زيارة رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، إلى مدينة لاسعانود، العاصمة الإدارية لإدارة «خاتمة» الانتقالية، تفتح سيناريوهات كثيرة للعلاقة بين مقديشو وإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الذي يرفض بشدة تلك الخطوة للمدينة التي يتعهد باستعادتها بعد خسارتها في معارك عام 2023.
تلك الزيارة التي تمسكت مقديشو بعدم الإفصاح عن موعدها في ظل توترات أمنية مع «أرض الصومال»، تحمل بحسب خبراء في الشأن الصومالي والقرن الأفريقي، توتراً جديداً للنزاع بين الحكومة الفيدرالية والإقليم الانفصالي، وتؤسس إلى «تباين أكبر»، وتصعيد «كبير» بينهما.
وأكد المتحدث باسم الحكومة الفيدرالية، فرحان جمعالي، أن زيارة بري، إلى مدينة لاسعانود، «تهدف تعزيز الوحدة وإرساء الأمن والاستقرار في البلاد»، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية للبلاد، الأربعاء، دون أن تحدد موعدها حتى الجمعة.
كما سيعقد بري خلال وجوده في المدينة، «سلسلة اللقاءات مع مكونات المجتمع المدني والمثقفين المحليين مع قادة إدارة خاتمة، لمناقشة سبل تعزيز جهود الحكومة الفيدرالية على الجوانب الأمنية والاقتصادية والتنموية في منطقة إدارة خاتمة الانتقالية، بخلاف تدشين عدد من المشاريع التنموية في المدينة التي ستنفذها الحكومة الفيدرالية»، بحسب جمعالي.
وأفاد إعلام صومالي بأن حراس بري وصلوا إلى مدينة لاسعانود لإعداد للزيارة «التاريخية»، التي قد تكون خلال «الأيام المقبلة»، وستكون «الأولى من نوعها منذ عقود».
وكانت مدينة لاسعانود بشكل خاص، وإقليم سول بشكل عام، منذ سنوات طويلة مسرحاً لصراع مرير بين ولاية بونتلاند، ومنطقة «أرض الصومال» الانفصالية، لكن نشأت في الإقليم إدارة جديدة أطلقت على نفسها «خاتمة» تمكنت في عام 2023 من السيطرة على لاسعانود، ومناطق واسعة من إقليم سول.
وتحاول «خاتمة» الانضمام مباشرة إلى الحكومة الفيدرالية بعيداً عن كل من بونتلاند و«أرض الصومال»، وهذا ما جعل كلاً من بونتلاند و«أرض الصومال» تعارضان زيارة رئيس الوزراء بري إلى لاسعانود، بحسب الإعلام الصومالي.
ووفق المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «زيارة رئيس الوزراء الصومالي إلى لاسعانود تُعد خطوة سياسية مهمة، تعكس دعم الحكومة الفيدرالية لسكان المنطقة الرافضين لحكم (أرض الصومال)»، مؤكداً أن «الزيارة القريبة قد تُصعّد التوتر مع هرجيسا، لكنها تُعزز موقف مقديشو في المنطقة».
المتخصص في الشأن الأفريقي مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الحكومة الفيدرالية الصومالية تسعى بخلاف الشق التنموي، إلى «محادثات أمنية تشمل تسلّم مقديشو أسرى حرب من سجون المدينة يتجاوز عددهم 350 أسيراً، بينهم ضباط كبار من أرض الصومال»، متوقعاً زيارة قريبة للغاية عقب نشر أفراد أمن وموظفي مكتب رئيس الحكومة، الخميس.
بينما وصف وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، الزيارة، بأنها مهمة لتأكيد وحدة أراضي الصومال. ووقع تلاسن بين إدارة «خاتمة» مع إقليم «أرض الصومال» الذي يعدّ لاسعانود جزءاً من أراضيه، على وقع تلك الزيارة، وأكدت إدارة «خاتمة» الانتقالية في 6 أبريل (نيسان) الحالي، زيارة بري إلى مدينة لاسعانود، العاصمة الإدارية للمنطقة، دون أن تحدد أيضاً موعد الزيارة.
وأشار وزير العدل والشؤون الدينية والأوقاف في إدارة «خاتمة»، عبدي حسن محمد حجار، إلى «استعدادات جارية لاستقبال رئيس وزراء الصومال بحرارة»، مؤكداً: «تعدّ منطقة خاتمة حالياً أكثر المناطق أماناً في البلاد»، بحسب الموقع الإخباري «الصومال الجديد»، الذي قال إنه «يتوقع أن تكون تاريخية، إذ ستمثل أيضاً أول زيارة لرئيس الحكومة الفيدرالية للمدينة منذ طرد قوات أرض الصومال منها في عام 2023».
غير أن برلمان إقليم «أرض الصومال»، الذي بعد يومين من هذا الترحيب من غريمته؛ إدارة «خاتمة»، أدان بشدة تلك الزيارة. وأكد نواب في اجتماع أن «لاسعانود لا تزال خاضعة لسلطة أرض الصومال»، ووصفوا زيارة رئيس الوزراء لها، بأنها «انتهاك غير مقبول لسيادة أرض الصومال».
وكان إقليم «أرض الصومال» تعهد في مايو (أيار) 2024، باستعادة مدينة لاسعانود، والمناطق الأخرى الخارجة عن سيطرة قواتها.
والإقليم الانفصالي، لا يحظى باعتراف دولي منذ انفصاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية عام 1991، ودخل في توتر عميق منذ وقع اتفاقية مع إثيوبيا في مطلع 2024، تسمح بمنح أديس أبابا ميناء بحرياً.
وبحسب مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي»، فإن وزير خارجية «أرض الصومال»، عبد الرحمن ضاهر عدن، تحدث أخيراً بأن زيارة بري قد تؤدي إلى مشاكل وعدم استقرار في المنطقة، وأرجع التكتم على موعد الزيارة لـ«تحسبات أمنية من أن يكون بري، هدفاً لمحاولة اغتيال، خصوصاً وقد وقع اغتيال الرئيس الصومالي الأسبق عبدي رشيد علي شارماركي عام 1969 في المدينة ذاتها»، مؤكداً: «سيظل التهديد قائماً، حتى مع نشر الحكومة الفيدرالية الصومالية حرساً رئاسياً لضمان سلامة رئيس الوزراء».
وسبق في مارس (آذار) الماضي، أن تعرض موكب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، لانفجار.
ويرى عبد الولي جامع بري أنه بزيارة رئيس الوزراء الصومالي، فإن مقديشو بدأت باستخدام أوراقها السياسية ضد أرض الصومال، خصوصاً بعد رفضها الانضمام للفيدرالية، موضحاً: «لكن التحركات ما زالت محسوبة لتفادي تصعيد كبير». ويتوقع أن يحدث بعد الزيارة «مزيد من التفاهمات بين الحكومة الفيدرالية، وسكان المنطقة، لكن مع تباين أكبر مع أرض الصومال».