البرلمان الجزائري يدعم «قانون التعبئة العامة» مع اختفاء صوت المعارضة

البعض رأى الخطوة «ضرورية»... وآخرون انتقدوها لـ«غياب مبررات» الاستعداد لحرب

من اجتماع للرئيس تبون بأبرز المسؤولين المدنيين والعسكريين في أبريل الماضي (الرئاسة)
من اجتماع للرئيس تبون بأبرز المسؤولين المدنيين والعسكريين في أبريل الماضي (الرئاسة)
TT

البرلمان الجزائري يدعم «قانون التعبئة العامة» مع اختفاء صوت المعارضة

من اجتماع للرئيس تبون بأبرز المسؤولين المدنيين والعسكريين في أبريل الماضي (الرئاسة)
من اجتماع للرئيس تبون بأبرز المسؤولين المدنيين والعسكريين في أبريل الماضي (الرئاسة)

في ظل تصاعد توتر علاقات الجزائر ببعض دول الجوار وفرنسا، يتواصل النقاش داخل البرلمان الجزائري بشأن مشروع قانون يهدف إلى تنظيم التعبئة العسكرية، بينما تتباين ردود الفعل داخل البلاد بشأن هذه الخطوة، بين مرحِّبٍ بها بوصفها وسيلة لـ«التصدي للمؤامرات الخارجية»، ومعبِّرٍ عن مخاوفه لـ«غياب مبررات» واضحة تدفع إلى الاستعداد لحرب.

وزير العدل الجزائري خلال عرض «مشروع قانون التعبئة العامة» أمام النواب (البرلمان)

وهوّن أعضاء داخل «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الثانية)، عند بدء مناقشة «مشروع قانون التعبئة العامة»، الاثنين والثلاثاء، من قلق عام في البلاد منذ أعلن مجلس الوزراء الشهر الماضي عن هذه المبادرة، مؤكدين أنها «ليست إجراءً يطبَّق فوراً، بل هي أداة قانونية لتمكين البلاد من إطار قانوني قادر على تنظيم استجابة للشعب في حال وقوع خطر»، وفق ما ذكره نواب ينتمون إلى «الغالبية الرئاسية».

وأيد غالبية البرلمانيين مسعى الحكومة نحو الاستناد إلى «المادة99» من الدستور مَرجعاً لإعلان «التعبئة العامة» في البلاد، حال وقوع خطر على أمنها القومي. وتنص هذه المادة على أنه «يحق لرئيس الجمهورية أن يقرر التعبئة العامة في مجلس الوزراء، بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن (هيئة استشارية تضم كبار المسؤولين الأمنيين)، واستشارة رئيس مجلس الأمة (الغرفة البرلمانية العليا)، ورئيس (المجلس الشعبي الوطني)».

نواب من الغالبية الرئاسية خلال مناقشة «مشروع قانون التعبئة العامة»... (البرلمان)

وأكد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «جبهة التحرير الوطني»، المؤيدة لسياسات الحكومة، ناصر بطيش، في مداخلة له، أن النص التشريعي الجديد «يثبت التزام الدولة، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، تعزيز القدرات العملياتية للأمة، وتحسين إمكاناتها الاستشرافية على المستوى المؤسساتي، بما يضمن حماية البلاد من مختلف التهديدات»، مشدداً على أن «كثيراً من الدول أدركت مدى أهمية وضع إطار تشريعي يحدد مختلف الجوانب التنظيمية للتعبئة العامة، وقد قطعت شوطاً مهماً في هذا المجال، نظراً إلى تفاقم التوترات على الساحة الدولية»، من دون ذكر هذه الدول.

وأكد المسؤول الحزبي نفسه أنه «لن يعلَن عن التعبئة العامة، ولا يُرتقب إعلانها، على المدى القريب، بل يجري تقنينها فقط، كما هي الحال في كثير من التشريعات الحديثة، وذلك استعداداً لسيناريوهات قد تواجهها أي دولة ذات سيادة»، مبرزاً أن «التعبئة العامة، مثلما وضحها مشروع القانون الجديد، ليست مجرد إجراء يُفعّل عند الحاجة، بل هي خطة دفاع شاملة مبنية على أساس الإعداد، والتنسيق المتكامل بين مختلف مكونات الدولة والمجتمع».

وأظهر نواب بقية الأحزاب الموالية للسلطة موافقتهم على المشروع، خصوصاً «حركة البناء الوطني»، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، و«جبهة المستقبل»، في غياب كامل لصوت المعارضة في البرلمان الذي يمثله نواب «حركة مجتمع السلم» الإسلامية.

رئيس أركان الجيش الجزائري (وزارة الدفاع)

وكانت «اللجنة القانونية» في «المجلس الشعبي الوطني» قد دعت الأسبوع الماضي في توصيات أعدتها، إثر قراءة مشروع الحكومة بخصوص «التعبئة العامة»، إلى «الإسراع في إعداد الوسائل اللوجيستية ومنشآت الحماية، مثل الملاجئ، وتكييفها مع متطلبات التعبئة والأزمات». وقد ألقت هذه التوصية بمزيد من القلق لدى بعض الذين يرون أنه لا جدوى من إطلاق «تعبة العامة ما دام لا يوجد تهديد مباشر لأمن البلاد».

في هذا السياق، قالت امرأة ثلاثينية، التقتها «الشرق الأوسط» بوسط العاصمة: «ما فهمته هو أن الدولة قد تجند من جديد الأشخاص الذين أدوا الخدمة العسكرية، وهو أمر يثير قلق كثير من الشباب؛ لأنهم يريدون حياة هادئة»، مشيرة إلى أن الأزمات السياسية التي تعيشها الجزائر مع بعض الدول المجاورة «لا تستدعي استنفاراً عسكرياً؛ إذ يمكن حلها ودياً بالطرق الدبلوماسية، وبالتالي إنهاء حالة التوتر والقلق العامة في البلاد».

وبخلاف هذا الرأي، يقول محمد، وهو متقاعد من الشرطة، إن سَنّ قانون للتعبئة العامة «هو عين الحكمة، فلا ندري ماذا تخبئه لنا الأيام المقبلة، خصوصاً أن بلادنا تتعرض لاستفزازات من قوى أجنبية عدة لا يعجبها موقفنا الداعم للقضايا العادلة في العالم».

من عرض عسكري للجيش الجزائري العام الماضي (وزارة الدفاع)

ومن أهم ما يتضمنه مشروع القانون: تحويل وضعية القوات المسلحة من حالة السلم إلى حالة حرب، وتعليق التسريح النهائي لعناصر الجيش، واستدعاء جنود الاحتياط، بالإضافة إلى تعليق التقاعد بالنسبة إلى الموظفين والعمال الذين تُعدّ مهامهم أساسية في سياق التعبئة العامة. كما ينص على: «إعادة توجيه الإنتاج الصناعي المدني ليتماشى مع متطلبات القوات المسلحة، وترشيد استخدام المواد الأساسية والطاقة والمياه، إلى جانب تكييف وسائل النقل، بما يلبي الاحتياجات العسكرية، ومنع تصدير بعض المنتجات الاستهلاكية ذات الصلة بالمجهود الحربي».

ويأتي النقاش بشأن «التعبئة العامة»، سياسياً ومجتمعياً، في وقت تدهورت فيه علاقات الجزائر بفرنسا بشكل كبير خلال الصيف الماضي، عندما غيّرت باريس موقفها وأعلنت دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، وهي منطقة محل نزاع مع «جبهة البوليساريو» الصحراوية المدعومة من الجزائر؛ التي تمتلك أحد أقوى الجيوش في أفريقيا.

كما يأتي ذلك بعد إعلان الجزائر مطلع أبريل (نيسان) الماضي عن إسقاط طائرة مسيّرة من مالي قرب الحدود بين البلدين. ويعدّ هذا أول حادث من نوعه في ظل تصاعد التوتر بين البلدين منذ قرار باماكو إنهاء الوساطة الجزائرية في صراعها مع المعارضة المسلحة بداية 2024.


مقالات ذات صلة

هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

شمال افريقيا الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

يرى مراقبون أن مبادرة اقتصادية جزائرية–فرنسية قد تُشكّل مدخلاً لاستئناف الحوار بين سلطات البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)

البرلمان الجزائري يصادق على حزمة قوانين «مثيرة للجدل»

صادق «المجلس الشعبي الوطني» في الجزائر على حزمة من النصوص التشريعية تعدها الحكومة ذات طابع هيكلي، لكنها أثارت جدلاً كبيراً.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا صورة متداولة للمتهم الرئيس كمال شيخي

الجزائر: تأجيل محاكمة «قضية الكوكايين الكبرى» وسط تساؤلات عن استراتيجية الدفاع

تحولت قضية كمال شيخي «مسلسلاً قضائياً طويلاً، تتكرر فيه التأجيلات، تحت ذرائع إدارية أو فنية أو إجرائية؛ ما يُغذي الشكوك حول خلفيات هذا التعطيل...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية (متداولة)

الجزائر: انطلاق محاكمة المتهمين في «فضيحة 701 كلغ من الكوكايين»

تم اكتشاف 701 كلغ من الكوكايين يوم 29 مايو 2018 من طرف الجمارك بميناء وهران، كانت مخفية داخل صناديق لحوم مجمدة مستوردة من البرازيل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مصافحة بين الرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تفاقم التوترات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

عودة «اتفاق 1968» إلى الواجهة يضع العلاقات الجزائرية - الفرنسية أمام اختبار جديد

مبادرة برلمانية فرنسية تهدف إلى تقييم الإنفاق المرتبط بـ«اتفاق 1968»، الذي ينظّم الهجرة في فرنسا بالنسبة للجزائريين، ويُعدُّ من أبرز عناصر الخلاف بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

السودان: إدريس يعلن عزمه تشكيل حكومة من 22 وزارة

رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)
رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)
TT

السودان: إدريس يعلن عزمه تشكيل حكومة من 22 وزارة

رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)
رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)

أعلن رئيس الوزراء السوداني المعين حديثاً كامل إدريس، ملامح تشكيل حكومته المزمعة، وأطلق عليها حكومة «الأمل المدنية»، من 22 وزارة، وهيئات مستحدثة، مشيراً إلى أن معايير اختيار الوزراء ستُبنى على الكفاءة والخبرة والنزاهة، بعيداً عن المحاصصات والمحسوبية.

وقال إدريس في خطاب جماهيري مساء الخميس، إن حكومته ستلتزم الصدق وتتبع معايير العدل، بما يحقق للمواطنين الأمن والرفاه، وإنها ستعتمد التفكير «الاستراتيجي» في مواجهة مشاكل البلاد، وتابع: «إنها أول حكومة في تاريخ السودان (تجمع الحُسنيين: التكنوقراط واللاحزبيين)، وتعبر عن الأغلبية الصامتة».

وفي نهاية مايو (أيار) الماضي أدى إدريس اليمين الدستورية رئيساً للوزراء، وشرع في عقد لقاءات ومشاورات مع أكاديميين وأساتذة جامعات وشخصيات سياسية وقيادات أهلية، تتعلق باختيار وزارته. وقطع بامتلاكه حق اختيار وزراء من كفاءات مدنية مستقلة، وفقاً لما يراه مناسباً. ووعد بالشروع المتدرج في تكوين الوزارة، موجهاً نداء للكفاءات الوطنية المستقلة والحادبة على خدمة الوطن، لتزويده بسيرهم الذاتية عبر وسائل التواصل التي سوف يتم الإعلان عنها، على أن تتضمن السير الذاتية الهيئة الحكومية أو الوزارة المراد شغلها، وأضاف: «بهذه الوسيلة نكون قد استصحبنا واحدة من أفضل وسائل استقطاب الكفاءات الوطنية المستقلة»، وتابع: «ونكون قد بنينا مخزوناً قومياً مركزياً، يرفد الخدمة المدنية بما تستحقه من مهارة وجدارة وخبرات، البلاد في أمسّ الحاجة إليها».

ووقّعت أحزاب وقوى سياسية لا تعترف بشرعية الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، اتفاقاً مع «قوات الدعم السريع» لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها، مقابل تلك التي يترأسها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وهي خطوة أثارت قلق مجلس الأمن من أن تؤدي لتقسيم البلاد التي مزّقتها الحرب.