محادثات مصرية - صومالية - إريترية لتعميق التعاون في «القرن الأفريقي»

القاهرة تؤكد رفض وجود أي دولة غير مشاطئة للبحر الأحمر

اتفاق على عقد جولة ثانية من القمة الرئاسية بين مصر وإريتريا والصومال في «وقت قريب» (الخارجية المصرية)
اتفاق على عقد جولة ثانية من القمة الرئاسية بين مصر وإريتريا والصومال في «وقت قريب» (الخارجية المصرية)
TT

محادثات مصرية - صومالية - إريترية لتعميق التعاون في «القرن الأفريقي»

اتفاق على عقد جولة ثانية من القمة الرئاسية بين مصر وإريتريا والصومال في «وقت قريب» (الخارجية المصرية)
اتفاق على عقد جولة ثانية من القمة الرئاسية بين مصر وإريتريا والصومال في «وقت قريب» (الخارجية المصرية)

استضافت القاهرة محادثات وزارية مصرية - صومالية - إريترية، اليوم السبت، ركزت في أول انعقاد لها منذ قمة رئاسية للبلدان الثلاثة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على تعزيز التعاون الإقليمي والاستقرار والأمن في القرن الأفريقي، وسط تأكيد مصر على «رفض المساس بوحدة الصومال، أو وجود أي دولة غير مشاطئة للبحر الأحمر».

وبحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فإن المحادثات الثلاثية، تعد «تعميقاً للتعاون وللتحالف المصري - الصومالي - الإريتري بمنطقة القرن الأفريقي»، فيما تحل التصريحات المصرية رسائل غير مباشرة لأديس أبابا بهدف «مزيد من الضغط» عليها قصد حفظ استقرار الصومال والبحر الأحمر، الذي يهم الأمن القومي للقاهرة.

وعززت مصر تعاونها العسكري مع الصومال، عقب أزمة بين مقديشو وأديس أبابا، وعارضت توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري، يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

ووفق وزارة الخارجية المصرية، السبت، فإنه جرى عقد الاجتماع الأول للجنة الوزارية بين وزراء خارجية مصر بدر عبد العاطي، والصومال أحمد معلم فقي، وإريتريا عثمان صالح محمد، في القاهرة، بهدف «تعزيز التعاون الإقليمي ودعم الأمن والاستقرار بالقرن الأفريقي».

وبحسب بيان صحافي مشترك للبلدان الثلاثة، نقلته «الخارجية المصرية»، فإن الاجتماع الوزاري الأول جاء بناء على نتائج «قمة أسمرة الثلاثية»، التي عقدت في أكتوبر الماضي بين رؤساء مصر وإريتريا والصومال، بهدف تعزيز الأمن في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

جانب من المحادثات المصرية-الصومالية-الإريترية في القاهرة (الخارجية المصرية)

ورحب الاجتماع بـ«التقدم المُحرز في تعزيز التعاون، بما في ذلك مشاركة مصر في جهود حفظ وبناء السلام في الصومال، والمشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال AUSSOM، المقررة منذ بداية هذا العام»، متفقاً على عقد جولة ثانية من القمة الرئاسية بين مصر وإريتريا والصومال في «وقت قريب».

يرى نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير صلاح حليمة، أن الاجتماع «يهدف إلى تعميق التعاون والتحالف الثلاثي في مواجهة التحديات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، خصوصاً أن مذكرة التفاهم، التي وقعتها أديس أبابا مع (أرض الصومال) لم يحدث توافق نهائي بشأن إلغائها، رغم التفاهمات التي حدثت في أنقرة الشهر الماضي، لإنهاء الخلاف، وإجراء مباحثات في فبراير (شباط) المقبل لمدة 4 أشهر».

أما المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فيرى أن الاجتماع الثلاثي «يعكس أهمية تعميق التحالفات الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، لمواجهة التحديات المشتركة، وتعزيز المصالح الاستراتيجية المرتبطة بالبحر الأحمر، وهذا يترجمه تنامي التعاون، وتأكيد مصر المشاركة في بعثة حفظ السلام باعتبار استقرار مقديشو جزءاً من الأمن القومي المصري».

ووفق بري فإن «عقد قمة رئاسية ثلاثية جديدة خلال فترة قصيرة يشير إلى جدية الأطراف الثلاثة في بناء تحالف استراتيجي طويل الأمد، وليس مجرد تفاهمات دبلوماسية، بجانب جذب الاهتمام الدولي لدعم هذا التحالف».

الاجتماع الوزاري الأول في القاهرة جاء بناء على نتائج "قمة أسمرة الثلاثية" (الخارجية المصرية)

وحمل عبد العاطي في مؤتمر صحافي مع نظيريه الصومالي والإريتري، رسالة غير مباشرة لإثيوبيا، قائلاً إنه «تم التحدث خلال الاجتماع حول أن أمن البحر الأحمر مرهون بإرادة الدول المشاطئة فقط، ولا يمكن على الإطلاق قبول أي وجود لأي دولة غير مشاطئة له، سواء بوجود عسكري أو بحري».

وأرجع حليمة، موقف مصر بشأن الدول غير المشاطئة للبحر الأحمر، إلى أن «أي منفذ بحري يجب أن يكون الوجود فيه حسب القانون الدولي؛ وإلا فإنه يشكل تهديداً لأي دولة»، وهو ما ترى القاهرة أنه «لم يتم حتى الآن على اعتبار أن التفاهمات الإثيوبية - الصومالية لم تنته إلى اتفاق نهائي بعد، وهو ما يجعل الموقف الحالي لأديس أبابا مرفوضاً، ويهدد أمن القرن الأفريقي والبحر الأحمر».

ما تحدث عنه عبد العاطي بشأن البحر الأحمر، يعكس رغبة القاهرة في حماية أمنها القومي وأمن الدول المشاطئة، بما فيها إريتريا والصومال، ويحمل رسائل غير مباشرة إلى إثيوبيا، بشأن دورها المتنامي في المنطقة، بحسب بري، الذي أوضح أن القاهرة «تعدّ أي تدخل إثيوبي في البحر الأحمر أو القرن الأفريقي تهديداً محتملاً»، وأن دعم مصر للصومال وإريتريا «يشكل توازناً أمام النفوذ الإثيوبي المتزايد، مما يقوي الموقف المصري والصومالي ضد السياسات الإثيوبية».

وعلى الرغم من أن التحالف الثلاثي قد يزيد الضغط على إثيوبيا؛ فإنه «قد يؤدي أيضاً إلى تصعيد التوتر الإقليمي إذا شعرت أديس أبابا أنها مستهدفة من هذا التعاون»، وفق بري، الذي أكد أن تلك التطورات «تشير إلى تغييرات كبيرة في خريطة التحالفات في القرن الأفريقي، مع احتمال تعميق التعاون بين مصر والصومال وإريتريا ليشكل جبهة موحدة ضد التحديات الإقليمية».


مقالات ذات صلة

الصومال: نجحنا في تسوية 4.5 مليار دولار من الديون بمساعدة السعودية

خاص وزير المالية الصومالي بيحي عجي (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 01:17

الصومال: نجحنا في تسوية 4.5 مليار دولار من الديون بمساعدة السعودية

أكد وزير المالية الصومالي أن بلاده تمكنت من تسوية نحو 4.5 مليار دولار من الديون، وأنها تشهد تغيراً حقيقياً، وتمضي بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
تحليل إخباري رئيس الوزراء الصومالي يشهد مراسم أداء القسم لوحدات تابعة للجيش (وكالة الأنباء الصومالية)

تحليل إخباري هل يُعزز دمج الصومال لـ«ميليشيات العشائر» بالجيش قوته ضد «الشباب»؟

أعلن وزير الدفاع الصومالي، عمر عبدي، رسمياً، السبت، بدء عملية دمج قوات ميليشيات العشائر المعروفة بـ«معوسلي» بتسجيل مقاتليها وبدء تدريبهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
أفريقيا رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي (رويترز)

قادة أفارقة يسعون إلى إيجاد حل للصراع في الكونغو الديمقراطية

يجتمع زعماء تكتلات إقليمية من شرق وجنوب أفريقيا في تنزانيا اليوم (السبت) للبحث عن حل للصراع في شرق الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (دار السلام (تنزانيا))
شمال افريقيا نائب رئيس مجلس الوزراء المصري خلال استقباله سفير جيبوتي في القاهرة (مجلس الوزراء المصري)

مصر لتعزيز حضورها في «القرن الأفريقي» عبر خط بحري مع جيبوتي

تُعزز مصر حضورها في «القرن الأفريقي» عبر خط بحري مع جيبوتي. وأكدت القاهرة، الخميس، حرصها على دعم جهود التنمية في القارة السمراء.

عصام فضل (القاهرة)
شؤون إقليمية وزيرا الخارجية المصري بدر عبد العاطي والتركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي في ختام مباحثاتهما في أنقرة... الثلاثاء (إ.ب.أ)

مصر وتركيا تؤكدان تطابق مواقفهما بشأن قضايا المنطقة... واستمرار تعزيز علاقاتهما

أكدت مصر وتركيا اتفاقهما على تعزيز العلاقات الثنائية، والعمل بشكل وثيق ومنسق؛ لضمان استدامة وقف إطلاق النار في غزة، ووقف الاشتباكات في السودان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الجزائر تشن حملة واسعة لإحياء ذكرى تفجيرات فرنسا النووية

ملصق البرلمان الجزائري الخاص بمؤتمر عن ذكرى التفجيرات النووية (البرلمان)
ملصق البرلمان الجزائري الخاص بمؤتمر عن ذكرى التفجيرات النووية (البرلمان)
TT

الجزائر تشن حملة واسعة لإحياء ذكرى تفجيرات فرنسا النووية

ملصق البرلمان الجزائري الخاص بمؤتمر عن ذكرى التفجيرات النووية (البرلمان)
ملصق البرلمان الجزائري الخاص بمؤتمر عن ذكرى التفجيرات النووية (البرلمان)

تطلق وسائل الإعلام العامة والخاصة بالجزائر، اليوم الثلاثاء، حملة كبيرة عنوانها: «جريمة لا تُنسى»، تتعلق بمرور 65 سنة على التفجيرات النووية الفرنسية بصحراء البلاد، في وقت تشهد فيه العلاقة بالمستعمر السابق توترات حادّة.

تفجير 13 فبراير 1960 (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وأكدت الإذاعة الحكومية في نشراتها الإخبارية أنها ستنظم مؤتمرات ونقاشات بشأن الموضوع، يشارك فيها مختصون في تشريعات الجرائم ذات الطابع الدولي، وباحثون بالتاريخ. وسيستمر هذا «التركيز الإعلامي» الاستثنائي على ذكرى تجارب الذرة الفرنسية، إلى الجمعة المقبل. كما تتطرق قنوات التلفزيون العمومي، خصوصاً قناة «الذاكرة»، حالياً إلى موضوع التفجيرات، وما خلّفته من مآسٍ، وإلى «المسؤولية التي تقع على فرنسا بتنظيف مواقع التفجيرات من مخلفات الإشعاعات».

وانخرطت في الحملة المعادية بشدة للسلطات الفرنسية تنظيمات ما تعرف بـ«الأسرة الثورية»؛ وعلى رأسها «منظمة المجاهدين» و«منظمة أبناء الشهداء»، و«منظمة أبناء المجاهدين»، بدعم لافت من وزارة المجاهدين.

كما يشارك في الحملة، بشكل خاص، «المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)»، الذي أعلن في بيان عن تنظيم «يوم دراسي» بشأن تجارب الذرة، الخميس المقبل، في «المركز الدولي للمؤتمرات»، وهو أكبر فضاء عمومي بالعاصمة. وسيجري تناول «التداعيات الخطيرة للتفجيرات النووية، وآثارها المستمرة على الإنسان والبيئة، من طرف نخبة من الباحثين والمختصين». ودعا البيان وسائل الإعلام إلى «تسليط الضوء على هذه القضية المهمة».

صورة أرشيفية للتجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر (الشرق الأوسط)

وأكد الباحث البارز في الهندسة النووية، عمار منصوري، لـ«وكالة الأنباء الجزائرية»، أن فرنسا «استعملت سكان الصحراء موضوع تجارب في تفجيراتها النووية»، مبرزاً «خطورة الإشعاع النووي، الذي تسبب في إصابات بالسرطان وتشوه الأجنة، إلى جانب تأثيره على البيئة»، عادّا الأحداث «جريمة كبرى ضد الإنسان وكذلك ضد الحيوان والبيئة».

ويمثل 13 فبراير (شباط) ذكرى سيئة بالنسبة إلى الجزائريين، ففي هذا اليوم من عام 1960 أجرت السلطات الاستعمارية أول تجربة ذرية لها في صحراء البلاد، التي التحقت بفضلها بـ«النادي النووي الدولي»، والتي تلتها 26 تجربة أخرى على مدار 6 سنوات كاملة.

وتفيد مصادر برلمانية بأن المناقشات التي سيجريها «المجلس الوطني»، الخميس المقبل، تمهد لإحياء مشروع تخلت عنه السلطات في بداية حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019)، يتمثل في إصدار «قانون يجرم الاستعمار الفرنسي». وأكد رئيس «المجلس»، إبراهيم بوغالي، في تصريحات لقناة تلفزيونية خاصة، نهاية الشهر الماضي، وجود ترتيبات لاتخاذ هذه الخطوة. وفُهم من كلامه أن ذكرى التفجيرات النووية هي أفضل مناسبة للإعلان عنها بشكل رسمي.

الرئيس الجزائري ربط بناء علاقات طبيعية بفرنسا بمدى استعدادها لـ«تحمل مسؤوليتها بخصوص تجاربها النووية في الجزائر»... (الرئاسة الجزائرية)

وربط الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بناء علاقات طبيعية بفرنسا بمدى استعدادها لـ«تحمل مسؤوليتها بخصوص تجاربها النووية في الجزائر»؛ ففي حوار مع صحيفة «لوبينيون» الفرنسية، نشر في 3 فبراير الحالي، ذكر أن «تسوية القضايا المتعلقة بالتفجيرات النووية، وباستخدام الأسلحة الكيميائية، من طرف فرنسا في جنوب الجزائر، مسألة ضرورية لاستئناف التعاون الثنائي». وفي نهاية 2024 دعا تبون الحكومة الفرنسية إلى تنظيف الأماكن التي تلوّثت بإشعاعات الذرة.

وفي تقدير مراقبين، فإن هذا الاهتمام المركز بذكرى التجارب النووية لا يخلو من مناكفة تجاه فرنسا. كما أنه بمثابة رد على حملة شديدة يقودها مسؤولون في الحكومة الفرنسية، ورموز من اليمين واليمين المتطرف، لإلغاء اتفاق الهجرة مع الجزائر، الذي وُقّع عام 1968، ولتخفيض إصدار التأشيرات، وفق المراقبين أنفسهم.

والمعروف أن التوترات الحالية مع باريس، التي تلامس القطيعة الدبلوماسية، بدأت في نهاية يوليو (تموز) الماضي بإعلان «الإليزيه» دعمه خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، وتصاعدت بسبب «قضية سجن الكاتب بوعلام صنصال»، ثم توقيف مؤثرين جزائريين في فرنسا بتهمة «التحريض على العنف».

الكاتب بوعلام صنصال المسجون على ذمة التحقيق بتهمة المسّ بالسلامة الترابية للبلاد (متداولة)

في المجتمع الجزائري يُظهر مواطنون من فئات مختلفة تمسكاً بضرورة «اعتراف فرنسا بأنها ارتكبت جريمة ضد الإنسانية»؛ بسبب إجرائها تجارب نووية في أرضهم. وبهذا الخصوص، قالت سمية بن محمد، الطالبة في «المدرسة العليا للزراعة» بمدينة الحراش، جنوب العاصمة، لـ«الشرق الأوسط»: «نشأتُ في بيتنا وفي المدرسة على آلام الاستعمار وجرائمه، وتضحيات أجدادنا من أجل استقلالنا وحريتنا. وعلى هذا الأساس؛ فإذا وجدت خطة جادة لتجريم الاستعمار الفرنسي، فأنا من داعميها».

وزير المجاهدين (يسار) مع مسؤول تنظيم «أبناء الشهداء»... (موقع الوزارة)

وفي مقهى «باتريس لومومبا» الشهير بالمدينة نفسها، يقول صاحبه المولود في سنة اندلاع حرب التحرير (1954): «لا أتذكر في صغري حدثاً يتعلق بالتفجيرات النووية... مؤكدٌ أنه كان هناك تعتيم على الحادثة يومها، ولكن والدي لطالما حدثني عن جرائم الاستعمار، ومعاناة شعبنا من الاحتلال»، مشدداً على «ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها، ودفعها تعويضات عنها، وإن رفضت؛ فأنا لا أرى مانعاً من رفع القضية إلى القضاء الجنائي الدولي».