أوراق النقد الجديدة في السودان «سلاح حرب» يثقل كاهل المدنيين

«أسهم هذا الإجراء في تحفيز المسيرة نحو الانقسام»

العملة السودانية (مواقع التواصل)
العملة السودانية (مواقع التواصل)
TT

أوراق النقد الجديدة في السودان «سلاح حرب» يثقل كاهل المدنيين

العملة السودانية (مواقع التواصل)
العملة السودانية (مواقع التواصل)

أصدرت الحكومة السودانية أوراق نقد جديدة في المناطق التي تُسيطر عليها، ما تسبب في تعطيل التجارة والنقل وتعميق الانقسامات في بلد دمّرته الحرب والمجاعة، وفق ما أوردت «وكالة الصحافة الفرنسية» في تقرير لها من القاهرة، الأربعاء.

واستُبدلت أوراق النقد القديمة من فئتَي 500 و1000 جنيه سوداني في 7 مناطق خاضعة لسيطرة الجيش السوداني، الذي يخوض حرباً منذ 21 شهراً ضد «قوات الدعم السريع».

وتقول الحكومة إنها تريد من ذلك «حماية الاقتصاد ومكافحة النشاط الإجرامي»، لكن كثيراً من السودانيين يعتقدون أن مضار هذا الإجراء أكثر من منافعه.

البنك المركزي السوداني متوقف عن العمل منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي (متداولة)

في بورت سودان، مقر الحكومة المتحالفة مع الجيش، أثار عجز المصارف عن توفير ما يكفي من أوراق النقد الجديدة احتجاجات أمام المكاتب الحكومية.

قالت امرأة (37 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلبت عدم كشف اسمها: «أنا أذهب 4 أو 5 مرات في الأسبوع لأحصل على العملة الجديدة من البنوك، لكن لا أجدها».

وأضافت، أن ثمة «حاجات صغيرة لا نستطيع أن نشتريها من التجار في الشارع أو نتحرك في المدينة، إذ إنهم يرفضون العملة القديمة».

وتركت الحرب المستمرة الاقتصادَ في حالة يُرثى لها، ودمرت البنى التحتية، ودفعت نصف السكان إلى حافة المجاعة. كما تسبّبت في انخفاض حاد بقيمة الجنيه السوداني: «قبل الحرب، كان الدولار الواحد يساوي 500 جنيه سوداني، مقابل 2500 اليوم في السوق السوداء».

أحد فروع المصارف المغلقة في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

من جهته، أكّد وزير المال السوداني، جبريل إبراهيم، أهمية التحول الرقمي لمواكبة التطورات العالمية، موضحاً أن «الهدف من تغيير العملة هو تحويل الأموال إلى النظام المصرفي، وضمان دخول الكتلة النقدية فيه، وتفادي تزييف في العملة والأموال المنهوبة».

لكنّ كثيراً من الخبراء عدّوا هذا الإجراء «مجرد مناورة». وقال ماثيو ستيرلنغ بينسون، مدير البحوث حول السودان في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية: «إن الجيش يسعى إلى إضعاف (قوات الدعم السريع) بعملة أقوى».

وأوضح، أنه «بعد نهب (قوات الدعم السريع) المصارف يريد الجيش السيطرة على التدفقات المالية»، وحرمان هذه القوات من الموارد، كما يسعى إلى زيادة موارده الحربية، وفق المحلل السوداني حامد خلف الله.

من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)

وفي اقتصاد غير رسمي في الأساس، فإن هذه الأموال «ستستخدم لتمويل الحرب المستمرة، خصوصاً لدفع أجور الجنود وشراء الأسلحة».

ومنعت «قوات الدعم السريع» -التي تُخطط لإنشاء عملتها الخاصة- استخدام أوراق النقد الجديدة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، واتهمت الجيش بالقيام بـ«مؤامرة لتقسيم البلاد».

بدورها، قالت خلود خير، من مركز «كونفلوينس أدفايزري»، الاستشاري المُتخصص في الشؤون السودانية، إنه بلد مُجزأ، يُسيطر الجيش على شمال السودان وشرقه، في حين تهيمن «قوات الدعم السريع» على منطقة دارفور في غرب البلاد وأجزاء من الوسط والجنوب. تنقسم الخرطوم الكبرى بين الفصائل المتحاربة.

«وضع حرج»

بالنسبة إلى الناشطة السودانية، نازك كابالو، فإن تغيير العملة الجديدة «ضرب نظام سلاسل التوريد، ما يزيد من تفاقم معاناة السكان». وأوضحت أنه «إذا لم يكن لديك كاش (أموال نقدية)، فلن تتمكن من شراء الضروريات، إذ إن المزارعين والتجار يعتمدون بشكل كامل على التعاملات النقدية».

وشجّعت الحكومة استخدام التطبيقات المصرفية الرقمية، مثل «بنكك»، لكن عدداً من السودانيين لا يستطيعون الوصول إليها، بسبب الانقطاع المُتكرر للاتصالات.

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة «قوات الدعم السريع»، يُعاقب هذا الإجراء المدنيين بشكل أساسي، مع إجراء القوات معظم تعاملاتها بالعملات الأجنبية عبر شبكة دعم عابرة للحدود.

ويواجه المدنيون خطر أن يصبحوا أكثر عزلة اقتصادياً، «وهذا يتسبب في وضع حرج بالنسبة إلى شعب مُهدد بالمجاعة»، وفق بينسون.

سودانيون يتسلّمون الطعام في موقع أنشأته منظمة إنسانية محلية للتبرع بالوجبات والأدوية للنازحين جراء الحرب في مدينة مروي السودانية (أ.ف.ب)

وتضرب المجاعة 5 مناطق في السودان وفق ما أفادت وكالات تابعة للأمم المتحدة استناداً إلى تقرير صدر أخيراً عن نظام تصنيف الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن تمتد إلى 5 مناطق أخرى في دارفور بحلول مايو (أيار)، وبعض أجزاء جبال النوبة في الجنوب.

وبالنسبة إلى خلود خير، يبحث كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» عن «تسجيل نقاط». وأوضحت أن الجيش يريد «التسبب في أزمة حكم لدى خصومه بحرمان الناس من الأموال والخدمات حتى ينقلبوا على (قوات الدعم السريع)».

وأشارت إلى أنه يُقدم أوراق نقد جديدة، و«يحرم سكان المناطق التي تسيطر عليها (قوات الدعم السريع) من الخدمات، ردّاً على خطط (قوات الدعم) بإنشاء عملتها الخاصة». في نهاية المطاف «المدنيون هم مَن يدفعون الثمن».


مقالات ذات صلة

السودان يدعو المجتمع الدولي إلى دعم خريطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب

العالم العربي «الخارجية» السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى دعم خريطة الطريق التي طرحتها قيادة البلاد (أ.ف.ب)

السودان يدعو المجتمع الدولي إلى دعم خريطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب

دعت وزارة الخارجية السودانية، اليوم الأحد، المجتمع الدولي إلى دعم خريطة طريق طرحتها قيادة البلاد لفترة ما بعد الحرب.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي نساء يجلسن في حافلة بينما يعود النازحون بسبب الحرب الدائرة في السودان إلى ود مدني بولاية الجزيرة في 6 فبراير الحالي (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن إحراز «تقدم كبير» في مدينة الفاشر

أعلن الجيش السوداني إحراز قواته تقدماً كبيراً في مختلف المحاور بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم )
شمال افريقيا البرهان خلال لقائه قيادات سياسية في بورتسودان السبت (موقع مجلس السيادة على «فيسبوك»)

البرهان يتعهد بتكوين حكومة تصريف أعمال من كفاءات قريباً

كشف رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن أن الفترة المقبلة ستشهد تكوين حكومة تصريف أعمال أو (حكومة حرب)، هدفها استكمال مهام الانتقال.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا من تحرك احتجاجي سابق للصحافيين السودانيين (مواقع التواصل)

«نقابة الصحفيين السودانيين» تندد بحملات تحريض ضد صحافية «الشرق»

نددت «نقابة الصحفيين السودانيين»، بالتحريض ضد صحافية سودانية تعمل مراسلة لفضائية «الشرق» وعدته امتداداً لموجات تحريض استهدفت مراسلة «العربية» وآخرين.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا نازحون بسبب الحرب الدائرة في السودان يعودون إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة بعد استعادة المدينة من قبل الجيش السوداني (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يقترب من السيطرة على شمال الخرطوم

سيطر الجيش السوداني على أحد آخر معاقل «قوّات الدعم السريع» في شمال الخرطوم، وفق ما ذكر المتحدث باسمه اليوم السبت.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

وزير الخارجية المصري يؤكد ضرورة بدء عملية التعافي المبكر لقطاع غزة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي السيناتور كريس فان هولن عضو مجلس الشيوخ الأميركي بواشنطن («الخارجية» المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي السيناتور كريس فان هولن عضو مجلس الشيوخ الأميركي بواشنطن («الخارجية» المصرية)
TT

وزير الخارجية المصري يؤكد ضرورة بدء عملية التعافي المبكر لقطاع غزة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي السيناتور كريس فان هولن عضو مجلس الشيوخ الأميركي بواشنطن («الخارجية» المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي السيناتور كريس فان هولن عضو مجلس الشيوخ الأميركي بواشنطن («الخارجية» المصرية)

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الاثنين، ضرورة بدء عملية التعافي المبكر لقطاع غزة، وإزالة الركام، وإعادة الإعمار ضمن إطار زمني محدد، و«دون خروج الفلسطينيين من أرضهم التي يتمسكون بها».

وشدد عبد العاطى، خلال لقائه السيناتور كريس فان هولن، عضو مجلس الشيوخ الأميركي في واشنطن، على أهمية إيجاد أفق سياسي للقضية الفلسطينية يسفر عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتمتُّع الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير.

وشدَّد وزير الخارجية المصري، في بيان، على وجود توافق عربي كامل على مسألة رفض تهجير الفلسطينيين.

وقال تميم خلاف، المتحدث باسم «الخارجية» المصرية، إن اللقاء تناول سُبل دعم الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، وأن الوزير عبد العاطي أشار إلى ما تُشكله «الشراكة المصرية الأميركية والتعاون المشترك من ركائز أساسية في سبيل دعم هذه الجهود».

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، الأحد، أن القاهرة ستستضيف قمة عربية طارئة في 27 فبراير (شباط) الحالي؛ لبحث التطورات «المستجدّة والخطيرة» للقضية الفلسطينية.

تأتي القمة وسط تنديد إقليمي وعالمي واسع النطاق لاقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترمب «السيطرة على قطاع غزة» من إسرائيل، وإنشاء ما وصفها بـ«ريفييرا الشرق الأوسط» بالقطاع، بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى.