«مقترح» قاعدة أميركية بـ«أرض الصومال» يعيد الجدل حول الإقليم الانفصالي

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
TT
20

«مقترح» قاعدة أميركية بـ«أرض الصومال» يعيد الجدل حول الإقليم الانفصالي

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

جدل جديد يحيط «أرض الصومال» للعام الثاني على التوالي، عقب تجديد مقترح إنشاء قاعدة عسكرية أميركية حول مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية الرئيسية، بعد رفض مقديشو والقاهرة توجهاً إثيوبياً لإقامة قاعدة مماثلة بذلك الإقليم الانفصالي منذ مطلع 2024.

وبحسب خبراء في الشؤون الأفريقية تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن ما يثار عن دراسة واشنطن لإقامة قاعدة عسكرية ليست المرة الأولى؛ لكن هو إعادة لجدل سابق أثارته إثيوبيا وإسرائيل وأميركا من قبل أيضاً.

وتوقع الخبراء أن يكون ذلك جزءاً من استراتيجية واشنطن لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في القرن الأفريقي، حيث «تمتلك بكين قاعدة عسكرية في جيبوتي» مقابل رفض صومالي وعربي، ومصري بشكل خاص.

وعلى مدار سنوات، كان ميناء بربرة الاستراتيجي محل صراع نفوذ إقليمي ودولي في إقليم القرن الأفريقي، ووقَّعت إثيوبيا مطلع 2024، مع أرض الصومال مذكرة تفاهم تسمح لأديس أبابا غير الساحلية باستئجار 20 كيلومتراً حول الميناء تتيح لها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر لمدة 50 سنة لأغراضها البحرية والتجارية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال، وسط رفض صومالي، وبدء مفاوضات برعاية تركية مع مقديشو لبحث حل خلال 4 أشهر بناءً على اتفاق وقعه البلدان في أواخر العام الماضي.

ولاقت تسريبات إعلامية أميركية بشأن محادثات لواشنطن مع «أرض الصومال» حول القاعدة العسكرية والاعتراف، صدى في إعلام صومالي، الأحد، تحت عنوان «الولايات المتحدة تدرس الاعتراف بأرض الصومال مقابل قاعدة عسكرية».

وكانت صحيفة «فاينانشيال تايمز» الأميركية، نقلت عن مسؤول أميركي كبير، لم تذكر اسمه، أن «إدارة ترمب بدأت مفاوضات مع قيادة أرض الصومال بشأن الاعتراف الرسمي. ومع ذلك، لا تزال المحادثات حساسة للغاية، حيث لم يُعيّن الرئيس دونالد ترمب بعد مسؤولين رئيسيين يُشرفون على الشؤون الأفريقية».

وتتمحور «المناقشات المُعلنة حول اهتمام واشنطن بتأمين وجود عسكري طويل الأمد في بربرة، وهو ميناء عميق المياه على خليج عدن أصبح محوراً للتنافس الجيوسياسي في القرن الأفريقي»، بحسب الموقع الإخباري «الصومال الجديد»، لافتاً إلى أن قلق الولايات المتحدة يتزايد بشأن النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة، لا سيما بعد أن حصلت بكين على قاعدة عسكرية في جيبوتي المجاورة.

منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)
منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)

وسبق أن حذر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، قبل نحو شهر، من أن بعض المقربين من ترمب يسعون لدفعه للاعتراف رسمياً بـ«أرض الصومال»، مؤكداً أن «هذا قد يشكل تهديداً لتغيير حدود القارة الأفريقية».

والإقليم الانفصالي يملك ساحلاً بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، ويحتل موقعاً استراتيجياً عند نقطة التقاء المحيط الهندي بالبحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي، ولا يحظى باعتراف دولي منذ انفصاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية عام 1991.

ويرى نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، السفير صلاح حليمة، أن «الكلام المثار مجدداً عن (أرض الصومال) ومحاولات إنشاء قاعدة عسكرية مقابل الاعتراف، سبق أن جاء من جانب إثيوبيا وإسرائيل وأميركا، وجميع ذلك غير مؤكد؛ لكنها خطوة أميركية غير مستبعدة، وربما تكون (بالون اختبار) في ظل نشطاء اللوبي الإسرائيلي بواشنطن في تمرير هذا الاتجاه».

ويُعتقد أن تلك القاعدة لن تكون محل ترحيب من مقديشو والدول العربية لا سيما المشاطئة للبحر الأحمر، وستعد مساساً بوحدة الأراضي الصومالية، وتدخلاً في شؤونها الداخلية، خصوصاً الإقليم الانفصالي عن مقديشو، ولا توجد أية صفة قانونية لمثل هذه الاتفاقات.

وبحسب المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «تلك المحادثات خطوة تُعد جزءاً من استراتيجية واشنطن لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في القرن الأفريقي، حيث تمتلك الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي»، متوقعاً أن «تعارض الحكومة الصومالية بشدة هذا الاعتراف المحتمل»، محذراً من أن «مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الحدود الإقليمية».

وأميركا لها تواصل مع «أرض الصومال»، وسبق أن كلفت إدارة جو بايدن وفداً رفيعاً بزيارة «أرض الصومال» في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لتهنئة رئيسها الجديد عبد الرحمن عرو، وأشادت «الخارجية الأميركية» بالانتخابات في «أرض الصومال»، وأبدت تطلُّعها للعمل مع الرئيس المنتخب.

وفي ديسمبر الماضي، قدَّم النائب الأميركي، سكوت بيري، مشروع قانون جديد إلى الكونغرس، يدعو إلى الاعتراف بـ«أرض الصومال» بوصفها دولة مستقلة؛ لأسباب منها أهميتها الاستراتيجية في القرن الأفريقي، وموقعها بالقرب من خليج عدن والطرق البحرية الحيوية، ويُنتظر عرضه وسط أغلبية تابعة لترمب.

ووفق بري، فإن وزير الدفاع البريطاني الأسبق، جافين ويليامسون، أجرى أيضاً محادثات مع فريق ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حول الاعتراف بـ«أرض الصومال»، ويُعتقد أن إدارة ترمب قد تستكمل هذه المفاوضات بمجرد اكتمال فريقها المَعْنِيّ بأفريقيا، لافتاً إلى أنه مع ذلك، تبقى القضية معقدة بسبب المصالح الجيوسياسية والتوازنات الإقليمية.

ولا يعوّل حليمة على ما يقوله ترمب مستقبلاً بشأن الاعتراف، حال جرت مناقشته بجدية، مشيراً إلى أن توجهات الرئيس الأميركي، كما رأينا مع طلبه ضم كندا وقراراته الجمركية، أصبحت تحمل ردود فعل مناهضة كبيرة، وسيتم التحسب لعدم التوسع في مثل هذه التوجهات مستقبلاً، على أن يكون الأقرب للموقف هو الحياد في العلاقات لا تصل للاعتراف قريباً.


مقالات ذات صلة

مصر تُعمّق حضورها الأفريقي بتعزيز التعاون مع كينيا

شمال افريقيا مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (الشرق الأوسط)

مصر تُعمّق حضورها الأفريقي بتعزيز التعاون مع كينيا

ضمن مساعٍ مصرية لتعميق الحضور في القارة الأفريقية، تعزز مصر تعاونها مع كينيا عبر مشروعات في الطاقة والزراعة والصحة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال افتتاح شركة «سكاي وين» للصناعات الجوية (وكالة الأنباء الإثيوبية)

أول مصنع إثيوبي للمسيّرات... «رسائل ردع» بمنطقة القرن الأفريقي المأزومة

إعلان إثيوبيا افتتاح شركة لتصنيع الطائرات من دون طيار للاستخدام المدني والعسكري، جاء وسط أتون صراع أهلي متكرر، وخلافات مع جيران بمنطقة القرن الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

تجدد القتال في «إقليم سول» يُجدد نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عمليات عسكرية للجيش الصومالي بإقليم شبيلي الوسطى ضمن ولاية هيرشبيلي الإقليمية (وكالة الأنباء الصومالية)

مقديشو تستعين بأديس أبابا لشن غارات على معاقل «الشباب»

أكد سفير الصومال لدى أديس أبابا، عبد الله محمد ورفا، لـ«الشرق الأوسط»، أن بلاده عازمة على دحر الإرهاب بالتنسيق مع كل الدول الصديقة ومنها إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا استقبال الرئيس الكونغولي لوزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

مصر والكونغو تؤكدان أهمية الحفاظ على استقرار السودان والصومال

أكدت مصر والكونغو ضرورة «الحفاظ على استقرار السودان والصومال والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية بهما».

أحمد إمبابي (القاهرة )

تونس تسحب اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان

الرئيس التونسي قيس سعيد (موقع الرئاسة)
الرئيس التونسي قيس سعيد (موقع الرئاسة)
TT
20

تونس تسحب اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان

الرئيس التونسي قيس سعيد (موقع الرئاسة)
الرئيس التونسي قيس سعيد (موقع الرئاسة)

أعلنت تونس سحب اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان، في خطوةٍ ندّدت بها مجموعات حقوقية، بوصفها تراجعاً في الحريات في الدولة الواقعة بشمال أفريقيا. ووفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد جاء في إعلانٍ تداوله نشطاء، منذ الخميس، أن الحكومة التونسية «تعلن سحب اعترافها باختصاص المحكمة (الأفريقية لحقوق الإنسان)... في قبول العرائض الصادرة عن الأفراد والمنظمات غير الحكومية».

ولم يحدد الإعلان أي سبب لانسحاب الحكومة من المحكمة، التي يوجد مقرها في مدينة أروشا التنزانية، والمكلَّفة بتطبيق ميثاق الاتحاد الأفريقي لحقوق الإنسان. ولم تردَّ وزارة الخارجية التونسية على طلب «وكالة الصحافة الفرنسية» للتعليق.

ومنحت تونس مواطنيها والمنظمات غير الحكومية حق تقديم التماسات إلى المحكمة عام 2017، بعد أن برزت كديمقراطية وحيدة بعد الانتفاضات التي عُرفت باسم «الربيع العربي» عام 2011. وانتُخب قيس سعيّد رئيساً للبلاد عام 2019، لكنه أقدم، عام 2021، على احتكار السلطات، وعبّرت منظمات حقوق الإنسان منذ ذلك الحين عن مخاوف بشأن تراجع في الحريات. في حين يقبع حالياً عشرات من أبرز معارضيه في السجن، ويُحاكَم بعضهم في محاكمة جماعية جارية بتهمة «التآمر ضد أمن الدولة».

وندّدت منظمات حقوقية بالقضية بوصفها ذات دوافع سياسية. وفي مايو (أيار) 2013، رفع أقارب أربع من شخصيات المعارضة الموقوفين، ومن بينهم زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، دعوى قضائية أمام المحكمة الأفريقية للمطالبة بالإفراج عنهم. وفي أغسطس (آب) أصدرت المحكمة حكماً ضد السلطات التونسية، وحثّتها على الكف عن منع الموقوفين من الاتصال بمحاميهم وأطبائهم.

واستنكرت «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» سحب تونس اعترافها باختصاص المحكمة، معتبرة ذلك خطوة «اتسمت بالطابع السري والمباغت». ورأت في القرار «انتكاسة خطيرة لالتزامات تونس الإقليمية والدولية، ومحاولة للانسحاب من آلية قضائية مستقلة من شأنها الحد من الإفلات من العقاب، وضمان سُبل الإنصاف للضحايا». وأكدت «اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس» أن الانسحاب «يُلغي التزاماً تاريخياً» تجاه المحكمة، ويُمثل «تنصلاً مُخجلاً» من تعهدات تونس بحماية حقوق الإنسان. وأضافت اللجنة غير الحكومية أن هذا القرار «يَحرم المواطنين التونسيين ومنظمات حقوق الإنسان من إمكانية رفع دعاوى مباشرة أمام المحكمة الأفريقية للطعن في انتهاكات الدولة».