توعَّد رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، مسؤوليه أخيراً باتخاذ «إجراءات صارمة» تجاههم، قد تصل إلى حد «المساءلة القانونية» حال إدلائهم بتصريحات «غير مدروسة»، وهو الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لتساؤل الليبيين حول مدى التوافق داخل الحكومة، وعلاقة الدبيبة بوزرائه.
ورغم أن تهديدات الدبيبة جاءت على خلفية انتقادات وجَّهها إلى وزير التعليم العالي في حكومته، عمران القيب، بشأن الحرائق الغامضة التي اندلعت في منطقة الأصابعة (غرب)، فإن مراقبين يؤكدون أنها ليست المرة الأولى التي يوجه فيها الدبيبة انتقادات حادة إلى وزرائه. وذكَّروا في هذا السياق بهجومه اللاذع على وزير البيئة خلال أحد اجتماعات حكومته، التي كانت منقولة على الهواء، وأيضاً بموقفه من وزير النفط والغاز، محمد عون، وتجاهله لتنفيذ أحكام قضائية قضت بعودته لمنصبه.
وخلال زيارته لمنطقة الأصابعة (جنوب طرابلس)، أرجع الوزير القيب الحرائق التي التهمت نيرانها أكثر من مائة منزل هناك إلى «الهزات الأرضية الأخيرة في منطقة قريبة منها، مما تسبب في تشققات في الأرض تنبعث منها غازات قابلة للاشتعال».
إلا أن الدبيبة سارع ليصف تصريحات الوزير بأنها «متسرعة وغير مستندة إلى تحقيقات نهائية»، خصوصاً بعد إعلان أهالي الأصابعة استياءهم منها.
غير أن وزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق، سلامة الغويل، أكد أن انتقادات الدبيبة للقيب «لا تستهدف معاقبته، بقدر ما تستهدف احتواء الغضب والاستياء الشعبي بمنطقة الأصابعة». ورأى الغويل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة «ينفرد بالقرار في مجلس الوزراء منذ بداية توليه السلطة؛ ويقلص هامش التعبير لأعضاء حكومته».
خلافات عادية
تشير أصوات سياسية إلى عمق علاقة الدبيبة بكلٍّ من وزيري الدولة للاتصال والشؤون السياسية، وليد اللافي، والداخلية عماد الطرابلسي، وأيضاً بالقيب وبمستشاره إبراهيم الدبيبة، وبعض قادة الأجهزة الأمنية والمجموعات المسلحة المتمركزة في العاصمة طرابلس.
يعتقد الغويل، الوزير السابق في حكومة «الوحدة»، أن خلافات الدبيبة مع بعض وزرائه «عادية ومن الخطأ التعويل عليها على أنها دليل على وجود انقسام»، ويرى أنها «تنحصر في مخالفة أحدهم لرؤيته، أو لما يصدره وفريقه الحكومي ومستشاروه من قرارات وتصريحات».
من جهته، يؤكد وزير النفط والغاز، محمد عون، (المٌبعد عن منصبه)، أنه لا يزال منذ عام تقريباً مبعداً عن ممارسة مسؤولياته ومهامه، رغم صدور ثلاثة أحكام قضائية لصالحه، آخرها من المحكمة العليا نهاية العام الماضي، وكلها تؤكد أحقيته في العودة لمنصبه .
وقال عون لـ«الشرق الأوسط» إن خلافه مع الدبيبة «ليس شخصياً على الإطلاق، بل ينحصر في الشق المهني، وتحديداً مخالفة القرارات الأخيرة للقوانين والتشريعات النافذة، بما في ذلك رفض تنفيذ الأحكام القضائية بعودته لمنصبه».
وأوضح عون أن الدبيبة يملك، بصفته رئيس الحكومة، الحق القانوني في توجيه أي انتقادات إلى الوزراء وإلى أدائهم إذا خالفوا القوانين، وقال بهذا الخصوص: «لم توجَّه إليّ أي انتقادات طيلة فترة عملي خلال اجتماعات مجلس الوزراء بحكم التزامي بالقوانين».
ووفق تقديره، كان هو المستهدف من «المذكرة الرسمية التي أصدرها الدبيبة قبل عامين، التي نصَّت على منع الوزراء من التصريح إلى وسائل الإعلام، إلا بإذن منه»، مذكِّراً برفضه هذه المذكرة، والرد عليها بشكلي تفصيلي مدعم بالقوانين.
غياب الكفاءة
في المقابل، يرى عضو مجلس النواب الليبي، عمار الأبلق، أن «عملية اختيار الوزراء في أغلب الحكومات الليبية التي تولت إدارة البلاد، لم تخضع لمعايير الكفاءة، بل للمحاصصة السياسية والجهوية، ولذا كان من الطبيعي أن يظهر الكثير من الإخفاقات، سواء في أدائهم أو تصريحاتهم».
ويرى الأبلق أن محاولة الدبيبة التخفيف من تصريحات وزير التعليم العالي، التي لم تستند إلى تقارير نهائية، أدت إلى تصور وجود حالة من الارتباك والتخبط في عمل حكومته؛ وهو ما جرى تسليط الضوء عليه بدرجة كبيرة من الموالين للحكومة المنافسة له، في ظل تحول أي قضية أو حادثة تشهدها البلاد إلى مادة للمزايدة بينهم».
وكثيراً ما يشير بعض الأصوات المحسوبة على حكومة الدبيبة إلى أن القرار في المنطقة الشرقية «ليس لحكومة أسامة حماد وأعضائها، وإنما لقيادة الجيش الوطني، الذي تتركز قواته في مناطق نفوذها».
ويؤكد الأبلق أن رئيس الحكومة «يتحمل جزءاً من مسؤولية إخفاق أعضاء حكومته، وعدم تطوير أدائهم ربما بسبب عدم إشراكهم بدرجة كافية في اتخاذ القرارات المهمة».
وانتهى البرلماني إلى أن الشارع الليبي ورغم اهتمامه بمتابعة المشادات بين الدبيبة وزرائه، فإن هدف المواطنين الرئيسي يبقى إجراء الانتخابات لتجديد كل الأجسام والمؤسسات الراهنة، سواء تشريعية أو تنفيذية.