يسود صمت رسمي من جانب السلطات في غرب ليبيا حيال تفجير هزَّ أرجاء مدينة زليتن في الساعات الأولى من فجر الأحد، مستهدفاً ضريح «مفتاح الصفراني»، أحد أبرز المعالم الدينية، والذي يضم زاوية يتم فيها تحفيظ القرآن الكريم، بينما أثار الحادث مخاوف شعبية من عودة «الجماعات الإرهابية».

ورغم عدم تسجيل أي خسائر بشرية، فإن التفجير دمّر الضريح بشكل كامل، معيداً إلى الواجهة ملف استهداف الأضرحة في حوادث متكررة منذ اندلاع «ثورة فبراير عام 2011».
ولم تتبنَّ أي جهة هذا التفجير، لكن وفقاً لمصادر محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فقد توقفت سيارة مظللة النوافذ قرب الموقع، ونزل منها شخص توجه إلى الضريح، حيث ترجَّح أنه زرع عبوة ناسفة تم تفجيرها لاحقاً عن بُعد، بحسب كاميرات المراقبة في المكان.
موجة الاعتداءات على الأضرحة في ليبيا بدأت بعد سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، واستُهدف منذ ذلك الحين العديد منها في طرابلس، ومصراتة، وزليتن، وبنغازي، ودرنة.
ورغم التحذيرات والمطالب الدولية، ومن بينها دعوة منظمة «هيومن رايتس ووتش» قبل 13 عاماً لتوفير حماية أمنية لهذه المواقع، استمر استهداف الأَضرحة بوتيرة متقطعة.
وسبق أن وثّقت منظمة «العفو الدولية» العام الماضي عمليات هدم لزوايا صوفية نفذتها لجنة حكومية تُعرف باسم «حصين» في غرب ليبيا، ووصفتها بأنها «انتهاك خطير للتراث الديني والثقافي»، مطالبة بوقف تلك الممارسات، ومحاسبة المسؤولين عنها.
ويرى خبراء أن هذه الاعتداءات ليست مجرد أعمال تخريب، بل «جزءٌ من استراتيجية أوسع تتلاقى فيها الأجندات السياسية مع الفكر المتطرف لبعض التيارات المحلية، ونفوذ الميليشيات».

ويحذّر المحلل السياسي حميد الخراز من أن عودة التفجيرات إلى المنطقة الغربية «تنذر بمرحلة جديدة من نشاط الجماعات الإرهابية، في ظل هشاشة الوضع الأمني، وانتشار السلاح، والميليشيات».
وأضاف أن «هذه الأعمال لا يتورط فيها إلا من يرفضون التعددية، والتنوع».
ويرى الخراز في تصريحٍ لـ«الشرق الأوسط» أن مسؤولية استمرار هذه التفجيرات «تقع على عاتق» رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، الذي يتهمه بـ«دعم الميليشيات بالمال، والسلاح، بدلاً من بناء مؤسسات أمنية وعسكرية قادرة على حماية البلاد»، بحسب تعبيره.
وسبق في أغسطس (آب) الماضي أن تعرضت زاوية «سيدي زلي» في زليتن أيضاً لمصير مشابه، ما أثار موجة غضب واسعة في الأوساط الدينية، والشعبية.
ولقي تدمير ضريح «الصفراني» استنكاراً حقوقياً، إذ أدان أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس «المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان» في ليبيا، التفجير، واعتبره «عملاً إجرامياً وإرهابياً يستوجب الملاحقة والمحاسبة».
وعبر مصدر في «المجلس الأعلى للتصوف» بغرب ليبيا عن استغرابه من «صمت السلطات المطبق إزاء هذه الجرائم»، محملاً مسؤولية حماية هذه المعالم الأثرية لـ«الدولة الليبية، لأنها تمثل جزءاً أصيلاً من التاريخين العربي والإسلامي».
والمصدر، الذي تحفّظ عن ذكر اسمه حفاظاً على سلامته الشخصية، وصف هذه الاعتداءات بأنها «ظاهرة خطيرة تُكرّس العنف الديني والطائفي، وقد تؤدي إلى إشعال حرب فكرية داخل المجتمع الليبي». ولم يستبعد أن يكون استمرارها «جزءاً من مخطط يستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي».
ويعود تاريخ ضريح الشيخ «مفتاح الصفراني»، المولود عام 1891، إلى بدايات القرن العشرين، ويضم مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم العلوم الشرعية، ويستقطب سنوياً زواراً من مختلف مناطق ليبيا.
ومع ذلك، فإن بعض الأضرحة التاريخية في ليبيا نجت من التدمير بفضل «الحماية القبلية»، وهو ما أقرّه المؤرخ الليبي الدكتور فرج نجم، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن بعض الأضرحة، مثل ضريح الزعيم الليبي عمر المختار، حظي بحماية من «قبيلة العواقير» و«الجيش الوطني» الليبي قبل تحرير بنغازي من الإرهاب، وهي الفترة التي شهدت اعتداءات على أضرحة تاريخية في شرق البلاد.
وتأكيداً لدور الحماية القبلية في حماية الأضرحة، فإن نجم، وهو المدير المسؤول عن ضريح المختار، يشير إلى أن زاوية «حسين المحجوب» في مصراتة نجت من التفجيرات والهدم بفعل حماية قبيلة «أولاد المحجوب»، وتوقف الأمر عند نبش القبر قبل أكثر من ستة أعوام.
ويخشى مراقبون أن تصبح الأضرحة والزوايا ساحةً لصراع طويل يهدد وحدة المجتمع الليبي بأسره.



