حرب السودان... أسبابها ومآلاتها

نزاع عسكري وقبلي واقتصادي يهدد بتقسيم البلاد

تصاعد الدخان جراء الاشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان جراء الاشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)
TT
20

حرب السودان... أسبابها ومآلاتها

تصاعد الدخان جراء الاشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان جراء الاشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

أدى الصراع الذي اندلع في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع» يوم 15 أبريل (نيسان) 2023، إلى موجات من العنف بين الطرفين؛ ما يهدد بتقسيم البلاد. ومع مرور الوقت أخذ العنف طابعاً قبلياً وعرقياً، وتسبب في أكبر أزمة نزوح في العالم، ودفع عدة مناطق إلى براثن المجاعة.

وأعلن الجيش، يوم الجمعة، سيطرته على القصر الرئاسي في الخرطوم، وهو ما سيكون انتصاراً رمزياً مهماً في معركته أمام «قوات الدعم السريع» التي كانت قبل الحرب فصيلاً تابعاً للجيش.

وتصاعدت التوترات على مدى أشهر قبل اندلاع القتال في العاصمة الخرطوم؛ إذ كانت الشراكة بين الطرفين هشّة بعد أن أطاحا معاً بالحكومة المدنية في انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وهي الخطوة التي عرقلت انتقال السلطة من حكم الرئيس المعزول عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية كبيرة، وساندها الجيش و«قوات الدعم السريع»، في أبريل عام 2019.

وبعد انقلاب أكتوبر على الحكومة المدنية، أخذ الخلاف بين الطرفين العسكريين يتصاعد حتى بلغ ذروته؛ بسبب خطة مدعومة دولياً لإطلاق فترة انتقالية جديدة تعيد الحكم إلى المدنيين، ومن ثم يعود العسكريون إلى ثكناتهم.

التنازل عن السلطة

البرهان وحميدتي يحضران حفل تخريج عسكري للقوات الخاصة بالخرطوم في 22 سبتمبر 2021 (أرشيفية - غيتي)
البرهان وحميدتي يحضران حفل تخريج عسكري للقوات الخاصة بالخرطوم في 22 سبتمبر 2021 (أرشيفية - غيتي)

وكان الأمر يتطلب من كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» التنازل عن السلطة بموجب تلك الخطة، لكن خلافاً ظهر حول مسألتين على وجه الخصوص؛ الأولى هي الجدول الزمني لدمج «قوات الدعم السريع» في صفوف الجيش، بعدما كانت تتمتع بنوع من الاستقلالية ولها قانونها الخاص رغم أنها كانت تتبع اسمياً وقانونياً للجيش. والثانية هي تسلسل القيادة بين الجيش وقادة «الدعم السريع»، ومسألة الإشراف المدني على القوات العسكرية.

كما تنافس الطرفان المتحاربان على مصالح تجارية مترامية الأطراف سعى كل طرف إلى حمايتها؛ إذ كان كل من الجيش و«الدعم السريع» يسيطر على عدد كبير من الشركات الكبرى في البلاد. وعانى السودان منذ فترة طويلة من صراعات ناجمة عن تركز السلطة والثروة في وسط البلاد على حساب المناطق الأخرى، وهو ما تقول «قوات الدعم السريع» إنها تقاتل من أجل معالجته.

الشخصيتان الرئيسيتان في الصراع على السلطة هما: الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس «مجلس السيادة» الحاكم منذ عام 2019، ونائبه آنذاك في «مجلس السيادة» قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.

كوّن حميدتي ثروة من مناجم الذهب ومشروعات أخرى، ويتولى أفراد من عائلته وقبيلته أدواراً بارزة، ويشكل إقليم دارفور المضطرب في غرب البلاد قاعدة قوته الاجتماعية، حيث تأسست «قوات الدعم السريع» من رحم ميليشيات قاتلت إلى جانب القوات الحكومية في عهد البشير لسحق متمردين في حرب وحشية تصاعدت منذ عام 2003. ويستغل كلا الجانبين الذهب، أحد الموارد المهمة في السودان والذي يتم تهريبه على نطاق واسع، لدعم جهودهما الحربية.

انتهاكات واسعة

نساء وأطفال في مخيم للنازحين بالقرب من الفاشر في شمال دارفور بالسودان (رويترز)
نساء وأطفال في مخيم للنازحين بالقرب من الفاشر في شمال دارفور بالسودان (رويترز)

وقال محللون لوكالة «رويترز» للأنباء إن وضع البرهان على رأس الجيش لم يعد قوياً بما يكفي مع اكتساب الموالين للبشير من ذوي الميول الإسلامية والقادة المخضرمين، نفوذاً منذ انقلاب 2021 الذي أعاد الكثيرين منهم إلى مراكز مهمة في الدولة وفي الخدمة المدنية وفي القوات النظامية، وكان هذا أول مؤشرات تصاعد الخلاف بينه وبين حميدتي. وتقول «قوات الدعم السريع» إنها تقاتل لتطهير السودان من فلول نظام البشير، في حين يقول الجيش إنه يحاول حماية الدولة من المتمردين.

ويقول سكان إن «قوات الدعم السريع» وحلفاءها ارتكبوا انتهاكات تشمل القتل والنهب، في حين يتهم سكان الجيش بقتل مدنيين في قصف عشوائي وضربات جوية دون تمييز. وينفي الجانبان هذه الاتهامات. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على كل من البرهان وحميدتي في يناير (كانون الثاني) 2025.

ورغم أن الجيش بدأ الحرب بقدرات متفوقة، مثل القوات الجوية، تطورت «قوات الدعم السريع» في السنوات القليلة الماضية لتصبح قوة مجهزة تجهيزاً جيداً ومنتشرة في أرجاء السودان. وتمركزت وحدات «قوات الدعم السريع» خلال الأيام الأولى من الحرب في أحياء بأنحاء العاصمة، كما أحرزت تقدماً سريعاً بحلول نهاية عام 2023 لتُحكم قبضتها على إقليم دارفور وتسيطر على ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، وهي منطقة زراعية مهمة.

واستعاد الجيش بعض السيطرة في مارس (آذار) 2024 بتقدمه في مدينة أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل العاصمة الكبرى، لكن «قوات الدعم السريع» تقدمت مرة أخرى لاحقاً في ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف. واندلعت معارك ضارية حول مدينة الفاشر، معقل الجيش في ولاية شمال دارفور، في حين شن الجيش هجوماً جديداً لاستعادة السيطرة على العاصمة.

حرب مدمرة

مبنى متضرر بشدة جراء القتال بشمال الخرطوم في 17 مارس 2025 (أ.ف.ب)
مبنى متضرر بشدة جراء القتال بشمال الخرطوم في 17 مارس 2025 (أ.ف.ب)

وأحيت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير الآمال في أن يتمكن السودان وسكانه البالغ عددهم نحو 45 مليون نسمة، من التخلص من الاستبداد والصراع الداخلي والعزلة الاقتصادية التي استمرت ثلاثة عقود تحت حكم البشير المدعوم من الحركة الإسلامية. لكن استمرار الحرب لنحو عامين، ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، وأجبر أكثر من 12 مليوناً على النزوح، وعرّض نصف السكان لمستويات كارثية من الجوع. وأعلن خبراء في أغسطس (آب) 2024 وقوع المجاعة في منطقة واحدة من إقليم دارفور، وزاد العدد في ديسمبر (كانون الأول) إلى خمس مناطق، مع توقعات بتفشيها في مزيد من المناطق.

وقُتل عشرات الآلاف على الرغم من أن تقديرات القتلى غير مؤكدة. وأثار تصاعد الصراعات السياسية والعرقية في السودان مخاوف من انقسام البلاد، ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة تقع بين منطقة الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي. وفرّ مئات الألوف إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، وعبرت أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

جهود إنهاء الحرب

ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 (رويترز)
ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 (رويترز)

ودعمت القوى الغربية، ومنها الولايات المتحدة، عملية الانتقال الديمقراطي بعد الإطاحة بالبشير. لكن الاهتمام الدبلوماسي بالسودان انحسر بعد اندلاع الحربين في أوكرانيا وغزة. وفي 2023، جمعت السعودية والولايات المتحدة وفدين من كلا الطرفين في جدة لإجراء محادثات، لكن وقف إطلاق النار المتفق عليه هناك لم يصمد وتعثرت العملية.

كما أطلقت مصر والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) مبادرات أخرى، مما أثار مخاوف من تداخل الجهود الدبلوماسية. وفي أغسطس 2024 استضافت الولايات المتحدة محادثات في سويسرا، لكنها لم تسفر عن شيء بسبب تغيّب الجيش.

وشدد الجانبان في الأشهر القليلة الماضية من مواقفهما، وقالا إنهما يعتزمان مواصلة القتال إلى أن يسيطرا على البلاد بأكملها.


مقالات ذات صلة

«الخارجية السودانية» تتهم «الدعم السريع» بنهب الآثار والمتاحف

شمال افريقيا أرشيفية لمتحف السودان القومي

«الخارجية السودانية» تتهم «الدعم السريع» بنهب الآثار والمتاحف

الاعتداء على المتاحف ومراكز الإشعاع الثقافي والتاريخي، مخطط يستهدف محو الهوية الثقافية الوطنية.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الصادق المهدي (يمين) وابنه الأكبر عبد الرحمن في فعالية دينية لطائفة الأنصار (أرشيفية - غيتي)

خلافات عميقة تضرب أكبر حزب سياسي في السودان

تفجرت الخلافات داخل «حزب الأمة القومي»، وانتقلت من خلافات داخلية إلى حرب بيانات علنية بين مؤسسات الحزب.

أحمد يونس (كمبالا)
أوروبا نساء يبعن بضائعهن في سوق نزارا المفتوح جنوب السودان 15 فبراير (أ.ب)

بابا الفاتيكان يُندد بـ«الكارثة الإنسانية المروعة» في جنوب السودان

جدَّد بابا الفاتيكان فرنسيس، الأحد، دعوته للسلام في أوكرانيا وفلسطين وإسرائيل ولبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وميانمار وجنوب السودان.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
شمال افريقيا البرهان (أ.ف.ب)

البرهان: لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

قال رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان اليوم (السبت)، إنه لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني في مدينة أم درمان (أرشيفية - رويترز)

الجيش السوداني يسترد منطقة استراتيجية في أم درمان

أعلن الجيش السوداني، يوم السبت، استرداد واحد من أكبر معاقل «قوات الدعم السريع» الرئيسية في غرب مدينة أم درمان، وهي منطقة «سوق ليبيا».

أحمد يونس (كمبالا)

مصر تعوّل على القطاع الخاص للتوسع في مشروعات النقل النهري

النقل النهري يهتم بالبواخر السياحية (وزارة النقل)
النقل النهري يهتم بالبواخر السياحية (وزارة النقل)
TT
20

مصر تعوّل على القطاع الخاص للتوسع في مشروعات النقل النهري

النقل النهري يهتم بالبواخر السياحية (وزارة النقل)
النقل النهري يهتم بالبواخر السياحية (وزارة النقل)

بالتزامن مع تطوير منظومة النقل النهري في مصر، أعلنت وزارة النقل المصرية خطة للتوسع في مشروعات النقل النهري، مع التعويل على دور القطاع الخاص في هذا الصدد.

وأعلنت وزارة النقل، في بيان، الثلاثاء، خطة شاملة لتطوير قطاع النقل النهري، للاستفادة من أطول شريان نهري في أفريقيا يمر بمصر، وهو نهر النيل بطول يصل إلى 3126 كيلومتراً بفروعه المختلفة داخل مصر. كما أعلنت الوزارة اتخاذ عدد من الإجراءات والآليات التي تكفل تحقيق انطلاقة قوية لتعظيم نقل الركاب والبضائع عبر نهر النيل.

خطة مصرية للتوسع في استثمارات النقل النهري (وزارة النقل)
خطة مصرية للتوسع في استثمارات النقل النهري (وزارة النقل)

وكانت الوزارة قد أعلنت في وقت سابق تنفيذ عدد من المحاور التنموية على النيل، من خلال شبكة طرق وليس مجرد كوبري على النيل، وتقليل المسافات بين المحاور إلى 25 كيلومتراً لخدمة المشروعات التنموية والمجتمعات العمرانية الجديدة.

وتقوم خطة وزارة النقل لتشجيع الاستثمارات الجديدة الخاصة بالنقل النهري على إنشاء شبكة من المواني النهرية؛ لاستقبال البضائع والحاويات وشحنها بالوحدات النهرية، وخدمة حركة نقل الركاب والبضائع عبر نهر النيل إلى محافظات مصر، مع تخصيص عدد من هذه المواني في أنواع محددة من البضائع، ويمكن استخدام تلك المواني التخصصية في استقبال البضائع العامة وشحنها عن طريق التعاقد وبمعاونة الهيئة العامة للنقل النهري.

وتقوم الوزارة بتطهير وتكريك وصيانة المجرى الملاحي، بهدف الوصول إلى مسار ملاحي آمن لنهر النيل، لتيسير حركة الملاحة أمام الرحلات النيلية للمراكب والبواخر السياحية، وحركة التجارة باستخدام الوحدات النهرية.

كما تتعاون الهيئة العامة للنقل النهري مع شركة متخصصة من دولة النمسا، بوصفها إحدى الدول المتقدمة في النقل النهري، لتنفيذ منظومة البنية المعلوماتية لنهر النيل، المعروفة عالمياً بـ«خدمات معلومات النهر».

التوسع في مجال النقل النهري بمصر (وزارة النقل المصرية)
التوسع في مجال النقل النهري بمصر (وزارة النقل المصرية)

وبحسب بيان لوزارة النقل فقد تمّ تنفيذ 38 كوبرياً على النيل قبل عام 2014، والتخطيط لإنشاء 35 محوراً جديداً منذ 2014 وحتى 2030، تم تنفيذ 18 محوراً منها، وجارٍ تنفيذ 17 محوراً أخرى، ليصل إجمالي ما تم تنفيذه إلى 56 محوراً، في حين المستهدف الوصول إلى 73 محوراً وكوبرياً حتى 2030.

ودعا البيان شركات القطاع الخاص العاملة في هذا المجال كافّة إلى الاستثمار في هذا القطاع، للاستفادة من مزايا النقل النهري الاقتصادية والبيئية، ومن بينها تخفيف نسبة ما تنفقه الدولة من الميزانية العامة على صيانة الطرق، بالإضافة إلى قلة التكلفة في النقل، حيث تحل الوحدة النهرية مكان ما يقارب 40 شاحنة نقل بري، فضلاً عن المحافظة على البيئة من التلوّث البصري والسمعي والهوائي الذي يسبّبه النقل البري، بخلاف تقليل نسبة الحوادث الناتجة عن النقل البري.

مع تأكيد التكامل بين النقلَيْن النهري والبري من خلال منظومة النقل متعدد الوسائط لإيصال البضائع من الباب إلى الباب، وهو من المتطلّبات الأساسية لمجتمع رجال الأعمال.

وأشارت وزارة النقل إلى المجالات التي يمكن للقطاع الخاص الاستثمار فيها، وهي إنشاء وحدات نهرية جديدة متخصصة لتطوير قدرات وأنماط النقل النهري، مثل وحدات لنقل المواد البترولية تطابق المعايير العلمية، وكذلك بناء وحدات نهرية حديثة تُسهم في نقل الحاويات والسيارات، بالإضافة إلى إنشاء موانٍ وأرصفة نهرية.