عشرات القتلى والجرحى في غارات على سوق بدارفور... والجيش ينفي مسؤوليته

مصادر حقوقية قالت إن عشرات الجثث المتفحمة تم دفنها في مقابر جماعية

مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
TT
20

عشرات القتلى والجرحى في غارات على سوق بدارفور... والجيش ينفي مسؤوليته

مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور

أفادت مصادر حقوقية ومنظمات إغاثة، الثلاثاء بأن غارات جوية تم القاء المسؤولية عنها على عاتق الجيش السوداني، استهدفت سوقاً محلياً في ولاية شمال دارفور (غرب السودان)، أدت إلى مقتل وجرح العشرات، واندلاع حريق هائل في المكان.

واتهمت مجموعة «محامو الطوارئ» التي توثق الانتهاكات في الحرب السودانية، الثلاثاء، الجيش بتنفيذ القصف، وعدته الأكثر حصداً للضحايا منذ بدء النزاع قبل سنتين. وقالت مجموعة المحامين المتطوعين المؤيدة للديمقراطية، في بيان، إن القصف «طال منطقة مكتظة بالمدنيين»، مشيرة إلى استهدافه سوقاً في بلدة «طرّة» الصغيرة في شمال إقليم دارفور، وأن عدد القتلى بالمئات من المدنيين وإصابة العشرات بجروح خطيرة. ووصف البيان القصف بأنه عشوائي و«يشكّل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني ويعدّ جريمة حرب ممنهجة». لكن المتحدث باسم التنسيقية العامة لشؤون النازحين في دارفور أدم رحال، (وهي جماعة محلية تساعد النازحين في دارفور)، قال لوكالة أسوشيتد برس، إن الغارة التي وقعت الإثنين في قرية «طرّة» شمال الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أدت إلى اندلاع حريق هائل ومقتل 54 شخصاً على الأقل. وبحسب قائمة الضحايا التي عرضها رجال، المتحدث باسم التنسيقية العامة، كان أكثر من نصف القتلى من النساء.

ونفى العميد نبيل عبد الله، متحدث باسم الجيش السوداني، استهداف المدنيين. وقال لوكالة أسوشيتد برس إن هذه الادعاءات «غير صحيحة، ويتم إطلاقها كلما مارست قواتنا حقها الدستوري والقانوني في التعامل مع الأهداف المعادية».

بدورها قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان على منصة «تلغرام»، إن الطيران الحربي للجيش السوداني «ارتكب مجزرة جديدة بقصف سوق «طرة» بولاية شمال دارفور، أدى إلى مقتل المئات بينهم نساء وأطفال في مشاهد «مروعة». وأشارت إلى أن الهجوم يُعدّ الأحدث في سلسلة هجمات شنها الجيش على مناطق واسعة في إقليم دارفور منذ اندلاع الحرب قبل عامين. وأضافت أن «الطيران نفّذ غارات جوية قضت بالكامل على سوق المنطقة، وطال القصف عدداً من المنازل القريبة، وأحدث دماراً شاملاً، ويجري العمل على حصر الخسائر المادية».

وتتحدث «قوات الدعم السريع» عن أن الحصيلة الأولية لضحايا القصف الجوي تجاوزت 400 قتيل ومئات الجرحى. وذكر البيان أنه تم دفن عدد من الجثامين وأشلاء القتلى في مقابر جماعية، ولا تزال عمليات البحث جارية عن عشرات المفقودين. واستنكرت «قوات الدعم السريع»، صمت المجتمع الدولي إزاء الجرائم الوحشية والمجازر المتصاعدة التي تُرتكب بحق الأبرياء.

وقال متحدث باسم «محامو الطوارئ»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن المجموعة لم تتمكن بعد من تأكيد عدد محدّد للقتلى «بسبب العدد الكبير من الجثث المتفحمة التي يجري حصرها». ولم يتم التحقّق من عدد القتلى بشكل مستقل بسبب انقطاع الاتصالات في دارفور.

مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور
مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لمكان القصف في سوق بلدة «طرة» بشمال دارفور

وتظهر صور تمّ تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي آثار دمار ناتج عن القصف، وفق ناشريها، مع جثث متفحمة وأخرى مقطوعة الأطراف الأرجل والأيدي وأرض محروقة، بينما يتصاعد الدخان من أكوام الحطام. ووفق شهود عيان فإن الكثير من ضحايا الغارة الجوية من القتلى يصعب التعرف على هوياتهم بسبب التفحم الكامل للجثث».

بدوره قال المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال، إن «الطيران العسكري للجيش السوداني قصف عمداً سوق قرية طرة، مما أسفر عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى، وهي جريمة ضد الإنسانية وانتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية». وأضاف في تدوينة على صفحته بمنصة «فيسبوك»: «من المؤسف للغاية أن يبرر البعض قتل الأبرياء بحجة وجود أحد أطراف النزاع في مناطقهم». وقال إن «الانتهاكات ضد المدنيين وقتل الأبرياء أمر مُدان بغض النظر عن مرتكبه، سواء إن كان الجيش السوداني أو القوة المشتركة للحركات المسلحة أو (قوات الدعم السريع) وميليشياتها».

وأفادت مصادر محلية بأن الكثير من القتلى والجرحى من قرى متفرقة يتوافدون دورياً على سوق بلدة «طرة» للتبضع وشراء احتياجاتهم. وبحسب منظمة مبادرة دارفور للعدالة والسلام فإن سوق البلدة الصغيرة تعرَّض لسلسة من الضربات الجوية، أسفرت عن وقوع المئات ما بين قتيل وجريح، وهي حسب التقديرات الأولية الأعلى في قصف واحد منذ بدء الحرب. وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال «محامو الطوارئ» إن قصفاً للجيش على سوق في شمال دارفور قتل أكثر من 100 شخص. وأكدت الأمم المتحدة «مقتل 80 على الأقل».

مقاتل موالٍ للجيش يُسيّر دوريات في سوق مدمر بالخرطوم 24 مارس 2025 (أ.ف.ب)
مقاتل موالٍ للجيش يُسيّر دوريات في سوق مدمر بالخرطوم 24 مارس 2025 (أ.ف.ب)

أما في وسط السودان، فأوقع هجوم لـ«قوات الدعم السريع»، استمر 3 أيام على قرى مدنية، مئات القتلى. وقال الجيش السوداني إن عدد القتلى وصل إلى 433، بينما أكد بيان لـ«محامو الطوارئ» وقوع أكثر من مائتي قتيل. ودرجت «قوات الدعم السريع» على اتهام الجيش السوداني باستخدام البراميل المتفجرة في الهجمات الجوية التي ظل يشنها على المدنيين العزّل في مدن وبلدات إقليم دارفور.

وفيما تقترب الحرب للدخول في عامها الثالث، قدرت بعض الإحصاءات أن عدد القتلى من المدنيين تجاوز 60 ألف قتيل. لكن المبعوث الأميركي السابق للسودان توم بيريلو، قال في مايو (أيار) الماضي إن عدد القتلى قد يكون وصل إلى 150 ألفاً. وأُعلنت المجاعة في 3 من مخيمات اللجوء في دارفور، بينما تتوقع الأمم المتحدة امتدادها إلى 5 مناطق أخرى، وذكر برنامج الغذاء العالمي أن نحو 30 مليون سوداني في حاجة الآن إلى مساعدات.

معركة دارفور

ويشهد إقليم دارفور - الذي يوازي مساحة فرنسا - منذ بداية الحرب، انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. واستخدمت في النزاع البراميل المتفجرة التي تُلقى من الجو على أحياء سكنية، بينما تشهد مخيمات لاجئين تعاني من المجاعة هجمات وتطهيراً عرقياً، وفق تقارير لمدافعين عن حقوق الإنسان. ويحتفظ الجيش السوداني بالتفوّق الجوي في سماء دارفور لامتلاكه طائرات حربية، بينما تستخدم «قوات الدعم السريع» المُسيّرات. وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم المدن الرئيسية في إقليم دارفور ذي المساحة الشاسعة، باستثناء مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور الشمالي، التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني. وتحاصر «قوات الدعم السريع» مدينة الفاشر منذ 10 أشهر وتقوم بهجمات متكررة على مخيمات النزوح المجاورة لها. ويتوقع محللون تحدثوا حسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن تكثف «قوات الدعم السريع» محاولات السيطرة على كامل إقليم دارفور بعد هزيمتها في العاصمة الخرطوم.

وأعلن الجيش السوداني، الجمعة، سيطرته على القصر الجمهوري بوسط العاصمة، بعد أن كان تحت سيطرة «الدعم السريع» منذ بداية الحرب. واستعاد الجيش السوداني كذلك منشآت حيوية أخرى منها المصرف المركزي ومبنى المخابرات الوطنية والمتحف القومي. ومنذ بداية الحرب، يُتهم الطرفان باستهداف المدنيين من خلال قصف عشوائي على الأحياء المدنية. وتُتهم «قوات الدعم السريع» تحديداً بالتطهير العرقي والعنف الجنسي الممنهج والنهب.


مقالات ذات صلة

البرهان من داخل القصر الرئاسي: الخرطوم حرة

شمال افريقيا الفريق البرهان خلال جولة بالقصر الجمهوري أمس بعد اعلانه عودة العاصمة في عهدة الجيش (مجلس السيادة/إكس)

البرهان من داخل القصر الرئاسي: الخرطوم حرة

باتت العاصمة السودانية الخرطوم في عهدة الجيش، بعد نحو عامين من سيطرة قوات «الدعم السريع». وأعلن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، أمس (الأربعاء)، من داخل.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان خلال طوافه في أرجاء القصر الجمهوري (موقع مجلس السيادة السوداني/إكس) play-circle 00:38

البرهان من القصر الرئاسي: الخرطوم حرة

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الأربعاء، من داخل القصر الجمهوري أن «الخرطوم تحررت من قبضة (قوات الدعم السريع)، وأن الأمر انتهى».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عناصر تابعة للجيش السوداني يُسيِّرون دوريات في سوق بالخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب) play-circle 00:37

الجيش السوداني يعلن سيطرته على مطار الخرطوم

أعلنت القوات المسلحة السودانية اليوم (الأربعاء) سيطرتها على عدد من المواقع في شرق ولاية الخرطوم، بينما أفادت صحيفة «السوداني» باستعادته السيطرة على مطار الخرطوم

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

«مئات» القتلى في قصف على سوق في دارفور... واتهامات للجيش

اتهم «محامو الطوارئ»، الذين يوثقون الانتهاكات في الحرب السودانية، الجيش بقتل «مئات المدنيين» في قصف على سوق بمدينة طرة في شمال إقليم دارفور في غرب السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش السوداني (وكالة السودان للأنباء)

بوادر أزمة بين السودان ودولتين جارتين

ردَّت تشاد وجنوب السودان على تصريحات عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا، التي هدَّد فيها تشاد باستهداف مطاراتها، وجنوب السودان بالعدوان العسكري.


المعارضة: توقيف نائب رئيس جنوب السودان يعني أن اتفاق السلام بات «ملغى»

رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)
رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)
TT
20

المعارضة: توقيف نائب رئيس جنوب السودان يعني أن اتفاق السلام بات «ملغى»

رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)
رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)

اعتبرت المعارضة، في جنوب السودان، اليوم (الخميس)، أن توقيف النائب الأول لرئيس البلاد رياك مشار مساء الأربعاء على أيدي قوات موالية للرئيس سلفا كير يعني أن اتفاق السلام المبرم عام 2018 الذي أنهى حرباً أهلية بين المعسكرين بات «ملغى».

وقال حزب مشار في بيان إن عملية توقيفه «تشكل خرقاً للوعد وعدم احترام اتفاق وانعدام الإرادة السياسية لإحلال السلام والاستقرار في البلاد»، مضيفاً أنه بهذا الاعتقال: «بات اتفاق السلام» لعام 2018 «ملغى».

رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان خلال مؤتمر صحافي في جوبا عام 2020 (رويترز)
رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان خلال مؤتمر صحافي في جوبا عام 2020 (رويترز)

وكانت الحركة الشعبية المعارضة في جنوب السودان قد أعلنت، أمس، أن زعيمها رياك مشار جرى اعتقاله من قبل الحكومة، في الوقت الذي دعت فيه الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى الالتزام باتفاق السلام الموقَّع عام 2018. الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد.

سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان (رويترز)
سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان (رويترز)

وحذرت الأمم المتحدة يوم الاثنين من أن البلاد على حافة حرب أهلية جديدة، بعد اندلاع اشتباكات شمال البلاد بين جماعة مسلحة موالية لمشار والقوات الحكومية. وقال المتحدث باسم المعارضة بال ماي دينق، في فيديو بثه لوسائل الإعلام مساء الأربعاء، إن مشار «محتجز من قبل الحكومة» وإن حياته «في خطر».

أطفال يجلسون ويلعبون على بقايا دبابة بمدينة الرنك جنوب السودان 17 مايو 2023 (أ.ب)
أطفال يجلسون ويلعبون على بقايا دبابة بمدينة الرنك جنوب السودان 17 مايو 2023 (أ.ب)

من جانبه، أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان نيكولاس هايسوم أنه، في أعقاب التقارير عن احتجاز مشار، يجب على جميع الأطراف «التحلي بضبط النفس والالتزام باتفاق السلام المعزز». وكانت الحرب الأهلية في جنوب السودان، التي استمرت خمس سنوات وأسفرت عن مقتل 400 ألف شخص، انتهت بتوقيع اتفاق السلام لعام 2018، الذي جمع بين الرئيس سلفا كير ومشار في حكومة وحدة وطنية.

لكن التوترات بين حزبي كير ومشار تصاعدت مؤخراً، وبلغت ذروتها في فبراير (شباط) عندما قامت مجموعة «الجيش الأبيض» المسلحة، الموالية لمشار، بالسيطرة على قاعدة عسكرية في ولاية أعالي النيل وهاجمت مروحية تابعة للأمم المتحدة.

أفراد من جيش جنوب السودان (موقع الجيش)
أفراد من جيش جنوب السودان (موقع الجيش)

وردَّت الحكومة بشن غارات جوية، محذرة أي مدني في المنطقة التي تتمركز فيها المجموعة العسكرية بالإخلاء أو «مواجهة العواقب». لقي أكثر من 12 شخصاً حتفهم منذ بدء الغارات الجوية في منتصف مارس (آذار)، وحذرت الأمم المتحدة من تجدد الحرب الأهلية في حال لم يضع القادة مصالح البلاد أولاً.