الجزائر تحيي «عيد النصر» وسط استمرار تصاعد التوترات مع فرنسا

إرهاصات الاستعمار حالت دون بناء علاقات طبيعية بين البلدين

وفد الحكومة الفرنسية في مفاوضات استقلال الجزائر (صحف فرنسية)
وفد الحكومة الفرنسية في مفاوضات استقلال الجزائر (صحف فرنسية)
TT
20

الجزائر تحيي «عيد النصر» وسط استمرار تصاعد التوترات مع فرنسا

وفد الحكومة الفرنسية في مفاوضات استقلال الجزائر (صحف فرنسية)
وفد الحكومة الفرنسية في مفاوضات استقلال الجزائر (صحف فرنسية)

تحتفل الجزائر، الأربعاء، بمرور 63 سنة على بدء تنفيذ «اتفاقيات إيفيان» (منطقة في فرنسا قرب الحدود السويسرية)، التي أنهت 132 عاماً من الاحتلال، في وقت تمر فيه العلاقات مع مستعمر الأمس بامتحان غاية في التعقيد، أثبت صعوبة بالغة في تجاوز آلام الماضي، وكان سبباً في فشل محاولات بناء روابط طبيعية طوال الستين سنة الماضية.

وفد الحكومة المؤقتة الجزائري قبيل انطلاق مفاوضات وقف إطلاق النار (صحف جزائرية)
وفد الحكومة المؤقتة الجزائري قبيل انطلاق مفاوضات وقف إطلاق النار (صحف جزائرية)

جرت مراسيم التوقيع في 18 مارس (آذار) 1962 بين ممثلين عن الحكومة المؤقتة الجزائرية والحكومة الفرنسية، وأُعلن عن وقف إطلاق النار في اليوم التالي (19 مارس) الذي يُسمى في التداول الرسمي في الجزائر «عيد النصر». جاء الاتفاق بعد حرب ضروس بين «جيش التحرير الوطني» والجيش الاستعماري، دامت أكثر من 7 سنوات (1954-1962)، أسفرت عن مليون ونصف مليون شهيد جزائري، وآلاف القتلى بين المدنيين والعسكريين من الجانب الفرنسي. كما خلفت الحرب جرحاً عميقاً اتضح مع الوقت استحالة التئامه، ما يثبت خطورة التوترات الحالية بين البلدين.

من لقاء سابق بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

تتضمن أبرز بنود الاتفاقات، إضافة إلى وقف إطلاق النار، تنظيم المرحلة الانتقالية لنقل السيادة من فرنسا إلى الجزائر، وتحديد العلاقات المستقبلية بين البلدين. ومن أهم النقاط أيضاً أنها وضعت شروطاً لنقل السلطة إلى الحكومة الجزائرية بعد الاستقلال، كما تناولت إجراء استفتاء شعبي في الجزائر لتأكيد استقلالها الكامل، الذي تم تنظيمه في 1 يوليو (تموز) 1962، وأُعلنت نتائجه في الخامس من الشهر نفسه، حيث اختار الجزائريون بنسبة تفوق 99 في المائة الانفصال عن فرنسا»، في مقابل خيار البقاء جزءاً منها.

الوفد الجزائري وهو يستعد لبدء مفاوضات وقف إطلاق النار (صحافة جزائرية)
الوفد الجزائري وهو يستعد لبدء مفاوضات وقف إطلاق النار (صحافة جزائرية)

ومن النقاط المهمة في الاتفاقات أيضاً «حرية التنقل بين الجزائر وفرنسا»، وهو البند الذي أصبح اليوم إحدى أبرز حلقات الأزمة بين البلدين، ويعد من أكثر الأزمات خطورة في علاقاتهما، التي لم تكن قط عادية.

اندلع التوتر بين فرنسا والجزائر بشكل أكثر حدة بعد احتجاج الجزائر على انحياز فرنسا للطرح المغربي لحل مشكلة الصحراء في الصيف الماضي، وتبع ذلك مشكلات ثنائية أخرى، كانت تنتظر شرارة لتنفجر منها على وجه الخصوص الهجرة الاعتيادية، في إطار ما يعرف بـ«اتفاق 1968»، الذي يطالب بعض الفرنسيين بمراجعته على أساس أنه «تفضيلي للجزائريين مقارنة ببقية الجنسيات الأخرى»، والهجرة غير النظامية، حيث تطالب فرنسا الجزائر بتسليم رعاياها الموجودين فوق أراضيها بشكل غير قانوني. كما امتدت المشكلات إلى «اتفاق 2007»، الذي يعفي فئة من «المحظوظين» من الوجهاء والمسؤولين من طلب تأشيرة الدخول إلى فرنسا، والعكس صحيح بالنسبة للجانب المقابل.

وزير المجاهدين الجزائري في احتفالات عيد النصر (وزارة المجاهدين)
وزير المجاهدين الجزائري في احتفالات عيد النصر (وزارة المجاهدين)

وقد خلا خطاب مكتوب للرئيس عبد المجيد تبون بالمناسبة من أي إشارة إلى هذه الأزمة، وركز على «الإنجازات» في قطاعات الاقتصاد، التي انعكست إيجاباً، حسب قوله، على المعيشة.

وأكد تبون في خطابه، الذي نشرته الرئاسة، الثلاثاء، أن السياسة التي ينتهجها «مستقطبة للاستثمارات والثروة»، مشيداً بـ«البنى التحتية الداعمة لحركية التنمية»، و«بما تحقق للشباب من إنجازات ونجاحات، من خلال التجارب الرائدة في مجال الاستثمار، ضمن استراتيجية قائمة على تثمين المقدرات الوطنية، وتسخيرها للتنمية المستدامة وللترقية الاجتماعية المستمرة، لضمان عيش كريم لجميع المواطنين». كما أكد أن الدولة «تواصل حشد الطاقات لتأمين المصالح الوطنية العليا للبلاد، وتقوية الجبهة الداخلية بوعي وطني هو مدعاة لفخر الجزائريين».

وبحسب الرئيس، فقد «ورث الجزائريون مجداً حافظوا عليه، وهم اليوم يبنون بلدهم بنفس الروح والعزيمة وبذات المبادئ والقيم، لا يساومون بها ولا يتاجرون على حسابه، تحركهم إرادة البناء والإعمار وإرساء أسس الدولة الحديثة». كما تحدث عن «إرادة سياسية مستشرفة (يتم اتباعها من طرفه)، يقظة تجاه تعقيدات الأوضاع في المنطقة وتداعياتها المحتملة، وساهرة في الظروف الراهنة على مواكبة التحولات، التي تشهدها العلاقات الدولية، بما تقتضيه مكانة الجزائر ودورها وثقلها الجيوستراتيجي، وينسجم مع مثل ومبادئ ثورة التحرير العظيمة».



عشرات القتلى والجرحى في غارات على سوق بدارفور... والجيش ينفي مسؤوليته

مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
TT
20

عشرات القتلى والجرحى في غارات على سوق بدارفور... والجيش ينفي مسؤوليته

مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور

أفادت مصادر حقوقية ومنظمات إغاثة، الثلاثاء بأن غارات جوية تم القاء المسؤولية عنها على عاتق الجيش السوداني، استهدفت سوقاً محلياً في ولاية شمال دارفور (غرب السودان)، أدت إلى مقتل وجرح العشرات، واندلاع حريق هائل في المكان.

واتهمت مجموعة «محامو الطوارئ» التي توثق الانتهاكات في الحرب السودانية، الثلاثاء، الجيش بتنفيذ القصف، وعدته الأكثر حصداً للضحايا منذ بدء النزاع قبل سنتين. وقالت مجموعة المحامين المتطوعين المؤيدة للديمقراطية، في بيان، إن القصف «طال منطقة مكتظة بالمدنيين»، مشيرة إلى استهدافه سوقاً في بلدة «طرّة» الصغيرة في شمال إقليم دارفور، وأن عدد القتلى بالمئات من المدنيين وإصابة العشرات بجروح خطيرة. ووصف البيان القصف بأنه عشوائي و«يشكّل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني ويعدّ جريمة حرب ممنهجة». لكن المتحدث باسم التنسيقية العامة لشؤون النازحين في دارفور أدم رحال، (وهي جماعة محلية تساعد النازحين في دارفور)، قال لوكالة أسوشيتد برس، إن الغارة التي وقعت الإثنين في قرية «طرّة» شمال الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أدت إلى اندلاع حريق هائل ومقتل 54 شخصاً على الأقل. وبحسب قائمة الضحايا التي عرضها رجال، المتحدث باسم التنسيقية العامة، كان أكثر من نصف القتلى من النساء.

ونفى العميد نبيل عبد الله، متحدث باسم الجيش السوداني، استهداف المدنيين. وقال لوكالة أسوشيتد برس إن هذه الادعاءات «غير صحيحة، ويتم إطلاقها كلما مارست قواتنا حقها الدستوري والقانوني في التعامل مع الأهداف المعادية».

بدورها قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان على منصة «تلغرام»، إن الطيران الحربي للجيش السوداني «ارتكب مجزرة جديدة بقصف سوق «طرة» بولاية شمال دارفور، أدى إلى مقتل المئات بينهم نساء وأطفال في مشاهد «مروعة». وأشارت إلى أن الهجوم يُعدّ الأحدث في سلسلة هجمات شنها الجيش على مناطق واسعة في إقليم دارفور منذ اندلاع الحرب قبل عامين. وأضافت أن «الطيران نفّذ غارات جوية قضت بالكامل على سوق المنطقة، وطال القصف عدداً من المنازل القريبة، وأحدث دماراً شاملاً، ويجري العمل على حصر الخسائر المادية».

وتتحدث «قوات الدعم السريع» عن أن الحصيلة الأولية لضحايا القصف الجوي تجاوزت 400 قتيل ومئات الجرحى. وذكر البيان أنه تم دفن عدد من الجثامين وأشلاء القتلى في مقابر جماعية، ولا تزال عمليات البحث جارية عن عشرات المفقودين. واستنكرت «قوات الدعم السريع»، صمت المجتمع الدولي إزاء الجرائم الوحشية والمجازر المتصاعدة التي تُرتكب بحق الأبرياء.

وقال متحدث باسم «محامو الطوارئ»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن المجموعة لم تتمكن بعد من تأكيد عدد محدّد للقتلى «بسبب العدد الكبير من الجثث المتفحمة التي يجري حصرها». ولم يتم التحقّق من عدد القتلى بشكل مستقل بسبب انقطاع الاتصالات في دارفور.

مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور

وتظهر صور تمّ تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي آثار دمار ناتج عن القصف، وفق ناشريها، مع جثث متفحمة وأخرى مقطوعة الأطراف الأرجل والأيدي وأرض محروقة، بينما يتصاعد الدخان من أكوام الحطام. ووفق شهود عيان فإن الكثير من ضحايا الغارة الجوية من القتلى يصعب التعرف على هوياتهم بسبب التفحم الكامل للجثث».

بدوره قال المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال، إن «الطيران العسكري للجيش السوداني قصف عمداً سوق قرية طرة، مما أسفر عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى، وهي جريمة ضد الإنسانية وانتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية». وأضاف في تدوينة على صفحته بمنصة «فيسبوك»: «من المؤسف للغاية أن يبرر البعض قتل الأبرياء بحجة وجود أحد أطراف النزاع في مناطقهم». وقال إن «الانتهاكات ضد المدنيين وقتل الأبرياء أمر مُدان بغض النظر عن مرتكبه، سواء إن كان الجيش السوداني أو القوة المشتركة للحركات المسلحة أو (قوات الدعم السريع) وميليشياتها».

وأفادت مصادر محلية بأن الكثير من القتلى والجرحى من قرى متفرقة يتوافدون دورياً على سوق بلدة «طرة» للتبضع وشراء احتياجاتهم. وبحسب منظمة مبادرة دارفور للعدالة والسلام فإن سوق البلدة الصغيرة تعرَّض لسلسة من الضربات الجوية، أسفرت عن وقوع المئات ما بين قتيل وجريح، وهي حسب التقديرات الأولية الأعلى في قصف واحد منذ بدء الحرب. وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال «محامو الطوارئ» إن قصفاً للجيش على سوق في شمال دارفور قتل أكثر من 100 شخص. وأكدت الأمم المتحدة «مقتل 80 على الأقل».

مقاتل موالٍ للجيش يُسيّر دوريات في سوق مدمر بالخرطوم 24 مارس 2025 (أ.ف.ب)
مقاتل موالٍ للجيش يُسيّر دوريات في سوق مدمر بالخرطوم 24 مارس 2025 (أ.ف.ب)

أما في وسط السودان، فأوقع هجوم لـ«قوات الدعم السريع»، استمر 3 أيام على قرى مدنية، مئات القتلى. وقال الجيش السوداني إن عدد القتلى وصل إلى 433، بينما أكد بيان لـ«محامو الطوارئ» وقوع أكثر من مائتي قتيل. ودرجت «قوات الدعم السريع» على اتهام الجيش السوداني باستخدام البراميل المتفجرة في الهجمات الجوية التي ظل يشنها على المدنيين العزّل في مدن وبلدات إقليم دارفور.

وفيما تقترب الحرب للدخول في عامها الثالث، قدرت بعض الإحصاءات أن عدد القتلى من المدنيين تجاوز 60 ألف قتيل. لكن المبعوث الأميركي السابق للسودان توم بيريلو، قال في مايو (أيار) الماضي إن عدد القتلى قد يكون وصل إلى 150 ألفاً. وأُعلنت المجاعة في 3 من مخيمات اللجوء في دارفور، بينما تتوقع الأمم المتحدة امتدادها إلى 5 مناطق أخرى، وذكر برنامج الغذاء العالمي أن نحو 30 مليون سوداني في حاجة الآن إلى مساعدات.

معركة دارفور

ويشهد إقليم دارفور - الذي يوازي مساحة فرنسا - منذ بداية الحرب، انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. واستخدمت في النزاع البراميل المتفجرة التي تُلقى من الجو على أحياء سكنية، بينما تشهد مخيمات لاجئين تعاني من المجاعة هجمات وتطهيراً عرقياً، وفق تقارير لمدافعين عن حقوق الإنسان. ويحتفظ الجيش السوداني بالتفوّق الجوي في سماء دارفور لامتلاكه طائرات حربية، بينما تستخدم «قوات الدعم السريع» المُسيّرات. وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم المدن الرئيسية في إقليم دارفور ذي المساحة الشاسعة، باستثناء مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور الشمالي، التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني. وتحاصر «قوات الدعم السريع» مدينة الفاشر منذ 10 أشهر وتقوم بهجمات متكررة على مخيمات النزوح المجاورة لها. ويتوقع محللون تحدثوا حسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن تكثف «قوات الدعم السريع» محاولات السيطرة على كامل إقليم دارفور بعد هزيمتها في العاصمة الخرطوم.

وأعلن الجيش السوداني، الجمعة، سيطرته على القصر الجمهوري بوسط العاصمة، بعد أن كان تحت سيطرة «الدعم السريع» منذ بداية الحرب. واستعاد الجيش السوداني كذلك منشآت حيوية أخرى منها المصرف المركزي ومبنى المخابرات الوطنية والمتحف القومي. ومنذ بداية الحرب، يُتهم الطرفان باستهداف المدنيين من خلال قصف عشوائي على الأحياء المدنية. وتُتهم «قوات الدعم السريع» تحديداً بالتطهير العرقي والعنف الجنسي الممنهج والنهب.