كان من المقرر أن تبدأ مفاوضات الجولة الثانية من «هدنة غزة»، الاثنين، غير أن إرجاء رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إرسال وفد بلاده إلى الدوحة، قبل الموعد المحدد ومنع إدخال المساعدات لاسيما المعنية بالإيواء، أثار تساؤلات حول مصيرها، خصوصاً مع مطالبة الوسطاء «الأطراف بعدم المساومة في الانخراط الفوري»، و«الشركاء الدوليين للضغط لإنجاح المحادثات وعدم عرقلتها».
المخاوف من «عراقيل» تهدد الجولة، تأتي تزامناً مع زيارة يجريها نتنياهو للبيت الأبيض لمقابلة الرئيس دونالد ترمب، في ساعات تبدو «حاسمة» لمصير الاتفاق بأكمله، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، لافتين إلى أن «المرحلة الثانية قد تتجاوز أي عراقيل إسرائيلية توضع تحت ضغوط أميركية ودولية لنيل باقي الأسرى، مقابل أن تمنح واشنطن إسرائيل الضوء الأخضر لعدم استكمال المرحلة الثالثة المختصة بإعادة الإعمار، في ظل عدم قبول عربي بخيار الرئيس الأميركي بتهجير الفلسطينيين».
وبعد المرحلة الأولى التي بدأت 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتستمر 42 يوماً، من المتوقع أن تشمل المرحلة الثانية التي تبدأ في اليوم الـ16 إعادة جميع الرهائن الأحياء المتبقين والجنود الذكور، مقابل عدد لم يتم تحديده بعدُ من السجناء الفلسطينيين والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، قبل أن تليها مرحلة ثالثة وأخيرة معنية بالإعمار وإحداث هدوء مستدام.
«لا خطة واضحة»
وتمسك رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحافي، الأحد بـ«أهمية التزام كل الأطراف بتنفيذ جميع بنود اتفاق (الهدنة) والانخراط الفوري في (مفاوضات) المرحلة الثانية»، مضيفاً: «يجب انخراط الطرفين بنية حسنة وألا يكون هناك مساومات، وعلى الشركاء الدوليين الضغط لإنجاح المفاوضات بشأن غزة والتأكد من عدم عرقلتها»، فيما لم يجزم هل ستبدأ المحادثات في موعدها المحدد أم لا، وذلك رداً على سؤال في هذا الصدد.
وقال رئيس الوزراء القطري إنه «لا توجد خطة واضحة» بشأن موعد بدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
فيما أفاد موقع «تايمز أوف إسرائيل»، الأحد، بأن «مصير المرحلة الثانية من الصفقة (على المحك) مع توجه نتنياهو إلى واشنطن»، لافتاً إلى أن نتنياهو أرجأ إرسال فريق تفاوضي إلى قطر حتى عودته من الولايات المتحدة مع «تقارير تتزايد عن أنه يفكر بجدية في إمكانية استئناف الحرب».
مكتب نتنياهو، أشار، السبت، إلى أن الأخير سيلتقي المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في واشنطن، الاثنين، بهدف «بدء محادثات بشأن المرحلة الثانية»، فيما سيلتقي ترمب في البيت الأبيض، الثلاثاء.

وباعتقاد الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، فإن «خطر وجود عراقيل يتزايد في ظل مخاوف نتنياهو بخسارة ائتلافه الحكومي مع تهديد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالاستقالة حال استكمل المرحلة الثانية، وبالتالي الحديث عن مساومات إسرائيلية وتعطيل وارد، قياساً على جولات سابقة».
«ابتزاز وتلكؤ»
و«تزداد المخاوف بشأن عرقلة مفاوضات الجولة الثانية، مع إرجاء نتنياهو إرسال وفد التفاوض للدوحة، وانتهاك أحد شروط الصفقة»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، إلا أنه يتوقع أن «تمضي رغم احتمال حدوث ابتزازات وتلكؤ إسرائيلي بهذه الجولة لاسيما في نقاشات بشأن أعداد الأسرى وكيفية التبادل، مقابل دور مصري-قطري يضغط بقوة لتنفيذ كامل الاتفاق».
وبحسب المحلل السياسي الفلسطيني المختص بشؤون «حماس»، إبراهيم المدهون، فإن «الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق يواجه عدة عقبات رئيسية، أبرزها عدم التزام الاحتلال بشكل كامل بتنفيذ المرحلة الأولى، خصوصاً فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية مع إشكالية كبيرة في ملف الإيواء، ومنع الاحتلال إقامة مساكن مؤقتة أو حتى نصب الخيام»، متوقعاً أن يكون «وقف العراقيل الإسرائيلية حاضراً بقوة من الوسطاء لضمان عدم تكرار مماطلة الاحتلال في تنفيذ بنود الاتفاق».

وغادر نتنياهو، الأحد، مطار بن غوريون في رحلة إلى الولايات المتحدة، معلناً في تصريحات أنه «سيعمل عن كثب مع ترمب للمزيد من إعادة رسم خريطة (الشرق الأوسط) على نحو أفضل»، فيما نقل موقع «أكسيوس» الأميركي، الأحد، عن مسؤولين إسرائيليين أن «مستقبل اتفاق الهدنة مرهون بنتائج اجتماع ترمب ونتنياهو»، مشيراً إلى أن «عدم التحرك نحو المرحلة الثانية قد يعني استمرار الحرب في غزة لعام آخر».
ويرجح عكاشة أن يعمل ترمب على إقناع نتنياهو بالمضي في تنفيذ المرحلة الثانية لنيل باقي الأسرى، أفضل من التمسك بالقضاء على «حماس»، وذلك مقابل «استمرار دعم الرئيس الأميركي لخطة التهجير غير المقبولة عربياً لتفريغ القطاع»، لافتاً إلى أن هذا يعني ضوء أخضر بعدم استكمال المرحلة الثالثة المعنية بإعمار القطاع وتهديد ومعاناة جديدة للفلسطينيين.
وذلك الضوء الأخضر ما يخشاه أيضاً الرقب، قائلاً: «أخشى أن يضغط ترمب لتنفيذ المرحلة الثانية وتجاوز أي عراقيل، ثم يتنكروا للمرحلة الثالثة المختصة بالإعمار من أجل دعم خطة الأميركان لتنفيذ مخطط التهجير».
في المقابل، يرى المدهون أنه «على الرغم من العقبات، فإن الاتفاق سيمضي قدماً، نظراً لحرص (حماس) والمقاومة الفلسطينية على إنجاحه، بالإضافة إلى وجود أطراف إقليمية معنية بإنهاء الحرب. ووجود قرار أميركي بعدم العودة إلى الحرب».