تحت السطح الهادئ... الأزمة الجزائرية الفرنسية لا تزال متأججة

خطاب حزبي يتهم فرنسا بـ«العنصرية»

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة السبع بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة السبع بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
TT

تحت السطح الهادئ... الأزمة الجزائرية الفرنسية لا تزال متأججة

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة السبع بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة السبع بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

رغم ما يبدو من هدوء ظاهري في سطح العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بعد طرد دبلوماسيين من الجانبين، فلا تزال الأزمة متأججة في ظل قطيعة غير معلَنة بين البلدين، وغياب سفير كل منهما عن منصبه، وتوجيه انتقادات واتهامات «مُبطَّنة».

وصوَّب حزب جزائري مُوالٍ للرئيس عبد المجيد تبون، يوم الأحد، انتقادات حادة لوزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، اتهمه فيها بالعنصرية، وحمَّله ضمناً المسؤولية عن مقتل مهاجر من مالي على يد أحد المتطرفين، يوم الجمعة الماضي.

وقالت «حركة البناء الوطني» الجزائرية، المؤيِّدة لسياسات الحكومة، في بيان أصدره رئيسها، عبد القادر بن قرينة، إن حادثة مقتل الشاب المالي داخل مسجد في قرية تريسكول ببلدية جارد في جنوب فرنسا، تعود إلى «الخطاب المُعادي للمهاجرين»، الذي قال إن الوزير الفرنسي دأب عليه، خلال التوترات الحادة التي اشتعلت بين البلدين في الشهور الأخيرة، حين تصدرت الأزمة المشهد، على أثر حملة على المهاجرين الجزائريين غير النظاميين، ورفض الجزائر دخولهم بعد قرار فرنسا ترحيل العشرات منهم، مطلع العام الحالي.

وأشار بن قرينة، وهو وزير سابق، إلى أن واقعة قتل الشاب حدثت «في جو يتسم بمعاداة الإسلام والمسلمين»، مضيفاً أن ريتايو «يصنِّف الجزائريين، حتى الحاملين للجنسية الفرنسية، بأنهم خطر على المجتمع الفرنسي وعلى انسجامه، والذي لا يفوّت أي فرصة لاستغلال الجرائم التي تقع في فرنسا سياسياً ضد المهاجرين من أصول مسلمة، خصوصاً الجزائريين».

وتحدثت النيابة الفرنسية عن احتمال وجود «دافع مُعادٍ للإسلام» ضمن فرضياتها حول الجريمة.

وأعاد بيان «حركة البناء الوطني» إلى الأذهان حادثة تتعلق بمقتل شخص في ميلوز بشرق فرنسا، في فبراير (شباط) الماضي، وحينها أكدت الشرطة الفرنسية أن الجاني جزائري مُدرَج في سِجل مكافحة الإرهاب، وصدر بحقِّه أمر بمغادرة البلاد، إلا أن الجزائر رفضت استقباله مراراً، وفقاً لما ذكره وزير الداخلية ريتايو.

وقال بن قرينة: «لم يسارع الوزير الفرنسي إلى ربط مقتل الشاب المالي بالإرهاب، بعكس ما فعل عندما ظهر أن القاتل في حادثة ميلوز جزائري»، مشيراً إلى أنه «اكتفى بالحديث عن عنف ووحشية» في الجريمة الأحدث.

وعبَّرت الحركة الجزائرية، في بيانها، عن القلق الكبير «إزاء المشاعر المُعادية للجالية المسلمة بفرنسا»، وحمَّلت السلطات الفرنسية «مسؤولية تسليط الضوء على ملابسات هذه الجريمة الشنيعة ومعاقبة مرتكبها». كما دعت إلى «توفير حماية أفضل للرعايا الأجانب عموماً، ولا سيما ذوي الأصول المسلمة، واتخاذ مزيد من التدابير التي تحُول دون ارتكاب تجاوزات بحقهم واحترام مقدساتهم».

طرد الدبلوماسيين

في 12 أبريل (نيسان) الحالي، قررت الجزائر طرد 12 موظفاً في السفارة الفرنسية، من بينهم موظفون تابعون لوزارة الداخلية الفرنسية، وأمهلتهم 48 ساعة لمغادرة البلاد. وردَّت باريس بطرد العدد نفسه من الدبلوماسيين الجزائريين لديها.

وجاء القرار الجزائري رداً على توقيف السلطات الفرنسية ثلاثة جزائريين، من بينهم موظف في القنصلية الجزائرية، بتُهم تتعلق بـ«الإرهاب والخطف» على الأراضي الفرنسية، فيما يتصل بقضية معارض جزائري يُدعى أمير بوخرص، معروف على «يوتيوب» باسم أمير دي زاد.​

وعدَّت الجزائر سجن المسؤول القنصلي «خرقاً للأعراف الدبلوماسية».

ووصف وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الطرد بأنه «متهور» و«غير متناسب على الإطلاق»، وأكد أن «مثل هذه التصرفات يقوّض إمكانية إجراء حوار نوعي بين البلدين».

وكان بارو قد زار الجزائر في السادس من أبريل، واتفق مع مسؤوليها على طي التوترات التي نشأت على أثر اعتراف فرنسا بـ«مغربية الصحراء» في الصيف الماضي. وظلت «الهجرة» في قلب هذه التوترات.

الرئيس الجزائري مستقبِلاً وزير الخارجية الفرنسي في 6 أبريل 2025 (الرئاسة الجزائرية)

وفي تقدير الحكومة الجزائرية، أذكى «خطاب العنصرية» ضد المهاجرين الجزائريين في فرنسا، والذين يفوق عددهم ستة ملايين نسمة، الأزمة بين البلدين.

أما بالنسبة لسفيري البلدين، فقد سحبت الجزائر سفيرها، عقب إعلان فرنسا انحيازها للمغرب في نزاع الصحراء، في يوليو (تموز) الماضي، واستدعت فرنسا سفيرها بعد قرار طرد دبلوماسييها الأخير.

«اللغة» ورقة ضغط

في سياق ذي صلة، جرى تداول تسجيل مصوَّر للرئيس الجزائري في منصات الإعلام الاجتماعي يتناول «اللغة» بوصفها سلاحاً استخدمته الجزائر في خلافها مع فرنسا، وذلك خلال زيارته محافظة بشار، بجنوب غربي البلاد، الخميس الماضي.

وتطرّق تبون إلى قرار حكومي كشف عنه وزير التعليم العالي، في مارس (آذار) الماضي، ويتعلق بإبدال اللغة الإنجليزية باللغة الفرنسية في كليات الطب، على أن يبدأ تنفيذه في العام الجامعي المقبل.

الرئيس تبون مع طلاب بكلية للطب في جنوب غربي الجزائر (الرئاسة)

وسأل تبون طلاب وأساتذة الطب بالكلية الجديدة في محافظة بشار إن كانوا يدعمون هذا القرار، فأجابه أحد الأساتذة بأن اللغة الإنجليزية بدأ اعتمادها منذ ثلاث سنوات في المراجع التعليمية، مضيفاً: «منذ 2022، كل الكتب التي نستخدمها باللغة الإنجليزية، ولا خيار لنا سوى الانتقال إلى هذه اللغة؛ لمواكبة التطورات التكنولوجية».

ووصف تبون القرار بأنه «صائب»، وأجاب على طلاب تحدثوا عن «صعوبات الانتقال من الفرنسية إلى الإنجليزية» بقوله: «هناك طرق وخطط عمل لهذا الانتقال».

وأكدت الوزارة، في مذكرة أرسلتها، نهاية الشهر الماضي، إلى رؤساء الجامعات ومديري كليات الطب والصيدلة، «ضرورة اتخاذ كل التدابير لضمان الانتقال التدريجي إلى التعليم باللغة الإنجليزية، وفقاً لعدد الأساتذة الذين تلقّوا تكويناً في هذا المجال».

يأتي القرار بعد إجراءات مشابهة؛ من بينها حذف شركة الطيران الوحيدة في البلاد، الفرنسيةَ من تعاملاتها. ومنذ أشهر، منعت وزارة التعليم المدارس الخاصة من اعتماد اللغة الفرنسية في المناهج الدراسية.


مقالات ذات صلة

طرد موظفين فرنسيين يفاقم الأزمة بين الجزائر وباريس

شمال افريقيا عَلَما فرنسا والجزائر في العاصمة الجزائر (أرشيفية - رويترز)

طرد موظفين فرنسيين يفاقم الأزمة بين الجزائر وباريس

بارو: «رحيل الموظفين الذين يقومون بمهام مؤقتة أمر غير مبرر، ومثلما فعلت الشهر الماضي سنرد على الفور وبطريقة قوية ومتناسبة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
آسيا وزير الداخلية الأفغاني بالإنابة سراج الدين حقاني ويوي شياو يونغ المبعوث الخاص للصين ومحمد صادق المبعوث الخاص لباكستان يجتمعون في كابل الأحد (وزارة الداخلية الأفغانية)

باكستان والصين وأفغانستان تتعهد بتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية

تعهدت باكستان والصين وأفغانستان بتعزيز العلاقات الاقتصادية خلال اجتماع ثلاثي استضافه وزير الخارجية الأفغاني المؤقت أمير خان متقي في كابل.

«الشرق الأوسط» (بيشاور - كابل)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي في 6 مارس 2025 (الرئاسة الجزائرية)

ترحيل جماعي لدبلوماسيين فرنسيين من الجزائر

السلطات الجزائرية سجّلت تجاوزات جسيمة ومتكررة من الجانب الفرنسي، تمثلت في إخلال صريح بالإجراءات المعمول بها في مجال تعيين الموظفين ضمن التمثيليات الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تعدّ الجزائر نفسها ضحية حملة من اليمين المتطرف في باريس يقودها وزير الداخلية الفرنسي برونو روتاليو (رويترز)

الجزائر تطرد عنصرين من الاستخبارات الداخلية الفرنسية

الجزائر اعتبرت أن الطرف الفرنسي لم يحترم الإجراءات الدبلوماسية المتعارف عليها، وسارعت إلى اعتبار هذين الشخصين غير مرغوب فيهما وتم طردهما.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

فيصل بن فرحان ولامي يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، السبت، المستجدات على الصعيدين الإقليمي والدولي، والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (جدة)

قادة سودانيون: خطاب ولي العهد السعودي «دفعة جديدة» لإحياء «منبر جدة»

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)
TT

قادة سودانيون: خطاب ولي العهد السعودي «دفعة جديدة» لإحياء «منبر جدة»

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)

استحسن العديد من القادة السياسيين السودانيين إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في القمة الخليجية - الأميركية بالعاصمة الرياض، الأربعاء، مواصلة المملكة جهودها في إنهاء الأزمة في السودان من خلال «منبر جدة»، الذي يحظى برعاية سعودية - أميركية، وصولاً لوقف إطلاق نار كامل في السودان، معتبرين أن ذلك يعطي قوة دفع جديدة لإنهاء النزاع المستمر في السودان.

وفي مايو (أيار) الماضي، أي بعد اندلاع الحرب بأسابيع قليلة، استضافت مدينة جدة، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع ما عُرف بـ«إعلان جدة الإنساني»، ونصّ على حماية المدنيين والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.

وقال رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان «التيار الثوري» ياسر سعيد عرمان إن حديث ولي العهد السعودي بشأن إحياء منبر جدة، «جاء في وقت مهم، وفي أعلى مستويات الاتصالات بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية في قمة الرياض، وهذا يعطي ملف الحرب في السودان زخماً كبيراً في الفترة المقبلة».

وأضاف عرمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن السودان «يحتاج بشكل عاجل إلى وقف إطلاق نار إنساني»، مشيراً إلى أن الجهود السابقة في منبر جدة، وما تم من تنسيق بين الشركاء الإقليميين والدوليين ودول الجوار يجب أن تخلق قوة دفع جديدة.

وقال رئيس التيار الثوري: «نتطلع إلى أن تشكل الزيارة المهمة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرياض والاتصالات بين مختلف الأطراف في الخليج ودول الجوار قوة دفع جديدة تقود إلى وقف إطلاق نار إنساني، يتيح الفرصة للسودانيين، وإبعاد القوة المتحكمة بواسطة البندقية في مصير الشعب السوداني، وتفتح الطريق للوصول إلى حكم مدني ديمقراطي وسلام دائم».

كما عبّر عرمان عن تفاؤله في أن تسهم دول الجوار والمجتمع الدولي في الوصول إلى سلام في السودان «يخدم مسار الأمن والسلم في المنطقة».

بدوره، قال المنسق السياسي لحركة «تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية»، المحبوب عبد السلام، إن «البشارة الوحيدة التي أحيت الأمل في نفوس السودانيين هي ما ورد في خطاب ولي العهد السعودي حول منبر جدة، فهو لا يزال رغم مرور عامين من الحرب الوثيقة الشرعية الأساسية لبداية تفاوض جديد بذات الرعاية السعودية - الأميركية، التي أثبتت جدواها في حل أعقد الأزمات العالمية».

وأشار المحبوب، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن غياب الوظيفة السياسية للحكومة السودانية «يعقّد المشهد»، مبرزاً أن تجاوز الحرب السودانية في الخطاب المطول الذي قدمه الرئيس الأميركي في قمة الرياض والذي تحدث فيه عن الحروب في غزة ولبنان واليمن وأوكرانيا وحتى كشمير جعل السودانيين يتساءلون عن معنى وصف الأمم المتحدة للحرب في السودان بأنها أكبر مأساة إنسانية في العالم.

وأضاف المحبوب أنه مهما «تعددت المنابر، من الاتحاد الأفريقي إلى (إيغاد) والأمم المتحدة والجامعة العربية، فإن الرؤية السودانية هي التي ستقود تلك الجهود، وفي غيابها ستنتهي إلى التيه كما هو واقع اليوم».

بدوره، ثمّن رئيس حزب الأمة «الإصلاح والتجديد» مبارك الفاضل المهدي استراتيجية السعودية تجاه السودان، التي تقوم على استقراره والحفاظ على مؤسساته الوطنية، وجهودها الحثيثة التي بذلتها في سبيل تعزيز السلام ووقف الحرب.

ورأى المهدي، في بيان، أن «منبر جدة» هو «المبادرة الأكثر تأهيلاً وتأثيراً لوقف الحرب، لأنه يلامس قضايا جوهرية تخص المدنيين، كما أنه جدي في التعامل مع الحرب في السودان، بدليل توصله إلى اتفاق بعد 3 جولات، إلا أنه لم ينفذ»، لأن طرفي الحرب لم يلتزما بما تم الاتفاق عليه في جدة، ثم عادا للتفاوض مجدداً في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بيد أن هذه الجولة واجهت تعنتاً من طرفي النزاع، وعدّت تراجعاً عما تم توقيعه في «إعلان جدة»، ما اضطر الوسيطين، الرياض وواشنطن، إلى تعليق المفاوضات.