تطرح مشاركة رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، على رأس وفد بلاده في اجتماعات قمة الاتحاد الأفريقي بإثيوبيا، تساؤلات حول مدى تأثير تلك المشاركة على «حلحلة الخلاف القائم بين القاهرة وأديس أبابا» بشأن قضية «سد النهضة» الإثيوبي.
ورغم حرص القاهرة على مستوى المشاركة الرفيعة في «القمة» بأديس أبابا، فإن خبراء يرون أن «زيارة مدبولي لإثيوبيا لن تؤثر كثيراً في الوضع الراهن لأزمة (السد)، كونها غير مدرجة ضمن جدول أعمال اجتماعات القادة الأفارقة»، وأشاروا في الوقت نفسه إلى أن «ملف الأمن المائي المصري سيكون ضمن محادثات مدبولي الثنائية».
ويواجه مشروع «سد النهضة»، الذي أقامته إثيوبيا على رافد نهر النيل الرئيسي، اعتراضات من دولتي المصب مصر والسودان، وخاضت الدول الثلاث جولات متعددة للتفاوض على مدى نحو 13 عاماً دون الوصول لاتفاق حول قواعد «تشغيل السد».
وتُحمّل القاهرة الجانب الإثيوبي مسؤولية فشل مسار المفاوضات، وقالت في خطاب من «الخارجية المصرية» لمجلس الأمن الدولي، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس سياسة الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للوصول إلى حل».
ويترأس مدبولي وفد القاهرة في «القمة»، التي ستعقد يومي السبت والأحد في أديس أبابا، بمشاركة رؤساء دول وحكومات الدول الأفريقية، حسب «مجلس الوزراء المصري».
وتتصدر أجندة اجتماعات القمة الأفريقية انتخاب المناصب القيادية لمفوضية الاتحاد الأفريقي، إلى جانب ملف السلم والأمن ودور «الاتحاد» في حل النزاعات والصراعات بالقارة، والتكامل الاقتصادي، وآليات تفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية.

وسبق انعقاد «القمة»، اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي (يضم وزراء الخارجية)، الأربعاء والخميس الماضيين، بهدف التحضير للاجتماعات «القمة»، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اجتماع «المجلس»، إن «التحديات التي تواجه القارة الأفريقية، والتي تشمل قضايا السلم والأمن وندرة المياه، وتغير المناخ، والهجرة، تستدعي تعزيز التضامن والعمل المشتركة لمواجهتها».
ولا يتوقع الأمين العام المساعد الأسبق لـ«منظمة الوحدة الأفريقية»، السفير أحمد حجاج، حراكاً في ملف «سد النهضة» خلال زيارة مدبولي لإثيوبيا، وقال إن «الهدف الرئيسي أمام رئيس الوزراء المصري المشاركة في اجتماعات القمة الأفريقية، وقضية (السد) غير مدرجة على جدول أعمال اجتماعات القادة الأفارقة».
ولا يعني عدم إدراج ملف «سد النهضة» ضمن جدول أعمال القمة الأفريقية، عدم تأكيد القاهرة مجدداً على حقوقها المائية، وفق حجاج، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تتمسك بموقفها من ملف (السد) ولن تتنازل عن مسألة وجود اتفاق قانوني يضم عمليتي التشغيل والإدارة»، وقال إن «مصر تحرص على طرح قضية أمنها المائي على المستوى الخارجي باستمرار، وكان آخرها، في المحادثات التي جمعت وزير الخارجية المصري، ونظيره الأميركي، ماركو روبيو، في واشنطن».
وكان عبد العاطي قد أكد خلال لقاء روبيو، الاثنين الماضي، «موقف بلاده الثابت بضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم لتشغيل السد الإثيوبي، دون الافتئات على حقوق دولتي المصب»، وفق «الخارجية المصرية».
وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، «اكتمال بناء مشروع السد»، وقال في أغسطس (آب) الماضي، إن «إجمالي المياه في بحيرة السد سيصل إلى 70 مليار متر مكعب، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وتناوُل القاهرة لقضية أمنها المائي في القمة الأفريقية لن يكون في إطار «تقديم شكوى ضد الممارسات الإثيوبية»، بحسب مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، مشيرة إلى أن «مصر تحرص على تناول قضية (السد) في الإطار الثنائي مع الدول الأفريقية، وليس على صعيد العمل الجماعي الأفريقي».
وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحضور المصري في اجتماعات المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأفريقي، دائماً ما يؤكد ثوابت رؤيتها المائية، المتعلقة بضرورة احترام القانون الدولي، والتنمية المشتركة مع دول حوض النيل».

وشدد وزير الخارجية المصري على «تمسك بلاده بحقوقها المائية، بوصفها قضية مصيرية»، مؤكداً خلال محادثات مع مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، أنيت فيبر، في برلين، الجمعة، «ضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي في إدارة الموارد المائية، بشكل عادل ومنصف، وبما يضمن حقوق جميع الأطراف».
وباعتقاد عمر، فإن «هناك قضايا أكثر حيوية لمصر، تناقشها القمة الأفريقية هذا العام، على رأسها تجديد الموقف الأفريقي الداعم للقضية الفلسطينية، والمساند للموقف العربي تجاه ما يحدث في غزة، ورفض دعوات التهجير»، إلى جانب «تطورات الحرب السودانية، ودعم الموقف المصري الداعم لاستعادة نشاط السودان مرة أخرى بالاتحاد الأفريقي»، إلى جانب «الأوضاع في ليبيا والقرن الأفريقي والبحر الأحمر».
لكن خبير الشؤون الأفريقية المصري، رامي زهدي، يرى أن «منصة القمة الأفريقية فرصة أمام الوفد المصري لطرح تطورات قضية السد الإثيوبي، من منطلق مناقشة اجتماعات القادة الأفارقة، قضايا السلم والأمن، وجزء منها قضايا الأمن المائي»، غير أنه أشار إلى أن «تناول قضية (السد) سيكون في إطار عام، دون الانخراط المباشر في مشاورات بين القاهرة وأديس أبابا».
ويعتقد زهدي أن «ملف الأمن المائي سيكون حاضراً في المحادثات الثنائية لرئيس الوزراء المصري مع الوفود الأفريقية، للتأكيد على شواغل بلاده في هذا الملف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تحديات الندرة المائية والتغيرات المناخية من القضايا التي يعاني منها كثير من الدول الأفريقية، وتحرص القاهرة على طرحها في اجتماعات الاتحاد الأفريقي».
وتنظر القاهرة لأمنها المائي بوصفه «قضية وجودية»، إذ تعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات «الري المصرية».