أدانت الغرفة الجزائية (محكمة الاستئناف) بمجلس قضاء الجزائر بالعاصمة، يوم الثلاثاء، المؤرخ المعروف محمد الأمين بلغيث بالسجن لمدة 5 سنوات، منها سنتان موقوفتا التنفيذ، وذلك وفقاً لما أكده دفاعه عبر حسابه بالإعلام الاجتماعي.
وكان بلغيث قد أدلى بتصريحات مثيرة حول البُعد الأمازيغي في هوية الجزائريين، ما أدّى إلى اعتقاله ومحاكمته. وصدر بحقه في الدرجة الأولى حكم بالسجن 5 سنوات نافذة في 3 يوليو (تموز) الماضي، بعد متابعته بتهم «المساس بالوحدة الوطنية من خلال مهاجمة رموز الأمة والجمهورية»، و«المساس بالوحدة الوطنية»، و«نشر خطاب الكراهية والتمييز عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال».

وجرى توقيف أستاذ التاريخ المتخصص في المغرب العربي والأندلس، محمد الأمين بلغيث في الثالث من مايو (أيار) الماضي، بعد أيام قليلة من تصريحات مثيرة للجدل، أدلى بها على قناة تلفزيونية عربية؛ حيث قال ردّاً على سؤال حول رأيه في «البُعد الأمازيغي للهوية الوطنية»، ومن كون «الأمازيغ هم السكان الأصليون لشمال أفريقيا»: «لا توجد ثقافة أمازيغية... هي مشروع آيديولوجي فرنسي - صهيوني».
وتابع في ردّه على أسئلة أخرى للمذيعة، التي لفتت نظره إلى أن كلامه «فيه طمس لهوية شعب بأكمله»، وبأنه قد يكون مستفزّاً لملايين الناطقين بالأمازيغية: «لا يوجد شيء اسمه أمازيغية، بل هناك ما يُعرف بالبربر أو البربرية».
وحسب بلغيث، فإن «البربر هم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، وتعود جذورهم إلى العرب»، عادّاً الأمازيغية «مشروعاً سياسياً يهدف إلى تقويض أسس وحدة المغرب العربي، في إطار ما كانت تحلم به فرنسا الاستعمارية: مغرب عربي ناطق بالفرنسية».
كما قارن بلغيث الجزائريين المقيمين في الخارج بـ«الحركى»، وهو توصيف سلبي تاريخي لمن تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي.
وتلت تصريحات بلغيث ردود فعل حادة، أبرزها بيان شديد اللهجة من التلفزيون العمومي، الذي ندّد بما وصفه بـ«تصعيد إعلامي خطير» من جانب القناة، التي اتهمها بـ«تجاوز كل الخطوط الحمراء من خلال الاعتداء على وحدة الشعب الجزائري وهويته، واستغلال تجار الآيديولوجيا في سياق التاريخ».
وأنكر المؤرخ بلغيث، خلال محاكمته، جميع التهم المنسوبة إليه، مؤكّداً أنّ تصريحاته «جرى إخراجها من سياقها الحقيقي»، وأنّه لم تكن له نيّة المساس بالوحدة الوطنية، أو رموز الدولة الجزائرية.
وأوضح أمام هيئة المحكمة أنه «وطني حتى النخاع»، وأن أفراداً من عائلته «شاركوا في ثورة التحرير (1954 - 1962)، وقدّموا تضحيات في سبيل استقلال الجزائر، ولا يمكن أن يصدر عني ما يُفهم أنه طعن في هوية الشعب أو ثوابته».
وفي معرض دفاعه عن نفسه، أشار بلغيث إلى أنّ المقابلة الصحافية التي أجراها تعرّضت لما وصفه بـ«تلاعب في التركيب بشكل متعمّد»؛ حيث تم حذف أجزاء من حديثه عن الأمازيغية، حسب كلامه، ما أدّى إلى تشويه محتوى كلامه.
وأكّد أنه كان يقصد الحديث عن محاولات التوظيف السياسي للهوية الأمازيغية، لا الطعن في أصلها أو قيمتها، وأنه استند إلى مراجع أكاديمية وتاريخية في تحليله.
أما بخصوص ما نُسب إليه من تصريحات، قارن فيها الجزائريين المقيمين في فرنسا بـ«الحركى»، فقد أوضح بلغيث أنّه «لم يقصد تعميم الوصف على الجالية الجزائرية بأكملها»، بل أشار تحديداً إلى بعض الأشخاص «ممن اتّخذوا مواقف عدائية تجاه الجزائر، ثم عادوا للظهور بمظهر الوطنيين بعد حصولهم على الإقامة أو الجنسية في بلدان أجنبية». وأكّد أنّ استخدامه هذا الوصف «جاء في إطار النقد السياسي، وليس التخوين الجماعي».

وفي سياق المحاكمات بسبب المواقف والتصريحات التي تتضمن طابعاً سياسياً، يترقب المناضل اليساري الشهير، فتحي غراس، تنظيم محاكمة له خلال الشهر الحالي، إثر اعتقاله قبل أسبوع وإحالته إلى النيابة، ثم قاضي التحقيق الذي أمر بوضعه في الرقابة القضائية، بناءً على تهمتي «الإساءة إلى رئيس الجمهورية»، و«نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية».
وتعود المشكلات القضائية الجديدة التي يواجهها غراس إلى انتقاده الشديد للرئيس عبد المجيد تبون، في مقابلة أجراها مع قناة أجنبية، وذلك ردّاً على حوار بثّه التلفزيون العمومي الجزائري مع الرئيس، تناول فيه الأوضاع الاقتصادية في البلاد وحالة الحقوق والحريات.
وتبرُز قضية غراس رمزاً لما يصفه حقوقيون بـ«تضييق مستمر على الحريات السياسية في الجزائر»، في وقت تؤكد فيه السلطات أن هذه المتابعات «تدخل في إطار احترام القانون، ومحاربة خطاب الكراهية والمساس بمؤسسات الدولة».

كما تواجه زوجة فتحي غراس، المناضلة السياسية مسعودة شابالة، التهم نفسها؛ حيث تخضع لنظام الرقابة القضائية منذ 14 شهراً.
وتُعد مسعودة شابالة عضواً في حزب «الحركة الديمقراطية والاجتماعية»، الذي يرأسه غراس، والذي جُمّد نشاطه بقرار قضائي صادر بتاريخ 23 فبراير (شباط) 2023، مع إغلاق جميع مقاره.
وجاء هذا القرار على خلفية شكوى رفعتها وزارة الداخلية بحجة أن الحزب لا يلتزم بالقانون المنظّم لنشاط الأحزاب السياسية.




