المجتمع المدني في الجزائر يندد بـ«حملات تشويه» من باريس

قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الفرنسي لخفض التوترات

الرئيس الجزائري خلال استقباله مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط يوم 11 سبتمبر 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري خلال استقباله مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط يوم 11 سبتمبر 2024 (الرئاسة الجزائرية)
TT
20

المجتمع المدني في الجزائر يندد بـ«حملات تشويه» من باريس

الرئيس الجزائري خلال استقباله مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط يوم 11 سبتمبر 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري خلال استقباله مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط يوم 11 سبتمبر 2024 (الرئاسة الجزائرية)

بينما ينتظر متابعون لتوتر العلاقات بين الجزائر وباريس الزيارة التي يعتزم إجراءها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إلى الجزائر قبل منتصف أبريل (نيسان) 2025 لخفض التوترات، ندد عدد كبير من منظمات المجتمع المدني في الجزائر بـ«حملات التشويه في الإعلام وخطاب الكراهية الصادر عن المتطرفين في فرنسا ضد الجزائر».

واجتمع ناشطون من 26 جمعية في بسكرة (450 كيلومتراً جنوب العاصمة)، السبت، في إطار التفاعل مع تطورات الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، وأصدروا بياناً مشتركاً أكدوا فيه استنكارهم «تصاعد عداء اليمين الفرنسي المتطرف بحق الجزائر وجاليتها في فرنسا، التي باتت هدفاً من خلال التضييق على أعضائها»، في إشارة إلى خطة وضعها وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، بشأن ترحيل مهاجرين مقيمين بطريقة غير قانونية، بحجة «نشر العنف»، ورفضت الجزائر استقبالهم. وعرفت القضية بـ«إبعاد مؤثرين جزائريين من التراب الفرنسيين لاتهامهم بالترويج للعنف والكراهية».

وينتمي ناشطو المجتمع المدني إلى ولايات بسكرة وباتنة وأولاد جلال والمغير. وجاء في بيانهم أن «خصومة اليمين الفرنسي المتطرف للجزائر لم تكن يوماً مجرّد تصريحات فردية أو مواقف معزولة، بل هي سياسة مدروسة تهدف إلى تشويه صورة الجزائر لدى الرأي العام الفرنسي وإضعاف علاقاتها بالدولة الفرنسية، والتضييق على كل من له جذور جزائرية في فرنسا».

«تنكّر لحقائق تاريخية»

ويظهر ذلك، وفق أصحاب البيان، في «تصريحات تنكر حقائق تاريخية؛ الهدف منها طمس ذاكرة الاستعمار، وتمجيد الاحتلال، ورفض الاعتراف بجرائمه، والافتخار بالماضي الاستعماري».

ويحيل الناشطون إلى تصريحات لرئيسة نواب «التجمع الوطني» اليميني المتشدد في البرلمان، مارين لوبن، التي رفضت القول إن استعمار الجزائر (1830 - 1962) «لم يخلف إلا الأشياء السلبية»، وزعمت أن «قول ذلك مجانب للحقيقة، فقد تركت فرنسا للجزائريين بنى تحتية، مثل الطرقات والمستشفيات». كما يشيرون إلى رئيس «حزب الاسترداد» اليميني، إيريك زمور، الذي شكر فرنسا؛ «لأنها استعمرت الجزائر لمّا كان آبائي وأجدادي من سكانها». ويتحدر زمور من عائلة يهودية عاشت في بلدة شرق الجزائر وغادرتها قبيل اندلاع ثورة التحرير عام 1954. وعرف زمور بمنافسته الشديدة لـ«التجمع الوطني» في قيادة حملات استهداف المهاجرين الجزائريين في فرنسا والتحريض على إلغاء «اتفاقية عام 1968» التي تنظم مسائل الهجرة والتجارة والدراسة و«لمّ الشمل العائلي» بالنسبة إلى الجزائريين في فرنسا.

وأكد ناشطو المجتمع المدني، بهذا الخصوص، رفضهم «تشديد القيود على إجراءات تجديد الإقامة للجزائريين، والتضييق على حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، والتعامل مع مزدوجي الجنسية كمواطنين من درجة دنيا». كما نددوا بـ«حملات الترحيل القسري غير القانونية التي تُستخدم فيها أساليب غير إنسانية، في انتهاك صارخ للاتفاقيات بين البلدين». وسبق للسلطات الجزائرية أن اتهمت فرنسا بعدم احترام بنود اتفاقية تعود إلى عام 1993، تشترط تراخيص من قنصلياتها في فرنسا قبل إبعاد أي مهاجر جزائري غير نظامي. ومنذ أسبوعين، سلّمت الحكومة الفرنسية الجزائر قائمة تضم 60 جزائرياً يقيمون بطريقة سرية في 3 مناطق بالجنوب الفرنسي، وقد رفضتها وقطعت علاقاتها القنصلية بسلطات هذه المحافظات؛ مما زاد من تفاقم التوترات.

وحمل ناشطو الجمعيات الجزائرية على «خطط منظمة في الإعلام الموالي لليمين المتطرف ضد الجزائر»، وعلى ربط الجزائريين في فرنسا «زوراً بكل أشكال الجريمة والإرهاب؛ لتأليب الرأي العام الفرنسي عليهم».

ومعروف أن انحياز فرنسا إلى المغرب في نزاع الصحراء الغربية هو سبب التوتر الذي شهدته العلاقات مع الجزائر منذ الصيف الماضي. ومع الوقت، تصاعدت حدته بإثارة مشكلات بين البلدين مرتبطة بالهجرة وسجن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال.

وزير الداخلية الفرنسي (حسابه الشخصي)
وزير الداخلية الفرنسي (حسابه الشخصي)

«لست ماكرونياً»

وتبدي الجزائر، في تعاطيها مع هذه الأزمة، حرصاً على التفريق بين الرئيس إيمانويل ماكرون، ورموز اليمين في الحكومة الذين يمثلهم، وفق ما تقول، ريتايو. فبينما يميل ماكرون إلى التهدئة، يلجأ وزير داخليته إلى التصعيد. وسئل ريتايو في مقابلة صحافية عن «الاختلاف» مع الرئيس بشأن تسيير التوترات مع الجزائر، فقال: «لكل منا طريقته، وفيما يخصني، لم ألتحق بالحكومة لأصبح ماكرونياً»، مشدداً على أنه يعتزم «الرد تدريجياً على الجزائر بسبب رفض استعادة رعاياها الذين يشكلون خطراً على أمن الفرنسيين». وفي وقت سابق، صرح بأنه سيستقيل إن عرقل ماكرون منهجيته في التعامل مع الجزائر.

وزير خارجية فرنسا مع عميد «مسجد باريس» خلال إفطار رمضاني (مسجد باريس)
وزير خارجية فرنسا مع عميد «مسجد باريس» خلال إفطار رمضاني (مسجد باريس)

ومع ظهور تطورات إيجابية من الجانبين لحل الأزمة، يرتقب أن يزور وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الجزائر في 11 أبريل (نيسان) 2025، حيث سيلتقي نظيره أحمد عطاف، كما سيستقبله الرئيس عبد المجيد تبون، وفق ما أفادت به صحيفة «لوبينيون» الفرنسية.

وبحث الجانبان مشروع هذه الزيارة خلال لقاءات أجرتها آن كلير لوجندر، مستشارة الرئيس الفرنسي المكلفة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مع مسؤولين جزائريين في زيارة قصيرة قادتها إلى الجزائر الأسبوع الماضي، حيث بُحثت كل الخلافات، خصوصاً الاتفاقات التي تنظم الهجرة وترحيل المطلوبين من طرف القضاء، وأيضاً «أزمة الكاتب المسجون بوعلام صنصال»، وفق مصادر جزائرية موثوقة أوضحت أن «هناك اتفاقاً مبدئياً على خفض التوترات تدريجياً تمهيداً لعودة العلاقات إلى ما كانت عليه».


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية المصري يسلّم الرئيس الجزائري رسالة خطية من السيسي

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (رويترز)

وزير الخارجية المصري يسلّم الرئيس الجزائري رسالة خطية من السيسي

سلّم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي رسالة خطية من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع في الجزائر العاصمة اليوم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو (أ.ف.ب)

وزير داخلية فرنسا يدعو إلى «تشديد الضغط» على الجزائر لاستعادة مواطنيها

دعا وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، الخميس، إلى «تشديد الضغط» على الجزائر، واستخدام «أدوات» أخرى إذا استمرَّت في رفض استعادة مواطنيها المطرودين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا رئيس الجزائر عبد المجيد تبون مستقبِلاً وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو يوم 6 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

أجواء التصعيد تخيّم مجدداً على العلاقات الجزائرية - الفرنسية

في واقعة غير مسبوقة، طلبت الجزائر يوم الاثنين من 12 موظفاً بالسفارة الفرنسية مغادرة أراضيها في غضون 48 ساعة، حسبما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي ماكرون على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر: نرفض مهل وإنذارات فرنسا

أكدت الجزائر رفضها القاطع مخاطبتها بـ«المهل والإنذارات والتهديدات» بشأن القيود التي تفرض على التنقل بين الجزائر وفرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا فرنسا أكدت أن طلب مراجعة اتفاقيات الهجرة «يد ممدودة لإعادة الهدوء» مع الجزائر (أ.ف.ب)

فرنسا: طلب مراجعة اتفاقيات الهجرة «يد ممدودة لإعادة الهدوء» مع الجزائر

أكدت الحكومة الفرنسية أن طلبها من الجزائر إعادة النظر في «كل الاتفاقيات» المتعلقة بالهجرة في غضون أربعة إلى ستة أسابيع هو «يد ممدودة» لإعادة الهدوء للعلاقات.

«الشرق الأوسط» (باريس)

تراجع قيمة الدينار ينهك الليبيين في ظل تواصل الانقسام السياسي

بات جل الليبيين المنهكين من الفوضى المستمرة منذ عقد يعانون من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية (أ.ف.ب)
بات جل الليبيين المنهكين من الفوضى المستمرة منذ عقد يعانون من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية (أ.ف.ب)
TT
20

تراجع قيمة الدينار ينهك الليبيين في ظل تواصل الانقسام السياسي

بات جل الليبيين المنهكين من الفوضى المستمرة منذ عقد يعانون من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية (أ.ف.ب)
بات جل الليبيين المنهكين من الفوضى المستمرة منذ عقد يعانون من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية (أ.ف.ب)

يعاني الليبيون المنهكون من الفوضى المستمرة منذ عقد من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية، بعد خفض في قيمة الدينار، يحمّل الخبراء مسؤوليته إلى الإنفاق المفرط للحكومتين المتنافستين في شرق البلاد وغربها.

انخفض سعر صرف الدينار بنسبة 13.3% لتصبح قيمته في مقابل الدولار الأميركي 5.56 دينار بعدما كانت عند 4.48 دينار للدولار الواحد (أ.ف.ب)
انخفض سعر صرف الدينار بنسبة 13.3% لتصبح قيمته في مقابل الدولار الأميركي 5.56 دينار بعدما كانت عند 4.48 دينار للدولار الواحد (أ.ف.ب)

وأعلن مصرف ليبيا المركزي في السادس من أبريل (نيسان) الجاري خفض سعر صرف الدينار بنسبة 13.3 في المائة، لتصبح قيمته في مقابل الدولار الأميركي 5.56 دينار، بعدما كانت عند 4.48 دينار للدولار الواحد. وتسبب هذا التعديل الثاني لسعر الصرف خلال خمسة أعوام في تراجع سعر العملة الوطنية، في مقابل الدولار في السوق الموازية إلى 7.8 دينار، بعدما كان لا يتجاوز 6.9 دينار في مقابل الدولار.

انعكاسات انخفاض قيمة الدينار

تأثر على الفور تجار الجملة الذين يحتاجون العملة الأجنبية لدفع ثمن البضائع المستوردة. ففي حين أن ليبيا غنية بالمحروقات، إلا أنها تفتقر إلى البنية الأساسية الصناعية والزراعية والغذائية، وتضطر إلى استيراد جلّ ما تحتاج إليه من السلع الاستهلاكية اليومية والمعدات.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة (الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة (الوحدة)

ويقول كريم أشرف، وهو مهندس يبلغ 27 عاماً وأب لثلاثة أطفال، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه «مع انخفاض قيمة العملة سيكون من الصعب تلبية احتياجاتنا من الغذاء، ومنتجات النظافة والأدوية والنقل»، خصوصاً مع ضعف خدمات الصحة والتعليم في ليبيا، حيث يوجد أيضاً نقص في فرص العمل. كذلك يؤثر انخفاض قيمة الدينار على الليبيين الذين يحتاجون إلى العملة الأجنبية للسفر إلى الدول المجاورة، مثل تونس، للسياحة أو العلاج الطبي.

ميزانية وطنيّة موحدة

منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تواجه ليبيا صعوبات لتجاوز عقد من الفوضى والانقسامات بين حكومة معترف بها من الأمم المتحدة، ومقرها في طرابلس، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق برئاسة أسامة حمّاد، ويدعمها المشير خليفة حفتر. ودعت بعثة الأمم المتحدة للدعم السلطات إلى اتخاذ «تدابير عاجلة من أجل استقرار الاقتصاد الوطني»، مبدية «قلقها» من خطورة الوضع، ومشددة على أنه «يتعين اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من وطأة الآثار السلبية التي تمس الليبيين»، بما في ذلك «غلاء المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية، وتراجع الثقة بمؤسسات الدولة». كما دانت البعثة «تبادل الاتهامات» بين المعسكرين المتنافسين، وحضّت على «الاتفاق على ميزانية وطنية موحدة»، بما يضمن إدارة «مالية شفافة»، وتعزيز المساءلة في «هياكل الحوكمة».

في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي الليبي، محمود التيجاني، أن البنك المركزي «ضحية فشل وانقسام السلطة التنفيذية. وكونه مؤسسة مالية ضامنة للأصول المالية؛ اضطر لاتخاذ قراره بحماية ما تبقى من قوة الدينار». ويضيف التيجاني في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن خفض قيمة الدينار في هذا التوقيت «محاولة إنعاش سريرية؛ لأن انخفاض أسعار النفط، وتأكُّل الاحتياطات الأجنبية لدى (المركزي)، جعلاه يرى أن التحرك الآن فرصة أخيرة للنجاة من الطريق نحو الإفلاس، والاتجاه نحو الاستدانة خارجياً».

محادثات وإصلاحات

عقد محافظ البنك المركزي الليبي، ناجي عيسى، مباحثات مشتركة مع رئيسَي الحكومة في طرابلس وبنغازي، للبحث في إصلاحات اقتصادية، وإطلاق سياسات مالية لمعالجة الأزمة.

محافظ البنك المركزي الليبي ناجي عيسى (حكومة حماد)
محافظ البنك المركزي الليبي ناجي عيسى (حكومة حماد)

وأكد البنك المركزي في بيان صحافي، الخميس، أن «المحافظ ناجي عيسى عقد اجتماعاً في بنغازي مع رئيس الحكومة أسامة حماد لمناقشة الإصلاحات الاقتصادية، والسياسات المتعلقة بسعر الصرف، لتحقيق الاستقرار المالي». كما أشار «المركزي» إلى عقد المحافظ لقاء مع عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة في طرابلس، وناقشا «إطلاق حزمة إصلاحات مالية ونقدية وتجارية عاجلة».

وبحسب البنك المركزي، فإن رئيس الحكومة الموازية، أسامة حماد، رحّب بعقد لقاء مشترك مع رئيس حكومة طرابلس لدعم الإصلاحات الاقتصادية المقترحة. وبحسب البنك المركزي أيضاً، فقد بلغ «التوسع في الإنفاق العام» للحكومتين في طرابلس (غرب) وبنغازي (شرق) مستويات قياسية، وصلت إلى 270 مليار دينار (قرابة 50 مليار دولار)، متوقعاً بلوغه 330 مليار دينار نهاية العام الحالي.

وفي هذا الخصوص، يقول الخبير في الشؤون الليبية، جلال حرشاوي، إنه «من خلال الكشف في السادس من الشهر الجاري عن النطاق المثير للقلق للإنفاق العام في عام 2024 في طرابلس وبنغازي، ثم خفضه قيمة الدينار، فإن بنك ليبيا المركزي لا يواجه سوى العواقب الحتمية للاختيارات السياسية للمعسكرين الحاكمين في ليبيا». ويضيف حرشاوي في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «هذه النفقات الضخمة سياسية، وعشوائية وغير مستدامة إلى حد كبير؛ فهي لا يتم تحديدها من قبل مصرف ليبيا المركزي، وهو مؤسسة تكنوقراطية لا تتمتع بالنفوذ العسكري والاجتماعي والسياسي الذي يتمتع به القادة الليبيون».

وإثر إعلانه خفض قيمة العملة، تعرض المصرف المركزي لانتقادات شديدة من الحكومتين، وكذلك من المواطنين؛ إذ تظاهر في طرابلس عشرات الليبيين هذا الأسبوع أمام مقره للتعبير عن استيائهم.

أسامة حماد رئيس حكومة «الاستقرار» الموازية (الاستقرار)
أسامة حماد رئيس حكومة «الاستقرار» الموازية (الاستقرار)

ويعتقد المصرفي السابق، أنور التركي، أن البنك المركزي يواصل تلقي الضربات من الحكومتين المتنازعتين، عبر قيامهما بأكبر «عملية إنفاق مالي في تاريخ ليبيا، لا تراعي الحوكمة الرشيدة، ولا الامتثال (المالي) و(مكافحة) الفساد». ويلفت إلى أن تدخل البنك المركزي قد يبدو للبعض «كارثياً»، لكنه حاسم لـ«إنقاذ الأصول والاحتياطات النقدية، والإنفاق الحكومي الذي يتجه لإفراغ (المركزي) وسقوطه». ويرى حرشاوي أن «انخفاض قيمة الدينار هو نتيجة حتمية للإنفاق غير المعقول؛ ما ينعكس في الواقع على التضخم الذي يواجهه الليبيون». ويحذّر من أنه «مع الانخفاض الحالي في أسعار النفط، فإن البنك المركزي الليبي مهدد بأن يصبح كبش فداء مرة أخرى»، في حين أنه من الضروري «معالجة الأسباب الكامنة وراء الاختلالات الاقتصادية بشكل مباشر».