شابان سودانيان يتحدثان... من الاحتجاجات إلى حمل البندقية في صفوف الجيش

حلما بإنقاذ بلدهما في أثناء حكم عمر البشير

جنود من الجيش السوداني يحتفلون بعد دخولهم مدينة ود مدني في السودان 12 يناير 2025 (رويترز)
جنود من الجيش السوداني يحتفلون بعد دخولهم مدينة ود مدني في السودان 12 يناير 2025 (رويترز)
TT
20

شابان سودانيان يتحدثان... من الاحتجاجات إلى حمل البندقية في صفوف الجيش

جنود من الجيش السوداني يحتفلون بعد دخولهم مدينة ود مدني في السودان 12 يناير 2025 (رويترز)
جنود من الجيش السوداني يحتفلون بعد دخولهم مدينة ود مدني في السودان 12 يناير 2025 (رويترز)

في مبنى مدمر، يقف شاب يرتدي قميصاً أبيض وملابس عسكرية، ويحمل قاذفة صواريخ على كتفه. سُمع صوت انفجار، ثم صرخة تقول: «أحسنت. لقد نلت منهم!»، الصوت لمحمد، هو شاب ذو عينين ضاحكتين، وشارب شبابي، وبندقية كلاشنيكوف معلّقة على كتفه. لا يُتعب نفسه من إعادة تشغيل مقطع الفيديو الذي تم تصويره قبل أيام قليلة على جوّاله، على خط المواجهة، على مسافة نحو عشرة كيلومترات في خط مستقيم من نهاية الرصيف حيث يجلس هذا الصباح على كرسي بلاستيكي ويحمل بيده فنجان قهوة سوداء محلاة.

وعلى مسافة غير بعيدة، يمكن سماع اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

تخوض المجموعتان العسكريتان صراعاً دامياً يشمل جميع أنحاء البلاد منذ ما يقرب من عامين، بدءاً من العاصمة الخرطوم، حيث اشتدت حدة القتال في الأسابيع الأخيرة. وقُتل أكثر من 120 مدنياً، الاثنين، في قصف لمدينة أم درمان.

أشخاص بالقرب من دبابة بعد دخول الجيش السوداني إلى ود مدني في السودان 12 يناير 2025 (رويترز)
أشخاص بالقرب من دبابة بعد دخول الجيش السوداني إلى ود مدني في السودان 12 يناير 2025 (رويترز)

عقود من الحكم العسكري

التهمت الحرب في السودان كل شيء وكل شخص، وخاصة الشباب، الأشخاص أنفسهم الذين حلموا في أبريل (نيسان) 2019 بإنقاذ السودان وساعدوا في إنهاء ثلاثة عقود من حكم عمر البشير، بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات السلمية، حسب صحيفة «لوفيغارو».

وكان محمد، المراهق، جزءاً من كل هذه المسيرات الشعبية الكبرى. كان يدرس في جامعة الخرطوم للتكنولوجيا عندما اندلعت الحرب. والآن، في عمر الـ22 عاماً، يقاتل إلى جانب الجيش السوداني ضمن «اللواء الثوري». لقد اختار الجانب الذي يؤيده في الحرب، حتى لو كان ذلك يعني دعم الجنود الذين كان يكرههم في السابق، بحسب الصحيفة.

يقول محمد: «البلاد تحتاج إلينا. هذا ليس الوقت المناسب للانقسام. العدو اليوم هو (قوات الدعم السريع)، أما في ما يخص الباقي فسنرى لاحقاً».

أنصار لـ«قوات الدعم السريع» بالقرب من الخرطوم بالسودان 22 يونيو 2019 (رويترز)
أنصار لـ«قوات الدعم السريع» بالقرب من الخرطوم بالسودان 22 يونيو 2019 (رويترز)

في وقت المظاهرات الأولى، كان محمد بالفعل يناضل على الخطوط الأمامية بكل حماسة وينضم إلى مجموعة «الغاضبين»، وهم في الغالب متظاهرون صغار السن، يرتدون أقنعة على وجوههم لحماية أنفسهم من الغاز المسيل للدموع، ويقيمون الحواجز ويواجهون قوات الأمن التي ترد عليهم بالطوب والإطارات المشتعلة، والذخيرة الحية. لقد تعرض هؤلاء المتمردون المتهورون للاعتقال والجرح وبتر الأعضاء والقتل في بعض الأحيان، لكنهم اتحدوا حول قضية مشتركة وتجربة القمع، وظلوا إخوة في السلاح، وفق «لوفيغارو».

جراح قديمة

«لقد فقدنا العديد من الأصدقاء في أثناء الثورة وفي أثناء الحرب»، يأسف آدم، وهو شاب طويل القامة يخدم في صفوف الجيش، ولاعب كرة قدم محترف سابق، وقد يبدو شعره الأشعث علامة على رفضه للقواعد العسكرية الصارمة. تظهر على ساقه علامة مؤلمة ناجمة عن شظية قذيفة، لم تلتئم بعد. ذراعاه، تحملان إصابات قديمة تعرض لها في أثناء المظاهرات المؤيدة للديمقراطية.

يقول: «إن الجيش، كمؤسسة، لم يكن عدونا قطّ. لقد شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمقاتلي (قوات الدعم السريع) وهم يذلون الجنود الأسرى ويجبرونهم على الزحف على الأرض. سألت نفسي: إذا كانوا يفعلون هذا لسجنائهم، فماذا يستطيعون أن يفعلوا للمدنيين العزل؟».

تتصاعد أعمدة الدخان من مصفاة نفط شمال أم درمان في أثناء المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع 15 يناير 2025 (أ.ف.ب)
تتصاعد أعمدة الدخان من مصفاة نفط شمال أم درمان في أثناء المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع 15 يناير 2025 (أ.ف.ب)

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023 بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في القوات المسلحة في خضم عملية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

وأطلق الجيش السوداني حملة تجنيد إجباري. انضم عشرات الآلاف من المتطوعين - وفي كثير من الأحيان لم يكن لديهم تدريب مسبق في التعامل مع الأسلحة - إلى المجهود الحربي وشاركوا فيما أطلقت عليه السلطات «معركة الكرامة».


مقالات ذات صلة

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

شمال افريقيا نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

قُتل عشرات المدنيين في مدينة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان في ظل تصاعد الاشتباكات ووسط مخاوف من اقتحام «قوات الدعم السريع» للمدينة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
تحليل إخباري المشاركون في مؤتمر لندن حول السودان أثناء اجتماعهم (موقع وزارة الخارجية البريطانية)

تحليل إخباري مؤتمر لندن للسودان... بصيص أمل في نفق «الحرب المنسية»

استضافت العاصمة البريطانية لندن مؤتمراً دولياً حول النزاع في السودان الثلاثاء الماضي وصفه البعض بـ«الفشل الدبلوماسي» فيما رأى فيه آخرون «بصيص أمل»

عيدروس عبد العزيز (لندن)
تحليل إخباري سد مروي في شمال السودان الذي استهدفته مسيّرات ليل الثلاثاء - الأربعاء (وكالة السودان للأنباء/ سونا)

تحليل إخباري هل يصمد سد مروي في السودان أمام ضربات المسيرات؟

يواجه سد مروي أحد أكبر المشاريع الكهرومائية في السودان، أخطاراً جمة، بسبب هجمات مسيرات «قوات الدعم السريع» على بنيته التحتية، خاصة بنية الكهرباء والبوابات.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» يستريحون في مخيم مؤقت بالقرب من بلدة طويلة بمنطقة دارفور غرب السودان التي مزَّقتها الحرب 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

السودان: 57 قتيلاً جراء اشتباكات وهجمات على مدينة الفاشر بإقليم دارفور

قُتل 57 مدنياً على الأقل في اشتباكات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، وفي قصف نفذته «الدعم السريع» على مدينة الفاشر في إقليم دارفور بالسودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على توزيع المساعدات على 1500 أسرة محتاجة في قولو، جبل مرة  (موقع الصليب الأحمر)

«الصليب الأحمر» الدولي في السودان: الخطر يطارد الناس بمناطق النزاع

قال رئيس البعثة الدولية للصليب الأحمر دانيال اومالي، إن نظام الرعاية الصحية في السودان تعرَّض للانهيار، واضطر بعض الجرحى إلى طلب العلاج في بلدان مجاورة

وجدان طلحة (بورتسودان)

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT
20

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

قُتل عشرات المدنيين في مدينة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان، وفق ما أفاد مصدر طبي ونشطاء محليون، الخميس، في ظل تصاعد الاشتباكات، ووسط مخاوف من اقتحام «قوات الدعم السريع» للمدينة.

وأوضحت «لجان المقاومة في الفاشر» أن المدنيين قُتلوا الأربعاء في اشتباكات وقصف نفذته «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش منذ أبريل (نيسان) 2023.

ووقعت أعمال العنف بعد أيام من مقتل أكثر من 400 شخص في هجمات لـ«الدعم السريع» على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ومخيمات نازحين قريبة، وفقاً للأمم المتحدة.

وقدّر الجيش السوداني عدد القتلى الأربعاء بـ62 شخصاً، بينهم 15 طفلاً تتراوح أعمارهم بين ثلاث وعشر سنوات، فضلاً عن إصابة العشرات.

صورة قمر اصطناعي تُظهر نيراناً مشتعلة في مخيم «زمزم» للاجئين (أرشيفية - رويترز)
صورة قمر اصطناعي تُظهر نيراناً مشتعلة في مخيم «زمزم» للاجئين (أرشيفية - رويترز)

وقال الجيش في بيان إنه صد «الهجوم الشرس» على شرق المدينة، في رد منسق مع «القوة المشتركة من حركات الكفاح المسلح، والمخابرات، والشرطة، والمستنفرين، والمقاومة الشعبية». وأضاف أن «قوات الدعم السريع» قد «قامت بقصف عشوائي للمدينة خلال فترات متقطعة».

وتدافع عن الفاشر مجموعات مسلحة متحالفة مع الجيش تُعرف باسم «القوات المشتركة»، وقامت في الأشهر الماضية بقطع خط إمدادات «الدعم السريع» مراراً.

ويصف خبراء معركة الفاشر بـ«الحيوية» بالنسبة للجيش السوداني وحلفائه.

وتحاصر «الدعم السريع» الفاشر منذ أشهر في محاولة للسيطرة عليها، حيث تظل آخر مدينة رئيسية في دارفور تحت سيطرة الجيش، في حين تسيطر «الدعم السريع» على معظم الإقليم ذي المساحة الشاسعة غرب السودان.

مائة قذيفة يومياً

بحسب محمد، أحد المتطوعين النازحين من مخيم «زمزم» إلى الفاشر، لم يتوقف القصف على الفاشر خلال الأيام الماضية.

وقال محمد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه أصيب بطلق ناري أثناء الهجوم على «زمزم» الأسبوع الجاري. ولعدم وجود منشآت طبية، تلقى محمد ومئات المصابين علاجاً أولياً في أحد منازل المخيم، إلى أن نزح محمولاً إلى داخل مدينة الفاشر.

وأشار محمد إلى نفاد الأدوية من الفاشر التي لم يعد فيها «مسكنات آلام أو مواد حيوية... ونستخدم الكي بالنار لتضميد الجروح وتطهيرها».

ويتلقى وسط الفاشر «مائة قذيفة يومياً»، بحسب محمد الذي طلب عدم نشر اسم عائلته حفاظاً على أمنه، بلا ملاجئ للمدنيين.

وحذرت الأمم المتحدة من توابع وخيمة في حال اقتحام «الدعم السريع» للمدينة التي تعاني انعداماً حاداً للأمن الغذائي.

ويعيش في محيط الفاشر 825 ألف طفل في «جحيم على الأرض»، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

فارون من مخيم «زمزم» للاجئين يبحثون عن مأوى في العراء (أرشيفية - أ.ف.ب)
فارون من مخيم «زمزم» للاجئين يبحثون عن مأوى في العراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

مئات آلاف النازحين

أدت الحرب التي دخلت عامها الثالث الثلاثاء الماضي، إلى مقتل عشرات الآلاف، ونزوح 13 مليون شخص، في ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.

كما أدى النزاع إلى تقسيم البلاد إلى قسمين عملياً؛ إذ يسيطر الجيش على الوسط والشمال والشرق، في حين تسيطر «الدعم السريع» على كل دارفور تقريباً، بالإضافة إلى أجزاء من الجنوب مع حلفائها.

وبعد الهجوم الكبير الذي شنته الجمعة في دارفور، أعلنت «الدعم السريع» الأحد سيطرتها الكاملة على مخيم «زمزم» للاجئين الذي كان يضم نحو مليون لاجئ، حسب مصادر إغاثية.

وأدى الهجوم إلى نزوح 400 ألف على الأقل من سكان المخيم إلى المدن المجاورة. وقالت «غرفة الطوارئ»، وهي مجموعة متطوعة مدنية بمدينة طويلة القريبة من الفاشر، إن النازحين الجدد «يعانون نقصاً في الغذاء ومياه الشرب ومواد الإيواء»، مع عدم توافر أي مساعدات إنسانية في المنطقة.

وكان مخيم «زمزم» أول منطقة في السودان أُعلنت فيها المجاعة في أغسطس (آب) الماضي. وبحلول ديسمبر (كانون الأول) امتدت المجاعة إلى مخيمين آخرين في دارفور، وفق تقييم مدعوم من الأمم المتحدة.

وحذرت الأمم المتحدة من أن الكثير من النازحين ربما ما زالوا عالقين في «زمزم».