تسبب ما شهدته محافظة الإسكندرية (شمال البلاد)، أخيراً، من هطول أمطار وثلوج بشكل كثيف وهبوب رياح قوية، وحدوث أضرار بالغة بالمركبات وبعض المنشآت، في إطلاق تحذيرات حكومية رفيعة المستوى من «تغيرات مناخية غير مسبوقة، وقد تتكرر» خصوصاً في توقيتات غير معهود حدوث مثل هذه الأشياء فيها، فضلاً عن تساؤلات حول: هل تحولت مصر إلى دولة «قلقة مناخياً»؟
وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال اجتماع الحكومة الأسبوعي، الأربعاء الماضي، إن «ما حدث في الإسكندرية من ظروف مناخية نتاج للتغيرات المناخية، ومن المتوقع أن تشهد مصر هذه التداعيات مجدداً على فترات متقاربة»؛ مشيراً إلى أن «حجم المياه في هذه الحالات يكون غير مسبوق، ونحن نستعد بشكل دائم لتقليل هذه التداعيات».
وسبقته وزيرة البيئة المصرية، ياسمين فؤاد، التي علقت على موجة «الطقس العنيفة» التي ضربت الإسكندرية، بجانب تأثر البلاد بـ3 هزات أرضية قوية خلال أقل من شهر، قائلة في تصريحات متلفزة، أخيراً، إن «مصر تشهد تغيرات مناخية وجيولوجية غير مسبوقة».
وأضافت أن تكرار الزلازل في الآونة الأخيرة يعكس نشاطاً زلزالياً غير طبيعي، وهو وضع غير معتاد لمصر، موضحة أن مصر تقترب من منطقة نشاط زلزالي حقيقي، وأنها أصبحت «في موضع بداية الخطر»، ما يستوجب الاستعداد الدائم.
وأكدت الوزيرة المصرية أن هناك تداخلاً بين بعض الظواهر المناخية والجيولوجية، مضيفة أن الزلازل لا ترتبط بشكل مباشر بتغير المناخ، ولكن ارتفاع منسوب سطح البحر يمكن أن يسرِّع من وتيرة حدوثها، وهو ما يجب وضعه في الحسبان.

وتأثرت مصر بعدة هزات أرضية في فترة وجيزة، بداية من منتصف مايو (أيار) الماضي، وحتى بداية يونيو (حزيران) الجاري، كانت جميعها ناتجة عن زلازل مراكزها في مناطق نشطة زلزالياً بشرق البحر المتوسط بين اليونان وتركيا، وكانت هذه الهزات القوية أمراً غير معتاد؛ ما أثار مخاوف بين المواطنين.
فضلاً عما شهدته مدينة الإسكندرية الساحلية من موجة طقس عنيف غير مسبوقة وغير معتادة، في نهاية مايو الماضي، شملت عاصفة وأمطاراً غزيرة، ما أثار فزع المواطنين.
عالم الفضاء المصري بوكالة «ناسا»، الدكتور عصام حجي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر أصبحت دولة قلقة مناخياً، والمخاطر المناخية تهدد مصر في شقَّين واضحين: في السواحل الشمالية أو سواحل البحر المتوسط أو سواحل منطقة الدلتا التي أصبحت مهددة بزيادة العواصف في شرق المتوسط -مثل عاصفة الإسكندرية- التي قد تتطور ويكون لها تأثير مدمر؛ لأن عددها يزداد وشدتها تزداد. أيضاً الشواطئ الرملية تتآكل بسبب المد العمراني وسوء التخطيط، وهذه الشواطئ هي خط الدفاع الأول ضد العواصف، وتآكلها يعني عدم وجود حماية من العواصف، وتتجه المياه نحو اليابسة مثلما هو حادث حالياً بالإسكندرية، فضلاً عن هبوط الأراضي بسبب نقص الطمي بعد بناء السد العالي، وارتفاع منسوب البحر».
وأوضح أن «سبب زيادة العواصف أن مياه شرق المتوسط ارتفعت درجة حرارتها بمعدل درجتين إلى درجتين ونصف درجة، وهذا يزيد من عملية التبخر، ومن ثم تزداد العواصف والأعاصير؛ لذا لا بد من الاحتياط والتخطيط لمواجهة تلك التغيرات، حتى لا يتكرر ما حدث في درنة الليبية من (العاصفة دانيال) التي قتلت أكثر من 11 ألف شخص، فضلاً عن تدمير المنشآت».
وأشار حجي إلى أنه «أيضاً من تأثيرات التغيرات المناخية على مصر، ازدياد فترات الجفاف مع وجود بناء لسدود على نهر النيل في دول المنبع، مثل (سد النهضة) بإثيوبيا، وذلك سيؤدي لحجز كميات كبيرة من المياه؛ خصوصاً في فترة ملء السد، وبالتالي سيضاعف من تأثير فترات الجفاف على مصر، ولا بد من وجود حلول لهذه القضية الحيوية حتى لا تتأثر البلاد بشدة».

وكانت الهيئة العامة للأرصاد الجوية بمصر قد ذكرت في بيان وقت عاصفة الإسكندرية، أن الظروف الجوية المضطربة لن تقتصر على الإسكندرية فقط؛ بل ستمتد إلى عدة مناطق من السواحل الغربية والوجه البحري، مع وجود فرص سقوط أمطار رعدية على مناطق متفرقة من جنوب الوجه البحري، يصاحبها نشاط رياح، قد يكون مثيراً للرمال والأتربة في بعض المناطق، ولا سيما جنوب الصعيد.
وحسب أستاذ الجيولوجيا البيئية والاستشعار عن بُعد بكلية العلوم جامعة طنطا، علاء مسعود، فإن «ما حدث في الإسكندرية هو طارئ ووارد حدوثه كطفرات، نتيجة لتدخل الإنسان في (الاستسحاب)، أي توليد السحب والأمطار بدول قريبة من شرق البلاد، أي أنه ليس مناخاً عاماً؛ بل طارئاً لتدخلات بشرية، وهي تغيرات ليست مقلقة حتى الآن؛ لأنها لن تدوم، وحدثت في يوم واحد من 365 يوماً في السنة، ولكن تكرار حدوث أي تغير هو ما يقلق».
واستطرد: «حيث إنه حدث مرة واحدة هذا العام حتى الآن على الأقل فلا قلق، والخوف أن يصير ذلك ظاهرة ويتكرر، وأشك في ذلك لاستقرار مناخنا، ولكن قد يحدث التغير على مدى أطول، قد يكون أطول من أن يشهده الجيل الحالي من البشر».
وشدد مسعود على أن «التغيرات المناخية قد تؤدي لنضوب وشح الموارد، وتعاظم تكرار حدوث المخاطر الطبيعية، كالفيضانات، والزلازل، والانزلاقات الأرضية، وارتفاع مستوى البحر، وغرق السواحل، والتصحر».



