تصاعدت مخاوف و«قلق» على مستقبل مصر مع دعوات احتجاج «سوشيالية» بداية شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، لكنها ما لبثت أن خفتت وتحولت حالة «اصطفاف» لدعم الدولة؛ تجاوباً مع مخاطر «تهجير» الفلسطينيين، وإعادة توطينهم في سيناء.
حالة «الاصطفاف» التي بدأت مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء السبت الماضي، داعياً مصر والأردن إلى استقبال لاجئين من غزة، تصاعدت مع تأكيد الرئيس المصري الواضح، الأربعاء، رفض بلاده التهجير.
وفي أول رد مباشر من الرئيس المصري على المسعى الأميركي، قال السيسي إن تهجير الفلسطينيين «ظلم لا يمكن أن نشارك فيه»، ليتصدر هاشتاغ «مصر قالت كلمتها» التريند، وسط احتفاء واسع من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوة إلى «الاصطفاف» مع الدولة.
واحتفى المدون المصري وائل الخطيب بتصريحات السيسي، مؤكداً عبر حسابه على منصة «إكس» أن «المصريين وراء قائدهم داعمين مساندين رافضين لأي مخطط شرير يستهدف أمنهم القومي».
التصريحات اللي قالها الرئيس السيسي النهاردة تاريخية بكل معاني الكلمة، إعادة تأكيد أشد وضوحا على إن التهجير خط أحمر، واستدعاء لقوة رفض الرأي العام المصري والعربي للمخطط.. ده وقت الجد.. المصريين ورا قائدهم داعمين مساندين رافضين لأي مخطط شرير يستهدف أمنهم القومي..
— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) January 29, 2025
وقال حساب آخر على «إكس»: «الشعب كله متضامن مع قرارات الرئيس الخاصة برفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم».
#الشعب_معاك_ضد_التهجيرالشعب كله متضامن مع قرارات الرئيس الخاصة برفض تهجير الفلسطينين من ارضهم
— Enedina Mynhier (@EnedinaMynhier7) January 30, 2025
لينتهي شهر يناير بدعم واسع للرئيس ولموقف الدولة الرافض التهجير، حتى من جانب عناصر محسوبة على تنظيم «الإخوان» الذي تصنّفه القاهرة «إرهابياً».
ومنذ عام 2011 اعتاد المصريون أن يأتي شهر يناير مصحوباً بدعوات للاحتجاج، تزامناً مع الاحتفالات بذكرى 25 يناير، التي يتباين تعريفها بين يصفها بـ«الثورة»، ومن يعدّها «أحداثاً» أدت إلى إطاحة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبين من يتجاهلها تماماً، مؤكداً أن «هذا اليوم هو عيد للشرطة فقط».
لكن دعوات الاحتجاج هذا العام جاءت مختلفة، لا سيما أنها أعقبت سقوط النظام السوري؛ ما أثار حالة من القلق بين مصريين على مستقبل البلاد، قال عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الاحتفال بعيد الشرطة الأسبوع الماضي، إنه «قلق مشروع»، مطمئناً مواطنيه بقدرة البلاد على «تجاوز الصعاب»، قائلاً: «لا أحد يستطيع أن يمس مصر، رغم ما يتردد من إشاعات وأكاذيب ومحاولات لاستهدافنا».
دعوات الاحتجاج «السوشيالية»، دفعت نواباً وإعلاميين للتفاعل في محاولة لتفنيدها والتأكيد على محدودية تأثيرها على الأرض، وهو ما عبَّر عنه الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري، في منشور عبر حسابه على «إكس»، صبيحة الاحتفال بذكرى «25 يناير»، أشار فيه إلى أنه «سبق وقال إن أحداً لن يستجيب لدعوات التظاهر».
وقال إنه «ظل يبحث عن أي مظاهرة، لكنه لم يجد»، وأضاف ساخراً من أصحاب الدعوة كون دعوتهم لم تلق صدى في الشارع: «إما أن الناس نسيت الدعوة، وإما أن حكومتنا اللئيمة تآمرت وحذفت يوم 25 يناير من الأجندة فاحتار الناس».
بالأمس قلت إن أحدا لن يستجيب لدعوات الخونه ويخرج للتظاهر ، واليوم ظللت أبحث عن مظاهره واحده فلم أجد ، وتساءلت عن السبب ، قيل لي : إما أن الناس نسيت الدعوه ، وإما أن حكومتنا اللئيمه تآمرت وحذفت يوم ٢٥ يناير من الأجنده ، فاحتار الناس. واتلخبطوا .مساكين جماعة الإخوان وأبواقها...
— مصطفى بكري (@BakryMP) January 25, 2025
أما المدوّن لؤي الخطيب، فكتب عبر حسابه على «إكس» منشوراً ساخراً قال فيه: «هل هذا منظر شعب عنده ثورة غداً»، مطالباً ببعض الجدية.
ده منظر شعب عنده ثورة بكرة؟مش معقول يا جماعة شوية جدية بقى!
— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) January 24, 2025
دعوات الاحتجاج «ليست غريبة» على شهر يناير، بحسب مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي، الذي يقول في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»: إنها «غالباً ما تصدر في التوقيت نفسه كل عام من أصوات معارضة في الخارج ليس لها قواعد شعبية؛ لذلك قلما تجد لها صدى على الأرض».
ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور سعيد صادق، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن «المعارضة السوشيالية حاولت استغلال سقوط النظام السوري بالدعوة إلى احتجاجات في مصر؛ ما أثار بعض المخاوف»، لكنها في النهاية «دعوات لم تجد صدى شعبياً».
وبينما لم تجد دعوات الاحتجاج استجابة لدى المصريين، ومع نهاية يوم 25 يناير الماضي، تصدر هاشتاغ «محدش نزل» التريند في سخرية من نشطاء محسوبين على تنظيم «الإخوان»، حاولوا الترويج لمظاهرات احتجاجية في البلاد.
ولم يكد يوم 25 يناير ينقضي حتى خرج الرئيس الأميركي يدعو مصر والأردن إلى استقبال لاجئين من غزة، وهي الدعوة التي قوبلت برفض رسمي وشعبي في القاهرة وعمَّان.
حالة الرفض تلك سرعان ما تحولت دعوات «اصطفاف» لدعم الدولة ضد «التهجير»، قال عنها عضو مجلس النواب، محمود بدر، عبر منشور في حسابه على «إكس» إنها «لم تحدث منذ (30 يونيو)/حزيران»، مؤكداً أن «كل المصريين في مواجهة تصريحات ترمب ومشروع التهجير القسري، كما كانوا من قبل في مواجهة (الإخوان)».
حالة الاصطفاف اللي حصلت امبارح بين المصريين محصلتش من ايام ٣٠ يونيو تقريبا ، كل المصريين في مواجهة تصريحات ترامب ومشروع التهجير القسري زي ما كان كل المصريين في مواجهة الاخوانجية وقتها ، ولما بيتوحد المصريين ورا قيادتهم وجيشهم محدش بيقدر عليهم ، وزي ما ٣٠ يونيو عدت رغم كل الضغوط...
— محمود بدر (@ma7mod_badr) January 27, 2025
وعلق حساب آخر قائلاً إن «المصري وقت الخطر ينتفض وينسى كل مشاكله الحياتية».
المصري وقت الخطر ينتفض وينسي كل مشاكله الحياتيه ارضه عرضه
— الحاجه سوسو (@sanaa8459900) January 27, 2025
انعكس هذا «الاصطفاف» في بيانات حزبية، وتصريحات برلمانية، ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما عده الباحث السياسي والأمين المساعد للشؤون السياسية بحزب «حماة وطن» جمال رائف، «نتاج وعي وإدراك كامل لخطورة الوضع الإقليمي وتداعياته على الداخل المصري، وخطورة الأوضاع داخل غزة وتداعياتها السلبية على الأمن القومي المصري ومستقبل القضية».
يرى رائف، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المتغيرات الإقليمية والأوضاع الأمنية المتردية في المنطقة، خصوصاً داخل قطاع غزة كانت حافزاً مهماً لتحريك الشعب وتوحيد صفوفه مع الدولة في مواجهة أي ضغوط قد تمارس عليه لإتمام مخطط التهجير».
وترفض القاهرة «مساعي التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الشعوب من أراضيها، سواء كان ذلك بشكل مؤقت أو طويل الأجل»، وتعدّه «تهديداً للاستقرار يقوض فرص السلام والتعايش بين الشعوب»، بحسب تصريحات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في كلمته بجلسة «مجلس حقوق الإنسان الدولي»، في جنيف، الثلاثاء.
«الاصطفاف» المصري مع الدولة ضد «التهجير» هو «نتاج قلق وخوف» من أن تتعرض البلاد لضغوط أميركية لتنفيذ المخطط الذي «يهدد الأمن القومي»، وفق أستاذ علم الاجتماع السياسي.
وهو أيضاً مرتبط بحالة «الشحن ضد إسرائيل الناتجة من 15 شهراً من الحرب على قطاع غزة»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، الذي يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن التفاف المصريين حول الدولة في هذا الموقف «يرجع إلى أن التهجير يعدّ بمثابة خطر خارجي يهدد البلاد»، موضحاً أن «المواطن قد يختلف مع الحكومة وينتقدها لكنه يدعمها إذا تعرضت لضغوط أو هجوم من دولة أخرى».
وهنا يرى الشوبكي أن «دعوات الاحتجاج أو (الاصطفاف) هي في الأصل دعوات نخبوية، الأولى من عناصر معارضة في الخارج ليس لها قواعد شعبية، والأخرى من نخبة حزبية أو سياسية أو ثقافية ربما لا يصل تأثيرها لقطاعات عريضة». وإن اعترف بأن «هناك تضامناً شعبياً لرفض التهجير، لكنه لا يصل حد الخروج للشوارع بالملايين مقارنة بأحداث سابقة».