فجرت عملية العثور على 263 مهاجراً غير نظامي كانوا محتجزين في «مكان سري» بشرق ليبيا قرابة 8 أشهر، ويُخضعون «للتعذيب» حتى الموت، حالة من الغضب في الأوساط الحقوقية والقانونية، كما فتحت الباب لمطالبة السلطات المحلية بـ«قانون رادع» لمكافحة جرائم «الاتجار بالبشر».
وكان مكتب النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، كشف «عصابة إجرامية» احتجزت 263 مهاجراً من الصومال وإريتريا وإثيوبيا بقصد إرغام ذويهم على دفع فدية لإطلاق سراحهم، وتراوحت المبالغ المطلوبة ما بين 10 و17 ألف دولار.

وتحدث مكتب النائب العام عن تفاصيل الجريمة، وقال إن وكيل نيابة جالو (شرق ليبيا) أجرى تحقيقاً «قاده إلى إثبات انخراط عدد من المتهمين في تشكيل عصابي تعمد أفراده تنسيق عمليات هجرة غير مشروعة عبر الحدود، وارتكاب وقائع اتجار بالبشر»، كما كشف عن «ممارسة أساليب التعذيب على الضحايا؛ ومعاملتهم بشكل قاس ومهين وغير إنساني؛ لإجبار أسرهم على دفع فدية». ونوه بأنه بعد انتهاء المحقق أمر بحبس متهميْن اثنين؛ وقرَّر ملاحقة بقية أفراد التنظيم.
وأمام عمليات التعذيب التي تعرض لها هؤلاء، دعا إحميد المرابط الزيداني، المستشار القانوني، والباحث في قضايا حقوق الإنسان، إلى ضرورة إصدار تشريع قانوني خاص بالاتجار بالبشر «تتناسب فيه العقوبة مع تلك السلوكيات الإجرامية، وذلك صوناً لحقوق الضحايا، وردعاً للجناة، ووفاءً لالتزامات ليبيا الدولية».
ويرى الزيداني في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن «التشريعات المحلية الراهنة تعد قاصرة في مجابهة جريمة الاتجار بالبشر وأنماطها المختلفة»، وذهب إلى أنه إن «وجدت بعض النصوص القانونية التي يمكن أن تنسحب على بعض الأفعال الإجرامية في هذا الشأن، فإنها في المجمل لا تعالج جميع أنماط جريمة الاتجار بالبشر».
ونوه إلى أنه من «الضرورة تغليظ العقوبة في جرائم ضد الإنسانية لكونها تشكل أفعالاً خطيرة تتعلق بحقوق الإنسان».
وتحدث جهاز البحث الجنائي في ليبيا عن عملية أمنية «نفذت بحرفية عالية تمكنت من إسقاط هذا التشكيل، وحررت المخطوفين من قبضته بعدما كان يحتجزهم في ظروف إنسانية وصحية غاية في السوء».

وقال إن المعلومات أفادت بوجود مخزن يحتجز فيه التشكيل هؤلاء المهاجرين، وذلك داخل استراحة في شارع مشروع النخيل في إجخرة شرق ليبيا، وبعد مداهمة المكان عثر عليهم في «حالة صحية سيئة جداً نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له»، موضحاً أنه «سبق خطفهم على فترات، والانتقال بهم إلى تلك الاستراحة وبينهم من كان محتجزاً هناك لفترة وصلت إلى 8 أشهر».
ونوّه الجهاز بأن من بين «المحررين عددا من النساء اللواتي تم اغتصابهن، فيما فقد أحد الرجال حياته نتيجة سوء التغذية والتعذيب»، لافتاً إلى نقل 25 منهم إلى المستشفى «كونهم في حالة صحية حرجة».
وتحدث طارق لملوم الحقوقي الليبي عن «الصدمة لقسوة ووحشية ما تعرض له هؤلاء المهاجرين»، وقال: «رغم الجهود التي بذلت، فإنه لا يزال الآلاف من المهاجرين محتجزين في مخازن بمناطق الشويرف وبني وليد ونسمة وتازبو والكفرة وأمساعد مع الحدود مع مصر».
ولا تزال أفواج المهاجرين غير النظاميين تتسرب من الحدود الليبية المترامية إلى داخل البلاد، في حين تُواصل السلطات عمليات الترحيل، وفق برنامج «العودة الطوعية»، الذي ترعاه الأمم المتحدة. بينما أعلن «جهاز مكافحة الهجرة» في شرق ليبيا، الخميس، ترحيل 56 مهاجراً مصرياً عبر منفذ أمساعد البري.

ودعت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إلى «تشديد العقوبة بحيث لا تقتصر على السجن فقط، بل تكون رادعة للجناة، وترد الاعتبار للمجني عليهم».
وفي الإطار، قالت نائبة الممثل الخاص للشؤون السياسية للأمم المتحدة ستيفاني خوري، إنها أجرت «نقاشاً بناءً للغاية مع النائب العام، حول تدابير تعزيز حقوق الإنسان لجميع الليبيين، بما في ذلك قضايا المساءلة ومذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. كما تمت مناقشة المخاوف المتعلقة بالاحتجاز التعسفي وتفشي الفساد، ودعم البعثة في مواجهة هذه التحديات».
وتكثر في ليبيا عمليات خطف المهاجرين غير النظاميين، ومساومة أسرهم على دفع الفدية. ومنتصف الأسبوع أعلنت السلطات الأمنية في شرق ليبيا تفكيك «عصابة» متهمة بـ«تنظيم عمليات هجرة غير نظامية إلى الشواطئ الأوروبية».
وقال جهاز المباحث الجنائية فرع بنغازي، إن قسم التحريات والتحقيقات بفرع الجهاز «تمكن من ضبط تشكيل عصابي مكون من أربعة أشخاص يحملون إحدى الجنسيات العربية متورطين في تنظيم عمليات الهجرة غير المشروعة والإشراف على تنفيذها».