كيف ساهم تراكم الأزمات في اندلاع احتجاجات حركة «الجيل زد» بالمغرب؟

محللون يرون أن المظاهرات تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية أبرزها «غياب العدالة الاجتماعية»

حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
TT

كيف ساهم تراكم الأزمات في اندلاع احتجاجات حركة «الجيل زد» بالمغرب؟

حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)

يرى محللون أن بروز حركة «جيل زد 212»، التي يقودها الشبان في المغرب، وتواصل احتجاجاتها منذ نحو أسبوع، لا يمكن فصلهما عما يجري في تجارب دول أخرى، لكنهما في الجوهر يعبران عن اختناق وتراكم أزمات محلية. وأطلقت حركة «الجيل زد 212» دعوات للاحتجاج سلمياً لمحاربة الفساد، وإقرار العدالة الاجتماعية يومي 27 و28 سبتمبر (أيلول) الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصة «ديسكورد» للألعاب الإلكترونية، قبل أن تتواصل طوال الأسبوع الماضي.

تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية

يقول أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط لوكالة «رويترز» إنه قد تتشابه حركة «جيل زد» مع حركات الجيل نفسه، التي عرفتها بعض دول العالم، مثل نيبال، ومدغشقر، وبيرو، لكنها تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية، مضيفاً أن «ما يعيشه المغرب من فساد، وتدهور التعليم والصحة، وغياب العدالة الاجتماعية، كله يشكل الأرضية الملائمة لتأجيج مثل هذه الاحتجاجات».

محللون يرون أن المظاهرات تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية أبرزها «غياب العدالة الاجتماعية» (إ.ب.أ)

وبدأت شرارة الاحتجاجات من أكادير جنوب المغرب، عندما توفيت ثماني نساء حوامل في أقل من شهر في مستشفى عمومي هناك، لتمتد إلى عدد من مدن المغرب، مطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم، ومحاربة الفساد. وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح العشرات في صفوف المواطنين ورجال الأمن. لكن شبان «جيل زد» تبرأوا من هذه الأحداث، ونددوا بها، ودعوا إلى مواصلة الاحتجاج سلمياً. بينما قالت السلطات إن أغلب المسؤولين عن أحداث الشغب هم من القاصرين والأطفال. وسبق للمغرب أن شهد أحداثاً مماثلة، عندما تحولت إضرابات عامة في سنوات 1981 و1984 و1990 إلى أحداث شغب، وإطلاق نار، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. لكن الأحداث السابقة كانت تقودها اتحادات عمالية، وأحزاب سياسية دعت إلى إضرابات عامة، حيث كانت هذه التنظيمات تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة.

أما حركة «الجيل زد» فتتشابه، بحسب أحمد البوز، مع حركة (20 فبراير) التي قادها الشبان أيضاً، «وحركت احتجاجات النسخة المغربية من الربيع العربي في 2011، وجنت إدخال بعض التعديلات على الدستور المغربي».

وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص (أ.ف.ب)

وأضاف البوز موضحاً: «هذا ما أسميه ذهنية الاحتجاج، التي ورثها الشباب المغربي من 20 فبراير، لأنني أعتبر أن هناك تشابهاً بين الحركتين على الأقل من حيث دور الشباب في إشعالهما، ومن حيث البعد الوطني الذي اتخذته الاحتجاجات».

من جانبه، اعتبر محمد الشهبي، الباحث في العلوم السياسية، أن مصطلح «جيل زد»، غالباً لا يكون بعيداً عن المعنى العالمي، ولكن له أبعاد خاصة مرتبطة بالواقع المغربي.

وقال الشهبي لـ«رويترز» إن «جيل زد» المقصود به الشباب المغاربة المولودون تقريباً بين أواخر التسعينات من القرن الماضي وبداية 2010، وهم تلاميذ وطلبة، أو شباب في بداية حياتهم المهنية، ويتميزون بوعي رقمي كبير، وانفتاح غير مسبوق على العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا الجيل ليس مجرد نسخة محلية من نظيره العالمي... فمطالبه في السياق المغربي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي ملموس.

أزمة ثقة

يرى مراقبون أن معظم الشبان المغاربة لا يثقون في العمل السياسي، ويعتبرون الأحزاب «مجرد دكاكين سياسية»، تفتح في فترة الانتخابات لتعطي الوعود وتستقطب الأصوات، وتغلق بعد صدور النتائج متنكرة لوعودها في أغلب الأحيان.

كما أن معظم الأحزاب السياسية لا تجدد برامجها، ولا تعطي فرصة للشبان لتولي القيادة. وفي هذا السياق قال الشهبي إن «المغرب يعيش منذ عقود أزمة تمثيل سياسي حادة، فالأحزاب التقليدية فقدت مصداقيتها لدى الشباب، لا لضعف برامجها فحسب، بل لارتهانها لمنطق التوافق، ما جعلها تبدو على أنها جزء من المشكلة لا الحل... كما أن الحركة النقابية، التي كانت ذات يوم قاطرة للمطالب الاجتماعية، تراجعت قوتها التنظيمية والتعبوية، خاصة في صفوف الشباب غير المنخرطين في سوق الشغل الرسمي».

ومن هنا يعتبر الشهبي أن «هذا الفراغ ولد احتجاجاً من دون قائد أو زعيم، يعتمد على الشبكات الرقمية، بدل الهياكل التقليدية، وهو احتجاج يفتقر إلى الاستمرارية والاستراتيجية، لكنه يعبر عن أزمة ثقة جوهرية في المؤسسات الوسيطة، من أحزاب ونقابات وجمعيات». وتصل نسبة البطالة في المغرب إلى 12.8 في المائة، وتبلغ نسبتها بين الشبان 35.8 في المائة، وبين الخريجين 19 في المائة، وفقاً لبيانات المندوبية السامية للتخطيط.

من جهته، ذكر محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة لـ«رويترز» أن «هناك تحولاً ديموغرافياً، بحيث إن ثلث الهرم السكاني في المغرب من الشباب ما بين 15 و35 عاماً. لكن السياسات العمومية لم تستثمر هذا الرأسمال البشري، أو القوة الصاعدة في التنمية، كما فعل عدد من الدول». وأضاف العمراني أنه «رغم المجهودات المبذولة، بقيت هذه الفئة مهمشة... وبالتالي أصبحت قنبلة موقوتة».

يرى العمراني أن السياسات العمومية «لم تستثمر الشباب باعتباره قوة صاعدة في التنمية فأصبح بالتالي قنبلة موقوتة» (رويترز)

ويتفق مع هذا الطرح البوز بقوله إن هذا الجيل «تشكل في سياق وطني خاص، علامته البارزة أزمة بطالة متفاقمة، وتراجع الخدمات العمومية، وضعف الثقة في الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، وإحساس بالتهميش»، مضيفاً أن خصوصيته «تكمن في أنه يترجم هذه الأزمات عبر أشكال جديدة من التعبير والاحتجاج، لا تخضع بالضرورة للقوالب الكلاسيكية، بل تبدو نافرة لها، كما أنها تحاول ألا تضفي على نفسها أبعاداً سياسية حتى وإن كانت لا تخلو من ذلك». وتواصل حركة «جيل زد 212» احتجاجاتها في عدد من مدن المملكة، بعد أن سمحت لها السلطات بالاحتجاج سلمياً، عقب انتقادات جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية. كما توعدت السلطات مثيري الشغب وأعمال التخريب بإعمال القانون، والضرب بيد من حديد. بينما قالت الحكومة في وقت سابق إنها تتفهم مطالب الحركة، ومستعدة للحوار معها.

البحث عن ضمانات

ذكرت إيمان الشيخي (28 عاماً) التي تعمل في القطاع الحر: «هذا كلام فضفاض، نحن نحتاج إلى حلول ملموسة، ما ضمانات الحكومة وقد كانوا دائماً يتملصون من وعودهم؟». وأضافت لـ«رويترز» على هامش احتجاج ليلي بالرباط: «نريد تحسين خدمات قطاع الصحة، خاصة المستشفيات العمومية، حتى يتمكن الفقراء من العلاج، وتحسين جودة التعليم العمومي... وتخفيض الأسعار، لتبين الحكومة عن حسن نواياها».

متظاهر في ساحات الرباط يحمل لافتة كتب عليها شعار «الكرامة قبل الملاعب» (أ.ب)

في هذا السياق قال البوز أيضاً: «المطلوب إصلاحات ملموسة وعاجلة، خاصة في التعليم والصحة والتشغيل، إلى جانب فتح المجال لحرية التعبير، والحق في الاحتجاج، لأنه من دون ذلك سيبدو الحوار في أعين هؤلاء الشباب، وغيرهم من الفئات المتضررة من الأزمة ومن التفاوتات الاجتماعية، مجرد آلية لربح الوقت لا أكثر».

وكتب ياسير بلهيبة، وهو باحث اجتماعي في تدوينة: «(الجيل زد) حرك الماء الراكد ودق ناقوس الخطر». مبرزاً أن هذا الجيل «هو النتيجة العملية للسياسات التعليمية والأمنية والإعلامية... بينهم من تفتق وعيه في فضاء المثقف المهزوم... وآخرون ترعرعوا في باحات الشارع، وثقافته حيث الكلمة الحسم للعنف».


مقالات ذات صلة

قضية الصحراء والهجرة تتصدران مباحثات رئيسي وزراء إسبانيا والمغرب

شمال افريقيا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مع نظيره المغربي خلال حفل توقيع اتفاقيات عدة بين البلدين (إ.ب.أ)

قضية الصحراء والهجرة تتصدران مباحثات رئيسي وزراء إسبانيا والمغرب

استضاف رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، نظيره المغربي عزيز أخنوش، في مدريد، الخميس، لتوقيع اتفاقيات عدة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
شمال افريقيا ولي العهد السعودي يرأس وفد بلاده في الدورة الـ46 للمجلس الخليجي الأعلى (واس)

المجلس الخليجي الأعلى يجدد التأكيد على مغربية الصحراء

جدد المجلس الخليجي الأعلى، خلال ختام دورته الـ46 المنعقدة في العاصمة البحرينية المنامة، التأكيد على مغربية الصحراء.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية افتتح منتخب المغرب مسيرته في بطولة كأس العرب لكرة القدم (رويترز)

المغرب يفتتح مشواره بكأس العرب بثلاثية في جزر القمر

افتتح منتخب المغرب مسيرته في بطولة كأس العرب لكرة القدم، المقامة حالياً في العاصمة القطرية الدوحة، على أفضل وجه.

«الشرق الأوسط» (الدوحة )
رياضة عربية جمال السلامي (الاتحاد الأردني)

قرعة مونديال 2026: مدرب الأردن يتمنى عدم مواجهة المغرب

كشف المدير الفني المغربي لمنتخب الأردن لكرة القدم جمال السلامي، عن أمنياته بعدم مواجهة منتخب بلاده في دور المجموعات في نهائيات كأس العالم، الصيف المقبل.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
شمال افريقيا مغني الراب الفرنسي المغربي وليد جورجي (أ.ف.ب)

بسبب محاولة اختطاف بالمغرب...السجن 7 أعوام لمغني راب فرنسي

قضت محكمة مغربية بالسجن النافذ 7 أعوام لمغني الراب الفرنسي المغربي وليد جورجي، المعروف باسمه الفني «مايس»، في قضية «تكوين عصابة إجرامية ومحاولة اختطاف».

«الشرق الأوسط» (الرباط)

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».


عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
TT

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

تلاحق عشرات الطعون القضائية نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة الطعون التي رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات في عدة دوائر، وسط جدل سياسي حول إجراءات الاستحقاق البرلماني.

وصوت المصريون، الخميس، في اليوم الثاني (الأخير) للانتخابات في الدوائر الـ19 الملغاة، بالإضافة إلى دائرة إعادة بالفيوم، ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.

وجرت عمليات التصويت في 1775 لجنة فرعية على مستوى الـ20 دائرة في 7 محافظات، والتي يتنافس فيها 455 مرشحاً على 43 مقعداً.

وتوالت الطعون على المحكمة الإدارية العليا ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتائج الجولة الأولى للمرحلة الثانية، حيث بلغ عددها حتى منتصف اليوم 200 طعن من مختلف المحافظات المشمولة بالمرحلة، وفق وسائل إعلام محلية.

وتحفظت الهيئة الوطنية للانتخابات عن التعليق على هذا العدد من الطعون، فيما قال المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهيئة ما زالت تنتظر نهاية يوم الخميس، وهو آخر موعد قانوني لتقديم الطعون، وفق الجدول الزمني المعتمد».

وأوضح مصدر قضائي مصري أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا ستبدأ فحص ملفات الطعون، وحددت الجلسة الأولى لنظرها في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما يحق للمرشحين غير الفائزين التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة من إعلان النتيجة.

لقطة من أمام إحدى اللجان الانتخابية بمحافظة الجيزة (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

ونظراً لتزايُد الطعون المرتبطة بالمرحلة الثانية للانتخابات، يرجح أستاذ القانون الدستوري عبد الله المغازي احتمال إعادة الانتخابات في عدد من دوائر المرحلة الثانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الاحتمال «يتوقف على طبيعة الأسباب التي يستند إليها المرشحون في طعونهم، ومدى اقتناع المحكمة بصلابة الحجج القانونية المقدَّمة».

وشدّد المغازي على أن المحكمة تعتمد معياراً رئيسياً يتمثل في التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وضمان الالتزام الصارم بالأطر القانونية المنظمة لها قبل إصدار أي قرار بإعادة الاقتراع.

وتوزعت الطعون على المرحلة الثانية للانتخابات على 10 محافظات هي: القاهرة، والدقهلية، والقليوبية، والشرقية، وكفر الشيخ، والغربية، وشمال سيناء، والمنوفية، والإسماعيلية، ودمياط، بحسب وسائل إعلام محلية.

يأتي هذا وسط حالة من الجدل السياسي والقانوني، عقب سلسلة المخالفات التي رافقت التصويت في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، ودفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة التجاوزات.

وبعد إلغاء نتائج 19 دائرة في سبع محافظات دفعة واحدة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارات أبطلت فيها نتائج 30 دائرة أخرى؛ لتقفز نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى ما يتجاوز 60 في المائة.

وتؤكد الهيئة الوطنية للانتخابات أن الإجراءات المتخذة لتصحيح المسار «تعكس قوة مجلس النواب المقبل»، وفقاً للمستشار بنداري الذي قال في تصريحات متلفزة إن كل الإجراءات القانونية والرقابة القضائية اتُّخذت لضمان أن يكون المجلس منتخباً بإرادة الناخبين.

لكن الكاتب الصحافي عبد الله السناوي يرى أن حجم الدوائر الملغاة والأحكام القضائية التي انتقدت امتناع الجهة المشرفة عن تقديم محاضر الفرز في المرحلة الأولى، «لا يمكن اعتبارهما مجرد خلل إجرائي عابر».

وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الطعون المتزايدة وإعادة الانتخابات في هذا العدد الكبير من الدوائر «ليستا دليلاً على تصحيح المسار، بل هما مؤشر على اضطراب أعمق في البيئة القانونية والتنظيمية»، مشدداً على أن أنصاف الحلول «لا تبني شرعية مستقرة للبرلمان»، ودعا إلى «إصلاح عميق للبنية القانونية للانتخابات، وفتح المجال العام، وإطلاق الحريات السياسية؛ كخطوة أولى لإصلاح هذا المشهد».

ومن المقرر إعادة التصويت في الدوائر الثلاثين الملغاة بحكم «الإدارية العليا» للمرحلة الأولى، بحيث تُجرى الجولة الأولى يومي 8 و9 ديسمبر الحالي للمصريين بالخارج، ويومي 10 و11 ديسمبر للداخل، على أن تعلن النتيجة يوم 18 من الشهر.

وفي حالة الإعادة، تُجرى الانتخابات في الخارج يومي 31 ديسمبر و1 يناير (كانون الثاني)، وفي الداخل يومي 3 و4 يناير، وتُعلن النتيجة النهائية يوم 10 يناير.


تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة»، متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «الحقبة الاستعمارية»، وعرقلة المفاوضات بين البلدين، وهو ما عدَّه خبراء ومحللون «لغة تصعيدية» قد تضاعف الخلافات القائمة.

وفي بيان صدر، الأربعاء، قالت الخارجية الإثيوبية إن المسؤولين المصريين «يدَّعون احتكار مياه النيل تحت ذريعة معاهدات تم إبرامها خلال الحقبة الاستعمارية». وأثار البيان حفيظة المصريين.

ورغم استمرار المفاوضات بين البلدين بمشاركة السودان لأكثر من 12 عاماً بحثاً عن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن بناء «سد النهضة» وتشغيله، اتهم البيان الإثيوبي مصر بـ«عرقلة المفاوضات»، ودعت أديس أبابا الجهات المعنية إلى إدانة ما وصفته بـ«السلوك غير المسؤول من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى».

وصدر البيان بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من «الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي في برلين مع وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الثلاثاء، أنها «تُشكل خطراً داهماً على مصالح مصر المائية وأمنها القومي».

مؤتمر صحافي بين وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والألماني يوهان فاديفول الثلاثاء تحدث فيه عن موقف مصر من سد النهضة (الخارجية المصرية)

وكانت إثيوبيا قد افتتحت سد النهضة رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد 14 عاماً من بدء أعمال البناء، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

واتفق خبراء مصريون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن بيان إثيوبيا «حمل لغة تصعيدية» قد تضاعف من خلافات البلدين فيما يتعلق بالتعامل مع الملف المائي، ويفتح الباب أمام إقدام القاهرة على اتخاذ إجراءات قانونية إزاء ما تراه عدم التزام بالقوانين المنظمة لاستخدامات المياه في الأنهار الدولية، دون استبعاد أي حلول حال تعرض مصالحها للضرر.

وأبدت إثيوبيا من خلال البيان تمسكها بما تعده حقها في «استخدام مواردها المائية»، مؤكدة أنها «غير ملتزمة مطلقاً بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها».

والنيل الأزرق الذي بنت عليه إثيوبيا «سد النهضة» هو المنبع الرئيسي لنهر النيل في مصر.

القانون الدولي

وقال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، شريف الجبلي، إن البيان «تجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويزيد صعوبة العودة إلى الحوار البناء بين إثيوبيا ومصر والسودان».

وأضاف: «البيان لا يعترف بالاتفاقيات المعمول بها سابقاً بشأن الحقوق المائية التاريخية لدولتي المصب، ويتجاوز قوانين إدارة الأنهار الدولية التي تنص على الاستخدام العادل والمعقول للمياه».

وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البيان «يتجاهل مسألة عدم الإضرار بالدول الأخرى، وهو ما يشير إلى إصرار إثيوبيا على اتخاذ موقف أحادي بشأن استخدامات مياه النهر، ما يفتح الباب أمام إقدام مصر على اتخاذ إجراءات قانونية لمواجهة انتهاكات القانون الدولي».

وتابع قائلاً: «لدى مصر حقوق تاريخية وقانونية لا يمكن تجاهلها»، مشيراً إلى أن البيان الإثيوبي «يهدد الأمن المائي، ويتطلب خططاً استراتيجية تعمل على مواجهة أي تصعيد غير محسوب في قضية المياه قد يضر بالأمن في منطقة القرن الأفريقي».

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لدى افتتاحه سد النهضة (الخارجية الإثيوبية)

وتتمسَّك القاهرة بما تعده «الحق التاريخي» لها في مياه النيل وفقاً لاتفاقيات دولية تضمن لها حصة تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه.

وأكد الجبلي أهمية استمرار المطالبات المصرية بتطبيق القانون الدولي والتوصل إلى اتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» بإشراف جميع الأطراف الدولية بما فيها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، «لضمان إدارة الموارد المائية بشفافية واستحداث آلية مراقبة مشتركة تتضمن الرقابة التقنية الدقيقة لتتبع تدفقات مياه النيل ومنع الإجراءات الأحادية».

الخيارات المتاحة

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان السابق، حسام عيسى، قال إن البيان الإثيوبي جاء رداً على النشاط الدبلوماسي المصري الرافض لتصرفات أديس أبابا «الأحادية» بشأن تشغيل السد، «التي أدت إلى فيضانات في السودان وصلت تأثيراتها إلى مصر».

وقبل أيام فندت وزارة الري المصرية إجراءات إثيوبيا التي أدت إلى «عدم انتظام تصريف المياه»، ما دفعها إلى إعلان إجراءات حمائية لاستيعاب المياه الزائدة.

وقال عيسى لـ«الشرق الأوسط»: «مصر تضع الآن جميع أوراقها على الطاولة، ولديها الوسائل المتاحة كافة لحماية مصالحها وأمنها المائي، ولن تقبل بنقص قطرة مياه واحدة، وسعيها إلى تجنب المشاكل والصراعات لا يعني عدم سلكها الطرق كافة التي تضمن أمنها».

وأضاف: «الخلاف المصري مع إثيوبيا يتركز في نهجها القائم على عدم وضع اعتبار للأضرار التي قد يتعرض لها جيرانها، سواء كان ذلك بشأن سد النهضة أو سعيها إلى الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر».

ويرى الخبير في الشأن الأفريقي، رامي زهدي، أن مصر يمكنها التحرك لحفظ الحقوق المائية عبر استخدام «الوسائل الدبلوماسية، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية، أو استخدام وسائل خشنة حالة الضرورة».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن حالات الضرورة تتمثل في «وجود مهددات لاستقرار الدولة المصرية، أو التأثير سلباً على الأمن في منطقة البحر الأحمر، أو الاستمرار في إجراءات تهديد الأمن المائي عبر تصريف كميات هائلة من المياه بما يشكل خطراً داهماً أو شح المياه».

وسبق أن أعلنت مصر انتهاء مسار التفاوض بشأن السد، متهمة إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في الحفاظ على مصالحها الوجودية وفقاً للقانون الدولي، على أساس أن نهر النيل شريان الحياة في البلاد ومصدرها الوحيد للمياه.