تتجه ليبيا لتفعيل قرار يقضي بوقف تبادل النفط الخام مقابل المحروقات المستوردة؛ سعياً لتقليل الهدر في الدعم، والحد من ظاهرة تهريب الوقود إلى خارج البلاد.
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا قد أعلنت وقف العمل بآلية مقايضة النفط الخام بالوقود، اعتباراً من مارس (آذار) المقبل، بناء على قرار النائب العام وديوان المحاسبة، داعية إلى توفير الميزانيات المخصصة للمحروقات من قبل وزارة المالية والمصرف المركزي؛ لتفادي عودة ظاهرة الازدحام، أو تأثر محطات الكهرباء.
ورغم ما أُثير من جدل حول آلية المبادلة، التي كان معمولاً بها خلال السنوات القليلة الماضية، تساءل بعض الليبيين بشأن دوافع وتوقيت اتخاذ هذا القرار، ومدى تداعياته على ملفات مهمة ترتبط به، من بينها قدرته على مكافحة تهريب الوقود.
بداية يرى عضو «لجنة الطاقة» بمجلس النواب الليبي، ميلود الأسود، أن وقف آلية المبادلة «من شأنه المساهمة في تقليل حجم ما يتم تهريبه من وقود إلى خارج البلاد؛ وإن كان لا يقضي على الظاهرة بشكل كامل».
وقال الأسود لـ«الشرق الأوسط» إن تهريب الوقود «قد يتناقص بدرجة ما مع ضبط الكميات، التي يتم استيرادها بناء على تقديرات صحيحة لاحتياجات السوق، بحيث لا يتوفر فائض كبير لتهريبه»، لافتاً إلى أن الأزمة «ستظل قائمةً عبر لجوء مافيا السوق السوداء إلى تهريب أي كمية، وخلال عملية التوزيع الداخلي ما بين المخازن ومحطات التعبئة، وهو ما يعني استمرار معاناة الليبيين».
وخلال السنوات الماضية واجهت آلية مبادلة النفط الخام بالوقود كثيراً من الانتقادات؛ بسبب غياب الرقابة الدقيقة على التنفيذ. وقد أكد تقرير ديوان المحاسبة الأخير أن «نحو ثلثي إنتاج النفط الخام تتم مبادلته خارجياً بالوقود، ولا يباع بالدولار».
وبلغت تكلفة المبادلة التي لا يتم إثباتها في سجلات وزارة المالية أكثر من 41 مليار دينار (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)؛ مما أدى لتراجع إيرادات البلاد.
من جهته، عدّ عضو المجلس الأعلى للدولة، سعيد محمد ونيس، أن وقف آلية المبادلة «خطوة رئيسية للتضييق على عملية تهريب الوقود». وتوقَّع ونيس، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تلجأ مافيا السوق السوداء وأطراف عدة، ممن كانوا يستفيدون من قرار المبادلة لإثاره أزمات مع بداية تنفيذ القرار في مارس المقبل، من خلال إعادة ظاهرة الطوابير الطويلة أمام المحطات».
ودعا ونيس إلى ضرورة «استكمال بقية الإجراءات، التي تسهم في الحد من التهريب، وذلك بضبط ومراقبة الحدود، والاستعانة بنظم وبرامج مراقبة حديثة لعملية التوزيع الداخلي للوقود؛ وأيضاً رفع الدعم عنه بوصف ذلك سبيلاً أساسياً لتعافي الاقتصاد»، عادّاً أنه في حال رفع الدعم «فلن يكون هناك فارق في الأسعار يشجع على تهريب المحروقات إلى خارج ليبيا، ومن ثم يصل الدعم للمواطن».
وكان رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، قد لوَّح نهاية عام 2023 برفع الدعم عن المحروقات، وأرجع ارتفاع التكلفة إلى «وجود عمليات تهريب كبيرة»، كما وافقت حكومة «الاستقرار»، برئاسة أسامة حماد، نهاية العام الماضي، على اقتراح أيضاً بهذا الصدد. وقد بدأت حكومة «الوحدة» منذ مطلع العام الحالي تشن عملية عسكرية على مواقع تهريب الوقود بمدينة الزاوية (غرب).
بدوره، دعا الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، إلى ضرورة «عدم المبالغة في التفاؤل بتراجع معدل التهريب مع بدء تطبيق قرار وقف المبادلة». وقال إن ليبيا لن تستعيد ما تخسره من مليارات في تهريب الوقود بسهولة.
وشدَّد حرشاوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أهمية «موافقة القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها على قرار إيقاف نظام المبادلة لضمان تفعيله». وقال بهذا للخصوص: «حال التطبيق سيتوَّجب على المصرف المركزي الالتزام بتوفير الأموال المخصصة بالعملة الصعبة (لشركة البريقة لتسويق النفط) من أجل شراء كمية محددة من الوقود كل سنة؛ وهذه الكمية بحاجة إلى تحديد».
وفيما يتوقع أن «تصل فاتورة استيراد المحروقات ما بين 7 و8 مليارات دولار سنوياً»، يرجح حرشاوي استمرار بعض أنشطة التهريب؛ لأن «الاستهلاك الحقيقي للوقود في ليبيا أقل بكثير من تلك الأرقام».
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط قد أخلت مسؤوليتها عن «عودة ظاهرة الازدحام، أو أي انقطاعات في محطات الكهرباء، وغيرها من المرافق الحيوية لنفاد الأرصدة، بسبب تعثر أو تعطل الدفع».
وبهذا الخصوص يعلّق حرشاوي قائلاً: «بالطبع من الممكن أن تحصل شركة البريقة لتسويق النفط على ميزانية معينة تستخدمها لاستيراد الوقود، وتنتهي بنقص في الوقود؛ بسبب استمرار أنشطة تهريب الوقود. في هذه الحالة لا نعلم ماذا ستفعل المؤسسة الوطنية للنفط».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة» المؤقتة، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية، ويؤكد مراقبون أن هذا الانقسام يأتي في مقدمة أسباب ضعف الرقابة ومكافحة تهريب الوقود.