أخضعت البعثة الأممية لدى ليبيا مخرجات «اللجنة الاستشارية» بشأن الانتخابات العامة لاستطلاع شعبي، ودعت جميع المواطنين لإبداء آرائهم من خلاله، وعدّته «فرصة مهمة» للمشاركة البناءة في العملية السياسية، ونتيجة لذلك تباينت وجهات النظر حول كيفية تعامل أطياف الشعب مع هذا الاستطلاع.
كانت البعثة قد نشرت نموذج الاستطلاع، إلى جانب ملخص لأربعة مقترحات صاغها أعضاء اللجنة الاستشارية الليبية، التي سبق تشكيلها في فبراير (شباط) الماضي.
وتتصدّر هذه المقترحات فكرة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة خلال عامين. أما المقترح الثاني فينص على انتخاب مجلس تشريعي توكل إليه مهمة صياغة الدستور، الذي سيتم على أساسه تنظيم الانتخابات لاحقاً، فيما يدعو المقترح الثالث إلى اعتماد الدستور أولاً قبل المضي في إجراء الانتخابات.
وبحسب بيان صادر عن البعثة الأممية، فإنه في حال تعذّر التوافق على أحد هذه المقترحات، فستُطلق جولة جديدة من الحوار السياسي لاختيار «مجلس تأسيسي»، يتولى إعداد الدستور والقوانين الانتخابية، ليكون بذلك بديلاً عن جميع الأجسام السياسية القائمة.
ورغم ما حظيت به هذه المبادرة من إشادة مراقبين بجهود البعثة للاستماع لصوت أوسع من الليبيين لأول مرة، فإن عدداً من السياسيين يتوقعون أن تواجه عملية الاستطلاع عقبات كبيرة قد تُقوّض فاعليته وجدواه.
* عقبات تواجه الاستطلاع
بداية، يرى محمد معزب، رئيس لجنة الشؤون السياسية بالمجلس الأعلى للدولة، أن شريحة واسعة من الليبيين غير معتادة على هذا النوع من الاستطلاعات، خصوصاً خلال العقود الماضية، مشيراً إلى قلة المتابعين لنشاط البعثة والشأن السياسي عموماً، في ظل استمرار الخلافات بين الأطراف المتنازعة على السلطة.
وقال معزب لـ«الشرق الأوسط» إن «الطابع الاستشاري غير الملزم لنتائج هذا الاستطلاع قد يضعف مستوى المشاركة فيه، خاصة في ظل تراجع ثقة فئات واسعة من الليبيين، بما في ذلك النخب السياسية، بأداء البعثة، التي اعتادت الاجتماع بهم عند طرح أي مبادرة».
وحول موقف المؤسسات الليبية، خاصة البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، من الاستطلاع، قال معزب: «أتوقع أن غالبية أعضاء البرلمان، في حال قرروا المشاركة بصفتهم السياسية أو كمواطنين، سيدعمون المقترح الأول المتعلق بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية». مضيفاً أن «أصوات أعضاء المجلس الأعلى للدولة ستتوزع بين مقترح انتخاب مجلس تشريعي جديد، ومقترح اعتماد الدستور قبل أي استحقاق انتخابي».
واستبعد معزب أن تتمكن البعثة من الحصول على «مؤشرات ذات وزن حقيقي حول توجهات المشاركين في الاستطلاع، قبل انعقاد اجتماع لجنة المتابعة الدولية لعملية برلين في العشرين من الشهر الجاري، نظراً لضيق الوقت المتبقي».
في المقابل، ورغم إقراره بوجود فجوة في الثقة بين الشارع الليبي والبعثة، أعرب أسعد زهيو، رئيس «الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية»، عن توقعه بمشاركة نسبة مقبولة من الليبيين في هذا الاستطلاع، مستنداً إلى ما تبذله النخب والأحزاب والنشطاء من جهود ترويجية، عبر الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
لكن زهيو تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن عائق آخر قد يواجه الاستطلاع، وهو عدم القدرة على تبني نتائجه «ما لم تحظَ بدعم دولي قوي». وقال بهذا الخصوص: «القرار المتعلق بالعملية السياسية لم يعد بيد الليبيين وحدهم، بل أصبح، وللأسف، رهينة تدخلات القوى الغربية والإقليمية المنخرطة في الشأن الليبي، والتي تسعى خلف الكواليس لتحقيق توازنات تخدم مصالحها وصراعاتها، سواء في ليبيا أو في مناطق أخرى».
وبحسب رؤيته، فإن البعثة قد تحاول المواءمة بين أكثر المقترحات قبولاً لدى الليبيين، وبين ما ستسفر عنه توصيات «اجتماع برلين» المقبل، من أجل وضع خريطة طريق سياسية جديدة للبلاد.
وأشار زهيو إلى تصاعد التأييد الشعبي للمقترح الرابع، المتعلق باستبدال «مجلس تأسيسي جديد» بالأجسام السياسية الراهنة كافة، وهو ما لمسته المبعوثة الأممية هانا تيتيه خلال سلسلة لقاءاتها مع قوى حزبية ومجتمعية، ونشطاء من مختلف المدن الليبية، شرقاً وغرباً.
ويرى زهيو أن «أغلب الليبيين يتطلعون إلى الانتخابات، ويحملون هذه الأجسام مسؤولية عرقلة أي تسوية سياسية؛ لأنها ستُنهي بقاءهم في السلطة، وحرمانهم من الامتيازات التي يتمتعون بها».
* وسيلة لبناء زخم شعبي
في مقابل التحفظات بشأن عدم إلزامية نتائج الاستطلاع، دعا زهيو، إلى ضرورة أن تتبنى مفوضية العليا للانتخابات إجراء استفتاء شعبي على هذه الخيارات، «كخطوة لإثبات الإرادة الشعبية الليبية أمام أي محاولات داخلية أو خارجية لتغييب صوت المواطنين، أو مصادرته لصالح أجندات خاصة».
من جانبها، اعتبرت الزهراء لنقي، عضوة «ملتقى الحوار السياسي الليبي»، أن أهمية هذا الاستطلاع تكمن في كونه وسيلة لبناء زخم شعبي ودولي قبيل «اجتماع برلين» المرتقب، تمهيداً لإطلاق مسار سياسي جديد، وتشكيل حكومة موحدة جديدة تُشرف على الانتخابات العامة المقبلة.
من جهته، شكك أحمد المهدوي، رئيس حزب «شباب الغد الليبي»، في «مدى استعداد البعثة لتبني أي من المقترحات الأربعة، حتى وإن شارك الليبيون بكثافة في التصويت». وقال المهدوي لـ«الشرق الأوسط» إن البعثة «تسعى إلى تشكيل ملتقى حوار سياسي جديد، على غرار ملتقى تونس - جنيف، بهدف تشكيل سلطة تنفيذية بديلة لحكومة الوحدة»، مضيفاً: «لا أحد يعلم ما إذا كان اجتماع برلين سيدعم تشكيل هذا الملتقى وتحديد موعده، أم سيتم تأجيل الأمر، وفقاً لأولويات وأجندات الدول المشاركة فيه، في ظل الوضع الإقليمي الراهن».