تتواصل جهود الوسطاء لإبرام هدنة في قطاع غزة، وسط تقديرات بأن «حماس» وافقت على المقترح المطروح على الطاولة، الذي يتضمن صفقة تصل إلى 60 يوماً، وأن الاتفاق أمامه «أيام للتوقيع النهائي بعد وضع لمسات أخيرة عليه».
وحدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب 24 ساعة لحسم السيناريو الأخير في المشهد التفاوضي المتصاعد منذ انتهاء مواجهات إسرائيل وإيران، الشهر الماضي، وذلك الحراك من الوسطاء يشي بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأن الاتفاق سيتم قريباً، «وقد يكون خلال التنفيذ هشاً»، وتوقعوا أن تقبل «حماس» لعدة أسباب بينها، الأوضاع المزرية داخل القطاع، ومخاوف من عداء واشنطن التي تقف وراء المقترح بقوة.
وقال ترمب، الجمعة، إنه من المحتمل معرفة ما إذا كانت حركة «حماس» وافقت على ما سماه «الاقتراح النهائي» لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والحركة في غزة خلال 24 ساعة، قائلاً: «سنرى ما سيحدث، سنعرف ذلك خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة»، وفق «رويترز».
وجاء ترجيح ترمب الذي واصل منذ انتهاء مواجهات إسرائيل وإيران، الشهر الماضي، التأكيد على اقتراب التوصل لاتفاق بغزة، بعدما أفادت «حماس» في بيان بأنها «تجري مشاورات مع قادة القوى والفصائل الفلسطينية بشأن العرض الذي تسلمته من الإخوة الوسطاء»، مضيفة أنها «ستسلم القرار النهائي للوسطاء بعد انتهاء المشاورات، وستعلن ذلك بشكل رسمي».
ووفق موقع «واي نت» الإسرائيلي، الجمعة، فإن حركة «حماس» قدمت «رداً إيجابياً» للوسطاء على اقتراح وقف إطلاق النار في قطاع غزة يستمر 60 يوماً، وستعلن الحركة الفلسطينية عن قرارها خلال ساعات.
كما ذكرت صحيفة «إسرائيل هيوم» أن الحركة أبلغت الوسيط القطري بموافقتها على مقترح صفقة تبادل الأسرى في القطاع، لافتة إلى أنه «في حال أكدت (حماس) قبولها، فقد يتم توقيع اتفاق نهائي خلال أيام، وذلك بعد زيارة وفد إسرائيلي لوضع اللمسات الأخيرة على الشروط».
وبدأت تتكشف مزيد من التفاصيل عن اتفاق غزة، الذي يتضمن وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، وفق ما نقلته «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الجمعة، عن القناة «14»، لافتة إلى أنها «تشمل جدولاً للإفراج عن 10 من الأسرى الإسرائيليين الأحياء، مقابل 1000 من الأسرى الفلسطينيين، بخلاف 15 جثة لأسرى إسرائيليين، على أن تحدد (حماس) هوية المفرج عنهم، وكما سيتم إطلاق الأسرى الإسرائيليين الأموات على 3 دفعات منفصلة خلال فترة الـ 60 يوماً، على أن تجري عمليات تبادل الأسرى من دون احتفالات أو استعراضات».

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، أكد أن غزة «إزاء اتفاق قريب خاصة، وأنه لم يكن يغامر ترمب بهذه التأكيدات المتتالية بوجود صفقة تهدئة؛ إلا وهو يدرك أنها باتت قريبة للغاية»، مشيراً إلى أن «الاتفاق سيتم، ولكن سيكون هشاً»، خصوصاً وهو سيخصم من أوارق القوة لدى «حماس» 10 رهائن، بخلاف أنها سترفض نزع سلاحها في المفاوضات اللاحقة، وبالتالي نحن إزاء مخاطر مستقبلية تهدد الصفقة.
وأكد عكاشة أن «موافقة (حماس) هذه المرة كما يترشح من معلومات أولية وراءها 3 دوافع، الأول الغليان الشديد ضد الحركة في القطاع بسبب الأوضاع السيئة وعدم وجود داعٍ لأن تستمر فيما تمضي به خصوصاً أنه ثبت أنه ليست له جدوى، والدافع الثاني نابع من كون الحركة آيديولوجية تؤمن بأن الوقت قد يحمل معه تغييرات مفاجئة وقدرية لصالحها، بخلاف دافع ثالث يتمثل في أن هذه المرة فرصة أخيرة لها، والثمن سيكون باهظاً في حالة الرفض، وسيحتل القطاع كاملاً، ويكون السكان تحت حكم عسكري أشد».
ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، سهيل دياب، أن تسارع جهود الوسطاء لا سيما الأميركي يدعم المؤشرات بأن القطاع بات قاب قوسين أو أدنى من اتفاق، فضلاً عن أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي سيقابل الرئيس الأميركي، الأسبوع المقبل، له مصالح انتخابية وسياسية تريد عودة للرهائن لتسمح له من جديد من طرحه نفسه كصاحب إنجازات بالانتخابات المقبلة في هذا الملف الذي تستخدم المعارضة ضده.
ويرى دياب أن أزمة غزة أخذت زخماً واسعاً بعد حرب إيران، وبات هناك موقف أميركي أكثر وضوحاً يتجه لوقف مؤقت لإطلاق النار، متوقعاً أن توافق «حماس» على هذا المقترح، مع إضافة اقتراحات بسيطة أو مطالبات بضمانات أكثر بما لا يجعل الاتفاق هشاً في أثناء التنفيذ لإنهاء المأساة الإنسانية في غزة.

وتحدث الوسيط المصري عن جهود للوسطاء تتم لـ«سرعة التوصل لاتفاق» بغزة، وأطلع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، نظيره النرويجي، إسبين بارث إيد، على «الجهود التي تقوم بها مصر مع قطر والولايات المتحدة لسرعة التوصل لوقف إطلاق النار في غزة»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية»، الجمعة.
وهناك دعم عربي لذلك المسار، فقد شدد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحافي بموسكو، الجمعة، على أن الأولوية الآن هي للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة. كما بحث نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، مع زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، خلال لقائهما في أبوظبي، العلاقات الثنائية بين البلدين، وجهود المجتمع الدولي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء الإمارات (وام)، الجمعة.
وأكد عبد الله بن زايد دعم الإمارات لجهود التهدئة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتجنب اتساع رقعة الصراع، مشدداً على أهمية تعزيز الاستجابة للأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، وتوفير آلية تتيح تدفق المساعدات للمدنيين بشكل آمن ومستدام.
كما حث المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، في منشور على «تلغرام»، الجمعة، على إبرام ذلك الاتفاق، قائلاً: «من قلب قطاع غزة الذي يتعرض للموت في كل لحظة، أوجه نداء إلى جميع الوسطاء للعمل على إعلان هدنة إنسانية فورية وشاملة، إلى حين التوصل إلى اتفاق». وجاء ذلك النداء تزامناً مع إعلان «تلفزيون فلسطين»، ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر الجمعة، إلى 40 قتيلاً.
ويتوقع عكاشة في ظل ذلك الحراك المتصاعد من الوسطاء والدول ذات الثقل في المنطقة، والنداءات الإنسانية المتواصلة لوقف القصف الإسرائيلي أن «تقبل (حماس) بتنفيذ الاتفاق على مضض، وتنتظر أي متغيرات تأتي لصالحها»، مرجحاً أن يكون الاتفاق خلال اليومين المقبلين، وبحد أقصى خلال أسبوع في ضوء هذه المؤشرات. بينما يرجح دياب أن يقف الاتفاق المقبل القريب بغزة في منطقة رمادية محملاً بكثير من الفخاخ والتناقضات بين التفاصيل والضمانات الشفهية والمكتوبة، معولاً على الوسطاء هذه المرة في دعم صمود الاتفاق وتأمين استمراره بكل الأفكار المناسبة.





