وزير الخارجية السوداني يبدأ زيارة رسمية لطهران بعد روسيا

هل تعود إيران بقوة إلى السودان؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة سابقة لقاعدة فلامنغو البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة سابقة لقاعدة فلامنغو البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)
TT
20

وزير الخارجية السوداني يبدأ زيارة رسمية لطهران بعد روسيا

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة سابقة لقاعدة فلامنغو البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة سابقة لقاعدة فلامنغو البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)

بدأ وزير الخارجية السوداني علي يوسف، الأحد، زيارة رسمية لإيران، بعد أيام قليلة من زيارته روسيا، والاتفاق على منحها قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر، فيما تذهب قراءات عدد من المحللين السياسيين والعسكريين إلى أن هذه التحركات تثير مخاوف أميركا ودول غربية وعربية، من سعي إيران المتزايد إلى إيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر، وتعزيز نفوذها العسكري في المنطقة بعد أن فقدت أذرعها القوية في سوريا ولبنان إثر تداعيات الحرب في غزة.

وقال سفير السودان لدى إيران، عبد العزيز حسن صالح، لوكالة أنباء السودان الرسمية (سونا)، إن وزير الخارجية سيلتقي، خلال الزيارة، نظيره عباس عراقجي وعدداً من المسؤولين في الحكومة الإيرانية، «لإطلاعهم على التطورات في السودان، وتعزيز العلاقات بين البلدين وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية».

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ف.ب)

واتفق السودان وإيران في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد 8 سنوات من القطيعة، وقد سعى إلى ذلك الجيش السوداني لكسب حلفاء في حربه مع «قوات الدعم السريع».

وفي وقت سابق، اتهمت دول غربية إيران بدعم الجيش السوداني عسكرياً بأسلحة نوعية أسهمت في تحقيق أول انتصار عسكري في الحرب، باستعادة مدينة أم درمان، ثانية كبرى مدن العاصمة السودانية الخرطوم.

وأثار هذا التقارب كثيراً من التساؤلات بشأن توجهات الجيش السوداني إلى استئناف العلاقات مع إيران بهذه العجالة، مما قد يُحول الصراع في السودان إلى مسرح لصراع إقليمي ودولي يقف ضد أي نفوذ روسي وإيراني، يزيد من تعقيدات الأزمة في السودان ومنطقة الشرق الأوسط.

كان السودان قد رفض في مارس ( آذار) 2024 طلباً بإنشاء قاعدة بحرية لطهران على ساحل البحر الأحمر، على الرغم من تزويدها الجيش السوداني بطائرات مسيّرة متفجرة لاستخدامها في قتاله ضد «الدعم السريع».

مرفأ بورتسودان على البحر الأحمر (سونا)
مرفأ بورتسودان على البحر الأحمر (سونا)

وفي حين لم يصدر أي تعليق رسمي من الإدارة الأميركية الجديدة بخصوص إعلان السودان التوصل إلى «اتفاق كامل» مع روسيا بشأن القاعدة البحرية في البحر الأحمر، لكن الدبلوماسي الأميركي السابق، كاميرون هدسون، توقع في مقابلة مع «الشرق الأوسط» نُشرت السبت، أن تكون ردة الرئيس دونالد ترمب قوية إن تأكدت صحة هذا الاتفاق.

وذكر أن أميركا «بقدر اهتمامها بالسودان فهي أيضاً تهتم بدرجة أكبر بأمن البحر الأحمر، وأن تظل روسيا وإيران بعيدتين عن المنطقة، وحماية حركة الملاحة فيها».

وأوضح مصدر عليم أن تحركات السلطة في بورتسودان «رسالة إلى الغرب ودول في المنطقة، بأنها قادرة على التحرك في كل المحاور بما يحقق مصالحها».

وفسّر المصدر، الذي طلب حجب اسمه، زيارة وزير الخارجية السوداني علي يوسف، طهران بعد أيام قليلة من زيارته موسكو، والاتفاق على منحها قاعدة عسكرية في بورتسودان، «بأن هذا نهج موروث من الإسلاميين منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير، الذي كان عندما تسوء علاقاته مع الغرب، يلجأ إلى محور روسيا وإيران لدعمه».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى استقباله وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف في موسكو الأربعاء الماضي (أ.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى استقباله وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف في موسكو الأربعاء الماضي (أ.ب)

وقال لــ«الشرق الأوسط» إن «الزيارة قد تحمل أيضاً مطالب سودانية بمواصلة الدعم العسكري، باعتبار أن الحرب في البلاد لم تنتهِ بعد لصالح الجيش السوداني، وربما تطول لمدى زمني غير محدد».

ورأى بشأن إمكانية منح إيران منفذاً بحرياً على ساحل البحر الأحمر، أن «قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، يعلم أنه يقود مرحلة أشبه بالفترة الانتقالية في البلاد، لا يملك فيها حق التقرير في غياب حكومة تنفيذية فاعلة وبرلمان يمثل الشعب السوداني، لكن هذا قد لا يحد من اتخاذه أي قرار بحجة أن البلاد في حالة حرب».

وعدَّ هذه التحركات «من قبيل المناورة والضغط على الغرب في آن واحد، وذلك لإصراره طيلة عامين من الحرب، على وضع الجيش السوداني و(قوات الدعم السريع) في كفة واحدة، وعدم الاعتراف بشرعيته في تمثيل السودان».

لكنَّ المصدر نبَّه إلى «أن توجه السلطة القائمة في بورتسودان بقيادة الجيش إلى المحور الإيراني، قد يُخرجها تماماً من الاتفاقيات الإبراهيمية التي تسعى إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى المواصلة في توسيعها في المنطقة العربية خلال فترة ولايته الحالية».

عناصر من الجيش السوداني في أم درمان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش السوداني في أم درمان (أرشيفية - رويترز)

بدوره رأى المستشار في «الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية»، اللواء معتصم عبد القادر، في الزيارتين إلى موسكو وطهران، تحولاً استراتيجياً للجيش السوداني من المعسكر الغربي، الذي لطالما بذل كل جهده لعدم قطع الصلة به.

وقال لــ«الشرق الأوسط» إن هذا الموقف «جاء نتيجة لما تراه الحكومة السودانية من تبني أميركا وبريطانيا ودول غربية أخرى مواقف عدائية ضدها، لذلك كان عليها الاتجاه إلى محور روسيا وإيران، وإلى حدٍّ ما قطر».

ومن المعروف أن إيران باعت للجيش السوداني طائرات مُسيرة من طراز «مهاجر»، وهو ما خلق التوازن العسكري على الأرض مع « قوات الدعم السريع».

وقال عبد القادر: «ربما يوجد تفاهم مسبق بين السودان ومصر وإلى حد ما إريتريا، على وجود القاعدة الروسية اللوجيستية، لكنَّ دولاً مؤثرة في المنطقة تعارض بشدة أي وجود روسي في المياه الدافئة».

الحرب شرَّدت ملايين السودانيين بين نزوحٍ داخلياً ولجوءٍ في الخارج (أ.ف.ب)
الحرب شرَّدت ملايين السودانيين بين نزوحٍ داخلياً ولجوءٍ في الخارج (أ.ف.ب)

وعدَّ هذا التوجه أنه ثمن ابتعاد الغرب وعدائه للسودان، وهو ما دفع القيادة السودانية إلى اللجوء إلى هذه المحاور المناوئة للسياسات الغربية في المنطقة. وأكد أن أي وجود إيراني في البحر الأحمر، مع ارتباطاته بحلفائه الحوثيين في اليمن، وبقية جيوبه في سوريا، «يشكل مصدر خطورة كبيرة على المصالح الغربية في المنطقة».

وقال المحلل السياسي، الجميل الفاضل، «إن قادة الجيش السوداني يئسوا من كسب مواقف الغرب لصالحهم، ويرغبون جدياً في التوجه إلى روسيا وإيران لممارسة أكبر ضغط على أميركا ودول أوروبا لفتح قنوات رسمية معها، أو المضي في هذه التحالفات إلى النهاية».

وتوقع «المضي في التقارب أكثر مع هذه المحاور، خصوصاً أنهم يحتاجون إلى السلاح والتكنولوجيا العسكرية لحسم الحرب مع (الدعم السريع)، ولن يتوفر لهم هذا الدعم إلا من روسيا وإيران».

وأشار إلى «أن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بعد العقوبات الأميركية الأخيرة عليه، وجد نفسه مجبراً على التقارب أكثر مع روسيا وإيران، مدفوعاً من حلفائه الإسلاميين الذين تربطهم علاقات وثيقة وقديمة مع إيران».

قائد القوات البحرية بالجيش الإيراني الأدميرال شهرام إيراني يستقبل عراقجي في جزيرة كيش جنوب البلاد (الخارجية الإيرانية)
قائد القوات البحرية بالجيش الإيراني الأدميرال شهرام إيراني يستقبل عراقجي في جزيرة كيش جنوب البلاد (الخارجية الإيرانية)

لكنَّ المحلل السياسي، الجميل الفاضل، رأى في تقارب سلطة الجيش في بورتسودان مع روسيا وإيران، «ما يمكن أن يعده بعض الدول الغربية تحدياً لها، مما قد يدفعها لتوفير أشكال الدعم المباشر أو غير المباشر لـ(قوات الدعم السريع) وحلفائها الذين ينوون تشكيل حكومة موازية خلال الأيام المقبلة، في مواجهة ما كان يطلق عليه سابقاً (محور الشر) الذي تمثله إيران».

وحسب السفير السوداني، من المقرر أن يبحث الجانبان الموضوعات ذات الاهتمام المشترك ثنائياً وعالمياً، وسيوقِّع الوزيران على مذكرة تفاهم لإنشاء لجنة للتشاور السياسي بين البلدين والتنسيق والتفاهم في مختلف الموضوعات عبر آليات العمل الدبلوماسي والسياسي.


مقالات ذات صلة

الانفراجة بين الجزائر وفرنسا تضع «قانون تجريم الاستعمار» على المحك

شمال افريقيا رئيس البرلمان يلقي كلمة بمناسبة تأسيس لجنة قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

الانفراجة بين الجزائر وفرنسا تضع «قانون تجريم الاستعمار» على المحك

المبادرة أخذت شكل «مقترح قانون» وليس «مشروع قانون». الأول يأتي من برلمانيين، والثاني تصدره الحكومة التي تحاشت أن تبادر به هي، تفادياً لمزيد من التصعيد مع فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا دوريات أمنية ليبية على الحدود مع تونس (إدارة إنفاذ القانون التابعة لحكومة الوحدة)

سلطات طرابلس تطلق 18 تونسياً اعتُقلوا بتهمة «التهريب»

بلغ عدد الموقوفين التونسيين في ليبيا 51 شخصاً، وتوقيفهم جاء في إطار المعاملة بالمثل من قِبل السلطات الليبية، ردّاً على احتجاز السلطات التونسية 6 ليبيين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
آسيا صورة نُشرت يوم 22 مارس 2025 لجانب من لقاء المبعوث الباكستاني الخاص إلى أفغانستان السفير صادق خان (يسار) ووزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي (ذا نيوز)

إسلام آباد وكابل تسعيان إلى تهدئة العلاقات المتوترة

تعهدت باكستان وأفغانستان مجدداً بترفيع وتعزيز التشارك الدبلوماسي، والاستفادة معاً من إمكاناتهما الكاملة من أجل المنفعة المتبادلة لشعبي البلدين.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
خاص وزير الخارجية الياباني مستقبلاً نظيره السعودي الأمير فيصل الفرحان لدى زيارة الأخير إلى طوكيو أخيراً (الشرق الأوسط)

خاص وزير الخارجية الياباني لـ«الشرق الأوسط»: الوضع الإنساني في غزة كارثي

شدد تاكيشي إيوايا، وزير الخارجية الياباني، على ضرورة الحرص على تنفيذ الاتفاق ببنوده كافة، والانتقال إلى المرحلة الثانية، لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الخليج الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في الإمارات خلال اللقاء (وام)

الرئيس الأميركي ترمب يجري محادثات مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي

بحث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في الإمارات، آفاق الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي - واشنطن)

حميدتي يقر بـ«مغادرة» قواته الخرطوم ويقول إن الحرب مع الجيش السوداني لم تنته بعد

مبانٍ مُدمّرة في حيّ «جنوبي» بالخرطوم (أ.ف.ب)
مبانٍ مُدمّرة في حيّ «جنوبي» بالخرطوم (أ.ف.ب)
TT
20

حميدتي يقر بـ«مغادرة» قواته الخرطوم ويقول إن الحرب مع الجيش السوداني لم تنته بعد

مبانٍ مُدمّرة في حيّ «جنوبي» بالخرطوم (أ.ف.ب)
مبانٍ مُدمّرة في حيّ «جنوبي» بالخرطوم (أ.ف.ب)

قال قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اليوم الأحد، إن الحرب مع الجيش السوداني لم تنته بعد، وإن قواته ستعود إلى العاصمة الخرطوم رغم طردها من معظم أنحائها.

جاء ذلك في أول تصريح له منذ طرد «قوات الدعم السريع» من معظم أنحاء الخرطوم على يد الجيش السوداني، في أحدث تطور بالحرب المدمرة المستمرة منذ نحو عامين. وأقر دقلو، المعروف أيضاً باسم «حميدتي»، في رسالة صوتية عبر «تلغرام» بأن قواته غادرت الخرطوم الأسبوع الماضي، مع تعزيز الجيش مكاسبه في العاصمة. وقال دقلو: «صحيح في الأيام السابقة حصل انسحاب لتموضع القوات في أم درمان، وده (هذا) تقدير القيادة أو إدارة العمليات. وده (هذا) قرار جماعي». وأضاف: «نؤكد لكم أننا صحيح طلعنا (خرجنا) من الخرطوم، ولكن بإذن الله نعود للخرطوم ونحن أشد منعة وأشد قوة وأشد انتصاراً». وتابع: «نحن نقول إن الحرب ما انتهت. الحرب لسة (ما زالت) في بدايتها».

جاءت تعليقات «حميدتي» في الوقت الذي يواصل فيه الجيش تعزيز مواقعه؛ إذ سيطر أمس السبت على سوق رئيسية في أم درمان كانت تستخدمها «قوات الدعم السريع» لشن هجمات.

ويسيطر الجيش بالفعل على معظم أم درمان التي تضم قاعدتين عسكريتين كبيرتين، ويبدو أنه عازم على تأمين كامل منطقة العاصمة، التي تتألف من مدن: الخرطوم وأم درمان وبحري. ولا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على بعض الأراضي في أم درمان. واستبعد، أمس، قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أي مصالحة مع «قوات الدعم السريع» وتعهد بسحقها.

واندلعت الحرب نتيجة صراع على السلطة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» قبل انتقال كان مقرراً إلى الحكم المدني.

وأعلن المتحدث باسم الجيش السوداني، نبيل علي، (السبت)، أن القوات المسلحة نجحت في بسط سيطرتها على منطقة سوق ليبيا في أم درمان، وطردت «قوات الدعم السريع» منها.

ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023، بعد خلافات بشأن خطط لدمج «الدعم السريع» في القوات المسلحة.

وأدت الأعمال القتالية إلى تدمير أنحاء شاسعة من الخرطوم، ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني، وجعلت نحو نصف سكان البلاد، البالغ عددهم 50 مليون نسمة، يعانون الجوع الحاد. ومن الصعب تقدير العدد الإجمالي للقتلى، لكن دراسة نشرت العام الماضي قالت إن عدد القتلى ربما وصل إلى 61 ألفاً في ولاية الخرطوم وحدها خلال أول 14 شهراً من الصراع.