إسرائيل تسمح لمواطنيها بالسياحة في سيناء رغم حرب غزة... ما موقف القاهرة؟

تقارير تحدّثت عن عبور 40 ألفاً من منفذ طابا لقضاء عطلة «عيد الفصح»

ساحة العلم في مدينة طابا (محافظة جنوب سيناء)
ساحة العلم في مدينة طابا (محافظة جنوب سيناء)
TT

إسرائيل تسمح لمواطنيها بالسياحة في سيناء رغم حرب غزة... ما موقف القاهرة؟

ساحة العلم في مدينة طابا (محافظة جنوب سيناء)
ساحة العلم في مدينة طابا (محافظة جنوب سيناء)

في وقت تحدّثت تقارير صحافية إسرائيلية عن «عبور آلاف الإسرائيليين الحدود إلى سيناء المصرية لقضاء عطلة (عيد الفصح) اليهودي فيها»، قال مسؤول مصري لـ«الشرق الأوسط» إنه «يتم التعامل معهم مثل غيرهم من السائحين القادمين من جميع الدول، وهناك منظومة متكاملة لتحقيق أعلى معدل أمان للزائرين في أي وقت».

وكانت «القناة 12» العبرية قد بثّت تقريراً مصوّراً تضمّن أن 40 ألف إسرائيلي عبروا من منفذ طابا باتجاه سيناء في مصر، لقضاء عطلة «عيد الفصح»، وذلك رغم تحذير السفر الصارم الصادر من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، حسب التقرير.

وتضمّن التقرير لقاءات مع بعض المسافرين الإسرائيليين إلى مصر، عبّروا فيها عن شعورهم بالاستمتاع لقضاء تلك العطلة السنوية في سيناء على وجه الخصوص التي يعدّون أن «لها خصوصية كبيرة لديهم».

وعادة ما يكون «عيد الفصح» في إسرائيل، الذي يُعدّ من أقدس الأعياد في التقويم اليهودي، «عطلة عامة لمدة»؛ حيث ستستمر هذه السنة لمدة 7 أيام، تنتهي في 19 من أبريل (نيسان) الحالي.

تزامن مع ذلك تقرير نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم»، وتضمن أن آلاف الإسرائيليين لا يزالون يعدّون سيناء وجهة مفضلة لقضاء الإجازات، رغم الحرب في غزة ورفع مستويات التحذير من السفر، وقدّرت الصحيفة أن «سيناء استقبلت خلال الشهر الماضي نحو 25 ألف إسرائيلي».

مصدر مصري مسؤول تحدّث لـ«الشرق الأوسط»، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، أكد أن «توافد السياح الإسرائيليين على سيناء لم يتوقف، وهذا دليل على ارتفاع معدل الأمن الذي تتمتع به مصر»، منوهاً بأن «معظم إن لم يكن جميع من يأتون إلى سيناء هم من عرب 48 الإسرائيليين، ويفضّلون قضاء عطلاتهم في طابا ودهب ونويبع، وعلى وجه الخصوص في كامبات التخييم لانخفاض أسعارها».

المصدر أشار إلى أن «مصر لا يمكنها أن تمنع أي سائح يجيء إليها تحت أي ظروف، لأنها تحترم القوانين الدولية والاتفاقيات التي تلتزم بها، فهي تفتح أبوابها للجميع وتكفل لهم الرعاية والأمن، ولا تعير اهتماماً لأي تحذيرات غير مسؤولة تصدر من أي دولة وتحذر رعاياها من القدوم إلى مصر».

وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» ذكرت في أول الشهر الحالي، أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي حذّر من السفر إلى شبه جزيرة سيناء في مصر، التي تُعد «وجهة سياحية مفضّلة لدى الكثير من الإسرائيليين». وذكرت الصحيفة أن «مجلس الأمن الإسرائيلي» نشر قائمة من الإرشادات لتجنّب الخطر.

وتضمّن التحذير الإسرائيلي أن هناك «جماعات إرهابية، من بينها (حماس)، ستحاول شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج خلال عطلة (عيد الفصح)».

إسرائيل فتحت الطريق «10» المحاذي للحدود المصرية لتسهيل الوصول إلى طابا (محافظة جنوب سيناء)

من جانبه، قال رئيس «الإدارة المركزية للمنشآت الفندقية والمحال والأنشطة السياحية» في وزارة السياحة المصرية، محمد عامر، لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس لديه إحصاء عن عدد الإسرائيليين الذين توافدوا إلى مصر، لكن نتعامل مع الأمر بشكل طبيعي مثلهم مثل أي سائحين وزوار من أي دولة، حيث يتم تقديم مستوى الخدمة والضيافة والتأمين نفسه إلى الجميع، لأن الهدف تقديم تجربة إلى السائح تشجعه لزيارة مصر مرة أخرى ودعوة غيره إلى زيارتها». وأوضح أن هناك «منظومة أمنية متكاملة واشتراطات حماية مدنية وأمنية، لا يرخص لأي منشأة فندقية من دونها، وبالتالي فالأمن متوفر للجميع بشكل دائم، ولو كانت هناك ظروف معينة تحيط بأي سائحين، فإنه يتم التنسيق مع وزارة الداخلية لتوفير اللازم».

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإسرائيليين -وفقاً لاتفاقية السلام الموقّعة مع مصر- يحق لهم الدخول لأغراض السياحة دون تأشيرة حتى منطقة طابا، وهم طوال الوقت يترددون على طابا من أجل السياحة ولا يمكن منعهم، بالعكس فقدومهم لمصر يعزّز الصورة العالمية عن جودة الأمن بالبلاد».

وأوضح فرج الذي شغل مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقاً، أن «مصر ليست لديها مشكلة أو تخوّف من دخول إسرائيليين أو غيرهم، في حين التي تخاف أو تمنع هي إسرائيل، وهذا أمر لا يخصنا».

وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الخميس، بأن السلطات الإسرائيلية قررت إعادة فتح الطريق السريع رقم «10»، الممتد بمحاذاة الحدود المصرية، أمام حركة المرور، خلال عطلة «عيد الفصح»، وذلك لأول مرة منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

طابا تتمتع بالمناظر الطبيعية والطقس المعتدل (محافظة جنوب سيناء)

وحسب الصحيفة، سيفتح المقطع بين منطقتي «عزور» و«هار حاريف» بشكل مؤقت يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلَيْن، حيث يُتاح للزوار التنقل عبر أحد أكثر الطرق «خطورة» من الناحية الجغرافية، الذي يطل على صحراء سيناء من جهة، والمناطق البرية الإسرائيلية من الجهة الأخرى.

وأكد رئيس مجلس مستوطنة «رامات نيغيف»، عيران دورون، أن القرار يُعد سابقة منذ بدء الحرب، مشيراً إلى أن الطريق كان مغلقاً أمام المدنيين لأسباب أمنية منذ الهجوم الذي استهدف حافلة إسرائيلية في منطقة إيلات عام 2011، وكان يُفتح بشكل محدود مرتَيْن سنوياً خلال الأعياد.

ويُعد الطريق رقم «10» من أطول الطرق وأكثرها خطورة من الناحية الأمنية في إسرائيل، إذ يمتد بطول 182 كيلومتراً بمحاذاة الحدود المصرية، ويخضع لمراقبة عسكرية مشددة، وهو ما يجعل إعادة فتحه في ظل التوترات الأمنية الراهنة خطوة غير اعتيادية.

عن خطوة فتح الطريق، علّق الخبير الاستراتيجي المصري، سمير راغب، قائلاً إنها «ثقة بتأمين الحدود من الجانب المصري، وثقة بانتهاء جميع التهديدات من قبل العناصر الإرهابية، حيث نجح الأمن المصري في القضاء عليها، مما أدى إلى التحرك الآمن في طريق (10) الموازي للحدود المصرية».

راغب قال لـ«الشرق الأوسط» إن «فتح الطريق للوصول إلى معبر طابا البري بغرض تسهيل وصول آلاف السياح الإسرائيليين لجنوب سيناء لقضاء إجازة (عيد الفصح) اليهودي، يعكس ثقة بإجراءات الأمن المصرية لتأمين الطرق والمناطق السياحية في سيناء الوجهة السياحية المُفضّلة للإسرائيليين في العطلات والأعياد».

ونوه إلى أن «زيارة الرئيسَيْن المصري عبد الفتاح السيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، للعريش، أخيراً، أرسلت رسالة بتحقق الأمن الكامل في شمال سيناء، والمعروف أن جنوب سيناء -التي توجد فيها مدينة طابا- آمنة حتى في فترة وجود عمليات مواجهة العناصر الإرهابية في وسط وشمال سيناء قبل عام 2018».


مقالات ذات صلة

زفاف «كروان مشاكل» يُسلط الضوء على عالم مشاهير موازٍ في مصر

يوميات الشرق جانب من التزاحم والفوضى في الزفاف (فيسبوك)

زفاف «كروان مشاكل» يُسلط الضوء على عالم مشاهير موازٍ في مصر

أزاح حفل زفاف «التيك توكر كروان مشاكل»، الذي أُقيم بمنطقة شبرا الخيمة (شمال القاهرة) الستار عن عالم موازٍ للمشاهير في مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا ضبط منظومة الامتحانات أولوية حكومية في مصر مع تعدد أساليب الغش المبتكرة (وزارة التربية والتعليم)

«التعليم المصرية» تستنفر مبكراً للحد من أساليب غش مبتكرة بـ«الثانوية العامة»

قبل ما يقرب من 6 أشهر على انطلاق امتحانات «الثانوية العامة» في مصر (شهادة البكالوريا) تعددت اللقاءات على مستويات تنفيذية عليا استعداداً لها

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)

اعتذار علاء عبد الفتاح عن «تدويناته المُحرضة» لم يخفف الهجوم عليه

لم يخفف اعتذار قدمه الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح عبر حساباته بمواقع التواصل بشأن «تدوينات تُحرض على العنف» كتبها سابقاً عبر حساباته، من الانتقادات.

أحمد عدلي (القاهرة)
المشرق العربي  الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً السفير المصري علاء موسى في وقت سابق (الرئاسة اللبنانية)

السفير المصري في بيروت: لا إنذارات أو تحذيرات خفية موجهة إلى لبنان

أكد السفير المصري لدى لبنان علاء موسى أن تنفيذ الاتفاقات والقرارات الدولية يشكّل المدخل الأساسي لتجنيب لبنان مزيداً من التوترات

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق من كواليس تصوير المسلسل (حساب صدقي صخر على «فيسبوك»)

«لا تُرد ولا تُستبدل»... دراما مصرية ترصد قضية التبرع بالأعضاء

يناقش المسلسل المصري «لا تُرد ولا تُستبدل» مشاكل اجتماعية عدة مرتبطة بمرض الفشل الكلوي وصعوبة العثور على متبرعين.

أحمد عدلي (القاهرة )

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».


«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت «قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، سيطرتها على منطقة «التقاطع» الاستراتيجية في ولاية جنوب كردفان، ونشر عناصر تابعون لها مقاطع مصورة تُظهر انتشارها هناك.

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني بهذا الخصوص، مع استمرار تمدد «الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في مناطق واسعة من الإقليم.

وقالت «الدعم السريع»، في بيان نشر على منصة «تلغرام»، إن «قوات تأسيس» المتحالفة معها بسطت سيطرتها بالكامل على المنطقة الواقعة بين مدينتي كادوقلي والدلنج، وإن هذه الخطوة تأتي «ضمن عمليات الانفتاح العسكري وتأمين الخطوط المتقدمة»، كما أنها تمكنت من «تسلم عدد من المركبات العسكرية والأسلحة والذخائر».

وأوضح البيان أن «هذا الانتصار يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف استراتيجية في الولاية».

وتخضع مدن ولاية جنوب كردفان، خصوصاً العاصمة كادوقلي ومدينة الدلنج، لحصار خانق تفاقمت حدته عقب استيلاء «الدعم السريع» على مدينة بابنوسة، وبلدة هجليج النفطية، بولاية غرب كردفان، وانسحاب قوات الجيش التي كانت في تلك البلدات إلى دولة جنوب السودان.

من جهة ثانية، أفادت مصادر بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها بالولاية.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» إلى «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى، ضمن «تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)».

بدورها، قالت «الحركة الشعبية»، في بيان الثلاثاء، إنها سيطرت على حامية عسكرية تابعة للجيش السوداني في منطقة تقاطع البلف، على طريق الدلنج - كادوقلي. وأضافت أن قواتها تواصل التقدم الميداني في إطار عمليات تهدف للوصول إلى العاصمة كادوقلي.

والأسبوع الماضي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على منطقتي الكرقل والدشول، الواقعتين على الطريق الرئيسية المؤدية إلى الدلنج؛ ثانية كبرى مدن الولاية، واتهمت الجيش السوداني والقوات المتحالفة بـ«عدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية».

ومنذ أشهر تفرض «قوات تأسيس» طوقاً محكماً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وتقطع طرق وخطوط الإمداد لقوات الجيش السوداني المحاصَرة داخل كادوقلي.


«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
TT

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بين المؤسسات عقب جلسة مجلس النواب، الاثنين، التي استُكملت الثلاثاء، ولا سيما بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 في المائة، وهي خطوة قوبلت بمعارضة من المجلس الأعلى للدولة في غرب البلاد، في ظل انقسام سياسي وعسكري مزمن تعيشه ليبيا منذ أعوام.

وتزامن ذلك مع اتساع دائرة الخلاف لتشمل مجلسي النواب والدولة، والسلطة القضائية، إضافة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية في العاصمة طرابلس ضد حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في غرب البلاد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية (رويترز)

وبعد ساعات من إقرار مجلس النواب زيادة مرتبات العسكريين، نشرت وسائل إعلام محلية جدولاً جديداً لمرتبات منتسبي «الجيش الوطني»، أظهر زيادات تصل إلى 150 في المائة، إذ قفز أعلى راتب إلى 12 ألفاً و850 ديناراً لرتبة المشير، في حين بلغ أقل راتب 800 دينار للطلاب العسكريين بمراكز التدريب، وفق ما أوردته تلك الوسائل. (الدولار = 5.40 دينار في السوق الرسمية و8.78 دينار في السوق الموازية).

غير أن المجلس الأعلى للدولة سارع إلى رفض قرار زيادة الرواتب العسكرية، عاداً إياه «إرهاقاً للميزانية العامة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة»، مؤكّداً في المقابل تمسكه بجدول رواتب موحد، يحقق العدالة بين المدنيين والعسكريين دون تمييز. وحذّر المجلس، في بيان له، من أن مثل هذه الخطوات الأحادية من شأنها تقويض التوافق السياسي، وتعميق الانقسام، وإرباك المسار السياسي، داعياً إلى الالتزام بالاتفاقات، والعمل المشترك من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون.

وأثار تصويت مجلس النواب على زيادة مرتبات العسكريين تبايناً في مواقف المراقبين، بين من أبدى حماسه للقرار، وآخرين عبّروا عن رفضهم له. ومن بين المؤيدين للقرار عبد الله عثامنة، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي عدّ هذا النهج ضمن «تحولات استراتيجية نوعية وطنية، وغير مسبوقة في تاريخ المؤسسة العسكرية».

في المقابل، تساءل أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة، عبد الحميد الفضيل، قائلاً: «أليس المتقاعدون وأصحاب المعاشات الأساسية هم الأحق بإنصافٍ يقي مآسيهم، والذين لا يملكون سوى صبرهم على شظف العيش؟»، وذلك في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك».

وفي سياق قريب، وفيما بدا أنه انحياز نسبي واصطفاف مؤسسي مع مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، دافعت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن شرعية الإجراءات المتخذة، والاكتفاء بملء المقاعد الشاغرة في مجلس المفوضية، دون حله بشكل كامل.

من اجتماع سابق للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وفسّرت المفوضية، في بيان صدر الثلاثاء، موقفها بالقول إن «شغل المقاعد الشاغرة تم وفقاً للمادة (10) من قانون إنشائها لسنة 2013، ولا علاقة له بالاتفاق السياسي، الذي تحاول أطراف إقحامه لأغراض تخدم أجنداتها، وتُبعد الاستحقاقات الانتخابية عن مطالب الشعب الليبي».

وحرص مجلس المفوضية في بيانه على التأكيد أنه «أثبت قدرته على إدارة العملية الانتخابية بنجاح»، لا سيما من خلال تنفيذ انتخابات المجالس البلدية في مختلف مناطق البلاد، وتجاوز التحديات والعراقيل، ورفض الخضوع لما وصفه بضغوط صادرة عن «أطراف متنفذة فقدت مصالحها».

وسبق أن رفض المجلس الأعلى للدولة أيضاً تصويت مجلس النواب على استكمال تعيينات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

من جلسة سابقة لأعضاء مجلس النواب الليبي (المجلس)

وفي تأكيد على استمرار هذا التصعيد المؤسسي المتداخل، أعرب قضاة ليبيون عن بالغ قلقهم إزاء «تصاعد الخطاب والممارسات، التي تمس هيبة القضاء ومكانته الدستورية»، محذّرين في بيان أعقب اجتماعاً طارئاً للجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية، من أن «استمرار هذا المسار قد يقود إلى انقسام السلطة القضائية»، التي ظلت «موحّدة ومتماسكة ومحايدة رغم سنوات الصراع سواء السياسي أو العسكري».

وفي رد ضمني على دعوة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى إقالة رئيس محكمة النقض، عبد الله أبو رزيزة، وعدّه «خصماً سياسياً غير محايد»، شددت الجمعية على أن وحدة القضاء واستقلاله «خط أحمر»، داعية إلى «احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في شؤون القضاء، أو التعرض له قولاً أو فعلاً».

كما أعلنت الجمعية أنها في حالة انعقاد دائم، وأنها أجرت سلسلة من الاتصالات والمشاورات مع جهات قضائية عدة، مشيرة إلى قرب الإعلان عن «المبادرة الوطنية لوحدة السلطة القضائية»، الهادفة إلى صون استقلال القضاء، وتجنيبه أي مظاهر انقسام أو تجاذب سياسي.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ويعكس هذا التصعيد توتراً غير مسبوق بين السلطتين التشريعية والقضائية، في وقت تتواصل فيه الجهود الأممية والدولية لإعادة إطلاق العملية السياسية، وسط مخاوف كبيرة من أن يؤدي هذا التوتر إلى مزيد من الانسداد وعدم الاستقرار، وتقويض فرص التوافق والانتقال نحو انتخابات طال انتظارها.

ويتزامن هذا التصعيد المؤسسي مع استمرار الجهود الأممية لإنهاء الجمود السياسي القائم منذ عام 2021، عبر توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات، إلى جانب تحركات احتجاجية في الشارع، حيث شهدت العاصمة طرابلس، الاثنين، ولليوم الرابع على التوالي، مظاهرات احتجاجاً على «الفساد»، واستمرار حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وأشعل المتظاهرون مجدداً النيران وأغلقوا الطريق أسفل كوبري المدار بوسط المدينة، فيما رصدت وسائل إعلام محلية اشتعال سيارة عسكرية، تتبع اللواء 444 قتال، التابع للحكومة، وسط غياب أي توضيح رسمي من الجهات المختصة.