جنوب السودان «على شفا الانزلاق مجدداً إلى حرب أهلية»

رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)
رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)
TT
20

جنوب السودان «على شفا الانزلاق مجدداً إلى حرب أهلية»

رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)
رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)

تسبّبت المواجهات الدائرة في شمال شرقي دولة جنوب السودان في نزوح نحو 50 ألف شخص، فيما عرضت سفارات غربية عدّة الاضطلاع بدور الوساطة لتفادي تدهور الوضع، على ما أفادت به «وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب)» في تقرير لها.

وقال نيكولاس هايسوم، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى جنوب السودان، إن البلد «على شفا الانزلاق مجدّداً إلى حرب أهلية» تهدّد بنسف سنوات من الجهود المبذولة لصون سلام هشّ.

رئيس جنوب السودان سلفا كير (رويترز)
رئيس جنوب السودان سلفا كير (رويترز)

ومنذ نهاية فبراير (شباط) الماضي، أدّت أعمال العنف إلى نزوح 50 ألف شخص، منهم 10 آلاف عبروا الحدود باتجاه إثيوبيا، وفقاً لـ«مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)» في جنوب السودان.

وتشهد مقاطعة الناصر في ولاية أعالي النيل معارك بين قوات موالية للرئيس سلفا كير ومجموعة «الجيش الأبيض» التابعة لنائبه الأول رياك مشار؛ مما يهدّد بتقويض اتفاق تقاسم السلطة الهشّ.

وأشارت «الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)»، وهي كتلة من دول شرق أفريقية، إلى أنّه في 4 مارس (آذار) الحالي، تمكّن «نحو 6 آلاف مقاتل من (الجيش الأبيض)» من الاستيلاء على معسكر لجيش جنوب السودان في هذه المقاطعة. وفي ليل الأحد - الاثنين، «نفّذ جيش جنوب السودان ضربات جوية على مواقع للمتمرّدين في مقاطعة الناصر؛ ما أدى إلى مقتل 20 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال»، وفق ما أفاد به المفوّض الإداري بالمقاطعة جيمس غوتلواك .

أفراد من جيش جنوب السودان (موقع الجيش)
أفراد من جيش جنوب السودان (موقع الجيش)

ومساء الاثنين، أعلن حزب مشار «تعليق مشاركته» في بعض الهيئات الأمنية المنشأة بموجب «اتفاق السلام» لعام 2018، وذلك حتى إطلاق سراح مسؤولين سياسيين وعسكريين ينتمون إلى صفوفه أُوقفوا مؤخراً. وكتب نائب الحزب، أويت نتنائيل بييرينو، على «فيسبوك»، أن «أيّ مشاركة للأعضاء في ما تعرف بـ(الآليات الأمنية والسياسية) تُعلَّق بمفعول فوري»، مشيراً إلى أن عمليات التوقيف «تهدّد جوهر» اتفاق السلام.

وعرضت سفارات غربية عدّة في جوبا، منها سفارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، الثلاثاء، التوسّط بين سلفا كير ورياك مشار لتنظيم «لقاء بينهما وإطلاق حوار مباشر لعودة السلام وصونه».

وقالت نائبة الممثل الخاص لبعثة الأمم المتحدة لدى السودان وجنوب السودان، أنيتا كيكي غيبو، إنّ «أعمال العنف تزيد من تعريض المجتمعات الضعيفة للخطر، وتجبر على تعليق الخدمات الحيوية». وحضّت «جميع الأطراف على السماح للعاملين في المجال الإنساني بالوصول بأمان إلى المحتاجين، خصوصاً النساء والأطفال وكبار السن».

نازحة تحمل الماء على رأسها في مخيم جوبا للنازحين جنوب السودان (أ.ب)
نازحة تحمل الماء على رأسها في مخيم جوبا للنازحين جنوب السودان (أ.ب)

وفي ظلّ أعمال العنف الدائرة بالبلد، اضطر عاملون في مجال الإغاثة الإنسانية إلى المغادرة، وأُغلقت وحدة لمعالجة الكوليرا في الناصر، في حين يتفشّى المرض بسرعة في البلد، كما في السودان المجاور وإثيوبيا.

وكشفت منظمة «أطباء بلا حدود»، الجمعة، عن أن العنف في جنوب السودان «يفاقم الوباء. وقد اضطرّ آلاف الأشخاص إلى النزوح، وباتوا عاجزين عن الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية ومياه الشرب، وهي عوامل أساسية (لمنع) الانتشار السريع للكوليرا».

ومنذ استقلاله عن السودان في عام 2011، يواجه جنوب السودان أعمال عنف تحول دون وضع حد للحرب الأهلية الدامية بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار. وأدى هذا الصراع إلى مقتل نحو 400 ألف شخص ونزوح 4 ملايين بين عامي 2013 و2018 عام توقيع اتفاق سلام تتهدّده الاشتباكات الجديدة في الشمال الشرقي.

جانب من جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع تواصل)
جانب من جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع تواصل)

وفي بداية مارس الماضي، تعرّضت مروحية للأمم المتحدة لإطلاق نار أدى إلى مقتل قائدها وجنرال في جيش جنوب السودان. ومؤخراً، أكدت رئيسة «لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان» في جنوب السودان، أنّ البلاد دخلت «في انحدار مثير للقلق من شأنه أن يمحو سنوات من التقدّم نحو السلام».

وقال طبيب يعمل في المنطقة من «اتحاد الإغاثة الدولية»، وهو منظمة غير حكومية مهددة باقتطاعات الموارد الأميركية التي أقرّتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب: «لا أمل بتاتاً للنازحين واللاجئين العائدين».

وقال إن «السودان المجاور؛ حيث نزح نحو 11 مليون شخص بسبب الحرب الدائرة، هو خير مثال للسرعة التي يمكن بها لدولة أن تغرق في حرب كارثية»، داعياً كلّ الأطراف إلى تهدئة التوتّرات «قبل فوات الأوان».


مقالات ذات صلة

البرهان: لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

شمال افريقيا البرهان (أ.ف.ب)

البرهان: لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

قال رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان اليوم (السبت)، إنه لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني في مدينة أم درمان (أرشيفية - رويترز)

الجيش السوداني يسترد منطقة استراتيجية في أم درمان

أعلن الجيش السوداني، يوم السبت، استرداد واحد من أكبر معاقل «قوات الدعم السريع» الرئيسية في غرب مدينة أم درمان، وهي منطقة «سوق ليبيا».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا محادثات وزير الخارجية المصري ونظيره السوداني في القاهرة (الخارجية المصرية)

محادثات مصرية - سودانية تتناول المستجدات الميدانية في الخرطوم

جددت مصر «التأكيد على دعمها للمؤسسات الوطنية السودانية في استعادة الاستقرار والسلام».

أحمد إمبابي (القاهرة )
الخليج ولي العهد السعودي مستقبِلاً رئيس مجلس السيادة السوداني بقصر الصفا في مكة المكرمة الجمعة (واس)

محمد بن سلمان والبرهان يستعرضان مستجدات أوضاع السودان

استعرض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق الأول ركن عبد الفتاح البرهان، مستجدات أوضاع السودان والجهود المبذولة تجاهها.

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة)
شمال افريقيا نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مينيون هيوستن (الشرق الأوسط) play-circle 00:42

مسؤولة أميركية لـ«الشرق الأوسط»: أولويتنا في السودان وقف القتال

أكدت الإدارة الأميركية أنها لا تزال منخرطة جداً في السودان، ولن تتخذ طرفاً في النزاع الدائر حالياً في البلاد، وتدعم الشعب السوداني وطموحاته نحو حكومة مدنية.

رنا أبتر (واشنطن)

مصر: هل تم استيفاء الاستحقاق الدستوري بشأن الإنفاق على الصحة والتعليم؟

مواطنون مصريون في وسط العاصمة القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مواطنون مصريون في وسط العاصمة القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT
20

مصر: هل تم استيفاء الاستحقاق الدستوري بشأن الإنفاق على الصحة والتعليم؟

مواطنون مصريون في وسط العاصمة القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مواطنون مصريون في وسط العاصمة القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

أثار إعلان وزارة المالية المصرية عن زيادة مخصصات قطاعي «التعليم والصحة»، تساؤلات حول مدى استيفاء الحكومة المصرية لنصوص دستور البلاد بشأن زيادة الإنفاق على القطاعين.

وبينما تحدث وزير المالية المصري، أحمد كجوك، عن «استيفاء نسب الاستحقاق الدستوري للصحة والتعليم لتعزيز الاستثمار في التنمية البشرية»، أشار برلمانيون إلى أن «زيادة الإنفاق السنوي على القطاعين، يواجه تحديات تتعلق بارتفاع نسب الزيادة السكانية، وتراكم مشكلات التطوير في قطاعي الصحة والتعليم».

ويقضي الدستور المصري، المعمول به منذ عام 2014، في المواد «18، 19، 21» بإلزام الحكومة بإنفاق ما لا يقل عن 3 في المائة لقطاع الصحة، و4 في المائة للتعليم قبل الجامعي، و2 في المائة للتعليم الجامعي والبحث العلمي، من الناتج القومي الإجمالي.

وبحسب وزير المالية المصري، الأحد، فإن «زيادة الإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم، في موازنة العام المالي الجديد (2025 - 2026) بهدف تحسين الخدمات المقدمة فيها»، مضيفاً أن «الزيادة الجديدة تستوفي نسب الاستحقاق الدستوري للصحة والتعليم».

وبلغت نسبة الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة في موازنة العام المالي الحالي (2024 - 2025) نحو 496 مليار جنيه، ووصلت إلى 565 مليار جنيه على التعليم قبل الجامعي، ونحو 293 مليار جنيه للتعليم العالي والجامعي، و140.1 مليار جنيه للبحث العلمي، وفق «المالية المصرية».

جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (وزارة الشؤون النيابية والقانونية)
جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (وزارة الشؤون النيابية والقانونية)

ووافق مجلس الوزراء المصري، على مشروع الموازنة الجديدة، قبل إرساله إلى مجلس النواب (البرلمان)، لإقراره، متضمناً إيرادات تُقدر بنحو 3.1 تريليون جنيه بمعدل نمو سنوي 19 في المائة، ومصروفات تُقدر بنحو 4.6 تريليون جنيه بزيادة 18 في المائة، حسب «المالية المصرية».

ولم توضح «المالية» النسب الجديدة للإنفاق على التعليم والصحة، لكن تحدث بيان الوزارة، الأحد، عن ارتفاع في بعض مخصصات الصحة، وتشمل «زيادة نسب الإنفاق على الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الخام وصيانة الأجهزة الطبية والأدوية العلاجية والألبان إلى 53.2 مليار جنيه»، و«تخصيص 15.1 مليار جنيه للعلاج على نفقة الدولة، و5.9 مليار جنيه للتأمين الصحي على الطلاب والمرأة المعيلة والأطفال والتأمين الصحي الشامل».

الوزير كجوك، قال الأحد، إن مشروع موازنة العام المالي الجديد، يشمل «مبادرات أكثر استهدافاً وتأثيراً في حياة المواطنين، تساهم في رفع مستوى معيشتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية»، وعدّ «قطاعات الصحة والتعليم، تتصدر اهتمامات وأولويات ومستهدفات برنامج عمل حكومة بلاده، بوصفها الركيزة الرئيسية للتنمية الشاملة والمستدامة».

وزارة المالية تؤكد زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم في موازنة العام المالي الجديد (تصوير: عبد الفتاح فرج)
وزارة المالية تؤكد زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم في موازنة العام المالي الجديد (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ووفق وكيل «لجنة الخطة والموازنة» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، ياسر عمر، فإنه «على مدار أكثر من 10 سنوات، تلتزم الحكومة المصرية، باستيفاء الاستحقاق الدستوري للإنفاق على الصحة والتعليم»، وأشار إلى أن «(المالية المصرية) تحرص على إرفاق جداول إنفاق بكل مخصصات التعليم والصحة، بمشروع الموازنة السنوي، منعاً لتشكيك البعض أو إثارة اللغط حول الإنفاق على القطاعين».

وتواجه الزيادة في الإنفاق على الصحة والتعليم تحديات عديدة، بحسب عمر، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «زيادة الإنفاق السنوي على الصحة والتعليم، قد لا يلبي حجم الطموح الشعبي، لكنه ساهم في تغيير منظومة الخدمات بالقطاعين خلال السنوات الأخيرة». ونوّه إلى بعض المشروعات الجديدة فيها مثل «التأمين الصحي الشامل، والتوسع في إقامة المدارس الفنية والتطبيقية والجامعات الأهلية».

وتسعى الحكومة المصرية لتطوير منظومة خدماتها الصحي بتنفيذ مشروع «التأمين الصحي الشامل» وفق مراحل، وقامت بتنفيذه في 6 محافظات كمرحلة أولى، وهي «بورسعيد والسويس والإسماعيلية والأقصر وأسوان وجنوب سيناء».

طلاب داخل إحدى المدارس المصرية (وزارة التعليم المصرية)
طلاب داخل إحدى المدارس المصرية (وزارة التعليم المصرية)

ورغم شكاوى المصريين خلال السنوات الماضية من الإهمال في قطاعي التعليم والصحة، فإن وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب، أيمن أبو العلا، يعتقد أن «حجم الإنفاق السنوي على التعليم والصحة، مرهون بقدرات الاقتصاد المصري وتحدياته»، وأشار إلى أن «ما يخصص سنوياً، يتم تحديده وفقاً لإيرادات الدولة»، وقال إنه «لا يمكن المطالبة بمضاعفة الإنفاق عليها بالاقتراض من الخارج».

ويرى أبو العلا أن «الإنفاق على التعليم والصحة زاد بنحو 10 سنوات، خلال العقد الماضي»، مشيراً إلى أن هذه الزيادة «تواجه تحدي الزيادة السكانية، التي تقدر بأكثر من 2 في المائة سنوياً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «زيادة الطلب على خدمات الصحة والتعليم، تفرض منحها أولوية في حجم الإنفاق الحكومي السنوي».

وبحسب وكيل «لجنة حقوق الإنسان»: «لا تعد الإشكالية في نسب الإنفاق على قطاعي التعليم والصحة»، لكن في «كيفية تطبيق هذه المخصصات المالية وفق الأولويات».