بريطانيا و16 شريكاً دولياً «قلقون» من وضع الفاشر في السودان

دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر إثر معارك سابقة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (د.ب.أ)
دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر إثر معارك سابقة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (د.ب.أ)
TT

بريطانيا و16 شريكاً دولياً «قلقون» من وضع الفاشر في السودان

دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر إثر معارك سابقة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (د.ب.أ)
دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر إثر معارك سابقة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (د.ب.أ)

قالت البعثة البريطانية للسودان، يوم الجمعة، إن المملكة المتحدة استضافت إحاطة عاجلة مع 16 شريكاً دولياً حول الوضع في مدينة الفاشر بإقليم دارفور في غرب السودان، وعبروا جميعاً عن القلق العميق من «الوضع المروّع» في المدينة.

وذكرت البعثة البريطانية، في بيان، أن المدنيين في الفاشر «يواجهون عنفاً وانتهاكات لا تُصدق، وظروفاً إنسانية مزرية في ظل استمرار الأعمال العدائية».

وأضاف البيان أن المشاركين في الإحاطة العاجلة حثوا «جميع الأطراف المتحاربة، لا سيما (قوات الدعم السريع)، على تطبيق هدنة إنسانية في الفاشر والامتثال لقرار مجلس الأمن رقم (2736)»، الذي يطالبها برفع الحصار عن المدينة، ويدعو إلى وقف فوري للقتال وتهدئة الأوضاع في المدينة وما حولها، حسب الأمم المتحدة.

وقال بيان البعثة البريطانية: «ندين بشدة أي انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وجرائم الحرب التي ترتكبها الأطراف المتحاربة. جميع الجهات المسلحة مسؤولة عن سلوكها، وندعو جميع الأطراف إلى احترام التزاماتها وتعهداتها بموجب (إعلان جدة)».

وتابع البيان: «ندعم المفاوضات بين الأطراف المتحاربة لتحقيق وقف إطلاق نار دائم على مستوى البلاد، وحماية أرواح المدنيين»، مشدداً على ضرورة أن يقرر الشعب السوداني مستقبله السياسي «من خلال عملية انتقالية حقيقية وشفافة وذات مصداقية بقيادة وملكية سودانية».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023، بعد خلافات حول خطط تتعلق بعملية سياسية للانتقال إلى حكم مدني وإبعاد العسكريين عن السلطة. وتسبّبت الحرب في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم؛ إذ نزح أكثر من 12 مليون سوداني داخل البلاد وخارجها. كما أصبح ما يقرب من نصف عدد السكان على شفا المجاعة.


مقالات ذات صلة

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

شمال افريقيا قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

أثارت تصريحات مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، التي شدد فيها على التمسك بالحل العسكري، ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي «شبكة أطباء السودان» تصف ما يجري في الفاشر بأنه «جريمة إنسانية مكتملة الأركان» (رويترز)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف «الفظائع المروّعة» في السودان

دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك (الاثنين) إلى تحرّك دولي عاجل لوقف «الفظائع المروّعة» في مدينة الفاشر السودانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الخليج جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية) play-circle

مصدر قريب من «الرباعية»: «منبر جدة» مفتوح أمام طرفَي الصراع السوداني

أكد مصدر وثيق الصلة بمفاوضات المجموعة «الرباعية الدولية» المعنيّة بالأزمة في السودان أن جهوداً تُبذل بهدف توقيع هدنة إنسانية وإطلاق حوار.

غازي الحارثي (الرياض)
العالم العربي المدير العام لمنظمة «الصحة العالمية» تيدروس أدهانوم غيبريسوس (د.ب.أ)

«الصحة العالمية»: مقتل 6 وإصابة 12 في هجوم على مستشفى بولاية كردفان السودانية

أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، اليوم (الأحد)، أن هجوماً على مستشفى في ولاية كردفان السودانية يوم 6 نوفمبر الحالي أدّى إلى مقتل 6 وإصابة 12 آخرين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

أعرب سكان في الأُبيِّض بجنوب السودان عن خشيتهم مع ورود تقارير عن استعداد «قوات الدعم السريع» لشن هجوم على مدينتهم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

تدريبات على إزالة الألغام ومخلفات الحروب في العاصمة الليبية

جانب من المشاركين في دورة إزالة الألغام بغرب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي لقوات الوحدة)
جانب من المشاركين في دورة إزالة الألغام بغرب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي لقوات الوحدة)
TT

تدريبات على إزالة الألغام ومخلفات الحروب في العاصمة الليبية

جانب من المشاركين في دورة إزالة الألغام بغرب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي لقوات الوحدة)
جانب من المشاركين في دورة إزالة الألغام بغرب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي لقوات الوحدة)

أنهى عدد من الفنيين العسكريين بغرب ليبيا دورة تدريبية على إزالة الألغام ومخلفات الحروب، في وقت تعمل فيه الأمم المتحدة على مشاركة الأجهزة الأمنية المحلية، في «تدمير المخلفات المتفجرة بشكل آمن».

فريق أممي يشارك في التخلص من الألغام في غرب ليبيا 25 أكتوبر الماضي (البعثة)

وقالت «إدارة التوجيه المعنوي» بالقوات التابعة لغرب ليبيا، الثلاثاء، إن الدورة التي انعقدت في طرابلس خلال اليومين الماضيين، نظمها «المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب» بالتعاون مع «مركز جنيف الدولي للأغراض الإنسانية».

وذكرت الإدارة أن الدورة استهدفت «تحقيق الكفاءة والفاعلية والأمان، وتوضيح المسؤوليات والالتزامات التعاقدية، ومراقبة القياس، ورفع مستوى تنمية القدرات».

وشهدت ليبيا منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي انشقاقات عسكرية وأمنية فتحت «بوابة الموت»، وجعلت من مواطنيها خلال الأعوام التي تلت رحيله، «صيداً» لمخلفات الحروب المتنوعة، من ألغام و«قنابل موقوتة» مزروعة في الطرقات والأراضي المهجورة؛ ما أوقع قتلى وجرحى.

تعمل «أونماس» على توعية الأطفال بمخاطر الألغام (UNMAS Libya)

وأشارت «إدارة التوجيه المعنوي» إلى أن الدورة التدريبية شارك فيها أيضاً ممثلون عن «مبادرة 5+5 دفاع»، التي تشمل ليبيا والجزائر والمغرب وتونس وإيطاليا وإسبانيا، إلى جانب مشاركة الإدارة الهندسية العسكرية وعدد من المنظمات المحلية والدولية.

ونوهت بأن الدورة «تهدف لتعزيز نهج مشترك ومنسق، وتقديم التوجيهات، والرجوع إلى المنظمات والمواصفات الدولية عند القيام بالتخلص من مخلفات الحرب».

وكان فريق دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، التابع لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، قد رافق المركز الليبي في «تطبيق إجراءات ضمان الجودة على عملية التدمير الآمن لِطُنَّيْنِ من مخلفات الحرب»، نفذها شركاء دوليون ومحليون في منطقة الكراريم بمصراتة.

وقالت فاطمة زريق، مديرة برنامج دائرة الأعمال المتعلقة بالألغام في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: «شعرنا بالارتياح، لا سيما أن عمليات التطهير والتخلص الآمن من مخلفات الحرب المتفجرة تسهم في تقليل المخاطر، ودعم المجتمعات للعيش في بيئة أكثر أماناً».

حملة توعية بمخاطر الألغام (UNMAS Libya)

كما نفذت «دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام»، و«المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب»، زيارة «ضبط جودة» في موقع حادث انفجار مخزن الذخيرة في مصراتة الذي وقع في 31 أغسطس (آب) الماضي، حيث جرى حينها «تنفيذ أعمال التطهير ضمن مشروع ممول من الحكومة الإيطالية».

ويهدف المشروع إلى تقليص التهديد الذي تمثله الذخائر غير المنفجرة، وحماية المدنيين في ليبيا، و«تعزيز القدرات الوطنية في مجال الأعمال المتعلقة بالألغام»، وهي عناصر أساسية في تعزيز السلام المستدام والاستقرار، وضمان الملكية الليبية لهذا القطاع، بحسب البعثة الأممية.


مصير غامض يواجه مئات المهاجرين المحتجزين غرب ليبيا

مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا سبتمبر الماضي (جهاز مكافحة الهجرة)
مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا سبتمبر الماضي (جهاز مكافحة الهجرة)
TT

مصير غامض يواجه مئات المهاجرين المحتجزين غرب ليبيا

مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا سبتمبر الماضي (جهاز مكافحة الهجرة)
مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا سبتمبر الماضي (جهاز مكافحة الهجرة)

أعادت تخوفات حقوقية في ليبيا أزمة مئات المهاجرين غير النظاميين المحتجزين في مقري «بئر الغنم» و«العسّة» بغرب البلاد، إلى واجهة الأحداث، وسط تساؤلات عن مصيرهم الغامض، في ظل ما يوصف بـ«فوضى إدارية وانقسام داخلي في جهاز مكافحة الهجرة».

جانب من زيارة «المجلس الوطني للحريات» إلى «بئر الغنم» غرب ليبيا سبتمبر الماضي (جهاز مكافحة الهجرة)

و«بئر الغنم» هو مقر لتجميع المهاجرين غير النظاميين، جنوب غربي العاصمة، ويضم مئات الأطفال المصريين، وجنسيات أخرى، بينما يقع «العسّة» في منطقة حدودية مع تونس.

وتعكس تقارير دولية، وشهادات حقوقية ليبية، واقعاً مأسوياً يتعلق بأوضاع المهاجرين غير النظاميين.

ودعا طارق لملوم الباحث الليبي في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء، وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، «بصفتها المسؤولة عن مقري بئر الغنم والعسة، للكشف عن مصير المئات المحتجزين فيهما»، ووصفهما بأنهما «خارج الرقابة والمساءلة».

وحمّل لملوم في تصريح صحافي، وزير الداخلية عماد الطرابلسي، «المسؤولية بشكل مباشر عن سلامة المئات من المحتجزين داخل المركزين»، وأشار إلى أنه «رغم زيارة المجلس الوطني للحريات مقر بئر الغنم، وإطلاق الوعود بتحسين أوضاع المحتجزين هناك، والتنسيق مع سفارات بلدانهم لترحيلهم أو الإفراج عنهم، فإنه لم يُسجل أي تحرك فعلي بشأن إعادة ترحيل المصريين المحتجزين منذ عدة أشهر».

مهاجرون تم إنقاذهم من الموت بعد غرق مركبهم الذي انطلق من سواحل ليبيا في اتجاه أوروبا (أ.ب)

وتقول منظمات حقوقية دولية ومحلية، إن مراكز احتجاز المهاجرين كافة في ليبيا «تُرتكب فيها انتهاكات واسعة»، لكن يبرز اسم «بئر الغنم» في شكاوى كثيرة، خصوصاً من مصريين يتحدثون عن اعتقال أبنائهم في هذا المركز.

والحال في «بئر الغنم» لا تختلف كثيراً عن باقي مراكز إيواء المهاجرين - بحسب المختصين في ملف الهجرة وحقوق الإنسان - غير أن الأنباء الصادرة عن هذا المركز، تتحدث عن وجود 600 مهاجر ينتمون إلى عشر دول على الأقل، غالبيتهم من الأطفال والقُصَّر.

وينوه لملوم بأنه «لا تتوفر معلومات دقيقة حول أوضاع بقية الجنسيات، أو مصير المهاجرين القصّر المحتجزين في مركز بئر الغنم».

وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مايو (أيار) 2025 إن معظم مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا «تخضع لسيطرة جماعات مسلحة منتهكة وغير خاضعة للمساءلة»، وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات تشمل «الاكتظاظ الشديد، والضرب، والتعذيب، ونقص الطعام والماء، والعمل القسري، والاعتداء الجنسي والاغتصاب، واستغلال الأطفال».

مهاجرون غير شرعيين في ليبيا (متداولة)

وبخصوص «مركز إيواء العسّة» الواقع بالقرب من الحدود التونسية - الليبية، قال لملوم، إن السلطات الليبية تحتجز فيه هو الآخر «المئات من المهاجرين، وسط غياب تام للمعلومات عن مصيرهم أو أماكن نقلهم».

ويرى لملوم، أن «هذا الغموض يعكس فوضى إدارية، وانقساماً داخلياً في إدارة مراكز الاحتجاز، ولم يعد واضحاً ما الجهة المسؤولة عن الاحتجاز أو عن إجراءات الترحيل والإفراج».

وذهب إلى أنه «إن لم تُقدِم السلطات الليبية على حسم ملف هذه المراكز سيئة السمعة، وإخضاعها للرقابة والمساءلة، فإن التحرك الدولي قد يصبح الخيار الوحيد القادر على فرض المساءلة، وإنقاذ الضحايا والمغيبين».

وسبق أن راج مقطع فيديو لسيدة مصرية على «إنستغرام»، تناشد السلطات المصرية سرعة التحرك لإنقاذ محتجزين في «بئر الغنم»، قالت إنهم «يتعرضون للمساومة على دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم».

قبيل ترحيل مهاجرين غير نظاميين من ليبيا إلى نيجيريا في 13 أكتوبر الماضي (جهاز مكافحة الهجرة)

وكانت «منظمة ضحايا لحقوق الإنسان» الليبية، قالت إنها تلقت شكاوى من ناجين تم إنقاذهم من الغرق في البحر تحدثوا عن «إهانة وضرب وتعذيب واستغلال في أعمال البناء داخل مركز الإيواء وخارجه، والإفراج عن البعض مقابل مبالغ مالية».

ولا تزال عصابات الاتجار بالبشر تعمل على تهريب المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، لكن عناصر خفر السواحل الليبي تعيد عدداً كبيراً منهم جبراً إلى شواطئ البلاد، وتودعهم مقار الإيواء.

وأعلنت «المنظمة الدولية للهجرة»، اعتراض وإعادة 568 مهاجراً من البحر إلى ليبيا خلال الفترة من 2 إلى 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لافتة إلى اعتراض وإعادة 23.513 مهاجراً منذ بداية العام الحالي، من بينهم 2037 امرأة، و851 طفلاً.

ودائماً ما تؤكد المنظمة الدولية، أن «ليبيا ليست ميناءً آمناً لإنزال المهاجرين، وأنها لم تشارك في إعادتهم إليها».

مهاجرون غير نظاميين ينتظرون الترحيل في مدينة درنة بشرق ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية)

وعلى خلفية إعادة المهاجرين جبراً من البحر، قالت 13 منظمة إغاثة دولية في 8 نوفمبر الحالي، إنها «علّقت الاتصال مع حرس السواحل الليبي في البحر المتوسط، بداعي زيادة حالات العنف أثناء اعتراض قوارب الهجرة غير المشروعة في البحر، وتعرض المهاجرين واللاجئين إلى انتهاكات وتعذيب داخل مراكز الاحتجاز الليبية».

وبحسب ما نقلته «الغارديان» البريطانية، أرجعت المنظمات قرارها، إلى رفض «ضغوط متنامية من قبل الاتحاد الأوروبي وإيطاليا على وجه الخصوص، لمشاركة المعلومات مع حرس السواحل الليبي».


الجزائر: إطلاق ترتيبات لإدانة جرائم الاستعمار الفرنسي

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)
صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)
TT

الجزائر: إطلاق ترتيبات لإدانة جرائم الاستعمار الفرنسي

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)
صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

لم يمنع تتابع مؤشرات الصلح بين الجزائر وباريس، الحكومة الجزائرية من إطلاق إجراءات في الميدان تخص توثيق الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي (1830-1962) بحق البيئة. في حين يثار جدال كبير حول طلب رفعه الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، للإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال الذي يُعد سجنه أحد أسباب توتر العلاقة مع فرنسا.

مراسم إطلاق ترتيبات لتجريم جرائم الاستعمار بحق البيئة (وزارة البيئة)

وأُعلن، الاثنين، بالجزائر العاصمة عن تشكيل «لجنة وطنية متعددة القطاعات» مكلفة بتوثيق «الجرائم البيئية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر ودراسة آثارها»، بخاصة في المناطق المتضررة من الأنشطة المدمّرة للطبيعة، وعلى رأسها التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر مطلع ستينات القرن الماضي.

وجرت مراسم إطلاق اللجنة بمقر وزارة البيئة، بإشراف وزيرة القطاع كوثر كريكو ووزير المجاهدين وذوي الحقوق عبد المالك تشريف، وبحضور المستشار لدى رئيس الجمهورية المكلف بالطاقة والمناجم والبيئة، أمين معزوزي.

وتندرج هذه المبادرة، حسب الحكومة، في إطار «مشروع الذاكرة البيئية الاستعمارية»، تماشياً مع التوصيات المنبثقة عن مؤتمر نُظم في الثالث من الشهر الجاري بالجزائر العاصمة، بحث في «المخلفات البيئية للاستعمار في أفريقيا: حقائق تاريخية وتداعيات إيكولوجية – حالة الجزائر».

وزيرا البيئة والمجاهدين (إعلام وزاري)

تُشرف على «اللجنة» هيئتان وطنيتان هما «المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954» التابع لوزارة المجاهدين، و«المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة» التابع لوزارة البيئة. وتضم اللجنة ممثلين عن قطاعات الدفاع الوطني والداخلية والنقل والزراعة والتنمية الريفية والصيد البحري والموارد المائية والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة.

وفي كلمة لها بالمناسبة، وصفت الوزيرة كريكو هذا المشروع بأنه «حجر الزاوية في مسار ترسيخ مفهوم الذاكرة البيئية، بوصفه محوراً أساسياً من محاور الذاكرة الوطنية»، مشددة على أهمية «حصر وتوثيق جميع المناطق المتضررة من ويلات الاستعمار في الجزائر وأفريقيا، ورصد آثاره البيئية والبشرية التي ما تزال قائمة إلى اليوم».

ولفتت الوزيرة إلى أن إطلاق المشروع «يتزامن مع اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة، المصادف لـ6 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، ما يشكّل مناسبة لتجديد التأكيد على أن البيئة ليست ساحة معركة، بل فضاء مشترك للحياة والأمن واستقرار الشعوب».

لقطات مركّبة لأحد مواقع التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية (أرشيفية)

ومن جانبه، أكد وزير المجاهدين أن الجزائر «تطمح إلى أداء دور ريادي على الصعيد الأفريقي، في توثيق وجمع المعلومات المتعلقة بتداعيات التدمير المنظم الذي طال الإنسان والطبيعة خلال الاستعمار»، موضحاً أن «هذه الجهود ترمي إلى إحياء الوعي الجماعي حول تلك المرحلة المظلمة من تاريخ الأمة الجزائرية».

ووفق الوزير نفسه «يمثل مشروع الذاكرة البيئية الاستعمارية خطوة نوعية في توسيع مفهوم الذاكرة الوطنية، من خلال مقاربة تسليط الضوء على البعد الإنساني والبيئي لجرائم الاستعمار الفرنسي».

وأشار إلى أن هذا العمل المشترك بين قطاعي المجاهدين والبيئة «يعكس إرادة الدولة الجزائرية في توثيق جميع الأبعاد التاريخية والإنسانية والبيئية للجرائم الاستعمارية، بما يكرّس العدالة التاريخية والبيئية على المستويين الوطني والأفريقي».

من جهته، أكد مدير «المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة»، كريم عراب، أن الدراسات المنجزة في مجال البيئة «كشفت حجم وفظاعة الجرائم التي ارتُكبت خلال الحقبة الاستعمارية»، مؤكداً أن «هذه اللجنة الوطنية ستُعمق الدراسات وفق مقاربة علمية دقيقة لتحديد الأضرار الناتجة عن الممارسات المخالفة للقوانين والمعايير الدولية».

الرئيسان الجزائري والفرنسي في قمة المناخ بشرم الشيخ 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وتضع الجزائر «اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار» ضمن مطالبها المتعلقة بـ«الذاكرة»، مقابل تردد فرنسا في الاستجابة لهذا الطلب، ما شكّل أحد أكبر المشكلات بين البلدين، وتسبب في تغذية التوترات التي تعيشها العلاقات الثنائية منذ أكثر من عام، والتي اندلعت بسبب اعتراف «الإليزيه» بسيادة المغرب على الصحراء.

وظهرت في الأسابيع الماضية مؤشرات انفراجة، من خلال تصريحات إيجابية تم تبادلها بين ضفتي البحر المتوسط. كما يرتقب أن تزور الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية آن ماري ديكوت الجزائر، في مستقبل قريب، لاستئناف الحوار حول مسائل الهجرة السرية ومحاربة الإرهاب، التي توقفت بسبب الأزمة الدبلوماسية.

صورة مركبة للرئيسين الجزائري والألماني نشرتها الرئاسة الجزائرية بمناسبة طلب الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال

وفي السياق، أثار نشر الرئاسة الجزائرية، الاثنين، رسالة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى الرئيس عبد المجيد تبون، تضمنت «بادرة إنسانية» لصالح الكاتب الفرنسي - الجزائري المسجون بوعلام صنصال، تتمثل في إصدار عفو عنه، جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث علّق العديد من الناشطين السياسيين والصحافيين، بأن السلطات الجزائرية «أظهرت مؤشرات قوية على قرب الإفراج عن صنصال»، برغم أنها كانت تتهمه حتى وقت قريب بـ«الخيانة والتعاون مع جهات أجنبية».

الكاتب بوعلام صنصال (حسابات ناشطين معارضين لسجنه)

وجاء في رسالة الرئيس الألماني: «لقد طلبت من نظيري الجزائري العفو عن بوعلام صنصال، وستكون هذه المبادرة تعبيراً عن روح إنسانية ورؤية سياسية مستنيرة، كما تعكس أيضاً علاقتي الشخصية الوطيدة بالرئيس تبون والعلاقات الممتازة بين بلدينا».

وأكدت الصحافة الألمانية أن طلب شتاينماير تضمن أيضاً رغبة برلين في نقل صنصال إلى ألمانيا للعلاج.

وأشار ناشطون باستهجان، عبر حساباتهم، إلى رفض الحكومة طلبات متكررة للإفراج عن نشطاء الحراك الذين يفوق عددهم 180 والذين دانتهم المحاكم بسبب مواقفهم من سياساتها. كما أثيرت قضية المؤرخ محمد الأمين بلغيث المسجون بسبب تصريحات عُدّت مسيئة للأمازيغية والناطقين بها.

أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث (متداولة)

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ناشد تبون، في مناسبات عدّة، إطلاق سراح الكاتب السبعيني الذي اعتُقل منذ عام وحكم عليه بالسجن 5 سنوات مع التنفيذ، بسبب تصريحات لمنصة إخبارية محسوبة على اليمين الفرنسي المتشدد، زعم فيها أن «أراضي واسعة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وأن الاستعمار الفرنسي اجتزأها منه.

اقرأ أيضاً

«ستكون هذه المبادرة تعبيراً عن روح إنسانية ورؤية سياسية مستنيرة، كما تعكس أيضاً علاقتي الشخصية الوطيدة بالرئيس تبون والعلاقات الممتازة بين بلدينا».

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير