رفضت السلطات في العاصمة طرابلس «إعلان اليونان فتح عطاءات للتنقيب عن النفط جنوبي جزيرة كريت شرق البحر المتوسط»، وعدت هذه الخطوة «انتهاكاً صريحاً للحقوق السيادية الليبية».
جذور الخلاف بين طرابلس وأثينا حول التنقيب عن النفط والغاز في «المتوسط» تتمحور حول الحدود البحرية وحقوق الاستكشاف، وترجع إلى عام 2019 عندما وقّعت حكومة «الوفاق الوطني» الليبية، برئاسة فائز السراج آنذاك، مذكرة تفاهم بحرية مع تركيا لترسيم الحدود البحرية.
غير أن هذا الاتفاق، الذي أعطى أنقرة وطرابلس حقوقاً مشتركة في التنقيب عن النفط في مناطق عدتها اليونان جزءاً من جرفها القاري، وقوبل برفض واسع حينها من مصر وقبرص.
ومع اعتزام أثينا مجدداً التنقيب عن الطاقة جنوب كريت، سارعت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على لسان وزارة خارجيتها، مساء الخميس، إلى التعبير عن «قلقها البالغ» من إطلاق اليونان «دعوة دولية لتقديم عطاءات للتنقيب عن الهيدروكربونات في مناطق بحرية متنازع عليها مع ليبيا».
وقالت الخارجية الليبية إنها «تسجل «تحفظها الكامل»، واعتراضها على «أي أعمال استكشافية في هذه المناطق دون تفاهم مسبق». وفيما رأت أن «الحلول الأحادية لا تفضي إلا لمزيد من التوتر»، دعت خارجية «الوحدة» أثينا إلى «تغليب مسار الحوار والتفاوض البناء كخيار وحيد يستند إلى القانون الدولي».
وأرجعت سلطات طرابلس مخاوفها من هذه الخطوة إلى ما ورد في المجلة الأوروبية في 12 يونيو (حزيران) الحالي، بشأن إعلان السلطات اليونانية «فتح دعوة دولية لتقديم عطاءات لمنح تصاريح استكشافية واستغلال الهيدروكربونات في مناطق بحرية جنوب كريت».
وأمام هذه المخاوف، دعا الخبير الاقتصادي الليبي محمد أحمد، سلطات بلاده إلى «بذل مزيد من الجهود الدبلوماسية لتأمين الحقوق الوطنية في الثروات البحرية». وقال إن الدولة الليبية «خاضت تجارب مع تونس ومالطا في السابق، وربحت عبر تنسيق بين مؤسسة النفط ووزارة الخارجية ومكاتب المحاماة الدولية قضايا مهمة في هذا المجال؛ وعليه ينبغي استمرار هذا الجهد الآن في شرق ليبيا».
وسبق أن دافعت السلطات الليبية في نزاعات مشابهة عن حدودها البحرية، التي قالت إنها معترف بها دولياً منذ استقلال البلاد عن إيطاليا، مشددة على أنها موثّقة لدى الأمم المتحدة. وسجّلت «الوحدة» تحفظها الكامل واعتراضها الواضح على أي أعمال استكشافية، أو تنقيبية في هذه المناطق «دون الوصول إلى تفاهم قانوني مسبق، يحترم القانون الدولي».
واستقبل نشطاء ليبيون رد فعل حكومة الدبيبة حول الإجراء اليوناني باستغراب لجهة توقيع السلطات المحلية اتفاقية للتنقيب عن النفط مع تركيا عام 2019، وصف حينها بأنه «مثير للجدل».
واعتبر الليبي، محمد الأميني، أن «هناك ازدواجية لدى السلطات المحلية»، وقال: «إنه في الوقت الذي تحتج فيه على أثينا تصمت أمام أنقرة»، متسائلاً: «أليست هذه هي الحكومة التي أبرمت مذكرة تفاهم مع أنقرة بشأن التنقيب عن الغاز في المناطق البحرية، دون الرجوع إلى البرلمان، أو ضمان إجماع وطني؟».
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، أن معدلات إنتاج النفط الخام بلغت أكثر من مليون و370 ألف برميل في اليوم. فيما يرى ليبيون أن أمام بلدهم «فرصة جيدة» لتحسين إيرادات النفط في ظل الحرب الإسرائيلية - الإيرانية.
من جهته، لفت الخبير الاقتصادي، محمد أحمد، إلى «ضرورة أن تتناول الحكومة الليبية الخلافات بشكل أحادي مع كل دولة»، مشيراً إلى «أهمية ابتعاد بلاده عن الخلافات اليونانية - التركية المعقدة».
وانتهى الخبير الليبي إلى أن «القواعد القانونية واضحة، ويمكن لليبيا في هذا المجال اللجوء لمحكمة العدل الدولية لتثبيت حقوقها، كما حدث في الخلافات الماضية مع تونس ومالطا، حيث كان الفصل واضحاً بين الدول».
وسبق أن طالب رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال فتح سفارة بلاده في ليبيا بضرورة إلغاء حكومة الدبيبة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية - الليبية.
في سياق ذلك، يتجه مجلس النواب الليبي، قريباً، إلى مناقشة اتفاقية ترسيم للحدود البحرية مقدمة من حكومة حماد. ومن جانبها، أكدت خارجية الدبيبة أنها «كانت ولا تزال تسعى إلى أن يكون حوض البحر المتوسط فضاء للتعاون والسلم، والتنمية المشتركة بين جميع الدول المتشاطئة». وعبرت عن أملها في أن تنظر السلطات اليونانية «بمسؤولية في عمق العلاقات التاريخية» بين البلدين، ودعت إلى «تغليب مسار الحوار للوصول إلى حلول عادلة ومنصفة، تستند إلى قواعد القانون الدولي المرعية، وتحفظ مصالح الأطراف كافة».
وتتوسع سلطات غرب ليبيا مع نظيرتها في أنقرة في مجال النفط والغاز. وفي منتصف الشهر الحالي، بحث وزير النفط والغاز بحكومة «الوحدة»، خليفة عبد الصادق، مع سفير تركيا غوفن بيغيتش، تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في هذا الملف.
وقالت الوزارة إنه جرى «بحث المضي قدماً في التعاون المشترك عبر المؤسسة الوطنية للنفط، ومؤسسة البترول التركية (TPAO)، بما يعزز فرص الاستثمار ونقل الخبرات الفنية والتقنية». وأدرجت الوزارة اللقاء في إطار حرص وزارة النفط والغاز على توسيع آفاق التعاون الدولي، وتفعيل الشراكات الاستراتيجية الداعمة لتطوير قطاع الطاقة في ليبيا.