باريس تتخذ خطوة جديدة في مسلسل التصعيد مع الجزائر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال مشاركته باجتماع لوزراء خارجية «حلف الأطلسي» في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال مشاركته باجتماع لوزراء خارجية «حلف الأطلسي» في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)
TT

باريس تتخذ خطوة جديدة في مسلسل التصعيد مع الجزائر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال مشاركته باجتماع لوزراء خارجية «حلف الأطلسي» في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال مشاركته باجتماع لوزراء خارجية «حلف الأطلسي» في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)

يتواصل مسلسل التصعيد بين باريس والجزائر، ولا أحد يعرف أو يرى أين سيتوقف، بالنظر إلى الخلافات الكثيرة والمستحكمة بين الطرفين منذ الصيف الماضي، وتحديداً منذ وجّه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى ملك المغرب رسالة يؤكد فيها أن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرج في إطار السيادة المغربية». وبينما رأت الجزائر في رسالة ماكرون «انحرافاً» عن الخط الرسمي الفرنسي، ولجت علاقات البلدين منعطفاً خطراً أطاح ما حققته زيارة ماكرون الرسمية إلى الجزائر في عام 2022، وخريطةَ الطريق المتفق عليها مع نظيره الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لتخطي الخلافات والسير باتجاه تعزيز العلاقات في المجالات كافة.

وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو متحدثاً الجمعة في تجمع انتخابي بمدينة نيم ضمن حملته للفوز برئاسة حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي (أ.ف.ب)

وجاءت آخر حلقة في هذا التصعيد بتعميم صادر عن المديرية العامة للشرطة الوطنية الفرنسية، السبت، بطلب من وزارة الداخلية، التي يشغل حقيبتها الوزير برونو ريتايو صاحب النهج «الصدامي» في التعامل مع الجزائر. وبموجب التعميم، الذي تطلب المديرية المشار إليها «العمل به فوراً» من قبل «الجهات كافة المكلفة مراقبة الحدود الخارجية» للدولة الفرنسية، يُرفض دخول الأراضي الفرنسية من كل صاحب جواز سفر دبلوماسي لا يحمل تأشيرة دخول؛ الأمر الذي ينقض اتفاقية عام 2007 الموقعة بين الطرفين. وجاء في حرفية التعميم ما يلي: «يُخضع المواطن الجزائري الذي يحمل جواز سفر دبلوماسياً أو جواز خدمة، والذي لا يحمل تأشيرة، عند الوصول إلى نقاط العبور الحدودية (جواً وبحراً)، لإجراء عدم القبول/ الترحيل». ويدعو التعميم جميع أجهزة الشرطة والأمن العام إلى «التنفيذ الدقيق» لمضمونه.

وتعدّ باريس أن تدبيرها الأخير يندرج في ما تسميه «الرد المتدرج» على الإجراءات التي اتخذتها «أو قد تتخذها» الجزائر بحق فرنسا ودبلوماسييها وموظفيها في الجزائر، الذي يدفع باتجاهه الوزير ريتايو. وآخر ما أقدمت عليه الجزائر طلب ترحيل 15 موظفاً يوم الأحد 11 مايو (أيار) الحالي. وردت باريس على الإجراء الجزائري، الذي وصفه وزير الخارجية، جان نويل بارو، بـ«غير المبرر، ولا يمكن تبريره»، باستدعاء القائم بالأعمال الجزائري في باريس للتعبير عن استياء فرنسا وللتنديد بالإجراء المذكور. ولاحقاً، قال بارو في تصريحات تلفزيونية: «ردنا (سيكون) فورياً، وحازماً، ومتناسباً بدقة مع هذه المرحلة، ولدينا الطلب نفسه، أي ترحيل جميع الموظفين الحاملين جوازات سفر دبلوماسية إلى الجزائر إذا لم تكن لديهم تأشيرة حالياً». وأضاف الوزير الفرنسي: «لقد أبلغت (القنصل الجزائري) أيضاً أننا نحتفظ بحق اتخاذ إجراءات أخرى وفق تطور الوضع». وطبق قراءته، فإن القرار الجزائري «يخالف الاتفاقات التي تنظّم العلاقة (بفرنسا)، وهو بطبيعة الحال لا يصب في مصلحة فرنسا، لكنه بالتأكيد ليس في مصلحة الجزائريين أيضاً».

الرئيسة السلوفينية ناتاشا بيرك موزار لدى استقبالها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في العاصمة ليوبليانا الخميس (أ.ف.ب)

من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً رسمياً قالت فيه إن طرد الموظفين الفرنسيين جاء بناءً على «قرار أحادي من السلطات الجزائرية لجهة فرض شروط جديدة لدخول الأراضي الجزائرية على الموظفين العموميين الفرنسيين الذين يحملون جواز سفر رسمياً؛ دبلوماسياً أو خدماتياً، وذلك في انتهاك للاتفاق الثنائي الموقع عام 2013».

وترى مصادر فرنسية معنية بالعلاقات بالجزائر أن حرمان الدبلوماسيين الجزائريين من دخول البلاد دون تأشيرة «سيكون مزعجاً ليس فقط للدبلوماسيين؛ بل أيضاً لكل الذين يحظون بجوازات سفر دبلوماسية من النخبة الجزائرية وداعمي النظام وعائلاتهم».

وحتى اليوم، وبموجب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين في عام 2007، كان يحق لكل من يحمل جواز سفر دبلوماسياً الدخول إلى الأراضي الفرنسية دون تأشيرة، لإقامة متواصلة أو إقامات عدة لا تتجاوز مدتها الإجمالية 90 يوماً خلال فترة 180 يوماً من تاريخ أول دخول. وهذه التسهيلات انتهت بقرار رسمي.

ويطلب التعميم من أجهزة الشرطة المعنية «التطبيق الصارم لهذا الإجراء الجديد» وكذلك «رفع تقارير بأي صعوبة تجري مواجهتها». والسؤال المطروح اليوم يتناول ليس فقط الاتفاقية المشار إليها، بل مصير الاتفاقيات كافة الموقعة بين الطرفين، بما فيها اتفاقية عام 1967 التي وُقعت بعد نيل الجزائر استقلالها، والتي توفر للمواطنين الجزائريين كثيراً من تسهيلات الإقامة والعمل على الأراضي الفرنسية. فضلاً عن ذلك، فإن الإجراءات التي أقرها ريتايو بالنسبة إلى عمليات لَمّ الشمل العائلي وتصعيب الحصول على الجنسية تصيب الأجانب؛ بمن فيهم الجزائريون.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد. فمحكمة الاستئناف في باريس رفضت، الأربعاء الماضي، طلباً جزائرياً لاسترداد أكسيل بلعباسي، وهو قائد في حركة تدعو إلى انفصال منطقة القبائل بالجزائر، ولاجئ في فرنسا. وتطالب الجزائر، التي أصدرت مذكرات دولية عدة بتوقيفه، باريس، منذ سنوات، بتسليمه؛ نظراً إلى اتهامها إياه بـ«تنفيذ أعمال إرهابية». بيد أن محكمة الاستئناف رفضت الطلب الجزائري، عادّةً أنه «لا محل له». وعلق محامي بلعباسي، غولد ناديل، على الحكم بقوله: «إنه يوم جميل للعدالة الفرنسية. وكان يمكنني القول إنه يوم حزين للعدالة الجزائرية لولا أنه لا توجد عدالة في الجزائر، ما دامت الديكتاتورية الجزائرية مستمرة في قمع مواطنيها، خصوصاً الشعب القبائلي».

ويعيش بلعباسي في فرنسا منذ عام 2012، وآخر مرة زار فيها الجزائر كانت في عام 2019.

وتبقى الإشارة إلى تطور حدث في ملف المؤثر والمعارض الجزائري، أمير بوخرص، الذي خُطف بمنطقة فال دو مارن نهاية أبريل (نيسان) 2024 وأفرج عنه بعد يومين... فقد قبض الأمن الفرنسي، الجمعة، على 4 أشخاص إضافيين وجهت إليهم تهمة الضلوع في عملية الخطف وأودعوا الحجز الاحتياطي، وفق ما أعلنته النيابة العامة الباريسية المولجة قضايا الإرهاب. ومنذ منتصف أبريل الماضي، وجّه الاتهام إلى 3 رجال، بينهم موظف قنصلي جزائري، بالضلوع في «عملية خطف واحتجاز واعتقال على صلة بمخطط إرهابي»؛ الأمر الذي أثار حفيظة السلطات الجزائرية وساهم في توتير العلاقات بين الجانبين. وتطالب الجزائر، دون طائل، بتسليمها بوخرص. وكانت «وكالة الصحافة الفرنسية» نقلت، الجمعة، عن مصدر مطلع أن تقريراً صادراً عن المخابرات الداخلية الفرنسية يوجه أصابع الاتّهام إلى شخص رابع على علاقة بعملية الخطف، غير ملاحق حتّى الساعة وينظر إليه على أنه «ضابط صف» في «مديرية الوثائق والأمن الخارجي (المخابرات الجزائرية)»، وأنه يبلغ 36 عاماً وعُرّف عنه بالأحرف الأولى من اسمه «س.س» ويرجّح التحقيق أنه أتى إلى باريس بـ«غطاء دبلوماسي بصفته السكرتير الأول للسفارة الجزائرية»، وهو لم يتعرّض للتوقيف، ومن المحتمل أن يكون غادر الأراضي الفرنسية.



استعدادات مصرية لانتخابات البرلمان... ونفي «شائعة» التأجيل بسبب توترات المنطقة

وزير الخارجية المصري يناقش في لقاء افتراضي مع الجالية المصرية بالمملكة المتحدة استعدادات الانتخابات البرلمانية المقبلة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يناقش في لقاء افتراضي مع الجالية المصرية بالمملكة المتحدة استعدادات الانتخابات البرلمانية المقبلة (الخارجية المصرية)
TT

استعدادات مصرية لانتخابات البرلمان... ونفي «شائعة» التأجيل بسبب توترات المنطقة

وزير الخارجية المصري يناقش في لقاء افتراضي مع الجالية المصرية بالمملكة المتحدة استعدادات الانتخابات البرلمانية المقبلة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يناقش في لقاء افتراضي مع الجالية المصرية بالمملكة المتحدة استعدادات الانتخابات البرلمانية المقبلة (الخارجية المصرية)

تستعد الحكومة المصرية لإجراء الانتخابات البرلمانية نهاية العام الجاري، في وقت نفت مصادر مقربة «شائعة» تأجيلها بسبب التوترات السياسية والأمنية بالمنطقة. ودعا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الاثنين، المصريين المغتربين إلى المشاركة بفاعلية في الاستحقاقات النيابية المقبلة.

ومن المقرر إجراء انتخابات غرفتي البرلمان المصري قبل نهاية العام الحالي، وفقاً لنصوص الدستور، التي تقضي بإجراء الانتخابات قبل 60 يوماً من انتهاء مدة المجلسين الحالية، وهو ما يعني الدعوة لانتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس (آب) المقبل، يلي ذلك انتخابات مجلس النواب في نوفمبر (تشرين الثاني)، قبل نهاية فترة المجلس الحالي، المقررة في يناير (كانون الثاني) 2026.

جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (أ.ش.أ)

وأكد وزير الخارجية المصري، أهمية مشاركة المغتربين في الاستحقاقات الانتخابية، وأشار عبد العاطي في إفادة رسمية عقب لقاء افتراضي بأعضاء الجالية المصرية بالمملكة المتحدة إلى «الاستعدادات الجارية للإعداد لعملية تصويت المصريين في الخارج في الانتخابات البرلمانية المقبلة»، مؤكداً «أهمية ممارسة المصريين في الخارج لحقوقهم الدستورية والمشاركة بفاعلية في الاستحقاقات النيابية القادمة».

ونقل عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، عبر حسابه على منصة «إكس»، عن مصادر وصفها بـ«المهمة»، نفيها لما تردد عن احتمال تأجيل الانتخابات بسبب المواجهات الإيرانية - الإسرائيلية، وذكر - على لسان المصادر - أن «هذه الأخبار لا تعدو إلا أن تكون مجرد شائعات، وأن الجهة المعنية هي فقط الهيئة الوطنية للانتخابات، لم تصدر أياً من هذه الأخبار».

وتكثف أحزاب مصرية من استعداداتها للدفع بمرشحيها، حيث تجري مشاورات لتشكيل «قائمة موحدة» تحت اسم «القائمة الوطنية» تشارك فيها أحزاب عدة، منها حزب الأغلبية «مستقبل وطن».

وقال القيادي بحزب «مستقبل وطن»، النائب رياض عبد الستار، إن حزبه (صاحب الأغلبية البرلمانية) يجري «مشاورات لتشكيل (القائمة الوطنية) التي تضم أحزاباً عدة»، لم يسمها، لكنه قال: من الوارد أن «يقوم حزبه بالتنسيق مع حزب الجبهة الوطنية (الوليد) في حال تشكيله قائمة أخرى»، وفي رأي عبد الستار فإن «الحرب الإسرائيلية - الإيرانية والتوترات الإقليمية سوف تعززان جهود تدشين قائمة وطنية موحدة»، حسب تعبيره.

ويبلغ عدد أعضاء مجلس النواب المنتخبين 568 عضواً، في حين يبلغ عدد أعضاء مجلس الشيوخ 300 عضو، ينتخب ثلثاهما (200 عضو)، ويتم تعيين 100 عضو من قبل رئيس الجمهورية.

بدوره، قال القيادي في حزب الإصلاح والتنمية عضو مجلس النواب محمود عصام، إن مشاركة حزبه في أي قائمة لم تحسم بعد، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «تجري اجتماعات ومناقشات لمشاركة الحزب في (القائمة الوطنية)، لكن لم يتم حسم الأمر».

وبحسب عصام، فإن مشاركة حزبه في (القائمة الوطنية) لا تتعارض مع «التحالف الانتخابي مع حزبي العدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي، إذ إنه تم الاتفاق أن يتخذ كل حزب قراره بالانضمام لأي قائمة يريدها».

في السياق نفسه، أكد نائب رئيس حزب الوفد فؤاد بدراوي أن حزبه لم يحسم موقفه بشأن التحالفات الانتخابية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الهيئة العليا سوف تجتمع في 22 يونيو (حزيران) الجاري، لمراجعة طلبات الأعضاء والقيادات الراغبين في خوض الانتخابات»، موضحاً أن «خيارات التحالفات والمشاركة في قائمة موحدة ما زالت مفتوحة».

ويعتمد قانون الانتخابات الحالي نظاماً انتخابياً مختلطاً، بواقع انتخاب نصف المقاعد فردياً، في حين أن النصف الآخر يُنتخب بنظام «القوائم المغلقة المطلقة»؛ بما يعني فوز أعضاء القائمة بالكامل حال تحقيقها أعلى الأصوات.

وحسب تعديلات قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، التي أقرها مجلس النواب، نهاية مايو (أيار) الماضي، توزع مقاعد القوائم المغلقة في 4 دوائر انتخابية على مستوى الجمهورية (27 محافظة)، بواقع 40 مقعداً في دائرتين، و102 مقعد في أخريين، كما تنقسم مقاعد القوائم في مجلس الشيوخ إلى 4 دوائر، بواقع 13 مقعداً لدائرتين، و37 مقعداً لأخريين.

ويستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، القيادي في «الحركة المدنية الديمقراطية» الدكتور مصطفى كامل السيد، أن تؤثر الحرب الإسرائيلية - الإيرانية على الانتخابات البرلمانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الانتخابات لها خصوصية؛ فالأحزاب لا تخوضها وفق برامج تتناول قضايا محلية أو إقليمية، لذلك لن تتأثر بأي متغيرات إقليمية سوى تعزيز الاتجاه لتشكيل قائمة موحدة من الأحزاب المهيمنة برلمانياً»، وتوقع السيد أن «يتمكن حزب الأغلبية من تشكيل قائمة موحدة تضم حزب الجبهة الوطنية مع أحزاب أخرى».

ووفق السيد، فإن «الحركة المدنية الديمقراطية»، (وهي تجمع معارض يضم عدداً من الأحزاب والشخصيات العامة) تتحرك «لإعداد مرشحيها على المقاعد الفردية، كما تدرس تشكيل قائمة في دائرة صغيرة، لكن هذا الأمر لم يحسم بسبب اتساع الدوائر».