«أطباء سودانيون»: الوضع الصحي في الفاشر كارثي للغاية

انعدام الأدوية يضع مصير آلاف المرضى والجرحى على حافة الموت

أكد سكان في الفاشر أنهم باتوا يلجأون إلى استخدام الصبار والثوم وغيرهما من الأعشاب البلدية لعلاج مرضاهم (رويترز)
أكد سكان في الفاشر أنهم باتوا يلجأون إلى استخدام الصبار والثوم وغيرهما من الأعشاب البلدية لعلاج مرضاهم (رويترز)
TT

«أطباء سودانيون»: الوضع الصحي في الفاشر كارثي للغاية

أكد سكان في الفاشر أنهم باتوا يلجأون إلى استخدام الصبار والثوم وغيرهما من الأعشاب البلدية لعلاج مرضاهم (رويترز)
أكد سكان في الفاشر أنهم باتوا يلجأون إلى استخدام الصبار والثوم وغيرهما من الأعشاب البلدية لعلاج مرضاهم (رويترز)

بلغ الوضع الصحي في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب السودان)، مستويات حرجة، إذ يهدد حياة آلاف المرضى من المدنيين وجرحى العمليات العسكرية المستمرة، بعد أن نفد المخزون الدوائي بالكامل، وبقاء مستشفى واحد فقط يعمل بالمدينة لتلبية احتياجات أكثر من 260 ألف مدني.

استهداف الكوادر الطبية

أعلنت «شبكة أطباء السودان»، الأربعاء، مقتل 12 شخصاً وإصابة 17 آخرين، بينهم طبيبة وممرض جراء قصف مدفعي لـ«قوات الدعم السريع» على مستشفى الفاشر. وقالت الشبكة إن «استهداف مستشفى يعج بالمرضى والكوادر الطبية يعد جريمة مكتملة الأركان». وحمّلت «قوات الدعم السريع» المسؤولية الكاملة عن القصف المتعمد، مطالبة المجتمع الدولي بالتحرك الفوري «لوقف الانتهاكات، وقصف المرافق الخدمية، والمستشفيات ومنازل المواطنين، وحماية ما تبقى من النظام الصحي المنهار في الفاشر».

سودانية تتلقى العلاج بأحد مستشفيات أم درمان (رويترز)

وتقول إحدى الطبيبات، طلبت عدم نشر هويتها لــ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد علاج في الفاشر»، مضيفة: «نستقبل يومياً عشرات الجرحى بالمقذوفات النارية، التي تتساقط عشوائياً على المدينة، فيما تتضاءل فرص إنقاذ أعداد كبيرة منهم مع نقص الأدوية»، مؤكدة أن المستشفى «السعودي» الوحيد، الذي يعمل في المدينة بطاقة محدودة جداً، رغم أنه يكتظ بالجرحى والمرضى، «وبسبب ندرة المستلزمات الطبية، نضطر في كثير من الأحيان إلى استخدام قطع الأقمشة بعد تعقيمها بديلاً للشاش الطبي المنعدم تماماً».

ومنذ نحو عامين على الحصار الخانق الذي تفرضه «قوات الدعم السريع» على الفاشر، كبرى المدن في شمال الإقليم، لم تدخل أي إمدادات طبية، وانعدمت أكثر من 80 في المائة من الأدوية الأساسية، بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة.

وضع صحي مأساوي

يروي المواطن آدم أحمد، الذي يسكن الفاشر، معاناة الناس هناك، ومحاولاتهم إنقاذ من يتعرض للقصف المدفعي في منازلهم، قائلاً: «لا توجد سيارات لنقل الجرحى، ولذلك نستخدم عربات تجرها الدواب، وأحياناً نحمل الأطفال على أكتافنا إلى المستشفى. كما نلجأ إلى الإسعافات الأولية باستخدام قطع من الأقمشة النظيفة للضغط على الجرح ووقف النزيف».

بلغ الوضع الصحي في مدينة الفاشر مستويات حرجة بحسب تصريحات مسؤولين طبيين (رويترز)

ويتابع أحمد، في تصريحاته لــ«الشرق الأوسط»: «بين وقت وآخر نفقد أسرة كاملة تدفن تحت الأنقاض، جراء سقوط القذائف عشوائياً على المنازل في الأحياء السكنية... ولذلك فسكان الفاشر يتوقعون الموت في أي لحظة».

بدوره، تحدث طبيب آخر عن ارتفاع كبير في أعداد الجرحى في المدينة، مقدراً عدد الذين بُترت أطرافهم في الأيام القليلة الماضية بنحو 60 حالة بسبب الإصابات البليغة الناجمة عن شظايا القصف المدفعي، غالبيتهم من المدنيين.

ونبه الطبيب إلى تأخر إجراء العمليات الجراحية بسبب تكدس الجرحى، والنقص الكبير في الكوادر الصحية. وقال إن وزارة الصحة المحلية في الفاشر لا تزال تعتمد على ما تبقى من مخزون الأدوية الموجود قبل اندلاع الحرب ومحاصرة المدينة، متوقعاً أن يتحسّن الوضع الصحي قليلاً بعد عملية الإسقاط التي نفذها الجيش السوداني للمرة الثانية خلال أسبوع.

ونجح الجيش بعد أشهر طويلة من إنزال مؤن وعتاد عسكري لمقره (الفرقة السادسة مشاة) في الفاشر، شملت مساعدات إنسانية من المواد الغذائية والطبية.

نقص الكوادر

أشارت مصادر طبية إلى النقص الكبير في الكوادر البشرية الصحية في المستشفى السعودي، الذي بات يسير بعدد قليل من الاختصاصيين في قسم النساء والتوليد والجراحة والأطفال، بالإضافة إلى عدد من الأطباء العموميين ومتطوعين.

وبحسب المصادر ذاتها، فقد «غادرت أعداد كبيرة من الكوادر الطبية الفاشر، بينما أصيب العشرات منهم أثناء تقديم الخدمة الطبية، وانسحبت العديد من الفرق الطبية العاملة في المنظمات بسبب احتدام القتال»، مؤكدة أن نحو 80 في المائة من الأدوية الأساسية باتت غير متوفرة، وأن المدينة باتت تعيش واحدة من أخطر الأزمات الصحية منذ اندلاع الحرب في السودان.

تزايد القصف المدفعي والجوي بالمسّيرات في الآونة الأخيرة أرغم الأسر على البحث عن ملاجئ تقيهم الموت (رويترز)

وقال سكان في المدينة إنهم باتوا يلجأون إلى استخدام الصبار والثوم وغيرهما من الأعشاب البلدية لعلاج مرضاهم، وتنظيف جروح مرضى السكري الذين تضاعفت معاناتهم بسبب انعدام الإنسولين والأدوية الخاصة. وتحدثوا عن ارتفاع وفيات المصابين بالقصف، والمرضى من الأطفال والنساء والرجال كبار السن، جراء الجوع وسوء التغذية والأمراض المزمنة، بسبب فقدانهم للعلاج.

بدورها، قالت «تنسيقية لجان المقاومة»، وهي إحدى المجموعات المدنية التي توثق فظائع النزاع، إن المستشفى التخصصي للنساء والتوليد بالفاشر تعرض ليل الثلاثاء لقصف مدفعي عنيف، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، بينهم أطفال ونساء كبار السن.

كما أفاد شهود عيان في الفاشر بأن القصف المدفعي والجوي بالمسيّرات ازداد حدة في الآونة الأخيرة، مع ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين، ومحاولة الجيش التصدي لها.


مقالات ذات صلة

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

شمال افريقيا قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

أثارت تصريحات مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، التي شدد فيها على التمسك بالحل العسكري، ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي «شبكة أطباء السودان» تصف ما يجري في الفاشر بأنه «جريمة إنسانية مكتملة الأركان» (رويترز)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف «الفظائع المروّعة» في السودان

دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك (الاثنين) إلى تحرّك دولي عاجل لوقف «الفظائع المروّعة» في مدينة الفاشر السودانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الخليج جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية) play-circle

مصدر قريب من «الرباعية»: «منبر جدة» مفتوح أمام طرفَي الصراع السوداني

أكد مصدر وثيق الصلة بمفاوضات المجموعة «الرباعية الدولية» المعنيّة بالأزمة في السودان أن جهوداً تُبذل بهدف توقيع هدنة إنسانية وإطلاق حوار.

غازي الحارثي (الرياض)
العالم العربي المدير العام لمنظمة «الصحة العالمية» تيدروس أدهانوم غيبريسوس (د.ب.أ)

«الصحة العالمية»: مقتل 6 وإصابة 12 في هجوم على مستشفى بولاية كردفان السودانية

أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، اليوم (الأحد)، أن هجوماً على مستشفى في ولاية كردفان السودانية يوم 6 نوفمبر الحالي أدّى إلى مقتل 6 وإصابة 12 آخرين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

أعرب سكان في الأُبيِّض بجنوب السودان عن خشيتهم مع ورود تقارير عن استعداد «قوات الدعم السريع» لشن هجوم على مدينتهم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)
قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)
TT

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)
قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

أثارت التصريحات التي أدلى بها مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، التي شدد فيها على التمسك بالحل العسكري لإنهاء الحرب في البلاد، ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية؛ فبينما فسرها البعض بأنها «لا تتناقض مع الموقف الرسمي للحكومة»، رأى آخرون أنها تبرز «حالة من الصراع داخل قيادة الجيش»؛ إذ يسعى تيار فيها لإفشال الهدنة الإنسانية المطروحة من قبل «الرباعية الدولية» الساعية لوقف الحرب في البلاد.

وقال العطا في تسجيل مصور نُشر في وقت متأخر من ليل الأحد/الاثنين: «إذا أحصينا عدد حروف (بل بس)، تصبح (رباعية)»، مضيفاً: «هذه هي رباعيتنا»، وكرر مقولة «بل بس» أكثر من مرة. وتابع: «قاتلنا كثيراً، ونحب السلام».

نازحون من الفاشر يتجمعون في ضواحي مدينة طويلة بغرب دارفور (أ.ف.ب)

وكان حاكم إقليم دارفور «رئيس حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، قدم العطا في حفل التخريج على أنه «زعيم البلابسة»، وهي اختصار لجملة «بل بس»؛ الشعار الأشهر الذي يردده مؤيدو معسكر الجيش الداعم لاستمرار الحرب.

وعُرف العطا، الذي يُوصف بالجنرال المتشدد، بمواقفه المتصلبة ضد «قوات الدعم السريع»، والدعوة إلى الحسم العسكري، لتثبيت نفوذه الميداني والسياسي في الجيش.

وفي وقت سابق أعلن «مجلس الأمن والدفاع»، وهو أعلى هيئة سياسية وعسكرية في البلاد، ترحيبه بالمبادرات المقدمة من بعض «الدول الصديقة» لإنهاء معاناة السودانيين، من ضمنها الجهود التي يقوم بها مستشار الرئيس الأميركي، مسعد بولس، للوصول إلى هدنة إنسانية من أجل وقف الحرب.

وقال المتحدث الرسمي باسم «حركة العدل والمساواة»، محمد زكريا، لـ«الشرق الأوسط»، إن لدى الحكومة السودانية ملاحظات على هيكل «الرباعية الدولية» التي تضم أميركا والسعودية والإمارات ومصر، مضيفاً أنه «لتجاوز هذه التعقيدات باشرت واشنطن حواراً استراتيجياً مع الحكومة السودانية حول جملة من القضايا، كان من ضمنها حل الأزمة في البلاد».

جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية)

وأوضح أن «مسودة مقترح الهدنة الإنسانية الذي تقدمت به الإدارة الأميركية، جاءت في هذا الإطار، إلى جانب المبادرات الدولية الساعية لوقف الحرب في السودان».

وذكر أن الموقف الرسمي «أعلنه وزير الدفاع، حسن كبرون، عقب الاجتماع الطارئ والمهم الذي عقده مجلس الأمن والدفاع، الأسبوع الماضي، وأوضح فيه أن مقترح الهدنة لا يجد القبول من الحكومة السودانية لأسباب عديدة، من بينها المساواة بين الجيش و(قوات الدعم السريع)، ومحاولة إعادة إنتاج الأخيرة في المشهد السياسي، بالإضافة إلى عدم وضوح آليات وقف إطلاق النار».

وقال زكريا إن طرح الهدنة الإنسانية «جاء في وقت مريب؛ ففي الوقت الذي كانت الحكومة السودانية منفتحة على أي مبادرة لتهدئة القتال، تلكأت القوى الدولية في تقديم المبادرة إلى ما بعد سقوط مدينة الفاشر» في يد «ميليشيا الدعم السريع».

وفي هذا الصدد، أشار إلى أن تصريحات مساعد قائد الجيش ياسر العطا «تأتي اتساقاً مع الموقف الرسمي للحكومة، بأن أي هدنة إنسانية يجب أن تؤسس على اتفاق مبادئ (منبر جدة) الذي قضى بخروج (قوات الدعم السريع) من الأعيان المدنية، ومن ثم يمكن بحث تنفيذ ومراقبة الهدنة الإنسانية المطروحة من (الآلية الرباعية)».

البرهان يحيي ضباط الجيش بـ«قاعدة جبيت» العسكرية (أ.ف.ب)

وقال زكريا إن تصريحات العطا «جاءت في حفل تخريج لحشد من القوات التي تتبع (القوة المشتركة)، لرفع معنويات الجنود في جبهات القتال، وبالتالي لا يمكن عزلها عن السياق الزماني والمكاني للحدث، كما أنها في الوقت نفسه تتسق مع الموقف الرسمي الذي يعبر عن كل أطراف الحكومة السودانية، وهو التمسك بتفكيك (قوات الدعم السريع) عبر أي اتفاق سياسي، أو عبر الحسم العسكري».

بدوره، قال المتحدث باسم «التحالف الديمقراطي المدني لقوى الثورة» (صمود)، جعفر حسن، إن حديث الجنرال ياسر العطا «يبرز وجود مراكز متعددة ومتناقضة داخل سلطة الأمر الواقع في بورتسودان في الموقف من وقف الحرب»، وعدّ ذلك «مؤشراً خطيراً يعقّد المشهد».

وأضاف أن «مخاطبة (الرباعية) بهذه الطريقة موقف غير مسؤول تجاه دول في المنطقة ظلت تبذل جهوداً كبيرة لمساعدة السودانيين في وقف الحرب»، لافتاً النظر إلى التصريحات الإيجابية التي صدرت سابقاً من قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ووزارة الخارجية، في التعاطي بانفتاح مع جهود «الآلية الرباعية». لكن مصادر سياسية أخرى، فضّلت عدم كشف هوياتها، رأت في حديث العطا «بوادر صراع خفي داخل المكون العسكري بشأن الهدنة الإنسانية، تغذي ذلك الصراع جماعة الإخوان المسلمين، وقوى أخرى ترفض وقف الحرب».

وقالت المصادر ذاتها إن هذه التيارات «ترفض بشدة مبادرة (الرباعية)، وتعمل على عرقلة قيادة الجيش التي وافقت مبدئياً على المضي في الهدنة الإنسانية».

عناصر من «الدعم السريع» في الفاشر (أ.ف.ب)

من جهته، قال المستشار في «الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية» اللواء معتصم عبد القادر الحسن، إن «موقف القيادة العسكرية للجيش السوداني واضح، ولا يوجد أي اختلاف ما بين ما صدر عن مجلس الأمن والدفاع، وما صرح به الفريق ياسر العطا».

وأضاف أن «العطا ذكر الجانب المتعلق بأن العمل العسكري ضد الميليشيا مستمر ولن يتوقف، وهذا لا يعني أن الجيش يرفض التفاوض على أي هدنة إنسانية، وإنما يتمسك بما تم الاتفاق عليه من بنود في (منبر جدة)، بأن تلتزم (قوات الدعم السريع) بإخلاء المدن، وتجميع قواتها في معسكرات تم تحديدها من قبل».

عائلات منكوبة ونازحة من الفاشر (أ.ف.ب)

ولفت عبد القادر إلى أن حديث مساعد قائد الجيش «لا يحمل جديداً، والتركيز على العمل العسكري هو موقف الجيش، وفي حال استمرار (قوات الدعم السريع) في عدم الاستجابة لشروط الهدنة الإنسانية، سيمضي في طريق التحشيد وتنظيم صفوفه لحسم المعركة عسكرياً».


محادثات مصرية - روسية تناقش تعزيز العلاقات وتحقيق «استقرار إقليمي»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)
TT

محادثات مصرية - روسية تناقش تعزيز العلاقات وتحقيق «استقرار إقليمي»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تقدير بلاده لعلاقتها «الوثيقة» مع روسيا وما تشهده من تطور وزخم، تم تتويجه بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، مؤكداً خلال استقباله وفداً رفيع المستوى برئاسة سيرغي شويغو، أمين مجلس الأمن لروسيا الاتحادية، على ضرورة مواصلة بذل الجهود لتحقيق الاستقرار في دول منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على وحدتها وسيادتها ومقدرات شعوبها، وفق بيان لرئاسة الجمهورية المصرية، الاثنين.

وبحسب المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، السفير محمد الشناوي، تناول اللقاء سُبل تعزيز العلاقات الثنائية، واستعراض فرص تطويرها في مختلف المجالات، لا سيما السياسية والتجارية والاستثمارية. كما تم التأكيد على أهمية البناء على ما سبق الاتفاق عليه خلال قمة جمعت الرئيس المصري بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء زيارة السيسي لموسكو للمشاركة في احتفالات عيد النصر في مايو (أيار) الماضي.

وتطرّق اللقاء إلى مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومشروع محطة الضبعة النووية، إلى جانب ملفات أخرى؛ حيث شدّد السيسي على أهمية تكثيف التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، والعمل على زيادة حجم التبادل التجاري، وتعزيز التعاون في قطاع السياحة، وفق بيان الرئاسة المصرية.

من جانبه، أكد شويغو حرص روسيا على مواصلة تطوير العلاقات الثنائية مع مصر والارتقاء بها، إلى جانب استمرار التشاور السياسي حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، مبدياً تقدير بلاده للدور المصري في منطقة الشرق الأوسط، مضيفاً أن «التاريخ سوف يتذكر الدور الجوهري الذي يقوم به الرئيس المصري لتحقيق الاستقرار الإقليمي»، وشدّد على حرص روسيا على مُواصلة التنسيق مع مصر في هذا الإطار.

وشدّد الرئيس المصري خلال اللقاء على أهمية التنفيذ الكامل لاتفاق شرم الشيخ لوقف الحرب في قطاع غزة بكل مراحله، وتثبيت وقف إطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بكميات كافية إلى القطاع دون قيود. كما تم التشديد على أن تطبيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لمرجعيات الشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم والاستقرار في المنطقة.

وأشار السيسي أيضاً إلى دعم مصر كل الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة الروسية الأوكرانية والتوصل إلى سلام شامل.

لقاء مصري - روسي تناول تطورات الأوضاع في المنطقة والعلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)

وقال السفير عزت سعد، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية والسفير المصري الأسبق لدى روسيا الاتحادية، إن زيارة الوفد الروسي للقاهرة «تأتي في سياق العلاقات المتطورة والمتعددة الأبعاد بين مصر وروسيا، التي توصف رسمياً بأنها علاقة ذات طبيعة استراتيجية شاملة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تشاور وتبادل رؤى منتظم بين مصر وروسيا، كون مصر هي الشريك الأكبر لروسيا في القارة الأفريقية على المستوى الاقتصادي والتجاري، وهناك حرص متبادل بين الجانبين على التعاون وتوسيع علاقات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي سواء على المستوى الثنائي أو في إطار عضوية البلدين لمجموعة (البريكس)».

أُسست مجموعة «البريكس» عام 2009 من خمس دول هي: روسيا، والبرازيل، والصين، والهند، وجنوب أفريقيا بوصفها اقتصادات سريعة النمو. وانضمت مصر للمجموعة لاحقاً، وأصبحت «بدعم صيني وروسي دولة كاملة العضوية في (البريكس) منذ يناير (كانون الثاني) 2024»، وفق سعد الذي لفت إلى أن مشاركة السيسي في الذكرى الثمانين للانتصار الروسي على النازية في الحرب العالمية الثانية، وانعقاد اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني بين البلدين، تؤكد على «قوة العلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة».

شارك في اللقاء الذي عقده الرئيس المصري مع الوفد الروسي كل من وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج بدر عبد العاطي، ورئيس المخابرات العامة اللواء حسن رشاد، ومستشارة رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي فايزة أبو النجا.

ومن الجانب الروسي حضر نائب أمين مجلس الأمن لروسيا الاتحادية ألكساندر فينيديكتوف، وسفير روسيا في القاهرة جيورجي بوريسينكو، ونائب مدير جهاز المخابرات الخارجية سيرغي ميخييف، إلى جانب أندريه ييفسييف المسؤول بمجلس الأمن لروسيا الاتحادية، وماريا بانيفا المسؤولة بإدارة الرئيس الروسي للسياسة الخارجية.

وعن اللقاء قال السفير سعد: «تطورات الأوضاع في المنطقة ضمن الموضوعات التي تتشارك فيها مصر دائماً مع روسيا، والقضية الفلسطينية محل تشاور دائم بين البلدين كون روسيا من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وتعترف بفلسطين بصفتها دولة مستقلة ذات سيادة على حدود 1967»، مشيراً إلى أهمية الدور المصري بالنسبة لروسيا، «ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل وبالصراعات والمشاكل في الشرق الأوسط، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للروس ويهمهم الحفاظ على الاستقرار فيها».


زيارة مرتقبة من مسؤولة فرنسية إلى الجزائر تبعث آمالاً لطي صفحة التوتر

الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة المناخ بشرم الشيخ 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة المناخ بشرم الشيخ 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

زيارة مرتقبة من مسؤولة فرنسية إلى الجزائر تبعث آمالاً لطي صفحة التوتر

الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة المناخ بشرم الشيخ 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة المناخ بشرم الشيخ 2022 (الرئاسة الجزائرية)

من المنتظر أن تتجسد خلال الأيام القليلة المقبلة مؤشرات لانفراجة في العلاقات بين الجزائر وباريس لاحت بوادرها في الأفق خلال الأسابيع الماضية، وذلك من خلال زيارة مرتقبة إلى الجزائر تقوم بها الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية آن ماري ديكوت، وفقاً لما نشره واحد من أكثر وسائل الإعلام اهتماماً بالأزمة بين البلدين منذ اندلاعها في نهاية يوليو (تموز) 2024.

ولم يقدم الموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر» في التقرير الذي نشره، الاثنين، تفاصيل عن الزيارة المنتظرة، مثل الملفات التي ستبحثها ديكوت، أو المسؤولين الذين ستلتقيهم.

الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية آن ماري ديكوت (حسابها الخاص بوسائل التواصل الاجتماعي)

ويتوقع مراقبون أن يشكل توجه المسؤولة الفرنسية رفيعة المستوى إلى الجزائر بداية لطي خلافات شديدة نشأت عن اعتراف قصر الإليزيه بسيادة المغرب على الصحراء في صيف 2024، والذي جرَّ معه مشكلات التاريخ والاستعمار والهجرة والمعارضين للسلطات الجزائرية المقيمين في فرنسا.

وتعود آخر زيارة لمسؤول فرنسي رفيع إلى الجزائر إلى السادس من أبريل (نيسان) 2025، حيث التقى وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الخارجية أحمد عطاف، وكانت أول زيارة لمسؤول فرنسي بهذا المستوى منذ نحو ثمانية أشهر من القطيعة الثنائية.

وعند مغادرته الجزائر، أعلن بارو أن الطرفين «يسعيان إلى طيّ صفحة التوترات الحالية وإطلاق مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية تقوم على شراكة متكافئة وهادئة ومطمئنة».

وقالت مصادر سياسية جزائرية يومها إن زيارة بارو أحيَت مشروع زيارة كانت مقررة للرئيس الجزائري إلى باريس في 2024، لكن تقرر تأجيلها بسبب غياب التفاهم حول «قضية استرجاع الجزائر أغراض الأمير عبد القادر قائد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي»، المحتجزة في قصر في فرنسا، حيث كان أسيراً في نهاية أربعينات وبداية خمسينات القرن التاسع عشر.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في 6 أبريل 2025 (الرئاسة الجزائرية)

لكن بعد أيام قليلة من زيارة بارو، حدثت انتكاسة في العلاقات الثنائية بسبب توجيه الادعاء الفرنسي الاتهام لعدد من الدبلوماسيين الجزائريين، في حادثة تتعلق بخطف واحتجاز «اليوتيوبر» المعارض أمير بوخرص بباريس. وسُجن موظف قنصلي، وصدرت مذكرة اعتقال دولية بحق آخر. وقررت الجزائر، إثر هذه التطورات المفاجئة، طرد 12 دبلوماسياً فرنسياً؛ وردَت باريس بإبعاد العدد نفسه من الدبلوماسيين الجزائريين، ما مهَّد لدخول العلاقات الثنائية في نفق مظلم لا يُرى في نهايته ضوء.

وفي سياق مرتبط ببوادر نهاية التوترات، تطرق مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي نيكولا ليرنر في مقابلة مع إذاعة «فرنس إنتر»، الاثنين، إلى وجود «إشارات قادمة من الجزائر تُعبر عن رغبة في استئناف الحوار». وجاء ذلك في معرض حديثه عن أبرز الملفات الحساسة في مجال مكافحة التجسس، وعن أولويات عمل جهازه في ظل القضايا الدولية الساخنة التي تهم فرنسا بشكل مباشر.

الروائي الفرنسي - الجزائري المسجون بوعلام صنصال (وسائل إعلام فرنسية)

وأضاف: «فرنسا مستعدة لذلك، وقد كانت دائماً مستعدة... مع التذكير بمطالبها، ولا سيما الإفراج عن مواطنَينا الاثنين»؛ في إشارة للكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، الذي اعتُقل قبل عام في الجزائر وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة «المساس بالوحدة الوطنية»، والصحافي الرياضي كريستوف غليز، الذي حُكم عليه ابتدائياً بالسجن سبع سنوات بتهمة «تمجيد الإرهاب»، وتُنتظر محاكمته بالاستئناف في الثالث من الشهر المقبل.

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز المسجون في الجزائر (حسابه بوسائل التواصل الاجتماعي)

وأكد ليرنر أنه «ليس من مصلحة أي من البلدين البقاء في حالة الجمود هذه»، مشيراً إلى أن باريس والجزائر «غارقتان منذ صيف 2024 في أزمة خطيرة للغاية، ربما الأخطر منذ استقلال الجزائر عام 1962»، لكنه شدد على أن «قنوات الاتصال لم تنقطع أبداً».

وتابع: «لقد وصلنا إلى أدنى مستوى من التعاون العملياتي في مجال مكافحة الإرهاب. ومع ذلك أعتقد أنه لو كانت الأجهزة الجزائرية قد تمكنت من كشف تهديد على الأراضي الفرنسية لأبلغتنا به، وذلك بفضل القنوات التي حافظنا عليها».

وحول هذا الموضوع بالتحديد، دعا وزير الداخلية لوران نونييز نهاية الشهر الماضي إلى استئناف الحوار الأمني مع الجزائر، مؤكداً أن توقف التعاون في مجال محاربة الإرهاب في الساحل وتبادل المعلومات حول متطرفين مشتبه بهم فوق التراب الفرنسي «يثير قلق باريس». وقال: «في وقت سابق عندما كنت محافظ شرطة باريس أثمر التعاون بيننا عن إحباط عمليات إرهابية في فرنسا».

وزير الداخلية الفرنسي لوران نونييز (حسابه بوسائل التواصل الاجتماعي)

كما كشف نونييز عن دعوة من نظيره سعيد سعيود لزيارة الجزائر، من دون أن تعلن الجزائر رسمياً عن هذه الزيارة المفترضة.

من جهة أخرى، أظهر رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو رفضاً للنزول عند رغبة نواب اليمين المتطرف بشأن نقض اتفاق الهجرة من خلال لائحة صوَّت عليها البرلمان في 31 من الشهر الماضي. وعندما علَّق وزير خارجية الجزائر على اللائحة البرلمانية الفرنسية، حرص على التفريق بين مواقف نواب اليمين ونظرة حكومة فرنسا لهذا الاتفاق؛ متخلياً بذلك عن التصعيد الذي طبع المواقف طيلة الأزمة.

ورأى مراقبون في تصريحات لوكورنو وعطاف رغبة في ترميم العلاقات، بعد جمود لم تشهده منذ نهاية الحقبة الاستعمارية.