباطهم بالشرعية الوطنية، وهو ما يكرّس حالة الجمود الراهنة، فلا حرب شاملة تفرض حسم الموقف، ولا تسوية شاملة تنهي الأزمة».


مقالات ذات صلة

«حكومة الوحدة» الليبية تعلن إطلاق هانيبال القذافي

شمال افريقيا هانيبال القذافي (متداولة)

«حكومة الوحدة» الليبية تعلن إطلاق هانيبال القذافي

أعلنت حكومة «الوحدة الوطنية المؤقتة» في بيان، مساء الخميس، إطلاق هانيبال معمر القذافي من محبسه في لبنان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي هانيبال القذافي في صورة مؤرخة عام 2011 (أرشيفية - أ.ب)

الإفراج عن هانيبال القذافي بعد عشر سنوات من التوقيف في لبنان

وافق المحقق العدلي في قضية خطف وإخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه القاضي زاهر حمادة على تخفيض الكفالة المالية من 11 مليون دولار إلى 900 ألف دولار أميركي.

يوسف دياب (بيروت)
شمال افريقيا صدام حفتر يتفقد منفذ التوم الحدودي (القيادة العامة)

صدام حفتر يؤكد تعزيز جاهزية وحدات الجيش لحماية الحدود

أكد صدام نجل المشير خليفة حفتر «حرص القيادة العامة على تعزيز جاهزية جميع وحداتها لتنفيذ المهام المكلفة بها بكفاءة عالية في حماية البلاد وحدودها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع وزراء خارجية الجزائر ومصر وتونس في الجزائر لبحث الأزمة الليبية (وزارة الخارجية المصرية)

مصر والجزائر وتونس تحضّ الليبيين على «إنهاء الانقسام»

أكد وزراء خارجية الجزائر ومصر وتونس على دعم دولهم «للجهود التي تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة في ليبيا يقودها الليبيون بأنفسهم».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع المشير خليفة حفتر مع قبائل الزنتان (الجيش الوطني)

حفتر يتمسك بالدعوة إلى «حراك سلمي» في ليبيا

تمسك المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» المتمركز في شرق ليبيا، بدعوته لليبيين إلى ما أسماه «حراكاً سلمياً» لإنهاء الوضع الراهن.

خالد محمود (القاهرة )

الرئيس الموريتاني يدعو لمشاركة أوسع في «الحوار الوطني» لترسيخ الوحدة الوطنية

الرئيس الموريتاني خلال حديثه أمام سكان ولاية الحوض الشرقي (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني خلال حديثه أمام سكان ولاية الحوض الشرقي (الرئاسة الموريتانية)
TT

الرئيس الموريتاني يدعو لمشاركة أوسع في «الحوار الوطني» لترسيخ الوحدة الوطنية

الرئيس الموريتاني خلال حديثه أمام سكان ولاية الحوض الشرقي (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني خلال حديثه أمام سكان ولاية الحوض الشرقي (الرئاسة الموريتانية)

عبر الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، عن أمله في مشاركة أكبر عدد ممكن من الأطراف السياسية في الحوار الوطني المرتقب للتوصل إلى إجماع حول القضايا، والإصلاحات الكبرى وتعزيز الجبهة الداخلية، مؤكداً أن هذا الحوار «هو السبيل لترسيخ الوحدة الوطنية، وتحصين البلاد في وجه التحديات، وتوفير أرضية مشتركة للمستقبل».

وقال ولد الغزواني إن لديه «قناعة راسخة بعدم وجود أي مسوغ للصدام بين النخب السياسية»، مضيفاً أن «اختلاف البرامج والرؤى ليس مبرراً للتخوين أو القطيعة». وطالب النخب السياسية بـ«تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية»، مضيفاً أن ذلك هو «ما دفعه لأن يدعو الفرقاء السياسيين إلى حوارٍ يناقش المواضيع الكبرى للبلد، وتنتج عنه تفاهمات وطنية».

سكان ولاية الحوض الشرقي يستمعون إلى كلمة الرئيس ولد الغزواني (الرئاسة الموريتانية)

كما أكد ولد الغزواني، الذي يحكم موريتانيا منذ 2019، أنه متمسك بفكرة «التهدئة السياسية»، وأن سياسته ستظل قائمة على «مكافحة الغبن والإقصاء وتعزيز اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية»، وفق تعبيره.

وكان ولد الغزواني قد أعلن خلال حملته الانتخابية العام الماضي، نيته تنظيم حوار وطني شامل ومفتوح للجميع ودون خطوط حمراء، وبعد فوزه بولاية رئاسية ثانية أطلق مسار التحضير للحوار، وكلف أحد المقربين منه بتولي تنسيق الحوار، وقال في خطابه، أمس (الخميس)، إنه تسلم تقرير منسق الحوار، ويتمنى أن يشارك الجميع فيه.

وفي رد غير مباشر على معارضي نظام الرئيس الحالي، الذين يتهمون حكومته بالفشل في تحسين الاقتصاد، والتورط في عمليات فساد واسعة، أعلن ولد الغزواني في خطابه أن «الوضعية الاقتصادية للبلد تتحسن باستمرار، حيث حافظ النمو خلال السنوات الثلاث الأخيرة على أكثر من 6 في المائة».

ودافع ولد الغزواني عن حصيلة عمل نظامه، وقال إن هنالك «تقدماً كبيراً في مجالات المياه والكهرباء والصحة والتعليم، عبر مضاعفة مشاريع الإنتاج»، لكنه اعترف في المقابل بوجود «تحديات ونواقص تعمل الحكومة من أجل رفعها والتغلب عليها».

من جهة ثانية، أكد ولد الغزواني أن دولة مالي تعرف أوضاعاً صعبة بسبب الحرب، مشيراً إلى أن الجيش الموريتاني يسهر على تأمين الحدود بين البلدين، التي تمتد لأكثر من 2000 كيلومتر.

وكان ولد الشيخ الغزواني يتحدث، الخميس، أمام الآلاف من سكان ولاية الحوض الشرقي، وهي منطقة تقع في أقصى شرقي البلاد على الحدود مع دولة مالي، حيث تنشط تنظيمات إرهابية موالية لتنظيم «القاعدة»، وتخوض حرباً شرسة ضد الجيش المالي المدعوم من روسيا، وفي بعض الأحيان تخترق هذه الحرب الشريط الحدودي مع الولاية.

وزار ولد الشيخ الغزواني الولاية من أجل تدشين مشاريع حكومية، إلا أن هذه الزيارة تأخذ أهميتها من الموقع الجغرافي للمنطقة على الحدود مع مالي، وحيث ينتشر الجيش الموريتاني بكثافة على الشريط الحدودي.

وقال ولد الغزواني إن هنالك تداعيات و«آثاراً» للحرب والظروف الصعبة التي تعرفها دولة مالي، لكنه شدد على أن «حدود البلاد مؤمنة»، داعياً المواطنين إلى الاطمئنان.

وأطلق ولد الغزواني من ولاية الحوض الشرقي برنامجاً تنموياً بتمويل يتجاوز 40 مليار أوقية، وهو ما يعادل مليار دولار أميركي، ويهدف هذا البرنامج إلى ما سمته الحكومة «تعميم النفاذ إلى الخدمات الضرورية للتنمية المحلية على مستوى الحوض الشرقي».

وقالت الحكومة إن البرنامج سينفذ خلال 30 شهراً، حيث ستشيد مدارس جديدة ومستشفيات، ومشاريع لتوفير المياه والكهرباء، وتشييد طرق لفك العزلة عن القرى النائية، وتمويل مشاريع الزراعة لصالح السكان المحليين، بالإضافة إلى فتح مراكز تكوين وتشغيل الشباب، وتمويل مشاريع لصالح أكثر من 2000 شاب.


«مجلس حقوق الإنسان» يعقد جلسة طارئة بشأن الفاشر

من حرب السودان الدائرة منذ أبريل 2023 (أرشيفية - رويترز)
من حرب السودان الدائرة منذ أبريل 2023 (أرشيفية - رويترز)
TT

«مجلس حقوق الإنسان» يعقد جلسة طارئة بشأن الفاشر

من حرب السودان الدائرة منذ أبريل 2023 (أرشيفية - رويترز)
من حرب السودان الدائرة منذ أبريل 2023 (أرشيفية - رويترز)

أظهرت مذكرة دبلوماسية للأمم المتحدة، الخميس، أن مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية، سيعقد جلسة طارئة بشأن الوضع في مدينة الفاشر، أكبر مدن إقليم دارفور، في أعقاب مخاوف جدية بشأن عمليات قتل جماعي وقعت خلال سيطرة «قوات الدعم السريع» على المدينة.

يمثل استيلاء «قوات الدعم السريع» على الفاشر، التي كانت آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور، نقطة تحول في الحرب الأهلية الدائرة في السودان منذ أكثر من عامين ونصف العام؛ إذ منحت «الدعم السريع» سيطرة فعلية على أكثر من ربع مساحة البلاد. وأظهرت الوثيقة أن أكثر من 50 دولة أيدت الاقتراح الذي قادته بريطانيا، وآيرلندا، وألمانيا، وهولندا والنرويج، بما في ذلك ثلث الأعضاء الحاليين الذين لهم حق التصويت. وأضافت أن الجلسة ستنعقد في يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني) أو بعده بقليل.

في غضون ذلك، لقي عدد من الأشخاص مصرعهم وأصيب آخرون، بقصف جوي نفذته طائرة مسيّرة يرجح أنها تابعة للجيش السوداني، استهدفت أحياء سكنية في مدينة الفولة، حاضرة ولاية غرب كردفان. وأكدت مصادر موالية للجيش تنفيذ ضربات جوية دقيقة على مواقع تابعة لـ«الدعم السريع»، أفضت إلى مقتل قادة كبار.

الهدنة الإنسانية

وفي ظل جدل الهدنة الإنسانية، دفع نحو 200 شخصية قيادية مدنية سودانية بمذكرة حملت اسم «بارقة أمل... في دعم جهود الرباعية لسلام السودان»، لدول «الرباعية»، وهي الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات ومصر، دعت فيها إلى تكثيف الضغوط على طرفي الحرب؛ من أجل تفاوض يوقف الحرب وينهي القتال المستمر منذ 15 أبريل (نيسان) 2023.

وقال الموقّعون على المذكرة، في بيان، الخميس، إنهم سلموا المذكرة لوزراء خارجية «الرباعية» مع نسخة للأمين العام للأمم المتحدة وأخرى لمفوض الاتحاد الأفريقي، طالبتهما فيها بتبني خريطة طريق «الرباعية» واعتمادها من مجلسي الأمن الدولي والسلم والأمن الأفريقي، بما يسمح باتخاذ قرارات ملزمة لحماية المدنيين.

وعدَّ الموقعون جهود «الرباعية الدولية» بارقة أمل لإطفاء حريق البلاد، وحثوا طرفي القتال لقبول فوري لوقف العدائيات، وإلى التوقيع غير المشروط على هدنة إنسانية تمهد لسلام شامل يعيد للسودان وحدته واستقراره.

وترددت أنباء في مدينة بورتسودان، حيث مقر الحكومة المؤقت، عن اجتماع مرتقب لـ«مجلس الأمن والدفاع» لبحث اتخاذ موقف موحد تجاه قبول هدنة إنسانية لثلاثة أشهر، وفق خريطة الطريق التي طرحتها «الرباعية الدولية» في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويأتي اجتماع المجلس بعد تصريحات حديثة أدلى بها مستشار الرئيس دونالد ترمب للشؤون الأفريقية في القاهرة، يوم الأربعاء، أكد فيها أن الجيش و«الدعم السريع» رحَّبا بهدنة إنسانية، بلغت حد مناقشة التفاصيل الفنية واللوجيستية التي تسبق التوقيع النهائي على الهدنة.

أحداث كردفان

«مركز الملك سلمان للإغاثة» يوزع مساعدات غذائية في مناطق بولاية شمال كردفان بالسودان (واس)

ميدانياً، نقلت مصادر محلية أن مسيَّرة استهدفت أحياء سكنية في مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، أدى الاستهداف إلى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجراح متفاوتة، وإلى تدمير منازل ومحال تجارية، لكن الجيش لم يعلق على الخبر رسمياً.

وحملت جهات مناوئة للجيش المسؤولية عن القصف، ووصفته بأنه «جريمة حرب»، وبثوا مقاطع فيديو وصوراً لأشخاص قالوا إنهم الضحايا.

بيد أن مؤيدي الجيش ذكروا في منصاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أن «سلاح الجو» نفذ ضربات دقيقة، يوم الأحد، على مواقع تابعة لـ«قوات الدعم السريع» في منطقة أبو زبد القريبة، وزعموا أنها أفضت إلى مقتل قادة بارزين في «الدعم السريع»، ودمَّرت مركبات قتالية. وتدين جهات أممية وحقوقية تزايد الهجمات الجوية وما تسببه من أضرار واسعة تلحق بالمدنيين، ودعت لتحقيق مستقل يحدد المسؤولية عن تلك الانتهاكات.

من جهة أخرى، زعمت «قوات الدعم السريع»، أنها أسقطت طائرة عسكرية من طراز «إليوشن» روسية الصنع، تابعة للجيش في سماء مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، صباح الخميس، ومصرع طاقهما، من دون صدور ردود فعل رسمية من الجيش.

وتحاصر «قوات الدعم السريع» «الفرقة 22» التابعة للجيش في مدينة بابنوسة، وتقطع عنها الإمداد منذ أكثر من عام، بينما تحدثت مصادر عسكرية عن تنفيذ الجيش عمليات إسقاط جوي للإمدادات للجنود المحاصرين.

وعادة يستخدم الجيش طائرات النقل الجوي من طرازي «إليوشن» و«أنتنوف» في عمليات الإسقاط الجوي وإلقاء البراميل المتفجرة على خصومه، بينما ذكرت تقارير صحافية سابقة أن «الدعم السريع» أسقطت عدداً منها؛ ما أضعف قدرة الجيش على توصيل المؤن لجنوده المحاصرين في عدد من المناطق.

ولقي العشرات مصرعهم في منطقة «خور طقت» قرب مدينة الأُبيّض، جراء هجوم نفذته مسيَّرة تابعة لـ«قوات الدعم السريع»، استهدفت سرادق عزاء في قرية اللويب بولاية شمال كردفان، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة عدد كبير من المواطنين.


صور الأقمار الاصطناعية ترصد «مقابر جماعية» في الفاشر بالسودان

صور بالأقمار الاصطناعية لـ«مقابر جماعية» بمدينة الفاشر في أعقاب هجوم شنته «قوات الدعم السريع» (أ.ب)
صور بالأقمار الاصطناعية لـ«مقابر جماعية» بمدينة الفاشر في أعقاب هجوم شنته «قوات الدعم السريع» (أ.ب)
TT

صور الأقمار الاصطناعية ترصد «مقابر جماعية» في الفاشر بالسودان

صور بالأقمار الاصطناعية لـ«مقابر جماعية» بمدينة الفاشر في أعقاب هجوم شنته «قوات الدعم السريع» (أ.ب)
صور بالأقمار الاصطناعية لـ«مقابر جماعية» بمدينة الفاشر في أعقاب هجوم شنته «قوات الدعم السريع» (أ.ب)

أظهرت صور بالأقمار الصناعية مؤشرات على «مقابر جماعية» و«أنشطة تخلّص من الجثث» في مدينة الفاشر بشمال إقليم دارفور في غرب السودان، بعد سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بحسب مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأميركية.

وعقب سيطرة «قوات الدعم السريع» على الفاشر، آخر المعاقل الرئيسية للجيش السوداني في دارفور، أفادت الأمم المتحدة بوقوع مجازر وعمليات اغتصاب ونهب ونزوح جماعي للسكان.

ووصفت شهادات عديدة، مدعومة بمقاطع مصورة نشرتها «قوات الدعم» على مواقع التواصل الاجتماعي، فظائع في المدينة التي انقطعت عنها الاتصالات بالكامل.

صور بالأقمار الاصطناعية لـ«مقابر جماعية» بمدينة الفاشر في أعقاب هجوم شنته «قوات الدعم السريع» (أ.ب)

وتحدث تقرير لمختبر البحوث الإنسانية، نُشر الخميس، عن «اضطرابات أرضية في موقعين على الأقل تتسق مع مقابر جماعية»، بالقرب من مستشفى سابق ومسجد في الفاشر، و«ما لا يقل عن 34 مجموعة من الأجسام التي تُطابق الجثث الظاهرة في صور الأقمار الاصطناعية».

ورصد التقرير وجود خنادق واختفاء أكوام من الأجسام كان تم تحديدها سابقاً خارج مستشفى للولادة «تستخدمه (الدعم السريع) حالياً موقعَ احتجاز».

وأشار التقرير كذلك إلى «خندق يبلغ طوله نحو 7 أمتار وعرضه 4 أمتار»، بالقرب من مسجد في حي الدرجة الأولى بالفاشر قرب المستشفى السعودي، حيث كانت «منظمة الصحة العالمية» تحدثت عن مقتل 450 من المرضى والطواقم.

وأفاد تقرير مختبر الجامعة الأميركية بتوافر أدلة على إعدامات ميدانية جماعية بالقرب من الحاجز الترابي الذي أقامته «الدعم السريع» أثناء حصارها المدينة لأكثر من عام.

صور بالأقمار الصناعية لـ«مقابر جماعية» بمدينة الفاشر في أعقاب هجوم شنته «قوات الدعم السريع» (أ.ب)

كان مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية حذّر، الاثنين، من أن الفظاعات التي ارتُكِبت في الفاشر «إذا تم إثباتها، قد تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب (نظام روما)».

وفرّ عشرات الآلاف من المدينة بعد سيطرة «الدعم السريع» عليها. وأفاد شهود «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن هذه القوات اعتقلت مئات المدنيين أثناء محاولتهم الفرار، فضلاً عن تعرضهم للعنف والقتل.

وأفادت الأمم المتحدة الجمعة بأن عدد القتلى جراء الهجوم قد يناهز المئات. من جهتها، تتهم الحكومة التابعة للجيش «قوات الدعم» بقتل ألفي مدني.

وأسفر النزاع الذي اندلع في السودان، أبريل (نيسان) 2023، عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص، وأدى إلى نزوح نحو 12 مليون شخص، متسبباً بأكبر أزمتي نزوح وجوع في العالم، بحسب الأمم المتحدة.