بعد أزمة خانقة استمرت نحو عام، تقول الحكومة المصرية إنها على أعتاب تحقيق «اكتفاء ذاتي» من السكر، بما يؤمن احتياجاتها في واحدة من السلع الاستراتيجية المهمة للبلاد. وحددت الحكومة عام 2026، للوصول إلى ذلك الهدف.
وحققت مصر في مارس (آذار) الماضي، اكتفاءً من السكر بنسبة 81 في المائة، وفق إفادة رسمية من مجلس الوزراء، الذي أكد أنه «بحلول مطلع عام 2026 لن تكون مصر في حاجة للاستيراد»، لافتاً إلى أن إجمالي الأرصدة الحالية من السكر التمويني يكفي لمدة 13 شهراً.
وشهدت السوق المصرية أزمة لافتة في السكر، بلغت ذروتها في الربع الأخير من عام 2023، والربع الأول من عام 2024، حين قفز سعره لأكثر من ضعف وسط نقص في المعروض، ليبلغ سعر الكيلو نحو 55 جنيهاً (دولار ونصف دولار آنذاك)، بعدما كان سعره في المتوسط 15 جنيهاً.
ويصف نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، التحول من مشاهد الطوابير الممتدة بحثاً عن كيس سكر، إلى الاقتراب من الاكتفاء الذاتي، بـ«قصة نجاح». يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفضل في ذلك يعود للتوسع في زراعة البنجر»، وهو «محصول يمكن زراعته في أي أرض، وكان صالحاً في الأراضي الجديدة، لذا توسعنا في زراعته، فزاد الإنتاج بشكل لافت».
وأكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الثلاثاء، اهتمام الحكومة بصناعة السكر «بوصفها إحدى الصناعات الاستراتيجية المُهمة، والعمل على استثمار الفرص الواعدة لنمو هذه الصناعة وتوسعها، سواء فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي للمحاصيل السُكرية وكذا الصناعات التكاملية الأخرى المُرتبطة بها، في إطار سعي الدولة لتحقيق مستهدفات تعزيز الأمن الغذائي»، وذلك خلال اجتماع مع وزيري التموين والزراعة.
والأربعاء، استعرض مدبولي، جهود الدولة لتوفير السلع الاستراتيجية بوجه عام، خصوصاً في ظل الأوضاع الإقليمية غير المستقرة، التي تجسدت الأيام الماضية في المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية. وقال مدبولي في مؤتمر صحافي، إن «الحكومة حرصت على توفير مخزون مطمئن من السلع الاستراتيجية، وتأمين استمرار حركة الإنتاج، بما يؤمن توفر السلع في الأسواق، دون ارتفاع أسعارها».
وانخفضت واردات مصر من السكر الخام بنسبة 54.5 في المائة، لتصل إلى 111.1 مليون دولار (الدولار يساوي 49.9 جنيه)، خلال الفترة من «يناير (كانون الثاني) - مارس 2025»، مقابل 244.4 مليون دولار خلال الفترة من «يناير - مارس 2024»، وفق بيانات رسمية.
زيادة الإنتاج
اعتمدت مصر بشكل رئيسي على زيادة المساحات المزروعة من المحاصيل التي يُستخرج منه السكر سواء البنجر أو القصب، خلال العام الماضي، ما أسفر عن تجاوز الأزمة، حسب المدير السابق لمعهد المحاصيل السكرية، الدكتور أحمد مصطفى.
يقول مصطفى لـ«الشرق الأوسط» إنه «نتيجة الأبحاث التي أجرتها المعاهد والمراكز البحثية المتخصصة، خلصت مصر إلى طرق لزيادة الإنتاج، بداية من استنباط سلالات قصب تُزرع بالري بالتنقيط، لتتناسب مع نقص المياه في مصر، بالإضافة إلى زراعته من خلال نظام الشتلة وليس البذور، التي تُقصر مدة الزراعة».
وتابع: «البنجر، كان العنصر الرئيسي الذي تم الاعتماد عليه، لكونه صالحاً للزراعة في الأراضي الرملية، والمُستصلحة حديثاً، لذا كان مناسباً في المساحات الجديدة»، بالإضافة إلى «الحوافز التي أقرتها الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القصب والبنجر».

وزادت المساحة المزروعة من بنجر السكر بنسبة 25 في المائة، لتصل إلى 750 ألف فدان 2024 - 2025 بإنتاج متوقع 2.5 مليون طن، مقابل 600 ألف فدان 2023 - 2024 بإنتاج 1.5 مليون طن، وفق مجلس الوزراء.
وأقرت الحكومة حوافز لتشجيع الفلاحين على زراعة المحاصيل السكرية، منها رفع سعر توريد الطن إلى 2500 جنيه للقصب و2400 للبنجر، وتقديم الدعم الفني والبذور والشتلات للفلاحين، بخلاف مصانع السكر التي تتعاقد مع الفلاح قبل زراعة محصوله، وبذلك «يصبح الفلاح ضامناً لحصوله على العائد المناسب دون القلق من تأخر بيع المحصول أو التعرض لتقلبات السوق كما في محاصيل أخرى»، حسب مصطفى.
ترشيد الاستهلاك
وتعتمد استراتيجية «الاكتفاء الذاتي» في السكر، وفق مدير معهد المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة، أيمن العش، على شقين، الأول «ترشيد الاستهلاك»، و«زيادة الإنتاج»، مشيراً إلى أنه «لو وصل الإنتاج المصري إلى 2.9 مليون طن العام المقبل، وظلت مستويات الاستهلاك مرتفعة، فلن نكون حققنا الاكتفاء، ولكن اقتربنا منه».
وتستهلك مصر حالياً ما يتراوح بين 3.2 إلى 3.4 مليون طن من السكر حسب العش، وهي نسب «ترتفع عن متوسط الاستهلاك العالمي للفرد».
من جانبه، أوضح رئيس شعبة السكر والحلوى في غرفة الصناعات الغذائية حسن الفندي، أن «الفارق بين الإنتاج والاستهلاك حالياً 400 ألف طن، ومع زيادة الإنتاج من المحاصيل، وبعد دخول مصنع القناة العمل بكامل طاقته الإنتاجية، فمن المتوقع أن يُنتج وحده 750 ألف طن، أي نحو ربع استهلاك مصر من السكر، ومن ثمّ لن نحتاج إلى استيراد سكر خام، بل سيكون لدينا فائض».
وثمّن الفندي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الآثار الإيجابية لاستقرار السكر على قطاع صناعة الحلوى، الذي يشهد «استقراراً منذ العام».




