تكثّف الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التفتيش في «ملفات فساد» عبد الغني الككلي، رئيس «جهاز دعم الاستقرار» الذي اغتيل الأسبوع الماضي.
ومنذ مقتل الككلي، المعروف بـ«غنيوة»، داخل معسكر التكبالي، مقر «اللواء 444 قتال»، في عملية وصفتها «حكومة الوحدة» بـ«الأمنية المعقدة»، والأجهزة التابعة لها تفتش في مقر الجهاز الذي يتخذ من أبو سليم معقلاً، ويضم أيضاً حديقة حيوان شهيرة.
وبعد أن تحدثت سلطات طرابلس عن احتمال وجود «مقابر جماعية» في منتجع كان يمتلكه الككلي، أعلنت بالفعل مساء (الأحد) العثور على «مقبرة جماعية» داخل مقر «عصابة» تابعة لنجل الككلي في منطقة أبو سليم بطرابلس، استخرجت منها 10 جثث لرجال ونساء.
وأعلن «اللواء 444 قتال»، إحدى أذرع الدبيبة وساهم في الإطاحة برئيس «جهاز دعم الاستقرار»، تمكنه من القبض على «عدد من أفراد العصابة التابعة للمدعو بلقاسم، نجل الككلي؛ وذلك بعد تحقيقات ميدانية قادت إلى اعترافات بوجود مقبرة جماعية داخل مقر تابع لها في أبو سليم».
ويرى حقوقيون ومدوّنون ليبيون أن الككلي الذي تسارع حكومة «الوحدة» لكشف مدى «تورطه في جرائم عديدة» كان قد «وجد الحماية المطلقة منها خلال السنوات التي ساند فيها الدبيبة، وبالتالي فإن الأخير لا بد أن يُسأل عن هذه الجرائم».
ويلفتون إلى أن حديث «الوحدة» المتسارع عن جرائم الككلي يستهدف «تبرير القضاء عليه بداعي التخلص من الميليشيات المسلحة في طرابلس»، رافضين ما أسموه بـ«التوظيف السياسي للجرائم».
وقال جهاز المباحث الجنائية التابع لوزارة الداخلية في غرب ليبيا، إنه بدأ بالتعاون مع جهات الاختصاص عملية تحليل وتوثيق للتعرف على هوية الجثث، عبر الإجراءات الفنية المعتمدة، وتحت إشراف النيابة العامة.
وذهب «اللواء 444 قتال» إلى أن هذه الواقعة «تمثل دليلاً إضافياً على الجرائم البشعة» التي قال إن «العصابة ارتكبتها»، وإنه «سيواصل جهوده لملاحقة كل المتورطين وتقديمهم للعدالة دون استثناء».
وكان «جهاز دعم مديريات الأمن بالمناطق» في غرب ليبيا، تحدث عن «مشاهد صادمة» من سجونٍ قال إنها «توثّق أساليب التعذيب والانتهاكات التي تعرّض لها بعض المواطنين الأبرياء الذين تم خطفهم، وبعضهم قد قضى داخل هذا السجن ظلماً وعدواناً»، ورأى أن «هذه الجرائم تكشف جانباً من بشاعة ما كان يُمارَس في الخفاء، وحجم المعاناة التي عاشها الضحايا خلف القضبان».
وعرفت ليبيا ظاهرة «المقابر الجماعية» على مستويات مختلفة، تتعلق أحياناً بالمعارضين على خلفيات سياسية، أو المهاجرين غير النظاميين.
وكان سكان ترهونة قد عثروا على «مقابر جماعية» عقب انتهاء الحرب على طرابلس مطلع يونيو (حزيران) 2020، ضمّت مئات الجثث من مختلف الأعمار. كما تم انتشال عشرات الجثث لأشخاصٍ بعضهم مكبّل اليدين من مواقع بصحراء ترهونة، وبحاوية حديدية، وبئر معطلة بالقرب منها، بينهم أطفال.
وقال الدبيبة إن الككلي - الذي كان إحدى الأذرع المسلحة الداعمة لأركان سلطته في طرابلس - قد «ظل يُسيطر على 6 مصارف في الدولة، ومن يُخالفه يدخله السجن أو المقبرة»، متحدثاً عن «تغول الميليشيات على المشهد السياسي والمالي والاقتصادي الاجتماعي، على مدى نحو عشر سنوات، حتى أصبحت الكثير منها أقوى من الدولة».
في السياق ذاته، وأمام «ضباط العمليات» بجيش غرب ليبيا، تحدث محمود حمزة، آمر «اللواء 444 قتال»، عن «النصر الفريد منقطع النظير الذي عليهم أن يفخَروا بتحقيقه»، في إشارة إلى القضاء على الككلي والسيطرة على عديد من مقار جهازه.
وقال حمزة: «لقد اجتثّ الجيش الليبي براثن فسادٍ طال، من أكبر رقعة جغرافية في العاصمة طرابلس - أبو سليم - بعد أن عاث فيها فساداً لعقد ونصف العقد»، مضيفاً أن «قوات الجيش بعملياتها العسكرية الدقيقة أسقطت في ساعة واحدةٍ فقط إمبراطورية ظالمٍ بكافة أركان ظلمه».
واستدرك حمزة: «اعلموا أن سقوط غنيوة لم يقتصر عليه؛ فقد سقطت من خلفه كل الدول التي استغلّته وحرّكته هي ومخابراتها، وانقطعت أوصالهم داخل أرضنا». ومضى يقول: «سنستمر في تأمين الناس، وستظهر لكم الحقائق الصادمة من آثار الطغيان والهيمنة على الأبرياء».
وعلى مدار سنوات العقد الماضي، حذرت منظمات حقوقية محلية ودولية من تزايد عمليات الخطف والاختفاء القسري والقتل في ليبيا، مطالبة السلطات التنفيذية بسرعة كشف هذه الجرائم التي عادة ما كان يطويها النسيان.