بينما أصدرت وزارة المالية المصرية توضيحاً بشأن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي تخصيص قطعة أرض لها، لإصدار صكوك سيادية بهدف خفض فوائد الدين الخارجي المستحقة على البلاد، مؤكدة أن «هذا التخصيص لا يعني بيعها»؛ لم يتوقف الجدل المثار حول هذا الأمر؛ إذ أكد برلماني مصري لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا توجد ضمانة لعدم البيع بالنظر للصفقات السابقة للحكومة، وكذلك منع الطعن على تعاقداتها»، في حين رأى خبراء اقتصاد أن «الصكوك لا تسمح بالتملك». لكن مصدراً حكومياً مسؤولاً قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لو كان الغرض البيع لطرحت السلطات الأرض لهذا الغرض مباشرة، خاصة أن هناك قانوناً برقم 11 لسنة 2024 يسمح بتملك الأجانب للأراضي الصحراوية والاستثمار فيها».
وأشار المصدر إلى أن هدف «قرار التخصيص هو تنويع أشكال الاستثمار ومصادر جلب العملة الأجنبية من أجل الابتعاد شيئاً فشيئاً عن مؤسسات التمويل الأجنبية التي تتدخل في سياسات البلاد الاقتصادية مثل صندوق النقد، وفي ذات الوقت الحفاظ على أصول الدولة من الأراضي».
وكانت الجريدة الرسمية في مصر نشرت، الثلاثاء، قرار السيسي تخصيص قطعة أرض مساحتها نحو 174 كيلومتراً مربعاً (174 مليون متر مربع) على ساحل البحر الأحمر، لوزارة المالية.
ولم يوضح القرار كيفية استخدام الأرض؛ ما أثار الجدل حول إمكانية بيعها، خاصة أن البلاد تحت وطأة الضغوط الاقتصادية منذ سنوات تبحث تنويع مصادر تمويلها، ووقّعت اتفاقية بقيمة 35 مليار دولار (الدولار يساوي 49.7 جنيه في البنوك المصرية) مع الإمارات مطلع العام الماضي، لتطوير قطعة أرض مساحتها 170 كيلومتراً مربعاً على ساحل البحر الأبيض المتوسط، سُميت صفقة «رأس الحكمة».
وأصدرت وزارة المالية بياناً، الخميس، أكدت فيه أن قرار تخصيص قطعة أرض مميزة لوزارة المالية بالبحر الأحمر، يهدف إلى استخدامها في إصدار صكوك وخفض المديونية الحكومية، موضحة أن «تخصيص هذه الأرض لا يعني بيعها، بل استخدامها وتطويرها واستخدام جزء منها ضمانة لإصدار صكوك سيادية تسهم في توفير تمويل يغطي احتياجات الموازنة العامة للدولة بشروط مميزة».
وأشارت إلى أن ذلك يتم من دون نقل ملكية الأرض لأي جهة، وأن الأرض المستخدمة كضمانة ستظل تحت الملكية الكاملة للدولة المصرية، ممثلة في وزارة المالية، وبعض الجهات الحكومية ذات النشاط الاقتصادي.
وقال بيان الوزارة: «نستهدف العمل على استخدام جزء من الأرض لتحقيق أفضل تنمية للدولة من خلال الدخول في بعض الصفقات والشراكات مع بعض جهات الدولة التي تعمل في القطاع المالي وبعض الهيئات الاقتصادية، لاستبدال جزء من المديونية المستحقة على تلك الجهات الحكومية مقابل الدخول في استثمارات مشتركة، بما يسهم أولاً في خفض المديونية، وكذلك فاتورة وأعباء خدمة الدين، إضافة إلى المساهمة في تطوير تلك الأراضي، وتحويلها إلى مشروعات إنتاجية وخدمية وسياحية وعقارية؛ بما يحقق عائداً اقتصادياً جيداً ومستمراً ودائماً للدولة لصالح الأجيال القادمة، وتوفير فرص عمل».
ونوهت «المالية» إلى أن هذه الإجراءات تسهم في تحسين أوضاع المالية العامة، وخفض المديونية الحكومية، ودفع النشاط الاقتصادي، وزيادة تنافسية الاقتصاد، وخفض تكلفة التمويل، وإيجاد حيز مالي إضافي يمكن استخدامه في زيادة حجم الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية لمساندة الفئات الأَولى بالرعاية، وأصحاب أقل الدخول، إضافة إلى زيادة المخصصات الموجهة إلى مجالات وأنشطة التنمية البشرية، خاصة قطاعَي الصحة والتعليم، بما يعود بالنفع على أكبر عدد من المصريين في شكل برامج مساندة إضافية، وتحسن ملموس في جودة الخدمات المقدمة، بحسب البيان.
الباحث الاقتصادي في مصر، حمدي الجمل، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «وزارة المالية هي الضامن الرسمي لأي ديون على الدولة، وبالتالي فإن تخصيص الأرض لها طبيعي؛ لأنها الخزانة العامة التي تحصّل الإيرادات وتدفع الالتزامات»، منوهاً بأنه «طبقاً لقرار التخصيص، فإن وزارة المالية لا تستطيع بيع الأرض أو التنازل عنها؛ لأن بيع الأرض من أعمال السيادة، ويتطلب موافقة مجلس النواب (البرلمان)، كما أن نظام الصكوك الإسلامية له أشكال متعددة مثل المرابحة».
وأضاف أن «الصكوك السيادية هي التي تصدرها الدول، والصكوك المقصودة في القرار هي الصكوك الإسلامية، وهي أوراق مالية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وبدأت تنتشر بشكل كبير في الفترة الأخيرة بالدول الإسلامية لجذب الاستثمارات الخارجية لضخ تدفقات نقدية في الشريان الاقتصادي وإقامة مشروعات جديدة برهن الأرض خلال مدة المشروع».
وحسب الجمل، فإن مصر قامت بطرح الصكوك قبل ذلك؛ إذ بلغ إجمالي قيمة إصدارات الصكوك الإسلامية في مصر 12.8 مليار جنيه من 2020 وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهي مصدر مهم لجلب العملة. وأكد أن «الصكوك تقوم على فكرة الربح والخسارة؛ أي إن من يشتري الصك يعلم مسبقاً احتمال الخسارة».
ورجح الخبير الاقتصادي المصري، طارق إسماعيل، أن «تكون الصكوك مصدراً مهماً لتوفير العملة». وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «الصكوك السيادية لا تتيح لصاحبها التملك؛ إذ إنها وفقاً للقانون رقم 138 لسنة 2021 تمثل حصصاً شائعة في (حقوق منفعة الأصل) وليس (الأصل نفسه)». لكن عضو «لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية» بمجلس النواب المصري، عاطف مغاوري، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «بالرغم من دعم جهود الحكومة لتشجيع وجذب الاستثمارات الخارجية بعيداً عن الاقتراض، فإن تجارب الحكومة السابقة حول طبيعة المشروعات وشكل إدارتها وملكيتها، هي ما تخلق حالة من الغموض والالتباس لدى البعض».
وشدد على أن منبع الجدل الدائر أن هناك اعتقاداً بأن تكون قطعة الأرض هذه مثل قطعة الأرض التي أبرمت الحكومة بشأنها صفقة «رأس الحكمة»؛ إذ لم تُجب الحكومة عن تساؤلات حول طبيعة الملكية وشكل الإدارة، خصوصاً أن «مسألة التعاقدات أصبحت متاحة لها دون حق للمواطنين في الطعن عليها بموجب قانون صدر يمنع هذا الحق، إلا لمن لهم صفة».
وفي أبريل (نيسان) 2014 أصدر الرئيس المصري المؤقت آنذاك، عدلي منصور، قانوناً يحمل رقم 32 لعام 2014 يمنع رفع الدعاوى القضائية، من غير ذوي الصفة، على العقود التي تبرمها الحكومة مع أطراف أخرى، وقصر هذا القانون الحق في الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها، على أطراف التعاقد دون غيرهم.