الجزائر ترفع وتيرة ضغطها على فرنسا في «ملف التجارب النووية»

البرلمان يحضّر للائحة تطالب باريس بتنظيف المناطق الملوثة

صورة أرشيفية لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)
صورة أرشيفية لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)
TT

الجزائر ترفع وتيرة ضغطها على فرنسا في «ملف التجارب النووية»

صورة أرشيفية لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)
صورة أرشيفية لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

يحضّر «مجلس الأمة» الجزائري لإصدار لائحة تطالب الحكومة الفرنسية بتنظيف المواقع، التي أجرت فيها تجارب نووية بداية ستينات القرن الماضي، قبيل الاستقلال، والتي استمرت بعده لسنوات. يأتي ذلك في وقت يشكل فيه «موضوع تجارب الذرة» أحد أهم الخلافات في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، التي تمر بأسوأ حالاتها منذ الصيف الماضي.

صالح قوجيل رئيس مجلس الأمة (الشرق الأوسط)

وجرى استحضار قضية التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر، ومخلفاتها على الإنسان والطبيعة، أمس (الاثنين)، بمناسبة عرض مشروع قانون يتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها، من طرف وزيرة البيئة نجيبة جيلالي، حسب بيان لـ«مجلس الأمة»، الذي يرأسه صالح قوجيل، وهو الرجل الثاني في الدولة، بحسب الدستور.

لقاء بين الرئيسين الجزائري والفرنسي قبل اندلاع الأزمة بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

وأكد قوجيل في كلمة بمناسبة تداول النص القانوني، أن بلاده «تطالب فرنسا بتحمل مسؤوليتها الثابتة، بخصوص إزالة نفايات التفجيرات النووية، التي أجراها المستعمر الفرنسي في صحراء الجزائر، إبان الفترة الاستعمارية»، داعياً إلى إبراز هذا الموقف في القانون، الذي يتم التحضير له. كما أشار إلى أن الجزائريين الذين يعيشون في المناطق المجاورة لمواقع التفجيرات «ما زالوا يعانون من مخلفاتها إلى يومنا»، في إشارة إلى تقارير طبية تتحدث عن تشوهات خلقية تظهر على مواليد جدد في تلك المناطق، حيث يعتقد خبراء أن للإشعاعات النووية يداً فيها.

ويرتقب أن يتضمن تقرير لـ«لجنة التجهيز والتنمية المحلية»، التابعة لـ«مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)، عناصر عن آثار هذه التجارب، وسيعرض على أعضاء الهيئة البرلمانية بعد غد (الخميس).

الرئيس الجزائري طلب من الرئيس الروسي المساعدة في تنظيف مواقع التجارب النووية الفرنسية (الرئاسة الجزائرية)

من جهته، طالب عضو «مجلس الأمة» عن «الثلث الرئاسي»، جلول حروشي، أثناء مناقشة القانون، الحكومة الجزائرية، بـ«إعادة فتح ملف النفايات النووية في رقان، وأدرار وإينيكر بولاية تنمنراست (أقصى الجنوب)، والضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها وإزالة نفاياتها النووية».

وأجرت فرنسا تجارب نووية في صحراء الجزائر بداية ستينات القرن الماضي، واستمرت حتى عام 1967. ففي 13 فبراير (شباط) 1960، فجرت قنبلة بلوتونيوم في منطقة رقان (900 كلم جنوب) بقوة 70 كيلو طن، أي أقوى بثلاث أو أربع مرات من قنبلة هيروشيما. وكشفت وثائق رفعت عنها السرية في 2013، أن الآثار الإشعاعية للتفجير طالت غرب أفريقيا بأسره وجنوب أوروبا.

ويندرج موضوع التفجيرات النووية فيما يعرف بـ«ملف الذاكرة»، الذي كان محل اجتماعات بين باحثين في التاريخ من الجزائر وفرنسا منذ 2022، على أن تفضي هذه الاجتماعات إلى علاج لـ«أوجاع الماضي الاستعماري».

وقطع البلدان أشواطاً إيجابية في السنتين الأخيرتين في قضية استرجاع أرشيف ثورة التحرير الموجود بفرنسا. كما تطالب الجزائر، ضمن هذا الملف، بالاعتراف بالجرائم الاستعمارية، وتقديم اعتذار رسمي عنها، وإعادة الممتلكات الثقافية والتاريخية، التي تم نهبها من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية، مثل القطع الأثرية والفنية، زيادة على دفع تعويضات مالية للضحايا وأسرهم، خصوصاً الذين تعرضوا للتعذيب والقتل، أو فقدوا ممتلكاتهم أثناء الاستعمار (1830 - 1962).

وعاد موضوع التجارب النووية الفرنسية ليطرح بقوة، منذ أن تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق، في نهاية يوليو (تموز) الماضي، بسبب إعلان قصر الإليزيه اعترافه بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء.

الرئيس الجزائري طلب من الرئيس الروسي المساعدة في تنظيف مواقع التجارب النووية الفرنسية (الرئاسة الجزائرية)

ونهاية العام الماضي، دعا الرئيس عبد المجيد تبون في خطاب أمام غرفتي البرلمان، فرنسا، إلى التحرك لتطهير المناطق، التي شهدت تجاربها النووي، حيث قال: «أنت أصبحت قوة نووية وتركتِ لي المرض... تعالي نظفي الأوساخ التي تركتها». ولما زار روسيا في يونيو (حزيران) 2023، عرض على فلاديمير بوتين إبرام اتفاقيات تتعلق بإزالة مخلفات التجارب النووية الفرنسية، وقال إن الجزائر «ترغب في الاستعانة بأصدقائنا الخبراء الروس».



«طوارق ليبيا»... رحلة تقارب نصف قرن من البحث عن «الهوية»

الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)
الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)
TT

«طوارق ليبيا»... رحلة تقارب نصف قرن من البحث عن «الهوية»

الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)
الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)

يسود اعتقاد لدى قادة قبائل «الطوارق» بجنوب ليبيا بأن عدم حصولهم على الجنسية الليبية منذ عقود، بات ورقة «ضغط ومساومة» لدى الدولة الليبية وسياسيين، خصوصاً بعد وعود حكومية متكررة لم تتحقق حتى الآن.

ويعتقد محللون وباحثون بوجود «توظيف سياسي» لهذه القضية، في ظل انقسام البلاد بين معسكر شرق ليبيا وغربها.

وتحدّث رئيس المجلس الاجتماعي الأعلى لـ«طوارق ليبيا»، مولاي قديدي، عن وجود «موقف سياسي مستمر من الدولة الليبية ضد (الطوارق)» منذ نظام الرئيس الراحل معمر القذافي حتى اليوم، يتجلّى في «عدم الوفاء بوعود متكررة بمنحهم الجنسية».

وقال قديدي لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو كأن الدولة تريد الإبقاء على الأوراق الثبوتية لـ(الطوارق) بوصفهم ورقة ضغط للعمل في السلك العسكري، لكنها تبحث عنهم في حالة وجود خطر داهم، أو مشكلة أمنية أو خارجية». مشيراً إلى أن «الانقسام السياسي في ليبيا يلعب دوراً أساسياً في تأزيم قضايا (الطوارق)، وتأخير حلولها الجذرية».

ويطالب «الطوارق» منذ عهد نظام القذافي بالحصول على حقوق المواطنة، واستخراج أرقام وطنية تُمكنهم من المشاركة في الاستحقاقات الدستورية، وتتيح لهم حقوقاً خدمية أخرى، مثل «الالتحاق بالمدارس، ومنحة الأبناء والآباء، والحج والعمرة، والعلاج بالخارج»، وفق نشطاء محليين.

وفي مسعى لإيجاد حل إنساني مؤقت لهذه المشكلة، قررت السلطات الليبية استخراج «أرقام إدارية» مؤقتة لـ«الطوارق» منذ عام 2014، في حين تأخر منحهم حقهم الكامل في «أرقام وطنية»، مثل عموم الليبيين، وسط أقاويل وحجج لا تزال تلاحقهم بأنهم ينتمون إلى دول أفريقية، مثل مالي والنيجر.

حصر أعداد «الطوارق»

يؤكد رئيس المجلس الاجتماعي لـ«الطوارق» أنهم «مكتملو المواطنة منذ أكثر من نصف قرن»، ويقول إن لجاناً حكومية مختصة «أجرت عمليات حصر لأعدادهم في عهد النظام السابق، وعلى مدار سنوات التقينا عدداً من المسؤولين دون أي استجابة».

وسبق أن التقى عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، قيادات من «الطوارق» في عامي 2021 و2022، حضرها قديدي لبحث مشكلاتهم. وأقرّ الدبيبة بحق «الطوارق» في الحصول على الأرقام الوطنية، وقال قبل أكثر من عامين: «نعرف أن إخوتنا في (الطوارق) و(التبو) لا يملكون أرقاماً وطنية، وهم ليبيون يعتزّون بليبيتهم، وقد شكَّلنا لجنة من أجل ذلك».

في الوقت نفسه، لا تمانع مصلحة الأحوال المدنية في إنجاز أرقام الهوية الوطنية للمواطنين من مكون «الطوارق»، إلا أن مصدراً مسؤولاً في المصلحة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «عدم صدور قرار سيادي بمنحهم الجنسية يقف عقبة دون إصدارها».

وتمتد مشكلة جنسية «الطوارق» لنحو 5 عقود. وفي هذا السياق يقول رئيس المنظمة، ناصر الهواري، لـ«الشرق الأوسط» إن القذافي «لم يُقدم حلولاً جذرية لهذه المشكلة؛ واستمرت بعد (ثورة فبراير«شباط»)»، علماً بأن بعض من سمّاهم «بدون ليبيا» حصلوا على الجنسية في عهد القذافي لاعتبارات سياسية، أو عبر إثبات أصولهم، أو حصلوا عليها تحت مسمى «الجنسية العربية».

ووسط تأخر الحلول من جانب حكومة غرب ليبيا، رجحت الناشطة الليبية المدافعة عن حقوق «الطوارق»، خديجة عنديدي، أن تتحول قضية هويتهم إلى «ورقة مساومة للمقايضة، وتحقيق بعض المصالح السياسية الشخصية»، في ظل الانقسام السياسي، واصفة ما يحدث بأنه «تمييز عنصري».

وتُفسر الناشطة الليبية رؤيتها قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن بعض «الطوارق» الحاملين لأوراق هوية وطنية، «تلقوا وعوداً من سياسيين بحصول كل (الطوارق) على حقوق الجنسية، مقابل التصويت لهم في أي استحقاق انتخابي»، معيدة تأكيد أن أغلب «الطوارق» «لا يملكون هوية وطنية تتيح لهم حق التصويت».

ولا توجد تقديرات رسمية لأعداد مكون «الطوارق» في ليبيا، إلا أن مولاي قديدي قدّر أعدادهم بنحو 14 ألف أسرة، يتمركزون في عدد من مدن بالجنوب الليبي، منها غات وأوباري.

ومن منظور أوسع لما يعتقد أنه «توظيف سياسي» في إشكالية جنسية «الطوارق»، لا يستبعد محللون وباحثون ليبيون استخدام ورقة الأقليات، ومن بينها «الطوارق»، ضمن أوراق الانقسام السياسي بين الأفرقاء الليبيين.

ورقة ضغط

يؤيد المحلل السياسي الليبي، أيوب الأوجلي، الرأي القائل بأن «تعطيل أوراق الجنسية لقبائل (الطوارق) هو ورقة ضغط تستخدمها حكومة غرب ليبيا، في ظل دعم شرائح واسعة منهم للجيش الوطني في شرق البلاد»، إلى جانب أن جزءاً منهم «من أنصار النظام السابق»، حسب تقديره.

ويعتقد الأوجلي أن الهدف من حرمان «الطوارق» من حقهم في الجنسية والاستحقاقات الانتخابية هو «ضمان إقصائهم إذا أجريت أي انتخابات مفاجئة»، متحدثاً عن «سعي حكومة الدبيبة لتوظيف كل الأوراق، سواء العلاقات الداخلية أو الخارجية، ومن بينها ملف الأقليات».

في السياق ذاته، تُشكك دوائر بحثية مستقلة في العاصمة طرابلس فيما جرى تداوله قبل أقل من 3 أعوام، بشأن تزوير الأرقام الوطنية لصالح مواطنين «طوارق»، ضمن قضية تزوير كُبرى فجّرها مكتب النائب العام الليبي في مايو (أيار) 2022، عادّةً أنها «قنبلة دخان لتعطيل أوراق الجنسية لـ(الطوارق)».

الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)

ويستدل مصدر بحثي مستقل، فضل عدم ذكر اسمه، على «عبثية» هذه الاتهامات بالقول إن «النائب العام شكّل لجان تحقيق بمهنية، خلصت إلى وجود 88 ألف بطاقة هوية مزورة في عموم البلاد، ولم يُحددها في مكان جغرافي واحد، أو ضد مكون قبلي أو عرقي محدد».

وأمام استمرار هذه «المظلومية» التاريخية، يدرس المجلس الاجتماعي الأعلى لـ«طوارق ليبيا» «خيارات كثيرة» من أجل الحصول على حقوق مَن يُمثلهم، وفق رئيس المجلس، الذي أجاب عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول احتمالات تصعيد قضيتهم دولياً قائلاً: «عندما نستنفد خياراتنا محلياً سيكون لكل حادث حديث».

وإلى جانب «التبو» و«الأمازيغ»، يعد «الطوارق» من المكونات الثقافية في ليبيا، وسط اختلاف حول جذور نسبهم، بين مَن يُرجعهم إلى قبائل «صنهاجة» الأمازيغية، أو «الجرمنتيين» الليبيين، الذين سكنوا الصحراء الكبرى، لكنهم يبحثون عن استكمال «هويتهم المنقوصة».

وربما تكون «التشعبات الديموغرافية لهذا المكون في أكثر من دولة جوار جعلها كتلة عابرة للحدود، يتغيّر عددها بين الحين الآخر»، وفق الكاتب الليبي أحمد الفيتوري، الذي رأى أن «أوضاع هذه الكتلة الديموغرافية تؤهلها لتكون بيئة خصبة للتوظيف السياسي والاقتصادي والأمني»، وفق ما قال لـ«الشرق الأوسط».