عقب ما تردد مجدداً من أنباء حول «زيارة مرتقبة» للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لواشنطن خلال أيام، أُثيرت تساؤلات حول موعد الزيارة.
وبينما قال خبراء ومصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن السيسي «لن يُقدم على خطوة زيارة واشنطن إلا في حال اطمئنان القاهرة للالتزام بالبروتوكول والأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، وكذلك حسم موقف الولايات المتحدة من الحرب في غزة، وإعادة إعمار القطاع، والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني عموماً»، تحدثت مصادر رسمية مصرية وأخرى في «الخارجية الأميركية» لـ«الشرق الأوسط» عن أنه «حتى الآن لم يتحدد موعد لتلك الزيارة».
ومطلع فبراير (شباط) الماضي، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً رسمياً، قالت فيه إن السيسي تلقى اتصالاً هاتفياً من ترمب، وإن الأخير «وجَّه دعوة مفتوحة إلى الرئيس المصري لزيارة واشنطن ولقائه في البيت الأبيض»، وإن السيسي «وجَّه الدعوة إلى ترمب لزيارة مصر في أقرب فرصة ممكنة، لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، والبحث في القضايا والأزمات المعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، مما يسهم في دعم استقرار المنطقة، وكذا للمشاركة في افتتاح المتحف المصري الجديد».
لكنَّ البيت الأبيض أصدر بياناً مقتضباً حول الاتصال نفسه، ولم يتضمن الإشارة إلى أي دعوة للزيارة سواء من السيسي أم من ترمب، حسب نص بيان البيت الأبيض، وفق الترجمة الرسمية الأميركية المعتمدة.
ومنذ هذا التوقيت تتردد بين الحين والآخر أنباء عن قرب زيارة السيسي لواشنطن دون أي تأكيد أو نفي من جانب السلطات في مصر أو الولايات المتحدة؛ إلا أن مصدراً رسمياً مصرياً قال لـ«الشرق الأوسط» إن «النفي الرسمي يكون حينما يصدر الخبر عن جهة رسمية وليست مجرد تقارير صحافية».
المصدر نفسه أوضح أن «الدبلوماسية المصرية لديها إرث متأصل في احترام البروتوكولات بين الدول، خصوصاً فيما يتعلق بزيارة الرؤساء بعضهم لبعض، وحريصة كل الحرص على عدم حدوث أي خروج عن النص أو خرق للبروتوكول، وحينما تتأكد من ذلك، وقتها يمكن أن يزور الرئيس السيسي واشنطن».
وفي حين لم يفصح المصدر عن ذلك؛ فإن حديثه يُلمح إلى ما حدث من ترمب مع عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، حينما فاجأه الرئيس الأميركي بالسماح بأسئلة الصحافيين عن موقف بلاده من استقبال الفلسطينيين على خلاف جدول الزيارة، وكذلك ما حدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حينما وجَّه إليه ترمب ما عدَّه البعض «إهانات خلال وجوده في البيت الأبيض أمام وسائل الإعلام».

ونوه المصدر الرسمي إلى أن العلاقة بين القاهرة وواشنطن قوية، لكن لا يمكن إخفاء أنها شابتها «بعض الندوب أخيراً، خصوصاً مع إصرار واشنطن وكبار المسؤولين فيها، بدءاً من ترمب حتى المحيطين، على خطة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن ودول أخرى، وعدم الاكتراث بخطة إعادة إعمار غزة التي قدمتها مصر واعتمدتها (القمة العربية)، وكذلك عدم قيام واشنطن بدورها التاريخي المعهود في إلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار واحترام اتفاقاتها مع الوسطاء».
وأشار المصدر إلى التصريحات الأخيرة لمبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشأن الوضع في مصر، التي أثارت امتعاضاً في القاهرة. حيث عدَّها البعض «رسالة تهديد وتحذير مبطنة» للبلاد.
تجدر الإشارة إلى أن حديث ويتكوف عن مصر كان في منتصف الشهر الجاري في معرض رده على سؤال بشأن تأثير الأوضاع في قطاع غزة على دول الجوار، وما إذا كان ذلك يثير نوعاً من القلق.
وقال ويتكوف، في مقابلة مع الإعلامي الأميركي، تاكر كارلسون، نُشرت على منصة «يوتيوب»: «مصر في الواجهة... وأعتقد أن كل الأمور الجيدة التي حصلت بعد الانتخابات بسبب القضاء على نصر الله والسنوار، يُمكن عكسها إذا خسرنا مصر».
وأوضح ويتكوف أن «البيانات في مصر تشير إلى معدل بطالة ضخم، نحو 45 في المائة. لا يُمكن أن تستمر دولة هكذا. وهم (المصريون) مفلسون بصورة كبيرة وبحاجة إلى كثير من المساعدة».
الخبير الاستراتيجي المصري سمير راغب، قال إن «زيارة السيسي لأميركا ليست غاية، وإنما هي وسيلة لتحقيق هدف، وبالتالي فالزيارة تتم حينما تتم الإجابة عن سؤال: لماذا يزور الولايات المتحدة؟».
وذكر أن «الرئيس السيسي يقدِّر مكانة بلاده، والطريقة التي يتم التعامل بها مع ضيوف ترمب في البيت الأبيض ليست ناجحة في إقناع أو كسب أعتى حلفاء الولايات المتحدة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى حدوث «ندوب في علاقات الولايات المتحدة ومعظم دول العالم ومنها مصر منذ عودة ترمب للحكم»، على حد قوله.
راغب شدد على أن العامل المهم الذي يمكن أن يفتح الآفاق أمام إتمام زيارة السيسي لواشنطن هو أن «تحدد الولايات المتحدة موقفها من حرب غزة والقضية الفلسطينية، وأن تعود ضامناً ووسيطاً كما كانت دائماً في هذا الملف، وليس كما يحدث الآن من أنها متحدث باسم إسرائيل وداعم لها دون شرط أو قيد، وكذلك حينما تتراجع عن خطة ترمب المعروفة باسم (ريفييرا الشرق الأوسط)». لكن راغب نوه في الوقت نفسه «إلى وجود قنوات تواصل مفتوحة بين القاهرة وواشنطن، ولن تكون هناك حاجة إلى الزيارة واللقاء المباشر؛ إلا حينما لا تنجح تلك القنوات في حل الأمور العالقة، ويكون هناك حاجة للقاء مباشر بين الرئيسين».

وعلى الرغم من عدم حدوث تواصل بين السيسي وترمب منذ اتصال أول مارس (آذار) الجاري، فإن هناك تواصلاً مستمراً بين وزيري خارجية البلدين. وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، قد أجرى زيارة لواشنطن، والتقى نظيره الأميركي ماركو روبيو، وعدداً من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة وأعضاء الكونغرس «في إطار تعزيز العلاقات الثنائية والشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، والتشاور بشأن التطورات الإقليمية» حسب بيان لـ«الخارجية المصرية».
الأستاذ في «معهد دراسات الشرق الأوسط» بواشنطن، الدكتور حسن منيمنة، قال: «لا أعتقد أن الرئيس السيسي يخشى مشهداً كالذي جرى لزيلينسكي مثلاً، غير أن الإحراج الذي تعرض له الملك عبد الله قد يتكرر مع السيسي في حال كرّر الرئيس ترمب موقفه بشأن غزة في حضور السيسي أمام الإعلام، وبالتالي فإن زيارة السيسي لواشنطن تبدو مقرونة بالتوصل إلى صيغة تفاهم، إن لم تكن صيغة توافق بشأن التعاطي مع موضوع مستقبل قطاع غزة».
منيمنة أضاف أنه «ربما التوصيف الأدق لما أصاب العلاقات المصرية - الأميركية حالياً أنها تحديات جدية وليست ندوباً»، موضحاً أن «المبادرة هي بيد إسرائيل، فهي التي قرّرت، بتأييدٍ تلقائي مطلق من واشنطن، معاودة الحرب في غزة، وهي بالتالي لم ترسُ على تصور لمستقبل القطاع يمكن للأطراف العربية أن تتقبله. لا أعتقد أنه ثمة فائدة من زيارة السيسي لواشنطن قبل جلاء هذا الأمر».

في حين يرى خبير العلاقات الدولية المقيم في نيويورك، محمد السطوحي، أن «هناك بالفعل شروخاً حالياً في العلاقة بين مصر وأميركا، ومثل هذا اللقاء لو تم إن لم يساعد على تسوية الخلافات فإنه سيؤدى حتماً إلى تعميقها، فواشنطن لم تتراجع عن موقفها بنقل الفلسطينيين، وسفيرها القادم لدى إسرائيل، مايك هاكابى، قال صراحةً في جلسة الاستماع بمجلس الشيوخ إنه يدعم ضم إسرائيل للضفة الغربية ونقل الفلسطينيين منها». وأضاف أن «الأمر أكبر من نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو أي دولة أخرى؛ بل يشمل رؤية يمينية متطرفة تتبناها الإدارة الأميركية تجاه المنطقة تتوافق مع اليمين المتطرف في إسرائيل، بحيث لم تعد لغة المسؤولين الأميركيين تختلف كثيراً عمَّا يقوله سموتريتش وبن غفير في إسرائيل».
وحسب السطوحي فإن «مواجهة هذه المواقف وإقناع واشنطن بالعودة إلى موقف أكثر توازناً غير ممكن لأي دولة بمفردها، ويحتاج إلى تماسك وتنسيق كامل بين الدول العربية»، مقترحاً أن يتم السعي مثلاً إلى «عقد لقاء جماعي يضم الرئيس الأميركي وزعماء مصر والأردن والسعودية ومن يرغب، من أجل التوصل إلى صيغة تضمن حلاً ملائماً يضمن استقرار المنطقة ومصالح الدول العربية واستقرارها».