«الرئاسي» الليبي يسارع لتثبيت «الهدنة» في العاصمة رغم التوترات

المبعوثة الأممية تواصل استطلاع آراء الليبيين حول مقترحات «الاستشارية» بشأن الانتخابات العامة

المجلس الرئاسي مستقبلاً تيتيه ونائبتها خوري (المجلس الرئاسي الليبي)
المجلس الرئاسي مستقبلاً تيتيه ونائبتها خوري (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

«الرئاسي» الليبي يسارع لتثبيت «الهدنة» في العاصمة رغم التوترات

المجلس الرئاسي مستقبلاً تيتيه ونائبتها خوري (المجلس الرئاسي الليبي)
المجلس الرئاسي مستقبلاً تيتيه ونائبتها خوري (المجلس الرئاسي الليبي)

في مشهد لا يخلو من توتر بالعاصمة الليبية، أمر رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بحظر المظاهر المسلحة كافة في طرابلس، ومنع تحرك الآليات العسكرية داخلها «تحت أي ذريعة»، في مسعى يهدف إلى الحفاظ على «هدنة هشة» موقَّعة بين فصائل متناحرة الشهر الماضي. وفي غضون ذلك، تواصل المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، استطلاع آراء الليبيين حول المقترحات التي قدمتها اللجنة الاستشارية بشأن الانتخابات العامة.

قوات من الشرطة في طرابلس تقف عند حدود التماس (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)

وجاء توجيه المنفي في ظل توترات مسلحة تعيشها العاصمة طرابلس، منذ الاقتتال العنيف الذي شهدته شهر مايو (أيار) الماضي، بين قوات شبه رسمية تابعة لحكومة طرابلس، بقيادة عبد الحميد الدبيبة وتشكيلات مسلحة.

وفي الأمر الذي أصدره المنفي، أنيط بمديرية أمن طرابلس والشرطة العسكرية ضبط الأمن وفرضه داخل العاصمة، التي باتت الآليات العسكرية والمركبات التابعة للتشكيلات المسلحة ولجهات أمنية تشكل مظهراً رئيساً في شوارعها.

وسبق أن بدأت سبع كتائب وألوية مسلحة المشاركة في فصل المتقاتلين عبر نقاط تماس، تم الاتفاق عليها وسط طرابلس، وسط دعوة أممية للأطراف المتقاتلة بضرورة الحفاظ على «الهدنة الهشة».

وتنفيذاً لتوجيه المنفي، عقد مدير أمن طرابلس اجتماعاً ضمّ أعضاء «اللجنة المؤقتة للترتيبات الأمنية والعسكرية»، المُشكَّلة بموجب قرار رئيس المجلس الرئاسي؛ وذلك في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الأمن وترسيخ الاستقرار داخل العاصمة. وناقش الاجتماع، الذي عُقد مساء الأربعاء بحسب المديرية، الآليات التنفيذية لخطة الترتيبات الأمنية، و«استعراض سبل تعزيز التنسيق والتكامل بين الأجهزة الأمنية والعسكرية؛ بما يضمن تحقيق أعلى درجات الجاهزية والاستعداد لتنفيذ المهام الموكلة».

جانب من اجتماع أمني موسّع في مديرية أمن طرابلس (مديرية الأمن)

وقالت المديرية إن الاجتماع انتهى إلى الاتفاق على تولي مديرية أمن طرابلس «إعداد خطة أمنية شاملة، بالتنسيق مع الجهات المختصة، لتدخل حيز التنفيذ فور استكمال اللجنة المكلَّفة مهامها؛ والمتمثلة في الإشراف على انسحاب جميع المظاهر المسلحة، وعودة الآليات العسكرية إلى مقارها».

وأكد المشاركون أن تنفيذ هذه الخطة «سيمثّل نقلة نوعية في جهود تأمين العاصمة، بما يعزز سلطة الدولة، ويفرض سيادة القانون، ويضمن أمن المواطنين وسلامتهم».

وباتت دوريات إدارة إنفاذ القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية توجد في مناطق التماس بالعاصمة طرابلس على مدار الساعة؛ تنفيذاً للتعليمات الصادرة وفقاً لترتيبات وقف إطلاق النار، بهدف المحافظة على الأمن وحماية الممتلكات العامة والخاصة.

تيتيه خلال زيارتها لمدينة نالوت (بلدية نالوت)

وعُقد الاجتماع الأول للجنة المؤقتة للترتيبات الأمنية والعسكرية في طرابلس بحضور المنفي، الذي أكد على ضرورة إعداد وتنفيذ «خطة شاملة» للترتيبات الأمنية والعسكرية في العاصمة طرابلس، وإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة كافة.

في غضون ذلك، تعمل المبعوثة الأممية تيتيه على استطلاع آراء مختلف الأطراف الليبية حول مخرجات اللجنة الاستشارية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية والنيابية. وفي هذا السياق، قالت بلدية نالوت (جنوب غربي طرابلس) إن رئيسها عبد الوهاب الحجام، وعمداء 6 بدايات، اجتمعوا، الخميس، مع تيتيه ونائبتها ستيفاني خوري. كما ضم الاجتماع رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، وعدداً من الأكاديميين والنخب السياسية والأعيان والنشطاء بالبلديات.

كما التقت تيتيه رئيس المجلس الرئاسي، الأربعاء. وأجرت سلسلة من اللقاءات بشكل منفرد مع نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، ورئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة؛ لمناقشة الوضع الأمني والعملية السياسية. وخلال اللقاء، أطلع أعضاء المجلس الرئاسي الممثلة الخاصة للأمين العام على الجهود المبذولة لتعزيز الأمن في طرابلس ومنع تدهوره، بما في ذلك عمل لجنة الهدنة، التي شكلوها بالاشتراك مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عقب الاشتباكات التي وقعت يومي 12 و13 مايو (أيار) الماضي، وقوات فض الاشتباك التي تم نشرها. كما تناولت المناقشات تعزيز إصلاح قطاع الأمن، بما في ذلك إعادة دمج الجماعات المسلحة.

من جهته، بحث النائب في المجلس الرئاسي، موسى الكوني، مع سفير إسبانيا لدى ليبيا خافيير سوريا كانتانا، الأوضاع في ليبيا. ونقل المجلس الرئاسي، الخميس، عن كانتانا تأكيده على «استمرار دعم بلاده لجهود المجلس الرئاسي التي تهدف لتحقيق الاستقرار في ليبيا». كما أكد السفير على «حرص إسبانيا على تحقيق الاستقرار في ليبيا، من خلال دعم الجهود الدولية، الرامية لاستعادة ليبيا لدورها في منطقة حوض البحر المتوسط»، مشيراً إلى أهمية التعاون بين ليبيا وإسبانيا في مجالات الاقتصاد والتجارة، وتعزيز التبادل الثقافي. كما تناول اللقاء آخر مستجدات الأوضاع في ليبيا وجهود بعثة الأمم المتحدة، من خلال مخرجات اللجنة الاستشارية، والتأكيد على ضرورة تحقيق الاستقرار بتعاون الدول المهتمة بالشأن الليبي، من خلال المسارات السياسية المقترحة من بعثة الأمم المتحدة لدعم المسار السياسي، وإنهاء حالة الانقسام.

الكوني مستقبلاً سفير إسبانيا لدى ليبيا (المجلس الرئاسي)

في شأن مختلف، قالت رئاسة أركان القوات البرية التابعة لـ«الجيش الوطني»، التي يقودها صدام حفتر، إنه عقد خلال زيارة يجريها في إيطاليا اجتماعاً موسعاً بمقر وزارة الداخلية الإيطالية، حيث كان في استقباله وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين بالوزارة.

وأوضحت شعبة الإعلام الحربي التابعة لـ«الجيش الوطني» أن الاجتماع تناول سبل تعزيز التعاون الأمني، والتنسيق المشترك بين الجانبين، خاصةً فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية، والتصدي لشبكات الاتجار بالبشر، والحد من انتشار الجريمة المنظمة.


مقالات ذات صلة

ما دوافع حكومة حماد وراء إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي؟

تحليل إخباري أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)

ما دوافع حكومة حماد وراء إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي؟

برزت تفسيرات متباينة لإقدام حكومة أسامة حمّاد المكلفة من مجلس النواب في شرق ليبيا مؤخراً على إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق للمشري وتكالة (أرشيفي - المجلس الأعلى للدولة)

تصاعد الخلافات مجدداً على رئاسة «الأعلى للدولة» الليبي

تصاعد الجدل مجدداً داخل «الأعلى للدولة» في ليبيا بعدما استبعد خالد المشري أحد المتنازعين على رئاسته وجود اتفاق مع محمد تكالة لإجراء انتخابات جديدة لرئاسة المجلس

خالد محمود (القاهرة)
تحليل إخباري عبد الحميد الدبيبة خلال لقاء سابق مع وفد من القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)  (مكتب الدبيبة)

تحليل إخباري ليبيا تترقب «خطة ترمب» لحل أزمتها السياسية المزمنة

تهيمن أجواء الترقب على المشهد السياسي الليبي بشأن «خطة أميركية» مرتقبة تفضي إلى «تسوية سلمية» في بلد يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مزمناً منذ أكثر من عقد.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا وصول رتل من مصراتة إلى طرابلس (متداولة)

«الوحدة» الليبية تعزز قبضتها الأمنية على طرابلس

نقلت وسائل إعلام محلية، عن شهود عيان، خروج سيارات مسلحة من مصراتة إلى طرابلس، في إطار التصعيد العسكري.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الراحل عميد بلدية قصر بن غشير جنوب العاصمة الليبية (من مقطع فيديو للبلدية)

عودة قضية مقتل عميد بلدية ليبية إلى الواجهة بعد 6 سنوات

وسط ترحيب من أُسر ضحايا، سجنت النيابة العامة في ليبيا ستة عناصر من ميليشيا «الكانيات» في مدينة ترهونة بتهمة خطف وقتل عميد بلدية قصر بن غشير قبل 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ما دوافع حكومة حماد وراء إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي؟

أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)
أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)
TT

ما دوافع حكومة حماد وراء إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي؟

أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)
أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)

برزت تفسيرات مختلفة لإقدام حكومة أسامة حمّاد، المكلفة من مجلس النواب بشرق البلاد، على إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي في الآونة الأخيرة، وسط تساؤلات عن الأهداف من وراء هذا الإجراء المفاجئ.

الوفد الذي ضمّ وزراء داخلية إيطاليا واليونان ومالطا ومفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة، كان من المنتظر أن يناقش الثلاثاء الماضي ملفي الهجرة غير الشرعية، وترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط، لكن الحكومة قالت في بيان حين ذلك، إن «الوفد تجاوز الأعراف الدبلوماسية»، بعدم اتباع الإجراءات المنظمة والمعلنة من قبلها لدخول وإقامة الدبلوماسيين.

«دفاع عن السيادة»

وفيما انبرى مؤيدو مجلس النواب و«الجيش الوطني» الليبي للدفاع عن موقف الحكومة، وكيف أنه يعدّ دفاعاً عن «السيادة الوطنية»، عدّته بعض الأصوات السياسية «غير مجدٍ»، محذرة من أنها قد تزيد من عزلتها، فيما أشار مراقبون إلى وجود ارتباط بين الحادثة والتقارب الأخير بين سلطات الشرق الليبي وأنقرة.

وأشاد المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، بخطوة حكومة حماد: «في ظل حرص الوفد الأوروبي على التنسيق مع حكومة طرابلس دونها، وذلك بالرغم مما تعيشه العاصمة من توتر أمني منذ شهرين». ورجّح المرعاش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تسعى تلك الدول الأوروبية إلى «احتواء الخلاف مع الشرق الليبي»، لافتاً إلى «سيطرة الجيش الوطني على ثلثي مساحة البلاد بما يشمل الحدود الجنوبية والمواني وحقول النفط». ورأى أيضاً أن «أثينا باتت قلقة من تقارب الشرق الليبي في الآونة الأخيرة مع أنقرة، مما دفعها لتصعيد ملف ترسيم الحدود البحرية في (شرق المتوسط)، في محاولة لعرقلة هذا التقارب، وربما محاولة جر ليبيا لصالحها في صراعها المتأزم مع أنقرة».

وتعاني ليبيا من انقسام بين حكومتين؛ الأولى في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والثانية برئاسة حماد وتحظى بدعم من «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر.

«تصعيد غير حكيم»

في المقابل، وصف أسعد زهيو، رئيس «الاتحاد الوطني للأحزاب» الليبية، خطوة حكومة حماد بأنها «تصعيد غير حكيم؛ قد يضر بمكانة الشرق الليبي عبر إظهاره متلهفاً على انتزاع الشرعية لحكومة حماد بأي طريقة». وقال زهيو لـ«الشرق الأوسط» إن «الشرعية لا تُنتزع بالإكراه أو بالصور الإعلامية، بل عبر التوافق والاحترام المتبادل»، وتابع: «الجميع يعلم أن المسؤولين والدبلوماسيين الغربيين يتعاملون مع البرلمان بصفته سلطة تشريعية للبلاد، أو مع حفتر بوصفه القائد العسكري الذي يسيطر جيشه على شرق البلاد وبعض مدن الجنوب». ويرى أن الحكومة بطرابلس هي من تحظى بالاعتراف الأممي، وذلك بغض النظر عن موقف الشارع تجاهها، بالتأييد أو الرفض.

وكانت حكومة حماد قد طالبت في وقت سابق البعثة الأممية بمغادرة البلاد، وبررت ذلك بتطرّق المبعوثة الأممية هانا تيتيه في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن إلى مناقشات البرلمان حول ميزانية «صندوق التنمية وإعادة الإعمار»، وعدّت الحكومة ذلك «تدخلاً غير مقبول في عمل السلطة التشريعية».

من جانبه، رأى أستاذ العلاقات الدولية إبراهيم هيبة، أن إلغاء حكومة حماد زيارة الوفد «لن تترتب عليها ردود فعل حادة من الجانب الأوروبي لإدراك مسؤوليه بتعقيدات الانقسام السياسي والحكومي بالبلاد، وأن القوى والمؤسسات كافة تتنازع على تمثيلها للشرعية دون الآخرين». وقال هيبة لـ«الشرق الأوسط»: «الأوروبيون يرغبون في الحفاظ على علاقاتهم مع جميع الأطراف، خصوصاً الشرق الليبي لوجود مصالح تربطهم وقياداته، مثل ملفات كبح تدفق المهاجرين غير الشرعيين ومكافحة الإرهاب». وتابع أن الأوروبيين سيتعاملون بحكمة مع الحدث، وسوف يسرعون بدفع الجهود مع البعثة الأممية لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية الممتدة منذ أكثر من عقد.

وكان الوفد الأوروبي استبق زيارته إلى بنغازي بعقد اجتماع حكومة طرابلس، وهو ما أشار إليه عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، علي التكبالي، الذي قال إن «الملفات الأساسية لتلك الدول سواء المتعلقة بتصدير النفط والغاز الليبي، أو وقف تدفقات الهجرة وترسيم الحدود البحرية، لا يمكن حسمها دون الرجوع إلى سلطات الشرق».