رصد تقرير أممي الوضع الليبي الراهن من زوايا مختلفة؛ سياسية وحقوقية وأمنية واقتصادية (...)، وكشف عن تصاعد نفوذ صدّام، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، متحدثاً عن انتهاكات حقوقية وعمليات للاتجار بالبشر، كما أشار إلى أموال مجمدة في مالطا للمعتصم، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي.
وسارع فتحي باشاغا، رئيس حكومة شرق ليبيا السابق، بالتفاعل مع التقرير الأممي، وقال، اليوم الثلاثاء، إنه سبق أن حذر من أن «مؤسسات الدولة لم تعد سوى غنائم يتقاسمها لصوص متنفذون، ومجموعات مسلحة تمارس العنف والترهيب لفرض سطوتها، وتتمادى في انتهاك حقوق الإنسان بأبشع الصور».
وسلّط تقرير لفريق الخبراء، الذي كشف عنه أمس، الضوء على نشاط صدام حفتر في ليبيا، وقال إن تعيينه من قبل والده رئيساً لـ«أركان القوات البرية» كان بمثابة خطوة مهمة في تعزيز سيطرته على قوات «الجيش الوطني»، وكذلك بعض مهام الحوكمة الرئيسية في شرق ليبيا، بما في ذلك العلاقات الخارجية، مشيراً إلى الجولة التي قام بها صدام، الذي يحمل رتبة فريق ركن، لمقابلة مجموعة مختارة من رؤساء الدول في المنطقة الإقليمية، ومؤكداً أنه «أصبحت لديه القدرة بلا منازع على تنفيذ الترتيبات الأمنية في جنوب ليبيا المتفق عليها على المستوى الإقليمي»، بصفته قائداً للقوات البرية.
وقال الفريق الأممي إن ارتباط صدام بالحكومة في نيامي أدى إلى إعادة هيكلة عمليات القوات المسلحة العربية في مثلث السلفادور، كما جرى تعزيز وجودها في منطقة براك الشاطئ، وغات والقطرون، وسبها وأوباري في جنوب غربي ليبيا، برتل كبير من الآليات المدرعة في أوائل أغسطس (آب) 2024.
ويرى التقرير أن «الجيش الوطني» استخدم الوضع الأمني المتدهور على الحدود الجنوبية لتعزيز نفوذه الإقليمي، خاصة من خلال التعاون الأمني مع تشاد والنيجر، مشيراً إلى تأثر الوضع الأمني في ليبيا بشكل مباشر بالصراع في السودان. كما تطرق التقرير إلى عمليات الاتجار بالمهاجرين غير النظاميين في ليبيا من قبل عصابات محلية ودولية، وأشار إلى تعرضهم إلى انتهاكات جنسية وابتزاز مالي، كاشفاً عن 3 شبكات تهريب ليبية رئيسية «توسعت في عملياتها لزيادة تمويل أنشطتها غير القانونية».
كما أشار التقرير إلى وجود خمس جماعات مسلحة ليبية ارتكبت انتهاكات منهجية للقانون الإنساني الدولي، وقوانين حقوق الإنسان، وقال إن «الجماعات المسلحة في ليبيا وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التأثير على مؤسسات الدولة»، معتقداً أن هذا النفوذ «أثّر على قدرة المؤسسات الحكومية في غرب ليبيا على تنفيذ مهامها خارج إطار مصالح هذه الجماعات».
ورأى باشاغا، في تصريح صحافي، اليوم الثلاثاء، أن ما رصده التقرير الأممي من وقائع «يعيد ليبيا إلى عصور القمع والاستبداد، وسط غياب آليات فاعلة للمساءلة، واستمرار سياسة الإفلات من العقاب، التي حولت مؤسسات الدولة إلى أدوات للإثراء غير المشروع، وممارسة البلطجة السياسية».
وعبّر باشاغا عن «استنكاره الشديد لعجز الجهات الرقابية عن أداء دورها في كشف الفساد، وردع المتورطين فيه، رغم توافر الأدلة والوقائع الدامغة»، ورأى أن «استمرار صمت سلطات العدالة لم يعد مقبولاً ولا مبرراً، كما أن التواطؤ بالصمت لن يؤدي إلا إلى تعميق الفوضى وإطلاق يد الفاسدين».
وبشأن الأموال المجمدة في الخارج، تحدث الفريق الأممي عن أموال المعتصم القذافي، المجمدة في مالطا، وقال بهذا الخصوص: «لقد ثبت للفريق أن هناك انتهاكاً لتجميد الأصول في قضية صدور أمر المحكمة المالطية في 28 يونيو (حزيران) 2022 بإعادة الأموال المجمدة إلى ليبيا، في غياب استثناءات، أو إعفاء من هذا الإجراء في القرارات ذات الصلة، وحالة من حالات الامتثال لتجميد الأصول من قضية خصم (مصرف فاليتا) لرسوم الأرصدة المرتفعة من الأموال المجمدة، دون إخطار اللجنة».
كما قال الفريق الأممي إن 10 دول و16 مؤسسة مالية «لم تلتزم بتجميد الأصول الليبية، وقد تسببت بعض حالات عدم الامتثال في تآكل تلك الأصول».
وكانت حكومة «الوحدة» قد سعت لاستعادة 95 مليون يورو (100 مليون دولار) من الودائع المصرفية المجمدة في بنك «فاليتا»، مرتبطة بأسرة القذافي. ويُعتقد أن هذه الأموال تخص المعتصم بالله، نجل القذافي؛ إذ تسنى للسلطات الليبية تتبع هذه الأموال بعد عام 2012، وتوصلت إلى أن المعتصم كان يحتفظ بها في مالطا، تحت اسم شركة مسجلة باسمه، وعندما قُتل عقب اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)» عُثر بحوزته على بطاقات ائتمانية صادرة عن بنك «فاليتا».
والمعتصم هو الابن الرابع للقذافي، وكان مسؤولاً كبيراً بالجيش، وشغل منصب مستشار الأمن القومي في ليبيا من عام 2008 حتى 2011، قبل أن يُقتل في معركة سرت على يد مناهضين لحكم والده.
وتقدر قيمة مجمل الأصول والأموال الليبية المجمدة في الخارج بنحو 67 مليار دولار. وسبق للدبيبة أن اتهم بلجيكا بمحاولة الاستيلاء على الأموال المُجمدة لديها.
وفيما يتعلق بالقوات الأجنبية في ليبيا، أفاد تقرير فريق الخبراء بتمركز «المقاتلين السوريين» في عدة مواقع حول طرابلس، بما في ذلك «معسكر الحمزة»، التابع لرئاسة الأركان بالقوات التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وقاعدة الوطيّة الجوية، ومدرسة الشرطة صلاح الدين، ومنطقة سوق الخميس.
ورغم رصد التقرير جانباً من أوضاع «المرتزقة»، لفت إلى أن ليبيا لم «تعد وجهة مرغوبة للمقاتلين السوريين»، كما تحدث عن «انخفاض كبير في رواتب هذه العناصر»، التي شاركت في الحرب على العاصمة طرابلس في 4 أبريل (نيسان) 2019، لافتاً إلى «هجرة 13 حالة لمقاتلين سوريين من ليبيا إلى إيطاليا، بمساعدة اثنين من العسكريين الليبيين رفيعي المستوى».
ولم يكشف التقرير عن الضابطين المعنيين، لكنه تحدث عن وجود ضباط يستخدمون شبكات الاتجار بالبشر، علماً بأنه سبق أن تحدثت مصادر حقوقية إلى «الشرق الأوسط» عن «تورط مسؤولين أمنيين وعسكريين في عمليات تهريب المهاجرين غير النظاميين والتربح من ورائها».
كما تطرق التقرير إلى عناصر شركة «فاغنر» الروسية المتعاونة مع «الجيش الوطني» بشرق ليبيا وجنوبها، وقال إنه تم رصد عناصر في قاعدة الخادم الجوية، بالإضافة إلى مقاتلين سوريين.