لماذا تصدّر ملف أمن طرابلس محادثات المبعوثة الأممية مع حفتر؟

رغم كون العاصمة خارج نفوذ «الجيش الوطني»

القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي خليفة حفتر مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في بنغازي يوم الأحد (إعلام القيادة العامة)
القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي خليفة حفتر مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في بنغازي يوم الأحد (إعلام القيادة العامة)
TT

لماذا تصدّر ملف أمن طرابلس محادثات المبعوثة الأممية مع حفتر؟

القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي خليفة حفتر مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في بنغازي يوم الأحد (إعلام القيادة العامة)
القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي خليفة حفتر مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في بنغازي يوم الأحد (إعلام القيادة العامة)

تصدّر ملف الوضع الأمني في العاصمة الليبية طرابلس اللقاء الذي جمع المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، بالقائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر يوم الأحد.

وأثارت المباحثات تساؤلات، لكون العاصمة الليبية تخضع لنفوذ حكومة «الوحدة الوطنية» في غرب البلاد، بينما تسيطر قوات الجيش على الشرق وأجزاء من جنوب البلاد.

ومع التكتم على تفاصيل محادثات الجانبين بشأن أمن العاصمة، اكتفى المتحدث باسم البعثة الأممية محمد الأسعدي بتصريح مقتضب لـ«الشرق الأوسط» أشار فيه إلى أن البيان الرسمي الصادر عن البعثة «عَكَس جوهر ما دار في اللقاء»، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

ومن وجهة نظر سياسيين وبرلمانيين فإن أي ترتيبات أمنية في العاصمة طرابلس لا يمكن أن تتجاهل دور «الجيش الوطني».

عناصر تابعة لميليشيا ما يعرف بـ«جهاز الأمن العام» في طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)

وحسب رؤية عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الليبي علي الصول، يبدو من «الطبيعي» أن تبحث المبعوثة الأممية الوضع الأمني في طرابلس مع حفتر، معتقداً أن «سلطة القيادة العامة للجيش تمتد على كامل التراب الليبي».

واستند الصول في حديثه إلى «الشرق الأوسط» في رؤيته هذه إلى إن «عدداً كبيراً من قيادات (الجيش الوطني)، بمن فيهم ضباط وجنود، ينتمون إلى المنطقة الغربية»، عادّاً أن «القيادة العامة هي الجهة الشرعية المسؤولة عن حماية الحدود وربوع الوطن كافة، بما فيها العاصمة».

ووفق بيانين صادرين عن «الجيش الوطني» والبعثة الأممية، الأحد، فقد بحث حفتر وتيتيه «السُّبل الكفيلة بمنع تفاقم التوتر الأمني في طرابلس»، وشدّدا على أهمية التهدئة، ومنع اندلاع مزيد من النزاعات، من دون أن يتطرق البيانان إلى طبيعة هذه السُّبل.

«تفاهمات أمنية»

ويرى شريف بوفردة، مدير «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية»، أن تركيز اللقاء على أمن طرابلس «مفهوم ومنطقي»، بالنظر إلى «حالة التوتر المستمرة بين الميليشيات المنتشرة في العاصمة، وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة».

وقال بوفردة، في معرض تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، إن «العلاقة بين (جهاز الردع) وقوات (الجيش الوطني) جيدة، لا سيما الوحدات التي يقودها نائب قائد قوات القيادة العامة صدام حفتر، في الشرق»، عادّاً أن «هذا التقارب قد يفتح الباب أمام تفاهمات أمنية غير معلنة».

وتحدثت تقارير محلية عن تنسيق غير مباشر بين (الجيش الوطني) وعناصر (الردع)، وهي معلومات لم تنفها القيادة العامة أو تؤيدها، الأمر الذي يعزز التكهنات بشأن وجود قنوات تواصل غير رسمية.

وينظر مراقبون إلى أن أي اضطراب أمني في طرابلس يمثل خطراً مباشراً على «خريطة» تيتيه الرامية لتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات، خصوصاً مع تصاعد التوتر بين المجموعات المسلحة الموالية لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومجموعات أخرى مناوئة لها أبرزها «جهاز الردع».

وفي هذا السياق، يعتقد رئيس حزب «ليبيا الكرامة» يوسف الفارسي «استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية دون تأمين العاصمة، بصفتها المركز السياسي والإداري للبلاد»، لافتاً إلى أن أي استحقاق يتطلب «تدخلاً دولياً وفرض عقوبات على المعرقلين تحد من نفوذهم».

وأضاف الفارسي لـ«الشرق الأوسط» أن «(الجيش الوطني) هو لليبيا كافة»، مشيراً إلى «أصوات داخل طرابلس تطالب بدور مباشر للجيش في ضبط الأوضاع، غير أن الضغوط الدولية تمنع ذلك في الوقت الحالي».

لقاء روما

تشهد ليبيا منذ أعوام انقساماً حاداً بين حكومتين متنافستين؛ الأولى حكومة «الوحدة» برئاسة الدبيبة، التي تدير طرابلس ومعظم الغرب الليبي، والثانية برئاسة أسامة حماد، وهي مكلفة من البرلمان، وتتخذ من بنغازي مقراً لها، وتشرف على الشرق وأجزاء من الجنوب.

رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبدالحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

وقد انعكس هذا الانقسام على المشهد الأمني، حيث تتقاسم المجموعات المسلحة السيطرة على العاصمة مع قوات «الوحدة»، ما يجعل أي ترتيبات أمنية رهينة لتفاهمات هشة بين القوى المتنافسة.

في الوقت نفسه، يلحظ متابعون أن محادثات تيتيه مع خليفة حفتر جاءت بعد أيام من لقاء غير معلن رسمياً في روما، جمع بين نائب القائد العام للجيش صدام حفتر، ومستشار الأمن القومي في حكومة «الوحدة» إبراهيم الدبيبة.

ويعتقد بوفردة أن لقاء روما «مثّل منصة ضغط أميركي لدفع الأطراف الليبية نحو إعادة توحيد السلطة التنفيذية عبر صيغة دمج الحكومتين في كيان موحد».

وسبق أن شدّدت البعثة الأممية في بياناتها الأخيرة على أن تشكيل «حكومة موحدة» يتطلب «التزاماً كاملاً من القوى السياسية الرئيسية، ودعماً دولياً فعالاً»، بما يضمن قدرتها على إدارة شؤون البلاد في مختلف المناطق، ومنع عودتها إلى مربع الفوضى.

وعلاوة على ما تمثله من أهمية أمن طرابلس كون ذلك «عنصراً حاسماً» في مستقبل العملية السياسية، فإن هذه اللقاءات - بحسب مراقبين - تكشف عن تنامي دور حفتر في المعادلة الليبية، سواء في المفاوضات الداخلية أو في التفاهمات الإقليمية والدولية بشأن الأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من عقد.

يُشار إلى أن «خريطة» تيتيه تتضمن ثلاث ركائز أساسية، تبدأ بإعداد إطار انتخابي قابل للتطبيق، ثم توحيد المؤسسات من خلال تشكيل حكومة جديدة وموحدة تشرف على إجراء الانتخابات، بالإضافة إلى إطلاق حوار ليبي لمعالجة القضايا الخلافية والوصول إلى توافق يشارك فيه الليبيون كلهم.


مقالات ذات صلة

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

شمال افريقيا قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

ينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة.

علاء حموده (القاهرة)
خاص القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)

خاص «الوطني الليبي» يتجاهل مجدداً اتهامات بـ«التعاون» مع «الدعم السريع»

يرى محلل عسكري ليبي أن مطار الكفرة «منشأة مهمة تُستخدم لدعم القوات الليبية المنتشرة في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي وهو نقطة وصل بين شرق ليبيا وجنوبها»

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا حماد يتوسط قيادات عسكرية وشخصيات نيابية خلال افتتاح مشاريع في سبها الليبية (الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي)

حمّاد لا يرى حلاً للأزمة الليبية عبر «تدخلات الخارج»

دعا أسامة حمّاد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب «أبناء الوطن كافة إلى الالتحاق بركب التنمية بعيداً عن أي تدخلات أو إملاءات خارجية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا من حفل توقيع اتفاق بين «الجيش الوطني» الليبي والجيش الباكستاني (القيادة العامة)

تعاون حفتر والجيش الباكستاني يثير قلقاً داخل ليبيا

أثمرت زيارة قائد الجيش الباكستاني، الفريق أول عاصم منير، إلى بنغازي توقيع اتفاقية تعاون مشترك مع الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر، الأمر الذي أثار قلقاً ليبياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

قال مكتب القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي إن زيارة الوفد العسكري الباكستاني تأتي في إطار «تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
TT

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)

تسعى مصر إلى الحد من حوادث السيارات عبر زيادة الغرامات وتغليظ العقوبات على المخالفات المرورية، وذلك من خلال تعديلات على بعض مواد «قانون المرور» أقرتها الحكومة تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).

ووافق مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، على تعديلات لبعض أحكام «قانون المرور»، مؤكداً أنها تهدف «إلى تعزيز إجراءات الردع العام، والحد من حوادث الطرق والمواصلات العامة بوجه عام»، وذلك وفق بيان حكومي استعرض تفاصيل المواد التي جرى اقتراح تعديلها.

وبلغ عدد وفيات حوادث الطرق في مصر 5260 حالة خلال العام الماضي، مقابل 5861 حالة في عام 2023، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 10.3 في المائة. في حين ارتفع عدد المصابين إلى نحو 76362 مصاباً، مقارنة بـ71016 مصاباً خلال العام الذي سبقه، بنسبة زيادة بلغت 7.5 في المائة، وذلك وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في مايو (أيار) الماضي.

ومن بين أبرز التعديلات التي أقرتها الحكومة تشديد العقوبات الخاصة بتسيير المركبات دون ترخيص أو بعد انتهاء الترخيص؛ حيث نصّت «على الضبط الإداري للمركبة، واستحقاق الضريبة السنوية كاملة عن فترة المخالفة، إلى جانب ضريبة إضافية تعادل ثلث الضريبة الأصلية، وذلك بحد أقصى 5 سنوات».

كما تم رفع قيمة الغرامات المفروضة على مخالفة مسارات السير، أو تجاوز السرعات المقررة، لتتراوح بين 2000 و10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 47.5 جنيه في البنوك).

تطوير شبكة الطرق ليس كافياً للحد من حوادث السيارات في مصر (وزارة النقل المصرية)

ووصفت عضو لجنة «النقل والمواصلات» بمجلس النواب فريدة الشوباشي «التعديلات المقترحة بالإيجابية، في ظل الحاجة لترسيخ ثقافة الانضباط المروري التي تسمح بالحد من الحوادث».

وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الغرامات المالية الضئيلة في بعض المخالفات المرورية شجّعت كثيرين على التمادي في المخالفات، لافتة إلى أن بعض المخالفات التي يجري تحصيلها عن الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل، على سبيل المثال، أقل بكثير من الأضرار التي تسببها على الطرق، بالإضافة إلى خطورة الأمر من ناحية السلامة.

وشملت التعديلات التي أقرتها الحكومة «تغليظ العقوبات المتعلقة بتلويث الطرق أو قيادة مركبات تصدر أصواتاً مزعجة أو أدخنة كثيفة أو تحمل حمولات غير مؤمنة، لتبدأ العقوبة بغرامة مالية، وتتضاعف في حال تكرار المخالفة، مع سحب رخصة القيادة لمدة عام عند تكرارها للمرة الثالثة خلال المدد المحددة قانوناً».

كما نصت مواد أخرى على «الحبس أو الغرامة، أو الجمع بينهما، في حالات محددة مثل القيادة دون الحصول على رخصة تسيير أو رخصة قيادة، أو التلاعب باللوحات المعدنية، أو تعمد تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على أحد أفراد المرور أثناء تأدية عمله، مع مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة»، وفق بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري الأربعاء.

وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الشرطة المتخصصة، مدحت قريطم، لـ«الشرق الأوسط»، أن التعديلات جاءت استجابة لدراسات أجرتها وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أنها ستُسهم حتماً، عند بدء تطبيقها، في الحد من الحوادث، لكنها لن تكون كافية ما لم تُستكمل بمنظومة متابعة شاملة لكل الجوانب المرتبطة بالمركبات، بما في ذلك رخص القيادة، ومدد عمل السيارات على الطرق، والفحص الدوري للتأكد من صلاحيتها للسير.

وتوقع قريطم أن يُجري البرلمان، خلال مناقشة القانون، تعديلات إضافية، في إطار التوجه نحو تغليظ العقوبات، عادّاً أن هذه التعديلات تُمثل «حلاً مؤقتاً» إلى حين إقرار قانون المرور الجديد، الذي جرى إعداده بالفعل، إلا أن إصداره تأخر لأسباب تتعلق بالبنية التكنولوجية الواجب توافرها التي شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية.

ونفّذت مصر خلال العقد الماضي «المشروع القومي للطرق» لتحسين جودتها، إلى جانب تدشين طرق جديدة. ووفق بيان سابق لوزارة النقل، فإن المشروع أدّى إلى وجود مصر في المركز الـ18 عالمياً العام الماضي بمؤشر جودة الطرق الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، بعدما كانت تحتل المركز الـ118 عام 2015.


تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)

نقلت السلطات التركية إلى سلطات غرب ليبيا، الخميس، تأكيدها أنها ستقدم «تقريراً كاملاً» حول لغز الطائرة المنكوبة التي كانت تقلّ رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، ورئيس أركان القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، وثلاثة من مرافقيهم، والتي سقطت بعد إقلاعها بقليل من تركيا، وتناثر حطامها في الأنحاء.

واستقبل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، في مكتبه بالعاصمة طرابلس، الخميس، السفير التركي لدى ليبيا، غوفين بيجيتش، ووفداً مرافقاً له؛ وذلك لتقديم تعازي القيادة التركية إلى المنفي والشعب الليبي في الحادث الأليم الذي أودى بالفريق أول محمد الحداد ومرافقيهم.

ونقل مكتب المنفي أن السفير التركي أعرب عن «بالغ الأسى والتأثر لهذا الحدث المؤلم»، مؤكداً «مواصلة السلطات التركية التحقيقات في ملف الحادث، وتقديم تقرير كامل حولها بعد اكتمال التحقيقات الجارية».

الوفد التركي خلال زيارته للمنفي (المجلس الرئاسي الليبي)

وقال مصدر مقرب من المجلس الرئاسي لـ«الشرق الأوسط» إن جهات التحقيق الليبية والتركية تعمل معاً لكشف ملابسات سقوط الطائرة، وما يكتنف ذلك من غموض، لكنه أشار إلى أن «تأخر صدور نتائج عينات الحمض النووي ومطابقتها مع ذوي الضحايا تسبب في تأجيل تأبين الضحايا، الذي كان مقرراً ظهر الخميس في أنقرة»، لافتاً إلى أن أسرة الحداد غادرت تركيا، بعد انتهاء إجراءات عينات الحمض النووي، وهو ما أكدته وسائل إعلام محلية.

وأسفر الحادث أيضاً عن وفاة مدير جهاز التصنيع العسكري، العميد محمود القطيوي، إضافة إلى مستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور بمكتب إعلام رئيس الأركان العامة محمد عمر أحمد محجوب.

وانضم وفد ليبي، الخميس، إلى جهات التحقيق العاملة في تركيا لفك لغز سقوط الطائرة، وقالت حكومة «الوحدة» إن وزير المواصلات دفع بوفد للمشاركة ومتابعة مستجدات التحقيق في الحادثة، وجمع البيانات والمعلومات الدقيقة، المتعلقة بخلفيات وملابسات الحادث. ونص القرار على أن يقدم الوفد تقريراً مفصلاً عن نتائج المهمة «بشكل عاجل فور العودة من انتهاء المهمة».

وقالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن اللجنة الليبية المشكّلة، والتي وصلت تركيا بعد الحادث بساعات، تباشر مهامها في التحقيق بالتعاون الكامل مع السلطات المختصة في جمهورية تركيا، وتبادل جميع المعلومات ذات الصلة بالحادث، مشيرة إلى أن فريق اللجنة يواصل العمل على استكمال الإجراءات اللازمة لنقل جثامين الشهداء إلى أرض الوطن، واتخاذ التدابير الفنية لأخذ عينات الحمض النووي (DNA) من الجثامين، ومقارنتها بعينات ذوي الشهداء وفق المعايير المعتمدة. ولفتت إلى أن مهام اللجنة تشمل كذلك مواصلة أعمال البحث والتحري عن حطام الطائرة، وذلك في إطار استكمال مجريات التحقيق والكشف عن ملابسات الحادث.

بدوره، قدم مجلس النواب التعزية في وفاة الحداد والفيتوري غريبيل ومرافقيهما، الذين توفوا في حادثة تحطم الطائرة.


سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
TT

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)

بينما تُسابق جهات التحقيق الزمن في تركيا لفك لغز الحادث، الذي أدى لسقوط الطائرة، التي كانت تقل الفريق محمد الحداد، رئيس أركان قوات غرب ليبيا ومرافقيه خلال رحلة العودة من أنقرة إلى طرابلس؛ أحيا هذا الحادث هاجس ونظريات «المؤامرة» في بلد يخنقه التشظي، وضاعف التساؤلات الحارقة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

فتح الجراح القديمة

نكأ الحادث - الذي ترك آثاره على جُلّ الليبيين - جراحاً ظن البعض أنها قد اندملت، تتعلق بعمليات «الاغتيالات الغامضة» التي تشهدها ليبيا منذ الانفلات الأمني، الذي واكب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. وذهب البعض إلى ربط بعضها برفض «وجود قوات أجنبية في ليبيا».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ومع توجه البعض لطرح سيناريوهات مُتخيّلة لإسقاط الطائرة، عبّر محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، عن «فزعه» من المسارعة إلى تحليل الحادث الأليم أخذاً بنظرية المؤامرة، وقال إن هذا التسرّع «لا تفسير له؛ حيث ذهب البعض - ومنهم غير ليبيين - إلى عدّ الحادث جريمة اغتيال مدبرة، في ظل توزيع اتهام بإسقاط الطائرة وفق نظرية (فتش عن المستفيد) بين أطراف دولية ومحلية عديدة».

ودعا بعيو إلى «انتظار نتائج التحقيقات الرسمية في الحادث، وما ستعلنه تركيا رسمياً، وتفريغ محتويات (الصندوق الأسود لتظهر الحقيقة التي لن يكون في مقدور أحد إخفاؤها أو التهرب منها».

ولكثرة ما شهدته ليبيا من فواجع، بدا للبعض أن ليبيا بيئة بات يغيب عنها اليقين، وتتحكم فيها «الصفقات السرية»، إذ يتحول أي حدث ضخم إلى «مؤامرة مدبرة»، تفرضها أطراف خارجية أو خصوم في الداخل، ما يجعل الحقيقة الفنية أو الواقعية آخر ما يلتفت إليه الجمهور.

أحد أعضاء الفريق الليبي المكلف بالمساعدة في التحقيق (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ويتداول ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لـ«الرتب العسكرية» للفريقين الحداد، والفيتوري غريبيل رئيس أركان القوات البرية، التي عثرت عليها جهات التحقيق في موقع سقوط طائرة «داسو فالكون 50» الخاصة، بعد انطلاقها من أنقرة إلى طرابلس، ما أسفر عن مقتل الحداد، وغريبيل، وثلاثة آخرين.

«أرض الغموض»

لم تتمكن جهات التحقيق في ليبيا من فك الغموض، أو التوصّل إلى الحقيقة بشأن جرائم قتل واغتيالات عديدة ارتكبت خلال الـ14 عاماً الماضية في عموم البلاد، الأمر الذي دفع أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» الليبية، إلى وصف بلده بأنه «أرض الغموض».

وقال النجار في تصريح صحافي: «هناك العديد من القصص التي طواها الكتمان والنسيان لأناس قضوا لأنهم كانوا ليبيين أكثر من اللازم؛ بعدما آمنوا بأن هناك أملاً لهذه الأرض وشعبها أن يعيشا حرين مستقلين».

ويرى النجار أن «ما كان يمكن إخفاؤه سابقاً لم يعد ممكناً اليوم في ظل انفتاح العالم؛ وقد تكون أشلاء الفريق الحداد ورفاقه بداية للكشف الذي يحتاج إليه هذا الشعب ليرى حجم مأساته، لعلّه يستيقظ من سباته، ويفهم أنه يفقد كل شيء ببطء وهدوء».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

وكلّف صلاح النمروش، رئيس أركان قوات غرب ليبيا، الفريق محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، رئيساً لأركان القوات البرية خلفاً للراحل غريبيل. وكان محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، قد كلف النمروش برئاسة الأركان مؤقتاً خلفاً للحداد.

وقال عبد الحكيم معتوق، الكاتب الصحافي الليبي: «لا أومن بنظرية المؤامرة»، لكنه تساءل في المقابل: «كيف لقيادة عسكرية أن تُحرق في سماء دول أجنبية؟ وما علاقة الحادث باغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية في هجوم على ناقلة النفط قبالة السواحل الليبية؟»، مشيراً في هذا السياق إلى قرار البرلمان التركي تمديد وجود القوات التركية في قاعدة الوطية الجوية، وبقاء «المرتزقة» في قاعدة سيدي بلال البحرية. كما لفت إلى أن الحادث وقع في وقت «لاح فيه قبس للخروج من نفق مظلم بتفعيل المؤسسة العسكرية، من خلال المضي في تشكيل حكومة واحدة تشرف على الاستفتاء على الدستور، وإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية».

ويعتقد المعتوق أن حادث الطائرة المنكوبة «هو آخر نداء لليبيين يقول لهم إنكم تجاوزتم مرحلة الخطر، وإذا لم تنهضوا وتتكاتفوا وتلملموا جراحكم، وتنسوا أطماعكم وأحقادكم وتصفية حساباتكم، فسوف يكون حتماً المسمار الأخير في نعش الأمة الليبية».

فرق البحث عن حطام الطائرة المنكوبة (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

من جهته، تحدث عيسى عبد القيوم، الكاتب الصحافي الليبي، عن اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي السابق، الذي رفض تدخل «الناتو» في ليبيا عام 2011، وقال متسائلاً: «هل يحق لنا وضع فرضية أن مقتل الفريق محمد الحداد ورفاقه جاء أيضاً ضمن سياق رفضه الصريح لوجود الأجنبي؛ أو أنه القضاء والقدر؟».