ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

قال إن جلسته السابقة زادت من «تعقيد المسار السياسي»

المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
TT

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

صعّد المجلس الرئاسي الليبي في مواجهة مجلس النواب بشرق البلاد، منتقداً تجاهله لمشروع قانون «المصالحة الوطنية»، الذي سبق أن تقدم به العام الماضي. كما دعاه إلى تجنب «القرارات الأحادية»، التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية، وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

وبدأت الأزمة عندما تقدم المجلس الرئاسي في فبراير (شباط) 2024 بمشروع قانون لـ«المصالحة الوطنية» إلى مجلس النواب، وانتظر مناقشته والموافقة عليه، لكن الأخير كان يعمل على مشروع مماثل، أقره الثلاثاء الماضي خلال انعقاده في مدينة بنغازي.

المجلس الرئاسي انتقد تجاهل مشروع النواب لمشروع قانون «المصالحة الوطنية» (المجلس)

وفي أول تعليق من المجلس الرئاسي على ما وصفه بـ«تجاهل مشروعه للمصالحة»، قال إنه «كان يأمل التعامل مع المشروع الذي تقدم به بروح المسؤولية الوطنية، بعيداً عن التسييس»، إلا أن الجلسة «خالفت هذه التطلعات، وزادت من تعقيد المسار».

وتقطّعت السبل بين الطرفين الداعيين للمصالحة، ودخلا من قبل في مشاحنات على خلفيات، تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وهما يتسابقان ويتنافسان حالياً على إدارة ملف المصالحة.

ودفاعاً عن مشروعه، قال المجلس الرئاسي في بيان مساء (الأربعاء) إنه تعامل في ملف المصالحة بـ«شفافية ومهنية ليبية خالصة، والمشروع حظي بإشادة دولية قبل إحالته إلى مجلس النواب منذ أكثر من عام، بعد إعداده وفق معايير مهنية، ومرجعيات وطنية لضمان حقوق الأطراف كافة، وتعزيز فرص المصالحة»، داعياً إلى الالتزام بالاتفاق السياسي «بوصفه أساساً شرعياً لتنظيم عمل المؤسسات السياسية، وتنسيق اختصاصاتها لتجنب النزاعات وفرض الأمر الواقع».

وشدّد المجلس الرئاسي على «أهمية تجنب القرارات الأحادية التي تقوض الشراكة الوطنية، وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد»، وتعهد بأنه «سيواصل حماية هذا المشروع الوطني، وضمان مساره الصحيح وفق صلاحياته».

وأشاد المجلس الرئاسي بجهود الجهات الوطنية التي أسهمت في هذا المشروع، وبالدور الإيجابي للاتحاد الأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، ودعا الكل إلى القيام بدوره بـ«حيادية»، معرباً عن تطلعه إلى «استمرار الجميع في دعم مشروع المصالحة للوصول إلى مصالحة شاملة».

وانتهى «الرئاسي» إلى أن إنجاح مشروع المصالحة «يتطلب تعاون الأطراف كافة لإرساء العدالة، والسلم الأهلي، بعيداً عن خطوات قد تعرقل المسار، وتبدد آمال الليبيين في مستقبل مستقر وموحد».

ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي، الذي عرفته البلاد منذ بداية 2014.

وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022، ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.

وخلال العامين الماضيين، احتضنت مدن ليبية كثيرة اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها «المجلس الرئاسي». وظلت المساعي تُبذل على أمل عقد «مؤتمر وطني جامع للمصالحة» بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) الماضي، لكنها تعثرت بعد تفاقم الخلافات.

وينظر إلى رد المجلس الرئاسي على البرلمان على أنه «تصعيد جديد قد يزيد من تعقيد العملية السياسية»، ويعمّق الانقسام والخلاف بين جبهتي شرق ليبيا وغربها، الأمر الذي يلقي بظلاله على أي حوار قد تقوده البعثة الأممية.

سيف الإسلام القذافي (الشرق الأوسط)

وكانت أطياف ليبية كثيرة قد شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً لأسباب عدة، من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.

يأتي ذلك، فيما لا تزال حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تدفع عن نفسها تهمة التطبيع مع إسرائيل، إثر كشف وزيرة خارجيتها المقالة نجلاء المنقوش تفاصيل لقائها بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

وقال الطاهر الباعور، المكلف تسيير وزارة الخارجية بـ«الوحدة»، إنه «لا توجد أي روابط بين حكومته والكيان الصهيوني»، مضيفاً أن ليبيا «لا تعترف بهذا الكيان، ولا يوجد أي سبب ليكون للحكومة علاقات معه».

وزيرة الخارجية المقالة نجلاء المنقوش (أ.ب)

ونقلت وزارة الخارجية جانباً من تصريح الباعور، الذي تطرق فيه لموقف حكومته من القضية الفلسطينية، بوصفها «قضية مركزية» لكل الليبيين. وعبّر في معرض حديثه عن التطورات السورية، عن أمله بقرب فتح السفارة السورية في طرابلس، مشيراً إلى أن قائماً بأعمال، وطاقماً قنصلياً يمارسون أعمالهم بالفعل في السفارة الليبية في دمشق، وذلك في إطار دعم الحكومة الليبية للحكومة السورية الجديدة.

مديرو مراكز طبية ومستشفيات خلال لقائهم صالح في مكتبه بشرق ليبيا (مكتب صالح)

في شأن مختلف، قال رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، لدى لقائه في مكتبه بالقبة عدداً من مديري المراكز الطبية والمستشفيات بمختلف المدن والمناطق، إنه اطلع على مستجدات العمل في المرافق الصحية في ربوع البلاد، كما استمع إلى المشاكل والعراقيل التي تواجه سير العمل.

ونقل مكتب صالح عنه تأكيده أن مجلسه سيعمل على حلحلة المشاكل كافة، عبر رئاسة الوزراء التي بدورها ستوفر الإمكانيات كافة لوزارة الصحة، بما يكفل تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطن.


مقالات ذات صلة

ليبيون يأملون تفعيل قرار وقف تبادل النفط بالمحروقات

شمال افريقيا المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أعلنت إيقاف العمل بآلية مقايضة النفط الخام بالوقود اعتباراً من مارس المقبل (الوطنية للنفط)

ليبيون يأملون تفعيل قرار وقف تبادل النفط بالمحروقات

تتجه ليبيا لتفعيل قرار يقضي بوقف تبادل النفط الخام مقابل المحروقات المستوردة؛ سعياً لتقليل الهدر في الدعم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا المبعوثة الأممية الجديدة لدى ليبيا هانا سيروا تيتيه (الأمم المتحدة)

ترحيب «أوروبي»... وصمت رسمي حيال تعيين مبعوثة جديدة إلى ليبيا

الاتحاد الأوروبي يؤكد دعم جهود بعثة الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي دائم عبر حوار شامل بين الليبيين.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الغانيّة هانا سيروا تيتيه المبعوثة الأممية الجديدة لدى ليبيا (الأمم المتحدة)

تعيين مبعوثة أممية جديدة لدى ليبيا بعد شغور طويل

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، الجمعة، تعيين الغانيّة هانا سيروا تيتيه مبعوثة للمنظمة الدولية لدى ليبيا، خلفاً للسنغالي عبد الله باتيلي الذي استقال في أبريل.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا عائشة القذافي (وكالة الأنباء الليبية)

عائشة القذافي تناشد الرئيس اللبناني الإفراج عن شقيقها هانيبال

قالت عائشة معمر القذافي: «أعوِّل على الرئيس اللبناني وحكومة بلده وكل قواها الحية بالدفع باتجاه تطبيق العدالة والاستماع إلى لغة العقل، للإفراج عن أخي».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحداد في أنقرة (رئاسة أركان حكومة «الوحدة»)

ليبيا: سلطات «الوحدة» تحتوي توتراً أمنياً غرب طرابلس

بعد ليلة من الاستنفار الأمني المسلَّح، تمكنت السلطات في غرب ليبيا من احتواء الوضع بمحيط «قرية المغرب العربي»، المعروفة بـ«الريقاتة» بغرب طرابلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سخط عارم في الجزائر ضد البرلمان الأوروبي بسبب «قضية صنصال»

الرئيس تبون مع قائد حزب «المستقبل» المؤيد لسياساته (الرئاسة)
الرئيس تبون مع قائد حزب «المستقبل» المؤيد لسياساته (الرئاسة)
TT

سخط عارم في الجزائر ضد البرلمان الأوروبي بسبب «قضية صنصال»

الرئيس تبون مع قائد حزب «المستقبل» المؤيد لسياساته (الرئاسة)
الرئيس تبون مع قائد حزب «المستقبل» المؤيد لسياساته (الرئاسة)

حملت أحزاب جزائرية تملك تمثيلاً في الحكومة والبرلمان بشدة، على لائحة أصدرها البرلمان الأوروبي الخميس الماضي، تدين سجن الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، و«قمع الناشطين المعارضين والحريات في الجزائر».

وتوالت أمس (الجمعة)، واليوم (السبت)، بيانات الشجب والاستنكار من طرف أهم الأحزاب ضد الموقف، الذي اتخذه البرلمان الأوروبي من «المسألة الحقوقية في الجزائر»، خصوصاً القضية المثيرة المتعلقة بسجن الروائي الفرنكفوني صنصال، التي تشكل أحد أوجه التوترات التي تمر بها العلاقات الجزائرية - الفرنسية، والتي لامست القطيعة.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وقال حزب «جبهة التحرير الوطني»، القوة الأولى في البرلمان، إن قرار لائحة هيئة التشريع الأوروبية «يمثل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للجزائر، وانتهاكاً لسيادتها واستقلالية القضاء»، مؤكداً أن القضاء الجزائري «هو الجهة الوحيدة المخولة بالنظر في قضايا المواطنين الجزائريين، ولا يحق لأي جهة أجنبية كانت، سواء منظمات حكومية أم غير حكومية، التدخل في شأن داخلي محض»، في إشارة إلى مطلب الإفراج عن بوعلام صنصال، صاحب روايات لاقت شهرة واسعة، مثل «أرض النساء» و«واحة الغروب»، و«الرهينة».

البرلمان الأوروبي طالب الجزائر بوقف متابعة الناشطين المعارضين والإفراج عن المعتقلين (البرلمان الأوروبي)

ومما جاء في اللائحة أنه تم استجواب صنصال «دون حضور محاميه، مما يشكل انتهاكاً واضحاً لحقه في محاكمة عادلة». كما ذكرت أن السلطات وجهت إليه لاحقاً تهمة «المس بأمن الدولة»، بناء على «المادة 87 مكرر» من قانون العقوبات، مبرزة أنه نص «يُستخدم كثيراً لاستهداف منتقدي الحكومة، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان».

وبنت النيابة اتهامها لصنصال على تصريحات صحافية له، عدّ فيها أن «أجزاء من الغرب الجزائري تابعة لتراب المغرب»، وأن الاستعمار الفرنسي اجتزأها خلال استعماره شمال أفريقيا في القرنين الـ19 والـ20. وأثار هذا الموقف استياء بالغاً في الجزائر، خصوصاً أنه أدلى به لمنصة «فرونتيير» الإخبارية الفرنسية، المقربة من أوساط اليمين المتطرف، شديد الخصومة للجزائر.

الصحافي السجين عبد الوكيل بلام (متداولة)

يشار إلى أن اللائحة البرلمانية طالبت بوقف متابعة الناشطين المعارضين، والإفراج عن المعتقلين، ومنهم الصحافي عبد الوكيل بلام.

من جهته، لفت «التجمع الوطني الديمقراطي»، المؤيد لسياسات الرئيس عبد المجيد تبون، إلى «التناقض الصارخ في مواقف البرلمان الأوروبي، فقد ظل صامتاً لأكثر من سنة أمام مجازر الكيان الصهيوني في غزة، رغم تظاهر ملايين المواطنين الأوروبيين كل أسبوع للتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب في غزة»، مشدداً على أن اللائحة «تندرج ضمن توجه مسيس واضح». كما أكد أن «من يقف وراءها نواب فرنسيون»، في إشارة ضمناً إلى وجود صلة، حسب الحزب، بين الأزمة التي تواجهها العلاقات الجزائرية - الفرنسية، ولائحة البرلمان الأوروبي، التي حركها النائب جوردان بارديلا، رئيس «التجمع الوطني» اليميني الفرنسي المتطرف.

أمين عام «التجمع الوطني» الذي يعد من أبرز مؤيدي الرئيس تبون (إعلام الحزب)

ودانت «حركة البناء الوطني»، التي تدعم بقوة الرئيس وحكومته، «تدخلاً غير مقبول في شأننا الداخلي، ومحاولة جديدة يائسة للضغط على مؤسسات الدولة الجزائرية، وتجاوز سيادتها واستقلال قراراتها القضائية والسياسية والاقتصادية»، موضحة أن «الصياغة التي جاءت عليها اللائحة متشابهة مع لغة لوبيات التطرف اليميني الفرنسي، المعروفة بعدائها التاريخي للجزائر، والتي تهدف إلى تشويه صورة الجزائر الجديدة، التي تخوض اليوم مساراً من الإصلاحات داخلياً».

يشار إلى أن «الجزائر الجديدة»، شعار يرفعه الرئيس وموالون له، على أساس أن هناك اختلافاً مع فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019).

رئيس حزب «البناء» (إعلام الحزب)

أما «جبهة المستقبل» فقالت إن الجزائر «لن تسمح تحت أي ظرف كان بعودة أشكال الوصاية، أو التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية»، موضحة أن موقف البرلمان الأوروبي من الحريات في الجزائر، «يكشف عن ازدواجية واضحة في المعايير لدى بعض الأطراف الخارجية، حيث يتم استغلال مفاهيم حقوق الإنسان لتمرير أجندات سياسية، بعيداً عن أي احترام لقواعد العلاقات الدولية».