توقعات بتصاعد التوتر بين الجزائر ومالي

في حال استمرار خلافاتهما الحادة بعد إسقاط طائرة مسيَّرة مالية

لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ المالي المعارض محمود ديكو الذي أثار حفيظة باماكو (الرئاسة الجزائرية)
لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ المالي المعارض محمود ديكو الذي أثار حفيظة باماكو (الرئاسة الجزائرية)
TT

توقعات بتصاعد التوتر بين الجزائر ومالي

لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ المالي المعارض محمود ديكو الذي أثار حفيظة باماكو (الرئاسة الجزائرية)
لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ المالي المعارض محمود ديكو الذي أثار حفيظة باماكو (الرئاسة الجزائرية)

أفادت دراسة معمقة تناولت العلاقات المتوترة بين الجزائر ومالي بأن تصعيداً عسكرياً بين الجارتين «لا ينبغي الاستهانة به» في حال استمرار خلافاتهما الحادة، التي نشأت بسبب إسقاط سلاح الجو الجزائري طائرة مسيَّرة مالية، مطلع أبريل (نيسان) الحالي بالحدود المشتركة.

بقايا الطائرة المسيَّرة المالية بعد تحطيمها (متداولة)

وأكدت الدراسة، التي أنجزتها ونشرتها المنظمة غير الحكومية «مجموعة الأزمات الدولية» (كرايسس غروب)، المتخصصة في الوقاية من النزاعات العنيفة وحلها من خلال التحليل والتوصيات السياسية، أن «غياب آليات التنسيق بين البلدين يزيد من خطر وقوع حوادث عبر الحدود»، خصوصاً وأن القوات المسلحة المالية «تواصل عملياتها ضد الجماعات المسلحة في شمال مالي» الحدودي مع الجزائر، وفق ما ذكرته الدراسة، في إشارة إلى عناصر المعارضة في تنظيمات «أزواد» الطرقية.

آثار قصف قوات مالي معاقل الطوارق عند الحدود الجزائرية 25 أغسطس 2024 (خبير عسكري)

ولفتت «كرايسس غروب» إلى أن الأوضاع الحالية بالحدود، التي يفوق طولها 900 كلم، قد تؤدي إلى انتهاكات ترابية، أو إلى ضربات عرضية تُصيب مدنيين أو عسكريين يتحركون في تلك المناطق. وعادت الدراسة إلى حادثة وقعت في يوليو (تموز) 2024، تتمثل في مواجهة مع الجماعات المسلحة التابعة لـ«جبهة تحرير أزواد»، نُسبت إلى القوات المسلحة المالية، ويُعتقد أنها تسببت في مقتل مدنيين عدة، من بينهم منقّبون عن الذهب من النيجر، وتشاد والسودان.

تصاعد التفتت في غرب أفريقيا والمغرب العربي

بحسب الدراسة نفسها، «يقلل تدهور العلاقات بين باماكو والجزائر من احتمال إعادة إطلاق حوار سياسي بين السلطات المالية وممثلي (جبهة تحرير أزواد)؛ ما يُضعف بشكل أكبر فرص الاستقرار الدائم في مالي». مشيرة إلى أن الجزائر «تلعب دوراً تاريخياً في مختلف عمليات السلام في المنطقة»، وأنها «كانت تملك حتى وقت قريب قدرة حقيقية على التأثير في جماعات انفصالية عدة تنشط في شمال البلاد». مؤكدة أن باماكو «أغلقت الباب أمام استئناف الحوار مع وسيط (الجزائر)، كان يملك أدوات ضغط مهمة؛ وذلك بسبب انسحابها من الاتفاق الذي تم التفاوض عليه برعاية الجزائر».

وزيرا خارجية الجزائر ومالي في لقاء سابق (صحافة باماكو)

وأعلنت السلطة العسكرية في المالي مطلع 2024 انسحابها من «اتفاق السلام»، الموقَّع مع المعارضة الطرقية بالجزائر عام 2015، ووصفت مسلحي «أزواد» بـ«الإرهابيين»، واتهمت الجزائر بـ«التدخل في الشؤون الداخلية لمالي»؛ ما فتح الباب لتوترات غير مسبوقة بين البلدين.

وأكدت الدراسة أن تطورات الوضع بعد تجميد «اتفاق السلام»، وتوقف التعامل مع الجزائر وسيطاً في الصراع الداخلي في مالي، «قد يؤدي إلى تطرف بعض الفصائل المسلحة الانفصالية، التي قد تتحالف في ظل غياب خيار سياسي مع الجماعات المتطرفة، أو تلجأ إلى تكتيكات عسكرية تُعرّض المدنيين لمزيد من الخطر، كاستخدام العبوات الناسفة اليدوية الصنع، مثلاً».

المنطقة الحدودية محل نزاع بين باماكو والمعارضة (متداولة)

كما أفادت الدراسة بأن التوتر الحالي بين الجزائر وباماكو «يأتي في سياق تصاعد التفتت السياسي في فضاءي غرب أفريقيا والمغرب العربي، وهو تفتت تفاقمه الخلافات بين تحالف دول الساحل والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس)، وكذلك عودة التوتر بين المغرب والجزائر». مبرزة أن «هذه الانقسامات لا تخدم أحداً – باستثناء الجماعات المتطرفة ربما، التي يمكن أن تستغل ضعف آليات التنسيق السياسي والأمني بين الدول، لتوسيع نفوذها أو تعزيز قدراتها؛ ما يهدد بشكل أكبر استقرار المنطقة بأسرها».

في فاتح أبريل الحالي، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية أن جيشها دمَّر ليل 31 مارس (آذار) إلى فاتح أبريل «طائرة استطلاع مسيَّرة ومسلحة» بالقرب من بلدة تين زواتين، وهي مدينة جزائرية تقع على الحدود بين مالي والجزائر. ووفقاً للسلطات الجزائرية، فإن الطائرة اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين؛ ما عُدَّ انتهاكاً للسيادة الجوية للبلاد. كما قال الجيش الجزائري إن الطائرة «قامت بمناورات خطيرة تكررت لأيام داخل التراب الجزائري»؛ ما استدعى إسقاطها، حسبه.

وفي وقت لاحق من الليلة نفسها، أعلنت هيئة الأركان العامة للجيش المالي أن إحدى طائراتها تحطمت قرب بلدة تين زواتين، وهي بلدة تقع على الجانب المالي من الحدود، والمقابلة لبلدة تين زواتين الجزائرية، مشيرة إلى أنها فتحت تحقيقاً من أجل توضيح ملابسات الحادث.

وفي 6 من أبريل الحالي، نددت الحكومة المالية بما وصفته بأنه عمل «عدائي» و«متعمد» من جانب الجزائر، وأوضحت أن هذا الحادث «حال دون تنفيذ ضربة كانت الطائرة المسيّرة تستعد لتنفيذها ضد جماعات مسلحة، تبنّت أعمالاً إرهابية». وكان وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف قد عبَّر خلال مؤتمر صحافي، عن رفض بلاده إطلاق وصف «إرهابيين» عن عناصر «أزواد»، عادَّاً أنهم «طرف سياسي في الأزمة».

اقتراح وسيط لحل الخلاف

في تقدير أصحاب الدراسة نفسها، «قد يصبح اللجوء إلى وسيط أمراً لا غنى عنه لبدء التهدئة، ويمثّل مقدمة ضرورية لأي حوار مباشر بين الجزائر وباماكو، رغم الخطاب السيادي، الذي يميز كلا النظامين، اللذين يُبديان غالباً تحفظاً تجاه التدخلات الأجنبية». مؤكدين أن «الاتحاد الأفريقي يبدو في موقع مناسب لقيادة مثل هذه المبادرة، وعلى هذا الأساس، يُفترض أن يتولى الرئيس الأنغولي جواو لورينسو، بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، متابعة هذا الملف بسرعة، وتعيين وسيط رفيع المستوى».

الحاكم العسكري بمالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

كما يرون أنه يمكن لشركاء بعيدين عن المنطقة، «يملكون تأثيراً مثبتاً لدى باماكو والجزائر»، أن يكونوا وسطاء بين البلدين، مثل روسيا وقطر. وأوضحت الدراسة أن هذين البلدين بإمكانهما أن «يضعا ثقلهما السياسي» في خدمة جهد أفريقي محتمل لحل الخلاف. مشيرة إلى أن «مشاركة هؤلاء الفاعلين ستعزز مصداقية العملية، وتعدّ بمثابة دليل إضافي على التزامهم بتطبيق الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية».


مقالات ذات صلة

هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

شمال افريقيا الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

يرى مراقبون أن مبادرة اقتصادية جزائرية–فرنسية قد تُشكّل مدخلاً لاستئناف الحوار بين سلطات البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)

البرلمان الجزائري يصادق على حزمة قوانين «مثيرة للجدل»

صادق «المجلس الشعبي الوطني» في الجزائر على حزمة من النصوص التشريعية تعدها الحكومة ذات طابع هيكلي، لكنها أثارت جدلاً كبيراً.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا صورة متداولة للمتهم الرئيس كمال شيخي

الجزائر: تأجيل محاكمة «قضية الكوكايين الكبرى» وسط تساؤلات عن استراتيجية الدفاع

تحولت قضية كمال شيخي «مسلسلاً قضائياً طويلاً، تتكرر فيه التأجيلات، تحت ذرائع إدارية أو فنية أو إجرائية؛ ما يُغذي الشكوك حول خلفيات هذا التعطيل...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية (متداولة)

الجزائر: انطلاق محاكمة المتهمين في «فضيحة 701 كلغ من الكوكايين»

تم اكتشاف 701 كلغ من الكوكايين يوم 29 مايو 2018 من طرف الجمارك بميناء وهران، كانت مخفية داخل صناديق لحوم مجمدة مستوردة من البرازيل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مصافحة بين الرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تفاقم التوترات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

عودة «اتفاق 1968» إلى الواجهة يضع العلاقات الجزائرية - الفرنسية أمام اختبار جديد

مبادرة برلمانية فرنسية تهدف إلى تقييم الإنفاق المرتبط بـ«اتفاق 1968»، الذي ينظّم الهجرة في فرنسا بالنسبة للجزائريين، ويُعدُّ من أبرز عناصر الخلاف بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

السودان: إدريس يعلن عزمه تشكيل حكومة من 22 وزارة

رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)
رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)
TT

السودان: إدريس يعلن عزمه تشكيل حكومة من 22 وزارة

رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)
رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أثناء إعلان ملامح حكومته المزمعة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)

أعلن رئيس الوزراء السوداني المعين حديثاً كامل إدريس، ملامح تشكيل حكومته المزمعة، وأطلق عليها حكومة «الأمل المدنية»، من 22 وزارة، وهيئات مستحدثة، مشيراً إلى أن معايير اختيار الوزراء ستُبنى على الكفاءة والخبرة والنزاهة، بعيداً عن المحاصصات والمحسوبية.

وقال إدريس في خطاب جماهيري مساء الخميس، إن حكومته ستلتزم الصدق وتتبع معايير العدل، بما يحقق للمواطنين الأمن والرفاه، وإنها ستعتمد التفكير «الاستراتيجي» في مواجهة مشاكل البلاد، وتابع: «إنها أول حكومة في تاريخ السودان (تجمع الحُسنيين: التكنوقراط واللاحزبيين)، وتعبر عن الأغلبية الصامتة».

وفي نهاية مايو (أيار) الماضي أدى إدريس اليمين الدستورية رئيساً للوزراء، وشرع في عقد لقاءات ومشاورات مع أكاديميين وأساتذة جامعات وشخصيات سياسية وقيادات أهلية، تتعلق باختيار وزارته. وقطع بامتلاكه حق اختيار وزراء من كفاءات مدنية مستقلة، وفقاً لما يراه مناسباً. ووعد بالشروع المتدرج في تكوين الوزارة، موجهاً نداء للكفاءات الوطنية المستقلة والحادبة على خدمة الوطن، لتزويده بسيرهم الذاتية عبر وسائل التواصل التي سوف يتم الإعلان عنها، على أن تتضمن السير الذاتية الهيئة الحكومية أو الوزارة المراد شغلها، وأضاف: «بهذه الوسيلة نكون قد استصحبنا واحدة من أفضل وسائل استقطاب الكفاءات الوطنية المستقلة»، وتابع: «ونكون قد بنينا مخزوناً قومياً مركزياً، يرفد الخدمة المدنية بما تستحقه من مهارة وجدارة وخبرات، البلاد في أمسّ الحاجة إليها».

ووقّعت أحزاب وقوى سياسية لا تعترف بشرعية الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، اتفاقاً مع «قوات الدعم السريع» لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها، مقابل تلك التي يترأسها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وهي خطوة أثارت قلق مجلس الأمن من أن تؤدي لتقسيم البلاد التي مزّقتها الحرب.