عاد التحشيد المسلّح من جديد إلى شوارع العاصمة الليبية طرابلس، فيما حضّ رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي، المتناحرين على التمسّك بالتهدئة، وببنود وقف إطلاق النار.
وعلى خلفية الأوضاع المتوترة بالعاصمة، عقد المنفي بصفته «القائد الأعلى للجيش الليبي»، اجتماعاً موسعاً ليل الأربعاء - الخميس، بحضور رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، ولجنة متابعة تنفيذ الهدنة: رؤساء الأركان النوعية، وآمر المنطقة العسكرية الوسطى، ورئيس هيئة العمليات.
وأوضحت رئاسة الأركان العامة بغرب ليبيا، أن الاجتماع خُصِّص لمتابعة مستجدات الأوضاع الأمنية في المنطقة الغربية عامة، وفي العاصمة طرابلس على وجه الخصوص. وقالت إن «القائد الأعلى ناقش خلال اللقاء مدى التزام الأطراف المعنية ببنود وقف إطلاق النار، وضرورة عودتهم الفورية إلى مقارهم الأصلية، وفقاً لما نصّت عليه التفاهمات الأمنية القائمة».
ويشدد المنفي «على أهمية مواصلة العمل لتنفيذ مراحل الهدنة بكل دقة وشفافية»، داعياً إلى «الإسراع في معالجة التحديات الماثلة أمام اللجنة؛ بما يضمن الحفاظ على حالة التهدئة وتعزيز أجواء الطمأنينة في العاصمة، التي تُعد بيتاً جامعاً لكل الليبيين».
وسبق أن وقعت الأطراف السياسية والأمنية في العاصمة على اتفاق هدنة لاستعادة الاستقرار، بعد قتال عنيف بين قوات موالية لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعناصر مسلحة تابعة لجهاز «قوة الردع الخاصة»، بزعامة عبد الرؤوف كارة، وموالين له الشهر الماضي.
ومنذ توقف الاقتتال، تسود العاصمة حالة من الهدوء الحذر وسط تخوفات من تجدد الاشتباكات، بينما تواصل سبعة كتائب وألوية مسلحة المشاركة في فصل المتقاتلين عبر نقاط تماس تم الاتفاق عليها وسط طرابلس.

وتتحدث مصادر سياسية بالعاصمة لـ«الشرق الأوسط» عن وجود «تسخين بين القوات والأجهزة الأمنية ممن يوالي الدبيبة من جهة، وجهاز قوة الردع الخاصة والموالين له من جهة أخرى»، مشيرة إلى «وجود تحركات وتحالفات جديدة».
كما أشارت المصادر إلى وجود «معركة مؤجلة» بين الدبيبة وكارة. وقالت إن كلا منهما يخطط «لمعركته الأخيرة»، وإن الأول «يسعى إلى استعادة قاعدة معيتيقة من قوة الردع، لكونها آخر معقل عسكري لا يخضع لسلطة حكومة الوحدة».
وبسطت قوات الدبيبة نفوذها نسبياً على العاصمة، بعدما فكّت ارتباطها بتشكيلات مسلّحة، من بينها جهاز «دعم الاستقرار» برئاسة عبد الغني الككلي، الذي قُتل في عملية وُصفت بأنها «أمنية معقّدة».
ويسعى الدبيبة إلى التخلص من كارة بعد إصدار قرار بتفكيك جهازه، لكنه فشل في ذلك، إذ اندلعت معارك انتهت إلى «هدنة»، فيما بقي الجمر متقداً تحت الرماد.
وكان الدبيبة، وهو يستعرض كيف دانت له العاصمة بعد سيطرة الميليشيات، قال إن «عصر الحاج والشيخ في الأجهزة الأمنية والعسكرية قد انتهى، ولن يبقى في الصفوف إلا من هو مؤهل، ومنضبط، وخاضع للسلطة، وخادم للقانون». في إشارة إلى الككلي الملقب بـ«الحاج»، و«الشيخ» كارة ذي الآيديولوجية السلفية.
وتقول وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة، إن «الإدارة العامة للدعم المركزي» تواصل جهودها الميدانية من خلال تكثيف التمركزات، وتسيير الدوريات في مختلف المناطق الحيوية داخل العاصمة، في إطار تنفيذ الخطة الأمنية المشتركة لتأمين طرابلس.
وأشارت الداخلية الخميس، إلى أن هذه الجهود «تأتي في سياق تعزيز الأمن والاستقرار، وضبط المخالفين والمطلوبين، بما يضمن سلامة المواطنين وحماية الممتلكات العامة والخاصة».

وتشارك شعبة الاحتياط برئاسة مختار الجحاوي، في فض النزاع بين المتقاتلين بالإضافة إلى «جهاز القوة المساندة»، بإمرة أحمد عيسى، و«الكتيبة 603» بإمرة محمد الحصان، و«اللواء 53» بإمرة صلاح القذافي، و«اللواء 222 مجحفل» بإمرة حسين شواط، بالإضافة إلى وجود فرق طب الطوارئ والدعم.

في غضون ذلك، استقبل الدبيبة، بمكتبه في ديوان رئاسة الوزراء ممثلين عن متضرري الحرب التي شهدتها العاصمة عام 2019، وأعرب بحسب بيان لمكتبه، عن تعاطفه مع المتضررين، مؤكداً «تفهمه لمعاناتهم وضرورة إنصافهم بما يليق بحجم الأضرار التي لحقت بهم»، داعياً إلى «التعبير عن القضية أمام الرأي العام بشكل منظّم وموحّد، بما يضمن إيصال صوت المتضررين بطريقة فعّالة».
وكان «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، شن حرباً على العاصمة الليبية في أبريل (نيسان) 2019 توقفت بعد قرابة 13 شهراً مخلفة آلاف القتلى والجرحى.
وتعهد الدبيبة من باب المناكفات السياسية «بدراسة ملف جبر الضرر وتعويض المتضررين؛ وفق أولويات واضحة، وبأسس سليمة وواقعية تراعي الإمكانات المتاحة»، مشدداً «على التزام الحكومة بمتابعة هذا الملف، وتكليف الجهات المعنية بوضع تصورات عملية لمعالجته، بما يحقق العدالة ويستجيب لتطلعات المتضررين».
كان المنفي استقبل وفداً من وزارة الخارجية الهولندية، ترأسه نائب وزير الخارجية مارسال دي فينك، وتناول اللقاء آخر المستجدات على الساحة الليبية، وبحث سبل دعم العملية السياسية، ودفع جهود الاستقرار.
وقالت مكتب المنفي إن الجانبين أكدا على أهمية دعم مسارات الحوار الوطني والانتخابات، بالإضافة إلى مناقشة ملف حقوق الإنسان والتعاون في مجال العدالة الانتقالية والتنمية المستدامة.



